دول المغرب العربي

التعديل الوزاري في حكومة المشيشى.. السياق والدلالات

لم تمض فترة كبيرة على حكومة هشام المشيشى في تونس والتي منحت الثقة في سبتمبر 2020، حتى قرر إجراء “تحوير وزاري” في حكومته بعد إقالة عدد من الوزراء، وإجراء تعديلات على بعض الوزرات الأخرى، فلماذا تم هذا التعديل الوزاري؟

التعديل الوزاري

قد سبق التعديل الوزاري المقترح في 16 يناير 2021 إقالة عدد من الوزراء في حكومة المشيشى، ويأتي على رأسهم كل من وزير الداخلية توفيق شرف الدين نظرًا لقيامه بتعديلات داخل المؤسسة الأمنية طالت عددًا من القيادات دون أخذ رأى رئيس الحكومة هشام المشيشى، أيضا ووزير الثقافة وليد الزيدى نظرًا لرفضه بعض الأنشطة الفنية في إطار الخطة الحكومية لمواجهة تفشى فيروس كورونا، إضافة إلى إعفاء وزير البيئة والشؤون المحلية مصطفى العروي من مهامه وذلك نتيجة تحقيق قضائي بشأن استيراد نحو 280 حاوية نفايات من إيطاليا لا تلائم المعايير البيئية.

وربما ترجع هذه الإقالة إلى التوتر غير المعلن بين رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس الجمهورية قيس سعيد، والرغبة في إقالة من هو محسوب على الرئيس قيس سعيد من الوزراء، والحد من سلطات الرئيس قيس سعيد وعدم استحواذه على سلطات أكبر من المحددة له في الدستور، وبذلك يمثل تعديل المشيشى انحرافًا عن الرؤية التي وضعها قيس سعيد للمشيشى ورغبة سعيد في تشكيل حكومة كفاءات مستقلة دون تدخل من الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية في تونس.

وفقا للمادة 92 من الدستور التونسي يختص رئيس الحكومة بإحداث وتعديل وحذف وزارات وكتابات الدولة، وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة رئيس الوزراء، وإقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة أو البت في استقالته وذلك بالتشاور مع رئيس الجمهورية، إذا تعلق الأمر بوزير الخارجية أو وزير الدفاع.

وقام رئيس الحكومة هشام المشيشى بإجراء تعديل شمل 11 وزارة حيث تتشكل الحكومة من 26 حقيبة وزارية وجاء ضمن التعديلات الجديدة وزير العدل يوسف الزواغي، وزير الداخلية وليد الذهبي، وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية عبد اللطيف الميساوي، وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة رضا بن مصباح، وزير الطاقة والمناجم سفيان بن تونس، وزير الشؤون المحلية والبيئية شهاب بن أحمد، وزير التكوين المهني والتشغيل والاقتصاد الاجتماعي والتضامني يوسف فنيرة، وزير الشباب والرياضة زكرياء بلخوجة، وزير الفلاحة والموارد المائية أسامة الخريجي، وزير الثقافة يوسف بن إبراهيم، وزير الصحة الهادي خيري.

سياق التعديل

يأتي التعديل الوزاري في إطار عدد من التحديات المستمرة التي تشهدها تونس من حيث ارتفاع للبطالة بنسبة 16.2%، وتجاوز الدين العام إلى 80 مليار دينار تونسي، وهو ما يمثل حوالي 70% من الناتج المحلى الإجمالي، إضافة إلى تراجع إنتاج النفط والفوسفات نتيجة بعض الاضطرابات، وضعف الرعاية الصحية.

 وكان للمشيشى فور توليه خطة للعمل فيما يتعلق بإصلاح القطاع العام، واستعادة الاستثمار وتعزيز الثقة وحماية الفئات المهمشة، وحماية القوة الشرائية. لكن خلال فترة الـ 5 أشهر منذ توليه رئاسة الحكومة، لم يتم تحقيق إنجاز يذكر لمواجهة هذه التحديات، لذا يبرر التعديل الجديد رغبة في تصحيح مسار الحكومة ومواجهة التحديات القائمة.

لكن التعديل الوزاري الجديد يأتي في إطار عدد من التوترات دخل البرلمان حيث أعلن رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف أنه لن يصوت على أي تعديل وزاري قائلا “نحن الآن في حل من أي توافق ولن نصوت على التدابير الاستثنائية خلال جلسة يوم الثلاثاء ولن نصوت على أي تحوير وزاري وهذه لحظة فارقة في علاقتنا معه”، وذلك في إطار خلافه مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي انتقد في بيان له العنف الذى قام به نواب ائتلاف الكرامة ضد نواب الكتلة الديمقراطية في جلسة البرلمان7 ديسمبر2020 حيث شهدت معركة دامية بين الكتلتين وتعرض النائب عن كتلة الديمقراطية أنور بالشاهد للضرب بواسطة قارورة ما تسبب في جرحه كما تعرضت ساميه عبو للإغماء في واقعة هي الأولى في تاريخ البرلمان التونسي نتيجة تصريحات مسيئة للسيدات من أحد نواب ائتلاف الكرامة وهو محمد العفاس.

من ناحية أخرى جاء ترحيب قلب تونس من خلال كلمات رئيس كتلة قلب تونس أسامة الخليفى والذي عبر عن مباركة هذا التعديل الوزاري ورؤيته بأن التعديل ضمانة لصلاحية رئيس الحكومة ليصبح رئيسًا بكامل صلاحياته من خلال العمل مع فريق متجانس يضمن استقرار المؤسسات والدولة، وأنه لا يوجد اعتراض على أي من الأسماء الجديدة، وهو ما يؤكد أن التعديل هو إرضاء لرغبات الكتل النيابية وعلى رأسها النهضة وقلب تونس.

ملاحظات أساسية

  • تعكس الخلفيات التي أتى منها بعض الوزراء الجدد التخصص العلمي لكل منهما في مجاله حيث حصل وزير الصحة الهادي خيري على الشهادة الدولية في الطب سنة 1983، وتخرج وزير الصناعة رضا بن مصباح من المدرسة العليا للمناجم بباريس سنة 1979، ويعد أسامة الخريجي وزير الفلاحة والموارد المائية مهندسًا مختصًا في التحسين الوراثي للنبات من المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس، بينما حصل يوسف الزواغى وزير العدل على الأستاذية في القانون الخاص عام 1995، وشغل منصب مدير عام الديوانة التونسية، وقاضى درجة ثالثة.
  • بينما لا تعكس التخصصات التي أتى منها البعض الآخر الخلفية التي تلائم الحقيبة التي سوف يشغلها ومنهم وليد الذهبي وهو وزير الداخلية وحاصل على الإجازة من المعهد الأعلى للتصرف بتونس، وشهادة المرحلة العليا من المدرسة الوطنية للإدارة، وشهاب بن أحمد وزير الشؤون المحلية والبيئة وهو حاصل على دكتوراه في الهندسة الكهربائية من المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس وجامعة مونموث، وفيما يخص وزير الشباب والرياضة زكرياء بالخوجة وهو خريج المدرسة التونسية للتقنيات وشغل منصب مستشار لدى رئيس الحكومة وكان مكلف بالتحديث والابتكار الاقتصادي منذ أكتوبر 2020.
  • يأتي هذا التعديل في توقيت بالغ التعقيد لاسيما بعد مرور 10 سنوات على الثورة التونسية ثورة الياسمين “ثورة الحرية والكرامة”، وتصاعد الأزمات في تونس سواء على المستوى الاقتصادي أو الصحي أو الاجتماعي، بالإضافة إلى عدم الاستقرار الحكومي في أوقات كثيرة.
  • تعد التعديلات الوزارية استجابة لوعود سابقه قطعها المشيشى على نفسه ورغبة في إرضاء بعض الكتل النيابية التي منحته الثقة في سبتمبر 2020، فضلًا عن أن إقالة الوزراء المحسوبين على الرئيس قيس سعيد قد يخلق أزمة بين رئيسي السلطة التنفيذية الرئيس قيس سعيد، ورئيس الحكومة هشام المشيشى الفترة القادمة.
  • أن الفترة المقبلة سوف تحدد ما إذا كان ذلك التعديل هو خطوة نحو تصحيح مسار الحكومة في تونس وخطواتها واستجابة للتحديات التي تواجهها الدولة أم أنه خطورة نحو تقاسم النفوذ ما بين رئيس الحكومة والكتل المؤيدة له وبين رئيس الجمهورية قيس سعيد، وفى الحالة الثانية قد يفاقم ذلك التعديل من الصراع والخلاف.

في الختام؛ يمكن القول أن التعديل الوزاري قد يثبت صدق نواياه من خلال المواجهة الفعلية والحقيقية للأزمات التي تشهدها الدولة التونسية في الفترة القادمة، وإن لم يكن ذلك سوف يكون التعديل بداية لصراع سيستمر لفترة طويلة ويكون له تداعيات وخيمه سواء على المستوى السياسي أو المستوى الشعبي الذى انتفض نتيجة لسوء إدارة الحكومات والأنظمة السابقة.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى