
غنائم ما بعد حرب إقليم “ناجورنو قره باغ”.. من الرابح الأكبر؟
لم يأت ظهور وباء “كورونا”، وتفشيه المتسارع عبر كافة أنحاء العالم، باعتباره الكارثة الوحيدة التي عرفها العالم عام 2020 الذي وصفه كثيرون بأنه يحمل طابع الموت. إذ أن كوارث أخرى مميتة، ظهرت في العام نفسه، حاملة معها مظاهر الدمار وأشكال الموت الدموي كذلك.
وتأتي الحرب التي اندلعت بالقوقاز، على إقليم “ناجورنو قره باغ” على رأس هذه الأحداث. وفي سبتمبر 2020، تجدد الصراع الدموي بين أذربيجان وأرمينيا، وعلى الفور سارعت جميع دول العالم للدعوة إلى وقف الحرب واللجوء للحلول السلمية حتى الدول التي لطالما اشتهرت بميولها العدوانية على الساحة الدولية –إيران- دعت هي الأخرى بدورها الطرفين إلى التهدئة وتجنب الحرب.
لكن كانت هناك دولة واحدة فقط هي من انفردت بتغذية الصراع، وهذه الدولة هي تركيا التي عززت من موقف حليفها الأذري من خلال ارسال الأسلحة وشحن المرتزقة السوريين الذين يعملون تحت إمرتها إلى هناك. وبعد مرور أسابيع من المعارك، نتج عنها أن فقد مئات حياتهم وتم تشريد عائلات بأسرها.
فرضت روسيا كلمتها على ملف الحرب، من خلال الاتفاق الذي تم إبرامه نوفمبر الماضي بين الأطراف المتحاربة، بعد محاولتين فاشلتين لوقف إطلاق النار بعد أن توجت المساعي الروسية، في الهدنة التي تدخل فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيًا، وفرضها بنفسه على الحكومتين الأرمنية والأذرية.
وبموجب الاتفاق، تخلت أرمينيا عن محافظات أخرى هي كلبجار وأغدام ولاتشين. بحيث نص الاتفاق، الموقّع بين الجانبين في العاشر من الشهر الحالي، على أن تلتزم أرمينيا بتسليم أذربيجان مناطق كالبادجار ولاتشين وأغمادسكي، وتبقي لنفسها حق استخدام ممر لاتشين الذي سيكون تحت مراقبة القوات الروسية، التي ستنتشر بدورها على امتداد خطوط التماس في “قره باغ” والممر الواصل بين أراضي أرمينيا والإقليم. فيما رفضت موسكو بشدة طلب تركيا بإدخال قوات حفظ سلام تابعة لها، وأصرت على أن تكون مشاركتها عبر مركز المراقبة المشترك بينهما فقط.
ما تقوله الجغرافيا عن أهمية إقليم “ناجورنو قره باغ”
يقع الإقليم في قلب الأراضي الأذربيجانية وعاصمته “سيتباناكيرت” نسبة للزعيم الأرميني البلشفي “ستيبان شوماهان”. تبلغ مساحة الإقليم 4,800 كم2 ويبعد عن باكو عاصمة أذربيجان حوالي 270 كم غرباً. يغلب على الإقليم الطبيعة الجبلية كما توجد بعض الأنهار التي يستخدم ماؤها في إنتاج الكهرباء و الري. ويمتلئ الإقليم بالآثار الطبيعية والنباتات النادرة، كما تعد الغابات التي تنتشر به موطنا للعديد من الحيوانات.
ويعد إقليم “ناجورنو قره باغ”، من الأقاليم الغنية بالموارد الطبيعية. إذ أنه يحتوي على معادن غير حديدية، وذهب، وزئبق، وكروم، وبيرلايت، وجير، ورخام، والنحاس، والزنك. كما تنتشر به موارد المياه الجوفية والسطحية على حد سواء.
ووفقًا لبيانات نشرتها وزارة الموارد الطبيعية والبيئة في أذربيجان في 2009- والتي لم ينفها الجانب الأرمني- أن أكثر من 30 شركة أرمنية كانت تستخرج الذهب والموارد الأخرى في الإقليم. وفي عام 2001، بدأت شركة “إف.دي.إم “التعدينية في عملها بالإقليم واستخرجت أكثر من 16 طنًا من الذهب منذ ذلك الحين. وفي عام 2008 وحده، تم استخراج أكثر من 4 أطنان من الذهب.
وعدا كل ما سبق ذكره من معادن يحتوي عليها الإقليم موضع النزاع، من الممكن أن نقول إن وجود الذهب يُغير وجه المعادلة، أو بمعنى آخر، إنه لا يغيرها فحسب ولكنه يضفي عليها أيضًا بعدا آخر ممتدا قد يشير إلى امتداد النزاع إلى فصل آخر وأخير يمكن من خلاله للبلدان –سواء بالشكل السلمي أو غير سلمي- أن تتوصلان إلى حل حاسم حول هوية الذهب الموجود في الإقليم. إذ أنه ومنذ انتهاء حرب كارباخ الثانية، تحاول أرمينيا وأذربيجان تقسيم منجم ذهب يقع في قرية سوتك في أرمينيا. خاصة وأن الهدنة الثلاثية التي تم توقيعها مؤخرًا بشأن كاراباخ لم تحل كل النقاط المتنازع عليها، وأصبحت مناجم الذهب بالقرب من قرية سوتك في أرمينيا منطقة متنازع عليها. بحيث يقف نصف الحقل على أراضي أرمينيا، والآخر على أراضي كارالباجار، أي أن الحدود الموقعة محدثًا تمر عبر المنجم.
غنائم ما بعد الحرب.. من هو الرابح الأكبر؟!
بحكم الطبيعة الجغرافية للإقليم المشتعل، انشغلت أطراف دولية عدة بالنزاع، وبناء عليه حققت تلك الأطراف منافع مختلفة من خلفه. وبالنسبة لتركيا، عززت نتائج الصراع موقع تركيا في جنوب القوقاز وتأثيرها على أذربيجان. ويُعد واحدا من ضمن إحدى المزايا الرئيسية، التي تحصل عليها تركيا نتيجة النزاع هي روابط النقل البري المباشرة مع أذربيجان على طول الممر عبر أرمينيا وناختشيفان. إذ أنه من المرجح أن تستغل تركيا في ظل ما وصل إليه اقتصادها وجودها في جنوب القوقاز لتطوير روابط جديدة مع جورجيا.
لكن من ناحية أخرى، هناك موسكو، التي قطعت الطريق على أنقرة من خلال تمسكها بوضع قوات حفظ سلام روسية في المنطقة والحيلولة دون وجود مثيل لها من الجانب التركي. وهو ما يعكس وجهة نظر موسكو، التي تعتقد أن الوجود العسكري التركي في أذربيجان يعادل الوجود العسكري لحلف شمال الأطلسي في ساحتها الخلفية. علاوة على ذلك، من الممكن تفسير صمت الغرب عن الصراع بأنه بمثابة تشجيع ضمني للطموحات التركية، التي تتوافق مع توجهات واستراتيجيات الغرب نحو زعزعة الاستقرار في مناطق النفوذ الروسي. وبهذه الطريقة، نرى بوضوح كيف تمكنت موسكو من تحويل التحديات الجديدة لهيمنتها الإقليمية إلى تواجد عسكري أقوى لنفسها في إقليم كاراباخ، مما حد بدوره من نفوذ تركيا.
يوجد هناك طرف آخر كان يبدو بعيد عن الأزمة، ولكنه مع ذلك حقق مكاسب خاصة به من وراء اندلاعها. الطرف المقصود بالحديث هنا، هو طرف ذو وجه أوروبي أصيل.
وجاء ذلك، بعد أن فازت شركة النفط الأذربيجانية “سوكار”، بمناقصة لتوريد النفط، الذي تنتجه شركة إيني تركماستان –فرع شركة إيني الإيطالية في تركماستان- مما سيترتب عليه تسليم كميات تتراوح ما بين 30 إلى 40 مليون طن شهريًا عبر خط أنابيب النفط “باكو-تبيليسي-جيهان”. في خطوة ستصب في مرحلتها الختامية في مصلحة شركة “بريتيش.بتروليوم” البريطانية.
باحث أول بالمرصد المصري