
مركز بحثي :”إسرائيل بحاجة إلى استراتيجية خاصة في القوقاز”
عرض – داليا يسري
نشر مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية الإسرائيلي، ورقة بحثية تحت عنوان “إسرائيل بحاجة إلى استراتيجية خاصة في القوقاز“، لكاتبها الباحث “ديميتري شوفوتينسكي”، استهل الكاتب ورقته بأن أشار إلى أن إسرائيل بحاجة لأن تحافظ على علاقاتها العميقة مع أذربيجان، لكنه لفت أن الشعب الإسرائيلي لديه في الوقت نفسه روابط مشتركة مع الأرمن. وأوصى الكاتب تل أبيب بأنه ينبغي عليها أن تسعى للعب دور أكبر في المنطقة لأجل التوسط في السلام ومنع إيران وتركيا من الحصول على موطئ قدم في المنطقة.
ولفت الكاتب إلى أن الاشتباكات الأخيرة حول منطقة “ناجورنو كاراباخ” المتنازع عليها في جنوب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، كانت قد هددت باندلاع حرب جديدة بين أرمينيا وأذربيجان.
وأشار إلى أن هذا النزاع شأنه شأن العديد من النزاعات الإقليمية في إفريقيا والشرق الأوسط، بحيث أنه بدأ شراراته الأولى بفعل خلافات على ترسيم الحدود وبقايا وعود كاذبة من قبل الإمبراطورية السوفيتية، التي نتجت بفعل تكتيكات جوزيف ستالين القائمة على مبدأ “فَرَق تَسُد”.
وذكر الباحث، أن روسيا تدعم يريفيان في المجال العسكري بشكل كبير. بينما تدعم إيران يريفيان أيضًا ولكن بدرجة أقل من روسيا. والدعم الإيراني للأرمن يقف ورائه ثلاثة أسباب رئيسية؛ مخاوف إيرانية من التوجهات الانفصالية الداخلية الأذرية، وبسبب وجود جالية كبيرة من الأرمن في إيران، والنفوذ التركي الممتد في القوقاز. في نفس الوقت، الذي تسعى فيه تركيا إلى زيادة نفوذها في باكو، ضد عدوها التاريخي المتمثل في الأرمن. وفي طريقها الى ذلك، سوف تحقق تركيا هدفها بوضع عناصر من الجهاديين السنة على حدود اعدائها الروس والإيرانيون.
وفي ضوء كل ما سبق، يقول الباحث إن هذه الأوضاع لا تبشر بالخير بالنسبة لإسرائيل وتضع الدولة اليهودية أمام تحدي صعب.
وتابع قائلا :” إن اليهود والأرمن تجمع بينهما تجارب قديمة متقاربة، وأن علاقاتهما تم بناؤها على هذا الأساس، لكن مع ذلك تظل علاقات إسرائيل بباكو هامة للغاية لأجل الحفاظ على أمن تل أبيب. وبناء عليه، يرى الباحث أن استراتيجية إسرائيلية جديدة إزاء التعامل مع منطقة القوقاز يجب أن يتم وضعها أمام إسرائيل حتى تقوم بتنفيذها خلال الفترة المتبقية من القرن الحادي والعشرين.
ويشير الباحث إلى أنه توجد هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الشعبين اليهودي والأرمني، وأن كلاهما تعرضان لاعتداءات إبادة جماعية خلال القرن العشرين بسبب أعراقهم ومعتقداتهم. ويشرح أنه في عام 1915، أثناء بلوغ الحرب العالمية الأولى ذروتها، تعرض المسيحيين الأرمن للذبح جنبًا إلى جنب مع أتباعهم من الآشوريين واليونانيبن في عملية إبادة جماعية شنتها الإمبراطورية العثمانية التركية.
وبالمثل، خلال الحرب العالمية الثانية، كان اليهود قد أصبحوا ضحايا الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ألمانيا النازية. ومن المعروف أن برلين كانت تربطها علاقات تاريخية وثيقة بأنقرة، والأكثر من ذلك أن الهولوكوست كان مستوحى من الإبادة الجماعية التي ارتكبها العثمانيون قبل بدء الهولوكوست. بالإضافة الى ما يجمعهم من تاريخ مشترك فيما يتعلق بالإبادة الجماعية والاضطهاد، لطالما برع اليهود والأرمن في ممارسة نفس الحرف تقريبًا، والتي غالبًا ما كانت تقتصر على التجارة وما يرتبط بها من مهن.
ويرى الباحث أن التاريخ –بكل أسف- منع البلدان مما كان من المفترض أن يكون تحالف طبيعي بينهما. إذ أن أرمينيا معزولة بشكل تلقائي عن معظم بلدان المنطقة، كما أنها تعتمد بشكل كبير في تجاراتها وبقائها الاقتصادي على روسيا وإيران، وهما دولتان كلاهما بالكاد يمكن تصنيفها كدولة صديقة لإسرائيل. وبالمثل، عكفت إسرائيل بفعل “الصراع العربي الإسرائيلي” الممتد، على إنشاء تحالف تاريخي مع تركيا والتي تمثل عدو يريفيان اللدود، واضطرت لأن ترفض الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن.
ويشير الباحث، إلى أن علاقات يريفيان مع إيران، وعلاقات تل أبيب مع تركيا، خلقت حاجزا من عدم الثقة بين العاصمتين. بحيث صوتت أرمينيا باستمرار لصالح الفلسطينيين في الأمم المتحدة، ودعم العديد من الأرمن قاطني الدول العربية المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل على الرغم من أن إسرائيل كانت هي موطن للسكان الأرمن.
وفيما يتعلق بأذربيجان، فإنه من الجدير بالذكر، أن اليهود منذ التاريخ قد واجهوا معدلات اقل من معاداة السامية هناك بالمقارنة مع مثيلتها لدى الشرق الأوسط والاتحاد السوفيتي السابق. ويوجد في إسرائيل عدد كبير من السكان اليهود الأذريين، على الرغم من أن أذربيجان نفسها تعد دولة محكومة بديكتاتورية إسلامية شيعية، إلا أنها مع ذلك دولة علمانية للغاية ومستقلة تمامًا عن قرارات السياسة الخارجية التركية، على الرغم مما يجمعها بتركيا من روابط أخوية. وعلى الرغم أيضًا من ضلوعها بشراء كميات هائلة من الأسلحة المتطورة من إسرائيل، التي تتلقى بدورها معظم النفط الأذربيجاني القادم من بحر قزوين.
ويلفت الكاتب النظر إلى أن أذربيجان شأنها كشأن إسرائيل، إذ أن كلاهما يعتبران إيران منافسًا جيو استراتيجيًا لهما. ووفقًا لتقارير، فإن أذربيجان وافقت على السماح لإسرائيل باستخدام أراضيها لأجل تنفيذ عمليات استخباراتية وصلت إلى حد توجيه ضربات جوية ضد إيران. إذ أن باكو لديها مخاوف من مخططات طهران التوسعية، وإقدامها على إساءة معاملة الأقلية الأذرية، وتقديمها الدعم لأرمينيا، واحتلالها التاريخي للأراضي الأذرية. وكل هذه أسباب مثالية لتوقيع علاقات وثيقة بين باكو وتل أبيب، إلى الدرجة التي قد تبلغ بالديكتاتور الذي يحكم أذربيجان وهو إلهام علييف، أن يقوم في الكثير من الأحيان، بالإشادة بدور الجالية اليهودية وإسهامها في تاريخ أذربيجان. ولكن في غضون ذلك، لا تتورع أذربيجان عن التصويت لصالح الفلسطينيين في الأمم المتحدة، إذ أنها تفعل ذلك بغرض الحفاظ على حسن العلاقات مع الدول الإسلامية الأخرى التي قد تشعر بعدم الارتياح لتحالفها مع إسرائيل.
إن كثرة الحقائق المتغيرة في المنطقة، تستلزم معها وقوع تغيرات كبيرة في استراتيجية إسرائيل لأجل الحفاظ على العلاقات مع أذربيجان وتوسعاتها مع أرمينيا. ومن المهم أن تتبنى تل أبيب سياسة أكثر توازنًا في المنطقة، بمعنى أن تتبنى سياسة تقوم بتنمية علاقات صداقة أكثر عمقًا مع أرمينيا في ظل الحرص على عدم التخلي عن تحالفها مع باكو.
ومن الجدير بالذكر، الاعتراف بأن تركيا تحولت من صديق إلى منافس جيوسياسي شديد الخطورة على إسرائيل. وذلك نظرًا لإقدام تركيا على دعم حركة حماس بشكل علني، وإقدامها على سحق حلفاء إسرائيل من الأكراد، بالإضافة الى سعيها الدائم لأسلمة أذربيجان من خلال ارسال الجهاديين السوريين لمحاربة الأرمن نيابة عنها هناك. وبالإضافة الى كل ذلك، يجب ألا نغفل عن أن أنقرة قد تعدت على مصالح إسرائيل في غاز شرق البحر المتوسط. وبناءً عليه، يشدد الكاتب على أنه قد حان الوقت لأن تتخلى تل أبيب عن مخاوفها من الإساءة إلى أنقرة وأن تقوم بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن.
وهذه استراتيجية جديدة، يقول الكاتب، أنها قد تؤدي إلى عودة السفير الأرمني مرة أخرى إلى تل أبيب، والذي كان قد تم استدعاؤه في وقتٍ سابق بسبب مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى أذربيجان خلال جولة العنف الأخيرة التي شهدتها المنطقة. كما يرى الكاتب أن استبعاد العلاقات بين إسرائيل وتركيا أيضًا قد يترتب عليه تراجع متبادل في العلاقات بين يريفيان وطهران.
كما ينصح الكاتب، بأنه ينبغي على إسرائيل أن تتخذ قرارًا أخلاقيًا بشأن إنهاء مبيعاتها من الأسلحة إلى باكو. وخاصة في ظل معاهدات السلام التي ابرمتها إسرائيل مؤخرًا مع البحرين والإمارات العربية، والتي جعلتها في غنى عن الاعتماد على النفط الاذربيجاني بشكل منفرد كما كانت الأحوال في الماضي القريب. لذلك، سوف تواجه إسرائيل مخاطر أقل في حال رغبت بالتوقف عن بيع المزيد من الأسلحة إلى باكو.
هناك خيار آخر، يطرحه الباحث كذلك، وذلك الخيار هو بيع أسلحة لها بنفس الكميات وبنفس الجودة لأرمينيا من أجل تحقيق توازن في القوى بين البلدان. إذ أنه في حالة كان لدى كلا البلدين أسلحة متطورة بنفس القدر، فمن غير المرجح أن يكونا مستعدين للمخاطرة بحرب مدمرة قد تنتهي بدون منتصر واضح.
كما أن الباحث يرى أنه إذا انتهى الأمر بإسرائيل بالحفاظ على علاقات أفضل مع البلدين فمن الممكن أن تلعب إسرائيل دور صانع سلام بين الجانبين بطريقة من شأنها أن تقوم بالتخفيف من حدة النفوذ التركي والإيراني في المنطقة. كما يمكن لإسرائيل أيضًا أن تقوم بتمكين الحلفاء الغربيين، مثل فرنسا والولايات المتحدة، في المنطقة على حساب النفوذ الروسي.
ويوصي الباحث، بأنه لا ينبغي على تل أبيب أن تختلق الأعذار التي تسمح لها بالتخلي عن الأخلاق من أجل الأهداف الاستراتيجية. كما أنه لا يمكن أن يكون من الحكمة أن تتخذ إسرائيل الخيارات الأخلاقية على حساب أمنها. إذا من الأفضل أن يتم اتخاذ حل وسط من شأنه أن يُعزز نفوذ الدولة اليهودية. ويتطلب ذلك وجود علاقات جيدة مع كلاً من أرمينيا وأذربيجان وتطبيق سياسات أكثر عدالة تجاه المنطقة. فإما أن تقوم إسرائيل بتعليق مبيعات الأسلحة لأذربيجان، أو تقوم بتزويد أرمينيا كذلك بنفس الأسلحة من قبيل مبدأ تكافؤ الفرص. ومن المحتمل أن تؤدي خطوة مثل تلك، بإنهاء العنف وإعطاء البلدان فرصة لعقد مباحثات سلام. في غضون ذلك، ينبغ على إسرائيل الاعتراف بالتهديد التركي الحالي وإقامة علاقات أكثر عمقًا مع الشعب الأرمني، الذي يتشارك مع الشعب اليهودي في الكثير من التجارب المآساوية.
وفي ختام الورقة البحثية، يشير الباحث إلى أن حلفاء إسرائيل الحاليين في البحر المتوسط، مثل قبرص واليونان، لطالما كانوا أقرب إلى الفلسطينيين والدول العربية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى علاقات إسرائيل الوثيقة مع عدوهم التركي. لكن الأوضاع اليوم تغيرت بشدة، وبناءً عليه، فإنه إذا أرادت تل أبيب أن تواجه أنقرة، فهي الآن باتت بحاجة إلى وجود أكبر عدد ممكن من الحلفاء. كما أن إسرائيل إذا أرادت أن تتحول إلى مصباح يضئ للأمم، فإنه ينبغي عليها أن تضع لنفسها معايير محددة فيما يتعلق بالاعتراف بعمليات الإبادة الجماعية.
باحث أول بالمرصد المصري