
من هو “بلينكن” وزير الخارجية الأمريكي الجديد؟
اختار الرئيس الأمريكي المنتخب “جو بايدن” قبل 57 يوماً من تسلمه السلطة بالبيت الأبيض الخبير في الشؤون الخارجية ومساعده السابق خلال سنوات عمله نائبا للرئيس أوباما، انتوني بلينكن وزيرا للخارجية.
وتعد وزارة الخارجية “مهمة” في الولاية الأولى للرئيس “بايدن” الذي قال إنه سيعمل عكس سياسات “ترامب” الخارجية والعودة للساحة العالمية من خلال التحالفات، بينما يراهن “بايدن” على بلينكن ذي الخبرة الواسعة مع إدارتين مختلفتين بالبيت الأبيض لإتمام تلك المهمة.
وبفضل منصبه الرفيع الذي يؤثر على مسار مجريات الأمور بالعالم ترقب المراقبون معرفة اسم وزير الخارجية الأمريكي الجديد ،لذلك نستعرض أهم ما يجب معرفته حول الرجل الذي سيكون اسمه على رأس الدبلوماسية الأمريكية تحت إدارة جديدة.
النشأة

ولد أنتوني جون بلينكن في 16 أبريل 1962 لأبوين يهود في مدينة نيويورك ودرس في مدرسة ديلتون في حي منهاتن ثم انتقل في سن التاسعة للعيش في طفولته بباريس برفقة أمه بعد طلاقها من والده وزواجها بالأمريكي من أصول بولندية والناجي من الهولوكوست “صامويل بيصار”.
وكان لبيصار، الذي كتب مذكرات بعنوان ” الدم والأمل ” حول تجربته ونجاته من أيدي النازيين في معسكرات الهولوكوست، تأثير كبير على بلينكن في طفولته، حيث كان مقربا من الرؤساء الفرنسيين بفضل كونه محام شهير على الصعيد الدولي.
وقال “بيصار” عن “بلينكن” في لقاء 2013 مع صحيفة ” واشنطن بوست” أنه ” كان دائم الرغبة في معرفة ما حدث معي وأخذ تجربتي مني وأعتقد أنها أعطته بعدا أخر للتفكير، عندما يقلق اليوم بسبب الغاز السام في سوريا فهو يتذكر ما تعرضت له عائلتي كلها عندما تم القضاء عليهم”.
يتقن “بلينكن” اللغة الفرنسية فهو خريج مدرسة “جانين مانويل” ثنائية اللغة رفيعة المستوى بباريس وتدرج في الدراسة فدرس في جامعة هارفارد وحصل على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة كولومبيا عام 1988، وعمل في عدة وظائف ومناصب سابقة أصقلته ليتمكن من أن يكون الدبلوماسي الأول في ولاية جو بايدن الأولى الذي يثق فيه كونه أحد مستشاريه القربين منذ وقت طويل.
خبراته
خلال سنوات دراسته الجامعية في هارفارد ، عمل بلينكن محررا بصحيفة الجامعة ثم عمل لاحقاً بصحيفة ” ذا نيوز ريببليك ” ، ثم مارس المحاماة والقانون في مكاتب محاماه بين نيويورك وباريس وساعد والده السفير السابق للمجر دونالد بلينكن في تمويل حملة المرشح الرئاسي الديمقراطي مايكل دوكاكيس في السباق للبيت الأبيض الذي خسره لصالح بوش الأب عام 1988.
عمل بلينكن تحت إدارتين بالبيت الأبيض وهو ما أصقل خبراته، أولهما إدارة الرئيس بيل كلينتون الذي شغل معه عد مناصب بمجلس الأمن القومي للولايات المتحدة في البيت الأبيض عام 1994 إلى 2001 وخلال تلك السنوات شغل منصب مدير التخطيط الاستراتيجي ومدير إدارة الأمن القومي لكتابة الخطابات كما شغل منصب مساعد الرئيس ومدير الشؤون الأوروبية والكندية من عام 1999 إلى 2001.
مع وصول الرئيس بوش الأبن للسلطة كان لبلينكن وزنه واسمه في مجال العلاقات الخارجية وفي عام 2002 عين بلينكن مديرا للموظفين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ حتى عام 2008 وكان أحد أعمدة الفريق الانتقالي لإدارة الرئيس أوباما مع توليه للسلطة حيث شغل منصب مساعد نائب الرئيس ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس وخلال وجوده بالمنصب ساعد في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية في عدة ملفات منها أفغانستان والبرنامج النووي الإيراني وفي عام 2014 رشحه الرئيس باراك أوباما لمنصب نائب وزير الخارجية ووافق مجلس الشيوخ على تعيينه بالتصويت .


أما عن عمله الخاص فقد شارك بلينكن في تأسيس ” ويست أيكس أدفايزو” وهي شركة استشارات سياسية استراتيجية عام 2017 تضم في قائمة عملائها عددا من مؤسسات الإنتاج الحربي والدفاعي وشركة جوجل وشركة الذكاء الصناعي الإسرائيلية ” ويايندوارد” كما أنه عضو بعدد من المؤسسات ومراكز الأبحاث المعنية بالسياسة الخارجية أهمها هو مركز “مجلس العلاقات الخارجية” المعروف باسم “CFR”
بالإضافة لما سبق فأنتوني بلينكن يعمل ككاتب رأي في صحيفة ” نيويورك تايمز” ومجلة ” جلوبل أفيرز” كما أنه محلل لدى شبكة قنوات ” CNN” وله عدد من لكتب والمؤلفات باسمه أبرزها كتاب ” الفوز بحرب الأفكار”
علاقته بجوزيف بايدن

عمل “بلينكن” لسنوات عدة مستشاراً لبايدن تلك السنوات عمقت من الثقة التي يكنها بايدن لبلينكن حيث كان بلينكن أهم مستشاري بايدن طول ست سنوات بالكونجرس ثم تقرب منه أكثر خلال ولاية أوباما الذي اختار بايدن نائباً له في 2008 الذي بدوره فتح الباب لبلينكن للتعبير عن قدراته وافكاره ليتدرج بالمناصب خلال ولابة أوباما ويكون أحد أهم الفاعلين المشهد طوال الوقت حتى يعين مساعد لنائب الرئيس.
ومع وصول الرئيس ترامب للسلطة أنشغل بلينكن بتأسيس شركته ” ويست أيكس أدفيزو” واستمر في الظهور الإعلامي بالأخص مع شبكة ” سي إن إن” حتى العام 2020 عند ما عينه الرئيس بايدن كمدير للعلاقات الخارجية بحملته الرئاسية، لم يكن ذلك مستغربا بفضل خبرة بلينكن ومساحة الثقة الواسعة بينهما حيث رافق لينكن بايدن من مجلس الشيوخ حتى البيت الأبيض نائباً ثم الأن رئيساً .
توجهاته الخارجية
أثرت نشأة بلينكن في أوروبا لعائلة يهودية على توجهاته الخارجية فهو من أشد المؤمنين بالتحالف عبر الأطلسي وقد عبر عن ذلك في عدد من المواقف فقد صرح عام 2016 ” أن أوروبا هي أهم حليف لنا ” وقال أيضاً ” الأمريكيون يشعرون بأمان أكبر مع وجود أصدقاء وحلفاء حقيقين ” كما انتقد بشدة خطط إدارة ترامب بسحب القوات من ألمانيا التي يصفها ” بأهم حلفاء الولايات المتحدة” وقال إن تقليص عدد القوات ” هي خسارة استراتيجية تضعف الناتو وتساعد روسيا”.
بلينكن يؤمن بضرورة العمل مع الحلفاء بالأخص الأوروبيين في مواجهة كل الملفات الخارجية كما يؤمن بضرورة العمل من خلال المؤسسات الدولية المعنية التي يرى أن القيادة الأمريكية لها أمر أساسي لاستمرار الريادة الأمريكية، فهو كان صرح في وقت سابق من العام الحالي أنه ” لايزال هناك مساحات ومجالات أخرى أكثر من ذي قبل للمشاركة والريادة الأمريكية” وفقاً لصحيفة ” بوليتيكو”.
أما عن مواقفه من منطقة الشرق الأوسط فقد دعم بلينكن خلال سنواته بمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض تحت إدارة أوباما التدخل الأمريكي في الصراع السوري والتدخل في الساحة الليبية على الرغم من معارضة مديرة في ذلك الوقت بايدن لذلك ودعم دخول الولايات المتحدة للعراق العام 2003 متوافقاً في الرأي مع جو بايدن، فهو يؤمن بأن الدبلوماسية تحتاج إلى أن تستكمل بالردع وأن القوة يمكن أن تكون عاملاً ضروريا للدبلوماسية الفعالة.

له العديد من المواقف التي تكشف لنا توجهاته المستقبلية فهو من داعمي محاربة الإرهاب في موطنه وقد صرح بشأن قرار الرئيس أوباما بقتل أسامه بن لادن أنه ” أجرأ قرار اتخذه زعيم على الإطلاق”.
في تقرير عن العاملين في إدارة أوباما وصف بلينكن أنه أهم الاعبين المشكلين للسياسة الأمريكية في سوريا حيث كان داعماً لتزويد المتمردين السورين بالسلاح كما كان أهم الأشخاص في خطة الرد الأمريكية على ضم روسيا شبه جزيرة القرم.
وقال في خطاب القاه بمعهد “بروكينجز” أن نظام العقوبات الواسع كان أمر بالغ الأهمية مع التركيز على الدائرة المقربة للرئيس الروسي” كجزء من الرد الأمريكي، يدلل ذلك على حجم الخبرة الواسعة للرجل التي تمكنه من أن يكون على رأس المشكلين للسياسة الخارجية لواشنطن في ملفات متنوعة منذ أن كان مساعد لنائب الرئيس.
أما عن الصراع العربي الإسرائيلي ، متأثراً بنشأته وهويته فقد دعم بلينكن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014 كما له عدة مواقف توضح تحيزه لإسرائيل منها تصريحاته خلال حملة بايدن الرئاسية بأن إدارة بايدن حال وصولها للبيت الأبيض ” لن تربط بين المساعدات العسكرية لإسرائيل وأي قرارات للحكومة الإسرائيلية قد نختلف معها كقرارات ضم الأراضي” ، وبرغم اختلافه مع إدارة ترامب بالأخص في سياستها الخارجية ألا أنه أثنى على جهودها التي أدت لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين.
أما عن مواقفه من ملفات أخرى فهو يرى أن الصين هي المنافس الأول للولايات المتحدة وأن ترامب سمح لها بالتوسع أكثر وهو ما سيرغب في عكسه جيث كان صرح في وقت سابق بأن ” إضعاف ترامب للتحالفات الأمريكية سمح للصين بالتوسع وملئ الفراغ الذي تركناه” كما يرى أن الولايات المتحدة تخلت عن قيمها في الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم بشكل عام وفي الصين بشكل خاص وهي إشارة واضحة للنهج الخارجي الذي ستنتهجه الإدارة في تعاملها مع الصين تحت إدارة بلينكن.
أما عن أقرب مواقفه فقد كان وزير الخارجية الجديد وصف ” البريكست” على أنه “فوضى كبيرة” وهو انعكاس لإيمانه بقوة التحالف وبقوة الاتحاد الأوروبي كتلة متخالفة كما انتقد بشدة 19 نوفمبر الماضي التطهير العرقي لأثنية التيجراي بأثيوبيا وأعرب عن بالغ قلقه لأعمال العنف التي تحدث في إثيوبيا مؤخراً.
من المؤكد أن بلينكن لديه الكثير من الخبرة في جعبته التي تمكنه من التحرك في الملفات المختلفة فهو كان في قلب المشهد الأمريكي في خضم ثورات الربيع العربي وكان مشكلاً للتوجه الأمريكي وأحد أكثر الفاعلين من خلف الستار لتشكيل السياسة الأمريكية الخارجية في حقبة أوباما.
بالإضافة لخبرة “بلينكن” فالرئيس المنتخب بايدن يثق به، مما يفسر تعيينه في هذا المنصب المهم، فبايدن مهتم بشدة بإعادة الوجود الأمريكي في الملفات العالمية وعودة التأثير الأمريكي العالمي من خلال التحالفات وهو ما يفسر اختياره “بلينكن” على حساب عدد من المرشحين لمنصب وزير الخارجية ” من أصحاب الأسماء الرنانة” التي كانت أبرزهم وفقا لصحيفة ” بوليتيكو” صاحبة الخبرة الواسعة مستشارة الأمن القومي السابقة للرئيس أوباما سوزان رايس.
باحث ببرنامج السياسات العامة



