آسيا

“ناغورني قاره باغ”.. كيف يمكن وقف التصعيد؟

يدخل الصراع بين أرمينيا وأذربيجان مرحلة جديدة من التصعيد بعد عقود من أعمال العنف وتعثر المفاوضات، ففي 27 سبتمبر، اندلعت المواجهات بين الطرفين حول إقليم “ناغورني قاره باغ” والتي أسفرت عن مقتل العشرات من الجنود والمدنيين من الجانبين.

وفي ظل تصاعد حدة الأزمة وتراجع ملامح التهدئة على الأقل في الوقت الراهن، طرحت ” مجموعة الأزمات الدولية” تقديرًا (2 أكتوبر) لبحث سبل وآليات كيفية وقف التصعيد.

تصعيد خطير

لفت التقدير إلى أن التصعيد الأخير يُعتبر الأسوأ منذ إعلان هدنة وقف إطلاق النار عام 1994، ومنذ ذلك الحين وقد اتسمت التفاعلات بين البلدين بالتعايش غير المستقر، وذلك بسبب اندلاع المواجهات والمناوشات بين الطرفين من وقت لآخر. فخلال عام 2016 قتل نحو 200 شخص في اشتباكات استمرت لأربعة أيام، علاوة على ذلك فقد أشارت التقديرات إلى وقوع نحو 300 حادثة أخرى وأكثر من 250 قتيلا وجريحا بين العسكريين والمدنيين منذ 2015.

وأشار التقدير إلى وجود تقارير موثوقة عن ضربات عسكرية على أرمينيا، إذ ضربت المدفعية والصواريخ والطائرات بدون طيار التابعة لأذربيجان مناطق مأهولة بالسكان في إقليم “ناغورني قاره باغ”، وعليه ففي حالة استمرار وتصاعد القتال فقد يُؤدي ذلك إلى مزيد من المخاطر والتحديات، خاصة في ظل سيطرت القوات الأرمينية على الأراضي المرتفعة فوق التضاريس الجبلية للإقليم ما قد يمنحها ميزة إضافية، وقد يؤدي التصعيد إلى مزيد من الاضرار التي قد تنال من المدنيين، إذ يعيش نحو 300 ألف شخص في أذربيجان على نحو 15 كم من خط المواجهة.

وحول عودة الاشتباكات ومحفزات التصعيد، يمكن الإشارة جملة من العوامل التي ساهمت في اشعال الموقف مرة أخرى، من بينها: اولًا) فشل المحادثات التي توسطت فيها مجموعة ” مينسك” التابعة لمنظمة الأمن والتعاون، الأمر الذي أكد عليه “إلهام علييف” رئيس أذربيجان في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (25 سبتمبر)، إذ لم تلتق هذه المجموعة مع وزراء خارجية البلدين منذ يناير 2020، كما لم تنجح المجموعة في جمع الطرفين على طاولة المفاوضات في أعقاب مواجهة (يوليو 2020). ثانيًا) رغبة أذربيجان في استعادة السيطرة على جميع الأراضي المجاورة لإقليم “ناغورني قاره باغ”  ثالثًا) يمثل دعم أنقرة الصريح والمباشر لأذربيجان عاملًا إضافيًا لتأجيج الصراع، في ظل المناورات العسكرية بين الطرفين، والتقارير التي تفيد بقيام تركيا بنقل عدد من المرتزقة إلى أذربيجان، فضلًا عن تقديم الدعم العسكري والاستخباراتي لباكو.

وعلى الرغم من إعلان أذربيجان التعبئة العسكرية وفرض حظر التجول على عدد من المدن، إلا أن أرمينيا تقف في وضع دفاعي، وقد يتغير الأمر إذا ما ارتفعت وتصاعدت الخسائر واستمرت باكو في التصعيد، خاصة بعد إعلان الاحكام العرفية، وتصريحات رئيس الوزراء الأرمني “نيكول باشينيان” بأنه سيحمل السلاح ويموت من أجل الدفاع عن الإقليم.

ورغم ذلك فإذا امتد القتال إلى أرمينيا فسيؤدي ذلك إلى تفعيل التحالف الدفاعي مع روسيا، على الرغم من أنه من غير المرجح أن ترغب موسكو في أن تصل الأمور لهذا الحد، خاصة أن موسكو لا تريد أن تصل علاقتها مع أنقرة لمزيد من التعقيد والتوتر، كما لا ترغب في قطع العلاقات مع أذربيجان، علاوة على الحاجة لتجنب الانجرار إلى اشتباكات عسكرية مع قوات أي من البلدين.

تجنب الأسوأ

وبخصوص الاستجابة الدولية فقد وصفها التقدير بأنها “غير فعالة”، حيث سعت روسيا إلى تهدئة التوترات وعرض الوساطة بين الجانبين، في حين أجرى الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية مكالمات هاتفية بين الجانبين في محاولة لخفض التوتر، كما أصدرت واشنطن بيانًا دعت فيه لضبط النفس، فضلًا عن عدد من التحركات الأخرى كتلك التي تمت في اجتماع مجلس الأمن والتي دعت إليه عدد من الدول الأوروبية بهدف وقف التصعيد وخفض حدته.

رغم ذلك فقد شدد التقدير على أن قف القتال هذه المرة قد يكون أصعب مما كان عليه الوضع عام 2016، خاصة في ظل قناعة أذربيجان بأنها لن تستطيع تحقيق أهدافها عبر الحوار والتفاوض، وعليه فقد تعمل على استعادة مزيد من الأراضي التي تقع تحت سيطرة أرمينيا، وفي ظل التحولات الحالية فسوف يستمر الصراع العسكري، ويجب على الأطراف الدولية تطويع الأدوات الدبلوماسية لتجنب مزيد من المواجهة، وربما تكون موسكو صاحبة اليد العليا في التوسط لوقف إطلاق النار، خاصة أن روسيا ليس لديها مصلحة في تصعيد قد يجرها للانخراط المباشر نيابة عن أرمينيا، وقد تعمل مع تركيا كما هو الحال في ساحات الصراع الأخرى- سوريا وليبيا- على تجنب المواجهة .

وفيما يرتبط بالقوى الغربية، يبدو أنها أكثر استعدادًا للتحرك، في الوقت ذاته يٌنظر لدور الولايات المتحدة الأمريكية على أنه أقل نشاطًا وفاعلية مقارنة بدورها في أوقات سابقة، خاصة بعدما لعب وزير الخارجية ” جون كيري” دورًا بارزًا في الوساطة بين الجانبين في أعقاب أعمال العنف عام 2016، إلا أن هذا الدور تراجع في السنوات الأخيرة، فلم تعد المنطقة ضمن أولويات واشنطن، الأمر الذي يترك مجالًا للدول الأوروبية للتعاون مع موسكو لتطوير حزمة من الحوافز التي من شأنه أن تقنع الطرفين بضرورة وقف إطلاق النار، وذلك من خلال المساعدات الاقتصادية ودعم مجتمعات النازحين ومجتمعات الخطوط الأمامية بمجر تنفيذ وقف إطلاق النار، والاستئناف السريع للمحادثات بهدف وضع تسوية سياسية بين الجانبين.

وخلص التقدير إلى أن، القتال قد يدخل مرحلة من التصعيد ما يستلزم قيام مجموعة “مينسك” بعدد من التحركات الدبلوماسية الجادة لتجنب الوقوع في حرب مفتوحة، كما ينبغي على الرؤساء والقادة الأوروبيين مواصلة الضغط على كلا الجانبين لوقف القتال أو على الأقل تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين واحترام القانون الإنساني الدولي أثناء الأعمال العدائية. 

+ posts

باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

محمود قاسم

باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى