إيران

“نيوزويك”: إيران تُلهي المجتمع الدولي ببرنامجها النووي لتطوير صواريخ باليستية

عرض – علي عاطف

في ظل انشغال المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص بملف إيرانَ النووي، تظل هناك قضيةٌ أخرى أكثر خطورة وتعقيدًا لا تُلقي عليها وسائلُ الإعلام ولا المفاوضات الجارية الكثيرَ من الضوء مثلما هو الحال مع الأنشطة النووية، وذلك على الرغم من أنها تُعد وثيقة الصلة بالأنشطة النووية الإيرانية. 

هذا التهديدُ هو البرنامج الصاروخي الإيراني الذي تحتاج أبعاد خطورته إلى المزيد من التوضيح.

 وفيما يلي، قراءةٌ لمقال في هذا الصدد كتبه المديرُ التنفيذي لـ”مركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل” بالولايات المتحدة “سيث ج. فرانتزمان” بمجلة “نيوزويك” الأمريكية الشهيرة يوم 25 سبتمبر الجاري تحت عنوان صواريخُ إيرانَ هي التهديدُ الحقيقيُّ”، تناول فيه طبيعة التهديد الذي يمثله الملفُ الصاروخي الإيراني، العلاقة بينه وبين البرنامج النووي لطهران، وضرورة تسليط الضوء عليه بنفس القدر أو أكثر مثلما يحدث مع البرنامج النووي. 

لماذا يتم تجاهل الملف الصاروخي الإيراني؟!

 يبدأ الكاتبُ مقاله بالتعجب من عدم منح البرنامج الصاروخي الإيراني القدر الكافي من الاهتمام الدولي بالنظر إلى خطورته، وكيف أن “نقطة الخلاف الرئيسية” في المفاوضات مع إيران تتمحور فقط حول البرنامج النووي. يصف الكاتب برنامج إيران الصاروخي بالعبارة الإنجليزية “فيل في الغرفة”، أي أن خطورته واضحة للجميع ولكن لا أحد يلقي لها بالًا.

يؤكد فرانتزمان أن إيران تُصنِّع صواريخَ باليستية بعيدة المدى منذ سنواتٍ معتمدةً في ذلك على النماذج الصاروخية الشبيهة في روسيا والصين، وكذلك فإنها تتعاون مع كوريا الشمالية لزيادة مدى الصواريخ ودقتها، وهو ما أكده مسؤولٌ أمريكي مؤخرًا حينما أعلنت واشنطن فرض عقوبات جديدة على طهرانَ أواخر سبتمبر الجاري. 

لا فائدة من قنبلة نووية بدون صواريخَ باليستية

يربط الكاتب ما بين استمرار إيران في أنشطتها النووية وتطويرها صواريخ بعيدة المدى (باليستية). يقول فرانتزمان إن الانفجار “الغامض” الذي حدث في موقع للصواريخ في شهر يونيو الماضي بمنطقة خوجير شرقي العاصمة طهران كان متزامنًا مع انفجارٍ آخرَ في منشأة نطنز النووية بمحافظة أصفهان وسط إيران، ما يبدو أنه ليس صدفة. وأعلنت إيران في وقت لاحق أن هذه الأعمال ناتجة عن “أعمال تخريب”.

 ويؤكد الكاتب أن تخزين النظام الإيراني لليورانيوم المخصب الذي يمكن استخدامُه في صنع قنبلةٍ نووية “ليس إلا جزءًا من أجندة طهران النووية”، وأن الجزء الآخر الذي تحتاج إليه هو الصواريخ بعيدة المدى التي سوف تستخدمها في حمل ونقل القنابل النووية حال تم التوصل إليها. 

ما مدى خطورة الصواريخ الإيرانية في الوقت الحالي؟

يحذّر فرانتزمان من زيادة دقة الصواريخ الإيرانية في إصابة أهدافها خلال الفترة الأخيرة، وكذلك من زيادة مداها الجغرافي. ويوضح أن إيران تستخدم أنواعًا مختلفة من الصواريخ منذ عشرات السنين، بدأت بصواريخ “شهاب” في ثمانينيات القرن الماضي و”زلزال” و “فاتح” في تسعينيات القرن نفسه وبدايات القرن الحالي. 

وطوّرت طهران خلال العِقد الماضي من قدراتها الصاروخية، حيث استخدمت “فاتح 313″ و”قيام” في عملياتٍ استهدفت خلالها القوات الأمريكية في العراق أوائل يناير 2020 بعد مقتل قائد فيلق القدس السابق “قاسم سليماني”.

بدت صواريخ إيران أكثر دقة، حسبما يشير الكاتب، في عام 2018 حين استُخدِمت “فاتح 110” ضد الأكراد في مدينة كويه شمالي العراق وبعد أن أطلِقت في أكتوبر من العام نفسه ضد تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا، وذلك كله برغم العقوبات المفروضة عليها. ولم تكتفِ إيران بذلك، بل إنها نقلت هذه التقنيات الصاروخية إلى وكلائها في المنطقة، سواء في لبنان، اليمن، أو العراق، وتحتفي بهذه الخطوات ليل نهار في إعلامها. 

الولايات المتحدة لم تضع حتى الآن خطة لمواجهة التهديد الصاروخي الإيراني

أثني فرانتزمان على مجهودات وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، في سبيل إيضاح مخاطر البرنامج الصاروخي الإيراني والذي وصفه بومبيو بأنه “تهديدٌ رئيسي”. ومع ذلك، ينتقد الكاتب عدم وضع واشنطن استراتيجية لمواجهة هذا التهديد الذي ينمو على الرغم من العقوبات القائمة، واصفًا ذلك بأنه أساس المشكلة. 

ففي الوقت الذي تنفي فيه إيران تطويرها للصواريخ على لسان مسؤوليها، تقوم سرًا بتطوير قدراتها الصاروخية التي سوف توظّف كوسيلة نقل في حال امتلاكها قنبلة نووية، أو أن تستخدمها، مع الزيادة المستمرة في دقتها، في تهديد الجوار العربي كالمملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، أو حتى القواعد الأمريكية الموجودة في الخليج العربي أو العراق. وهذا التهديد وظفته إيران العام الماضي في هجومها على منشأة بقيق النفطية السعودية.

دعوة إلى الاستثمار في تطوير أنظمة الدفاع الصاروخية

 يَخلُص الكاتب في نهاية مقاله إلى أن الاستثمار في تطوير أنظمة الدفاع الصاروخية، كمنظومة “مقلاع داوود” و”القبة الحديدية”، هو أحد أفضل الطرق لمواجهة تطوير هذه النوعيات من الصواريخ. 

 ولكن مع ذلك، يظل هذا الاستثمار غير كافٍ؛ لأنه إذا استطاعت هذه المنظومات التعامل مع الصواريخ قصيرة المدى، فإن بإمكان الصواريخ بعيدة المدى أن تهدد مواقع جغرافية على بُعد آلاف الكيلومترات من خليج عمان إلى البحر المتوسط، فضلًا عن أن تنصيب بطاريات دفاع صاروخي من طبقات متعددة في 6 دول حليفة للولايات المتحدة بالمنطقة يُعد “تحديًا معقدًا”. 

وأكد الكاتب أخيرًا أن إيران سوف تستمر في تطوير برامجها الصاروخية، وهي تغتنم الفرصة كثيرًا بانشغال المجتمع الدولي في الوقت الحالي بملفها النووي، واصفًا هذه العملية بـ”الإلهاء المرحب به”.  

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى