
محمود عزت.. الثعلب الأخير يكتب نهاية الإخوان
شكّل اعلان القبض على محمود عزت آخر صقور الحرس القديم داخل تنظيم الإخوان، الفصل الأخير لتنظيم الإخوان داخل مصر، وإعلانا لوفاة التنظيم بشكله المتعارف عليه منذ إعادة تأسيسه عام 1974.
عزت أو “ثعلب الإخوان الأخير”، القائم بأعمال المرشد العام لتنظيم الإخوان منذ 20 أغسطس 2013، كان آخر رجالات تنظيم 1965، المعروف إخوانيًا بتنظيم سيد قطب، حيث كان محمود عزت ومحمد بديع من شباب الإخوان وقتذاك، وحكم عليهما بالسجن بينما حصد سيد قطب حكم الإعدام، لينتهي تنظيم الإخوان وقتذاك، ولكن كان لصفقات السياسة رأى آخر، وأعيد تأسيس تنظيم الإخوان عام 1974 على يد العائدين من الخليج العربي.
وقد سارعت العناصر الإخوانية الهاربة خارج مصر إلى تشكيل “غرفة عمليات” تعالج الآثار السلبية لتوقيف محمود عزت على معنويات مؤيدي التنظيم وتحسين موقف التنظيم في أعين ممولي الجماعة الإرهابية، وتسلمت تلك الغرفة إدارة عدد من اللجان الإلكترونية الإخوانية، وقد عملت تلك اللجان على تنفيذ رؤية غرفة العمليات خلال الـ 24 ساعة الماضية عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي بما يلي:
1 – كسب التعاطف عبر الترويج لفكرة أن محمود عزت المسن لا يدير تنظيم الإخوان وأنه منذ توقيف المرشد محمد بديع هناك لجان إخوانية تعمل بشكل منفرد داخل مصر، وهو قول مردود عليها لأن الإخوان تنظيم يعتمد على السمع والطاعة والبيعة بشكل هرمي، ففي نهاية المطاف يجب أن يكون هنالك مرشد أعلى للتنظيم، وعادة ما يكون بحسب الترتيب الهيكلي داخل مكتب الإرشاد الذي سبق وكلف عزت بأعمال المرشد في بيان علني.
2 – محاولة إثارة قضايا أخرى فرعية وتخليق “ترندات” مضادة في قضايا ليست سياسية من أجل شغل ساحات وسائل التواصل الاجتماعي ومصادرتها لقضايا أخرى، حتى لا يبدو أن هناك تركيزًا واحتفاءً شعبيًا عبر تلك المنصات الإلكترونية بتوقيف عزت مما يؤثر على معنويات أنصار التنظيم، وقد فشلت محاولات صناعة “ترندات” و”هاشتاجات” طيلة اليوم الجمعة 28 أغسطس 2020، وظل خبر القبض على محمود عزت يحتل المرتبة الأولى عبر مناقشات كافة منصات التواصل الاجتماعي.
3 – التشكيك في قدرة الأمن المصري بالقول إن الشرطة المصرية فشلت في توقيف عزت طيلة سبع سنوات رغم اختبائه في التجمع الخامس شرق القاهرة، رغم أن بيان وزارة الداخلية المصرية لم يوضح حتى الآن تفاصيل حياة عزت طيلة السنوات السبع وأماكن اختبائه، إضافة إلى حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعرف أن أسامة بن لادن والملا محمد عمر في باكستان، وكانت لديها صلاحيات كاملة في العمل على الأراضي الباكستانية وفقًا لاتفاقيات أمنية مع إسلام أباد، إضافة إلى عمل الجيش والمخابرات الأمريكية على هذه القضية، ومع ذلك لم تستطع الولايات المتحدة تصفية ابن لادن إلا عقب عشر سنوات من اختفائه، أما الملا محمد عمر فقد توفى عام 2013 مختبئًا دون أن تصل إليه الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الذراع الطولي في أفغانستان وباكستان، قد فشلت منذ عام 2001 وحتى الآن في توقيف أيمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة.
ماذا كان يفعل محمود عزت؟
عزت الذي أُلقي القبض عليه عام 1965 مع قائده سيد قطب، ثم خرج من السجن عام 1974 إلى أن اصبح عضوًا في مكتب الإرشاد عام 1981، يمثل مع محمد بديع ومهدى عاكف آخر رجالات التيار القطبي داخل تنظيم الإخوان، وهو اللقب الذى أُطلق على تلاميذ سيد قطب داخل الجماعة الإرهابية، وقاد بديع وعزت مع خيرت الشاطر انقلاب التيار القطبي على تيار عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب في انتخابات مكتب الارشاد في ديسمبر 2009، ما أدى إلى سيطرة التيار القطبي على التنظيم، وتولي بديع منصب المرشد العام في يناير 2010 بينما شغل الشاطر وعزت منصبي النائب الأول والنائب العام على التوالي، وهى الأزمة التي أدت إلى استقالة أبو الفتوح وحبيب.
وعقب توقيف بديع والشاطر، أصبح عزت هو أقوى وأقدم قيادة إخوانية خارج أسوار السجن، ورغم أن قائمة اتهامه تطول لتشمل التخطيط لاغتيال النائب العام الأسبق الشهيد هشام بركات و الشهيد العميد/ وائل طاحون و الشهيد العميد أركان حرب/ عادل رجائي وحادث تفجير سيارة مفخخة أمام معهد الأورام خلال شهر أغسطس عام 2019 ما أدى إلى استشهاد 20 مواطنًا وتحطم مبني المعهد، ولكن خطورة عزت في سنوات الهروب تتضمن اتصاله مع التنظيم الدولي للإخوان ليصبح المسؤول الأول عن تلقى التمويل وتوزيعه عبر خلايا الإخوان والإرهاب في الداخل المصري.
ورغم أن تنظيم الإخوان هو التنظيم الأم والعباءة التي خرج منها كافة الجماعات الإسلامية الإرهابية المسلحة، بالإضافة إلى أن التنظيم الدولي للإخوان هو من يدير وينسق بين تلك الجماعات على مستوي العالم، إلا أن عزت رأى انه يجب أن يكون هنالك تنظيم مسلح تحت قيادته المباشرة داخل مصر، وبالفعل تأسس هذا التنظيم المسلح على يد عزت والقيادي الإخواني محمد كمال الذى تولي رئاسة ما سمى بـ اللجنة الإدارية العليا داخل تنظيم الإخوان للإشراف على الجناح المسلح، وذلك في فبراير 2014، وعلى ضوء تعليمات عزت، أسس كمال تنظيم أجناد مصر وتنظيم حسم وتنظيم لواء الثورة.
ولكن كما جرى مع حسن البنا مؤسس التنظيم، حينما تعالى الخلاف مع الجناح المسلح وقتذاك حتى تخوف البنا من إقصائه على يد هذا الجناح، فإن محمود عزت دخل في صراع على القيادة مع محمد كمال، بينما داعبت أحلام القيادة ذهن محمد كمال الذي تصرف ما بين عامي 2014 و2016 باعتباره المرشد والزعيم الفعلي للإخوان في مصر، وظن انه قادر على تكرار تجربة سيد قطب الذي تزعم الإخوان عمليًا في ظل وجود المرشد العام.
وفى نهاية المطاف استقال كمال من رئاسة اللجنة وعضوية مكتب الإرشاد، وحاول أن ينشق من التنظيم مع جناحه العسكري، ولكن الامن المصري نجح في رصده وتصفيته في أكتوبر 2016 ليخسر عزت مساعده الأبرز وجناحه العسكري الذي انتهى عقب مداهمة أكتوبر 2016.
وإلى جانب الاتصال وتمثيل التنظيم الدولي للإخوان في مصر، وتأسيس الجناح المسلح، والخلاف مع محمد كمال على زعامة الإخوان، فإن محمود عزت كان القائد العام لكافة اللجان الإلكترونية الإخوانية العاملة داخل مصر، وإن كانت “الديباجات” والنصوص الموحدة التي تعمل بها تلك اللجان كانت تأتي من قطر وتركيا، إلا أن تأسيس وتمويل وتنظيم تلك اللجان داخل مصر وإدارتها كان يقع تحت مكتب محمود عزت.
ماذا يعني القبض على محمود عزت؟
إذا كان اغتيال حسن البنا عام 1949 قد شكّل انتهاء التنظيم الأول الذي أسسه عام 1928، بينما شكل حادث المنشية عام 1954 انتهاء التنظيم الثاني الذي تأسس عام 1951، وشكل إعدام سيد قطب عام 1966 انتهاء التنظيم الثالث الذي تأسس عام 1964، فإن القبض على محمود عزت يعتبر المشهد الأخير في التنظيم الرابع الذي تأسس عام 1974، لينضم إلى محمد بديع وخيرت الشاطر خلف القضبان، في مشهد لا يمكن عنونته إلا نهاية الحرس القديم وجيل الصقور وتنظيم سيد قطب داخل تنظيم الإخوان.
كما شكّل توقيف عزت قطع التواصل بين إخوان الداخل وإخوان الخارج، وقناة الاتصال بين بقايا وفلول التنظيم المحلي والتنظيم الدولي، وسقوط قائد اللجان الإلكترونية الإخوانية، إضافة إلى تجفيف منبع تمويل العمليات الإرهابية بعد أن كان عزت هو المسؤول عن ذلك.
مستقبل تنظيم الإخوان بعد محمود عزت
يفتقر تنظيم الإخوان إلى وجود قيادات أو جيل قوي يمكنه أن يشكل التأسيس الخامس لتنظيم الإخوان، على ضوء هيمنة التيار القطبي أو تيار أبو الفتوح وحبيب على العمل الإخواني لسنوات، ما عرقل صعود وجوه جديدة وقيادات جديدة من جيل الوسط، ورغم أن أي تنظيم في العالم يضم قيادات الصف الثاني والثالث، إلا أن اغلب تلك القيادات قد تم ضربها أو توقيفها في سنوات ما بعد ثورة 30 يونيو 2013، ومن قام عزت أو محمد كمال باختيارهم لتلك الصفوف كانوا أضعف من المهام الموكلة إليهم وتم توقيفهم أو اختفوا وتلاشوا بعيدًا عن الإخوان.
يمكن القول إنه لا قائمة لتنظيم الإخوان أو التنظيم المحلي مرة أخرى إلا بقرار حكومي، مثلما تأسس التنظيم عامي 1951 و1974 بتوصيات أمريكية وموافقة حكومية مصرية للتصدي للمد الشيوعي وإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية في لعبة تحسين العلاقات، لذا فإن الأمل الوحيد للإخوان للتأسيس الخامس وعودة العمل مرة أخرى في مصر هو وجود حكومة مصرية تقوم بإحياء تفاهمات “الدولة والجماعة” والتي وصلت للذروة في انتخابات برلمان 2000 و2005، ولكن أن يعول البعض على ما أسماه الجيل الثاني أو الثالث للجماعة من اجل إعادة التأسيس فهذا أمر مستبعد لعدم قدرة تلك الأسماء على إعادة تأسيس الجماعة.
سوف يتجه البقية الباقية من خلايا الإخوان إلى أمرين، إما العمل الإرهابي اليائس سواء داخل مصر أو طلب السفر خارج مصر، أو التسليم بما جرى والانخراط في الحياة بعد سبع سنوات من الظن أن مصر يمكن أن تقوم بها ثورة إسلامية مضادة للثورة الشعبية في 30 يونيو 2013.
ما يعني أن الأمن المصري سوف يقوم بشكل دوري بتوقيف خلايا إخوانية تمثل بقايا وفلول التنظيم المحلي للإخوان، في ضربات استباقية لعمليات إرهابية يائسة لن تتعدي أهداف عملية تفجير معهد الأورام في محاولات بائسة لإثبات الاستمرارية من اجل طلب التمويل الخارجي فحسب.
باحث سياسي