دول المغرب العربي

هل يمنح البرلمان الثقة لحكومة المشيشى؟

تستمر أزمة تشكيل الحكومة في تونس، وذلك يرجع إلى تعدد القوى السياسية وعدم توافق رغباتها وتضارب أجندتها السياسية، وقد تم تكليف هشام المشيشى وزير الداخلية التونسي بتشكيل الحكومة بعد استقالة إلياس الفخفاخ في 15 مايو الماضي، وقام رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، رغم الاختلاف بين الكتل السياسية حول طبيعة هذه الحكومة “حكومة مستقلة أم سياسية”، ومن المنتظر التصويت داخل البرلمان على منح الثقة لحكومة المشيشى، فهل ستمنح الثقة للحكومة في ضوء الخلاف بين الكتل السياسية؟
تشكيل الحكومة:
قدم رئيس الحكومة التونسية المكلف هشام المشيشى تركيبة الحكومة الجديدة والتي تضم 28 حقيبة إلى الرئيس قيس سعيد في 24 أغسطس الجاري، وقد بعث الرئيس قيس سعيد برسالة إلى مجلس النواب لتحديد جلسة لمنح الثقة للحكومة الجديدة ومن المرجح أن تعقد الجلسة في 1 سبتمبر، وتنتظر الحكومة مصيرها لمنحها الثقة من قبل البرلمان.
وقد ضمت الحكومة تمثيلا نسائيا كبيراً مقارنة بالحكومات السابقة، حيث تضم الحكومة وزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية ليلى جفال، وزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحر عاقصة البحري، وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم سلوى الصغير، وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن إيمان هويمل، وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي ألفة بن عودة، وزيرة لدى رئيس الحكومة مكلفة بالوظيفة العمومية حسناء بن سليمان، وزيرة معتمدة لدى رئيس الحكومة مكلفة بالعلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني ثريا الجريبي .
موقف الكتل السياسية:
اختلاف الرؤى: تتباين مواقف الكتل السياسية من الحكومة بين متحفظ ورافض لهذه الحكومة، ويأتي على رأس الكتل الرافضة النهضة، حيث يرفض رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي تشكيل حكومة كفاءات معتبراً ذلك عبثاً بالاستحقاق الانتخابي ونتائجه وإهداراً لجهد وأصوات الناخبين، إلا أن الموقف النهائي بشأن الحكومة لم يحدد بعد بحسب تصريح رئيس كتلة حركة النهضة نور البحيري، فإن موقف النهضة من منح الثقة للحكومة سيحدده مجلس شورى الحركة، وأن للنهضة تحفظات على بعض الأسماء وحجم الحكومة حيث كانت ترغب في تشكيل حكومة مصغرة، إضافة إلى تحفظ على غياب برنامج للحكومة وكفاءة الشخصيات المرشحة .
ويعد موقف تحيا تونس مذبذب حيث أبدى دعمه للحكومة في حال التزامها ببرنامج عاجل للحد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية . بينما تحفظ رئيس حركة الشعب زهير المغزاوى على بعض الأسماء في حكومة المشيشى قائلاً ” الحكومة تضم أسماء محترمة وتضم أيضاً أسماء نتحفظ على استقلاليتها وكفاءتها، إضافة إلى بعض التحفظات حول هيكلة هذه الحكومة، منتقدا إلغاء وزارة التكوين المهني والتشغيل ودمج وزارة التمكين ووزارة الرياضة.
لكن تراجعت حركة الشعب عن موقفها واقترحت مبادرة لتوافق الكتل السياسية على منح الثقة للحكومة وفقا لمجموعة من الضوابط وهي التزام رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشى بتقديم تصور واضح لمواجهة الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأن تكون مدة عمل حكومة المشيشى عام ونصف على أن يتم تعديل النظام الانتخابي، وأن تلتزم الأطراف السياسية بتنفيذ هدنة إذا تم قبول المبادرة المقترحة، ثم في نهاية المدة المحددة يتم اختيار أحد هذه البدائل أما استمرار حكومة المشيشى في حال نجاحه في تحقيق إنجازات إلى نهاية المدة البرلمانية وتنظم الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها 2024 أو تشكيل حكومة سياسية من الأغلبية البرلمانية أو يتم إجراء انتخابات برلمانية مبكرة .
أيضا يتخذ رئيس كتلة الإصلاح الوطني حسونة الناصفى الموقف ذاته من حيث التحفظ على أعضاء الحكومة قائلا “إن أسماء عدة مقترحة محل شكوك، والبعض منها مثير للجدل” . ويتحفظ الدستوري الحر برئاسة عبير موسى على الأسماء المرشحة لوزارات العدل والداخلية والخارجية والتكنولوجيا والشؤون الدينية ، لكنها اشترطت تصويت الحزب على الحكومة فى حال عدم تضمنها شخصيات إخوانية.
ويرفض التيار الديمقراطي وكذلك ائتلاف الكرامة منح الثقة للحكومة، وقد عبر عن ذلك رئيس ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف قائلا لن يمنح الثقة لحكومة المشيشي وسيقف سداً منيعاً ضدها لحماية المسار الديمقراطي .
بينما لم يحدد قلب تونس موقفه من منح الثقة للحكومة من عدمه، وأنه سوف يتخذ القرار الذي يتماشى مع المصلحة الوطنية نهاية الأسبوع الجاري .
تشكيك في استقلالية أعضاء الحكومة: توجه انتقادات إلى بعض أعضاء حكومة المشيشى من حيث عدم استقلاليتها وأنها ذات صبغة سياسية من بينها على الكعلى وقد تم تعيينه وزيرا للاقتصاد والمالية ويعد ذو خلفية سياسية وقد استقال من حزب آفاق تونس، وكذلك على الحفصي وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بالعلاقات مع مجلس نواب الشعب أيضا استقال من حركة نداء تونس، وأن وزير الداخلية توفيق شرف الدين قد أدار الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيد في ولاية سوسة. بالإضافة إلى استمرار وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي في حقيبته .
ختاما يمكن القول إنه في ضوء عدم تأييد أغلب الكتلة السياسية لأعضاء الحكومة فإن هناك عدة سناريوهات الأول هو عدم منح الثقة للحكومة ومن ثم يلجأ رئيس الجمهورية إلى اتخاذ قرار بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة وهو سناريو تخشاه الكتل السياسية في ظل تراجع شعبية البعض منها ومنها النهضة.
ومن ثم يقود ذلك إلى السناريو الثانى: وهو الموافقة على منح الثقة للحكومة وتمريرها إلا أنه قد يتم عرقلة عملها من قبل بعض الكتل السياسية كما تم في حكومة إلياس الفخفاخ، ومن ثم استمرار الأزمة.
أو السناريو الثالث وهو التوافق بين الكتل السياسية على مبادرة حركة الشعب، ومن ثم منح الثقة لحكومة المشيشى، لكن ذلك مرهون بقدرة المشيشى على إحتواء اختلاف الاجندات السياسية وقدرته على مواجهة أزمات الدولة الأقتصادية والصحية.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى