الصحافة الإسرائيلية

قراءة إسرائيلية لتقرير المخابرات البريطانية عن آليات مواجهة النفوذ الروسي

عرض- هبة شكري

نشر معهد إسرائيل للأمن القومي تقريرا، بتاريخ 12 أغسطس، تناول فيه عرضا للتقرير الصادر عن لجنة المخابرات والأمن في البرلمان البريطاني، والذي يلقي الضوء على التهديدات الذي تتعرض لها الديمقراطية البريطانية من روسيا ، وكيفية تعامل أجهزة الاستخبارات البريطانية معها.

تناول التقرير، الصادر بتاريخ 21 يوليو 2020، التهديدات الاستراتيجية التي تواجهها الدول الليبرالية الغربية، بالإضافة إلى إسرائيل، جراء الأنشطة السرية الروسية داخل بريطانيا.

وذكر التقرير أنه تم الإعلان عن أن تأخير إصدار التقرير جاء لأسباب بيروقراطية، إلا أنه رجح أن التأخير مرتبط بأسباب سياسية في الأساس، متعلقة ببعض الثغرات في حزب المحافظين البريطاني، سواء في الحكومة الحالية أو السابقة، فضلاً عن الصلات الوثيقة بين مجلس اللوردات والنظام الروسي، كما اتهم التقرير النظام الروسي بالتأثير على مشروع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”، والذي اعتبره المشروع الرئيسي لحزب المحافظين خلال الخمس سنوات الأخيرة.

وأشار التقرير إلى هجوم بعض الخبراء في بريطانيا على التقرير، نظراً للنهج المعمم الذي تبناه والمبالغة في نظرته تجاه التهديد الذي يواجه بريطانيا؛ في حين أكد المعهد الإسرائيلي أن التقرير يحمل أهمية بالغة لإسرائيل على اعتبار أن القراءة الشاملة يمكن أن تمثل مرجعية لإسرائيل حال واجهت تهديداً مشابهاً، خاصة في ظل الفجوات التي تعاني منها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والتي تحد من قدرتها على التعامل مع النفوذ الأجنبي بشكل عام، والنفوذ الروسي بشكل خاص.

وفيما يخص التهديد الذي يمثله النفوذ الروسي على بريطانيا، أشار التقرير إلى رغبة روسيا في تعزيز دورها كقوة دولية تعمل على الترويج لموقف مناهض للدول الغربية، فضلاً عن سعيها إلى إضعاف الديمقراطيات الغربية من خلال إثارة التوترات وتوسيع الانقسامات بداخلها، وهو ما ظهر جلياً من خلال الدور الذي لعبته روسيا في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016.

واعتبر التقرير أن بريطانياً تعد هدفاً ذي طابع خاص بالنسبة لروسيا، نظراً لكونها عضواً مهما بحلف شمال الأطلسي، فضلاً عن علاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية، كما اعتبر أن اتباع بريطانيا لسياسات حازمة تجاه روسيا، يعد سبباً لاستهدافها أيضاً.

حصر التقرير خطر النفوذ الروسي في ثلاثة مجالات؛ تمثل أولها في الهجمات الالكترونية، خاصة الاختراقات والتسريبات، بما في ذلك اقتحام قواعد البيانات، والتي يمكن أن تلحق الضرر بالأفراد والمؤسسات، وهو المجال الذي أظهرت فيه روسيا قدرات مذهلة. أما المجال الثاني وفقاً للتقرير، فتمثل في التضليل والتأثير على المشهد السياسي، ويمكن أن يحدث ذلك من خلال الكشف عن بعض المعلومات المحرجة عن المرشحين، او من خلال استغلال وسائل الإعلام الروسية الناطقة باللغة الانجليزية، مثل شبكات روسيا اليوم و سبوتنيك، فضلاً عن إمكانية التأثير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو تمويل الأنشطة السياسية. أما المجال الثالث الذي أشار له التقرير، فتمثل في إمكانية تعزيز النفوذ الروسي من خلال استغلال رجال الأعمالي الروس المقيمين في بريطانيا، خاصة ممن لديهم علاقات وثيقة مع النظام الروسي وفي الوقت ذاته لديهم نفوذ في  بيئة الأعمال والسياسة البريطانية، بالإضافة إلى  جماعات الضغط والشخصيات العامة والمحامين الذين يروجون للمصالح الروسية في بريطانيا.

وفيما يتعلق بمواجهة بريطانيا للنفوذ الروسي، انتقد التقرير الاستراتيجية الشاملة التي وضعتها بريطانيا للتعامل مع التهديدات الروسية في 2016، وهي ما أطلق عليها ” Cross Whitehall Russia “، حيث ألمح إلى ضعف قدرة بريطانيا لاتخاذ إجراءات متكاملة مقارنةً بالروس الذي لديهم القدرة على توجيه السوق الخاصة وشركات الإعلام ، فضلاً عن أجهزتهم الأمنية ومنظمات التجسس. وادعى التقرير أن الاستراتيجية لا تتناسب مع التهديد ، ويشير إلى أن محاولة بناء علاقات إيجابية مع روسيا ، كجزء من الاستراتيجية البريطانية ، محكوم عليها بالفشل. بالإضافة إلى ذلك، انتقد التقرير عدم قيام بريطانيا بتحديث العديد من القوانين ذات الصلة، مثل قانون قانون “مكافحة التجيي” وقانون غسيل الأموال”، وهو ما يحد من قدرة بريطانيا على اتخاذ إجراءات عقابية تجاه أي جهة أجنبية يثبت تورطها.

وفي السياق ذاته، انتقد التقرير تركيز أجهزة الاستخبارات البريطانية على التهديدات المحلية، وإهماله اتباع منهجية واسعة النطاق، وهو ما صب في مصلحة روسيا، التي تمتلك القدرة على الرد بشكل سريع و أكثر شمولاً بفضل سيطرتها المركزية القوية واستعدادها لاتخاذ أي خطوات تصعيدية ضد أي نشاط استخباراتي غربي.

وقارن التقرير بين نموذج الولايات المتحدة الأمريكية في تعاملها مع النفوذ الأجنبي، والذي استطاع رغم الانتقادات الموجهة له من تحقيق الأهداف المرجوة؛ وبين أجهزة الاستخبارات الروسية التي تجنبت معالجة بعض المشكلات بصورة كاملة، وتناول في هذا الإطار تجنب بريطانيا حماية العملية الديمقراطية، وما يصحب ذلك من قلق لتحديد جوانب الخطاب الاجتماعي والسياسي، ومدى انعكاسات النفوذ الروسي على تلك الجوانب، حيث يعتبر النظام البريطاني أن الخوض في مثل تلك الموضوعات المتفجرة قد يمثل خطر على سير العملية الديمقراطية.

وعن مواجهة النفوذ الروسي، أوصى التقرير بضرورة التنظيم وتوزيع المسؤلية على المنظمات المختلفة داخل بريطانيا، ورأى إمكانية تولي جهاز الأمن الداخلي مسئولية الدفاع عن العملية الديمقراطية، وذلك في إطار سياسة التي تنتهجها وزارة الأمن والحرب على الإرهاب. ومن جانب آخر، شدد التقرير على ضرورة الإشراف الوثيق من قبل كل من وزراء الدفاع والخارجية و الداخلية على مواجهة النفوذ الروسي، فضلاً عن ضرورة التعاون بين مختلف الكيانات والأجهزة الأمنية، واللجوء إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في المجال السيبراني إذا لزم الأمر، واستخدام رد فعل أكثر عنفاً تجاه النفوذ الروسي يمكن أن يتم في صورة إدانة.

أيضا، أوصى التقرير بإجراء تعديلات تشريعية لمنح صلاحيات أكبر للأجهزة المعنية للتعامل مع النفوذ الروسي داخل الأراضي البريطانية، وتشمل تلك التغييرات إقرار قانون مشابه لقانون “الوكلاء الأجانب” في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي ينص على إلزام أي أجنبي داخل أراضي بريطانيا ويعمل بالنيابة عن حكومة دولة أجنبية، عدا الدبلوماسيين، بالكشف عن اتصالاته بكافة العناصر. كما اقترح تحديث قانون مكافحة غسيل الاموال لتقييد عمل رجال الأعمال الروس داخل بريطانيا.

واختتم التقرير توصياته بضرورة تعزيز التعاون الدولي في مجال الاستخبارات لمواجهة النفوذ الروسي والعمل على تنسيق الجهود وإنشاء جبهة مشتركة لتقييد التحركات الروسية، كما شدد على ضرورة توضيح مدى خطورة التهديدات الروسية التي تصل إلى مستوى التهديدا الاستراتيجي على كل من إيطاليا والنمسا وفرنسا وأيضاً إسرائيل. في حين اشاد التقرير بجهود الولايات المتحدة وحلف الناتو في هذا الصدد، والتي ترتب عليها طرد 153 دبلوماسي و ضابط مخابرات في 29 دولة في أعقاب هجوم سالزبوري.

وفيما يخص إسرائيل، قدم المعهد توصياته لإسرائيل فيما يتعلق بمواجهة التهديد الروسي، واعتبر أن التهديد على إسرائيل يأتي بصورة أقل مما يشكله من خطورة على بريطانيا، إلا أنه يتوجب على إسرائيل أن تحذر من مواجهتها تهديد مماثل لتلك الذي تواجهه بريطانيا، خاصة حال تدهور العلاقات بينها و بين روسيا، مثلما حدث في قضية “نعمة يسسخار” الإسرائيلية التي تم اعتقالها بموسكو في 2019، فضلاً عن التوتر الذي شاب العلاقات في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية في سوريا.

وأشار التقرير في توصياته إلى كون إسرائيل دولة ديمقراطية غربية ليبرالية، تعد حليفاً للولايات المتحدة الأمريكية، في حين تختلف مصالحها مع روسيا فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، كما تناول ذكر إسرائيل في التقرير البريطاني، حيث انتقد سماح الدولة العبرية للروس الداعمين لروسيا داخل إسرائيل، والذين وصفهم التقرير بـ “الأوليجاركيين” – أي الأقلية المسيطرة على السلطة السياسية، وذلك دون دراسة المخاطر المحتملة على إسرائيل، كونها موطناً لعدد كبير من مواطني الاتحاد السوفييتي السابق، ما يجعلها هدفاً أو وسيلة يمكن استغلالها لبسط النفوذ الروسي في إسرائيل.

كما أورد التقرير، أن إسرائيل لم تضع استراتيجية للتعامل مع النفوذ الأجنبي ، على الرغم من أن رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي حذر في عام 2019 من أنه محاولة التدخل من قبل دولة أجنبية في الانتخابات، لكن هناك ضبابية حول ما إذا كانت أجهزة الاستخبارات قد صنفت ذلك كتهديد استراتيجي من عدمه.

وحول تأثير النفوذ الروسي على إسرائيل، ذكر التقرير إلى إدراج موضوع تأثير النفوذ الروسي على السياسة والرموز السياسية في إسرائيل، على جدول الأعمال العام للكنيست عام 2017، وتم مناقشته بالفعل؛ وعليه يقترح المعهد أن يتم مناقشة التهديد الروسي من قبل للجنة الفرعية للاستخبارا ، التابعة للجنة الخارجية والدفاع والتي تجري مناقشات سرية بشأن التهديدات التي تواجه إسرائيل، على أن يتم ذلك بشكل أكثر عمقاً، مع التركيز على التهديدات الأخرى التي تواجه إسرائيل، مثل الصين وإيران؛ وأى أن يتم ذلك على من خلال عدة مراحل، تتمثل المرحلة الأولى في النقاش حول كيفية التعامل مع محاولات النفوذ الخارجية، واستعراض ما تم في هذا الشأن، فضلاً عن حصر التهديدات التي تواجها إسرائيل وتحديد الآليات المتاحة للتصدي لها. أما المرحلة الثانية، فتتمثل في ضرورة صياغة استراتيجية للمواجهة النفوذ الروسي، يقوم على إعدادها أجهزة الاستخبارات داخل إسرائيل.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى