
مهددات الوضع الاقتصادي في لبنان
يواجه لبنان أزمة اقتصادية معقدة تكاد تصل إلى حد الإفلاس، هي نتاج وإرث لحكومات وأنظمة سابقة، إلا أن التعويل الكبير للخروج من الأزمة كان على حكومة حسان دياب التي جاءت بعد الحراك الذي شهده لبنان في أكتوبر2019، لكن الحكومة لم تحقق إنجازًا يذكر في مواجهة أزمات الدولة، وتستمر الاتهامات ضدها بعدم صدق نواياها في إصلاح الوضع الحالي، وما يدلل ذلك هو الأزمات المتلاحقة التي تشهدها الدولة وهو ما سيتم توضيحه فيما يلي:
تدهور الوضع الاقتصادي
يشهد لبنان أزمة اقتصادية حادة توضحها المؤشرات الاقتصادية التي وصلت إليها الدولة، فقد بلغت نسبة نمو الناتج المحلي 0.2% عام 2018 مقارنة بنسبة 0.6 عام 2017، وارتفع معدل التضخم إلى 6.1% عام 2018 مقابل 4.7% عام 2017 وارتفع عجز الموازنة العامة إلى 11.5% من إجمالي الناتج المحلي.
ووفقا لتصريح لحاكم مصرف لبنان في مؤتمر “يوروموني”، في 25 يونيو 2019، في بيروت، فإن معدل النمو بلغ صفرًا بالمئة منذ بداية 2019. ووفقا للبنك الدولي، ازداد عجز الميزان التجاري 8431 مليون دولار في النصف الأول من العام 2019، كما سجَّل ميزان المدفوعات عُجُز متتالية بين يونيو 2018 ومايو 2019، بلغ مجموعها التراكمي أكثر من 10.4 مليار دولار، ولم تعد الدولارات التي يحصل عليها لبنان كافية لتسديد ما يتوجب عليه للخارج.
وبلغ العجز التراكمي 18351 مليون دولار، وهذا يعني استنزافًا متواصلًا لصافي الأصول الأجنبية في لبنان التي يعد حجمها واستقرارها والقدرة على التحكم بها من الشروط الأساسية لتثبيت سعر صرف الليرة أمام الدولار، فأحدث هذا العجز مزيدًا من الطلب على الدولار وتهديدًا لاستقرار سعر الليرة. وقد أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في يناير 2019 أن هناك نقصًا كبيرًا في تدفقات الودائع بالعملة الصعبة إلى البنوك اللبنانية، وأن الدولة بحاجه إلى ودائع بنكية تقدر ما بين 6 و7 مليار دولار لسداد التزاماتها من الديون ومواجهة العجز المالي.
وقد بلغ عجز الموازنة العامة 11.5% من إجمالي الناتج المحلي عام 2018، وبلغ الدَّيْن العام 085.3 مليار دولار يناير 2019، ووصل إلى 85.7 مليار دولار يونيو 2019. أما خدمة الدَّيْن العام بالنسبة إلى المدفوعات الإجمالية فقد بلغت حوالي 34.3% مايو 2019. وتُقدَّر كلفة خدمة هذا الدين أو ما يعرف بالفوائد حوالي 8312 مليار ليرة لبنانية أي حوالي 5.51 مليار دولار في قانون موازنة العام 2019، وهو يستنزف حوالي 44.2% من الإيرادات العامة.
إضافة إلى تدهور سعر صرف الليرة حيث فقدت 85% من قيمتها منذ أوائل مايو ويتم تداولها بأكثر من 9000 مقابل الدولار في السوق السوداء. وتشير بعض التحليلات إلى أن الدولة تتجه إلى التضخم الرسمي المفرط لأول مرة في الشرق الأوسط، حيث يزيد التضخم عن 500 في المئة على أساس سنوي و124 في المئة في الشهر. حيث تواجه تغيرًا مستمرا في أسعار المواد الغذائية إلى الحد الذي جعل معظم المتاجر لا تضع السعر على المنتجات.
أزمة المواد الغذائية
تشهد أسعار اللحوم ارتفاعًا كبيرًا، إذ بلغ سعر الكيلو 80 ألف ليرة للغنم وارتفع سعر لحم البقر إلى أكثر من 50 ألف ليرة، ونظرًا لاعتماد الدولة على استيراد المواشي من الخارج. وكنتيجة لتدهور قيمة الليرة أعلنت نقابة اتحاد القصابين وتجار المواشي إغلاق أكثر من 60% من محلات بيع اللحوم، كما وصل الأمر إلى قرار المؤسسة العسكرية برفع وجبة اللحوم من الوجبات التي تقدمها للعسكريين أثناء الخدمة.
إضافة إلى اتجاه الحكومة اللبنانية إلى رفع سعر الخبز المدعوم إلى 2000 ليرة وهو أول تغيير يشهده منذ ثمانية أعوام وكان يبلغ قبل الأزمة 1500 ليرة، مما اضطر إلى خروج المواطنين إلى التظاهر احتجاجًا على الأزمة، واتجاه البعض إلى الانتحار، وقد شهدت البلاد مؤخرًا ثلاث حالات انتحار، منها انتحار مواطن في شارع الحمراء ببيروت تاركًا رسالة “أنا لست كافر ولكن الجوع كافر”.
فضلًا عن ذلك يعول المسؤولون السياسيون على مساهمات اللبنانيين في الخارج في حل الأزمة حيث تساهم تحويلاتهم بنسبة 12.5 من الناتج المحلي الإجمالى، مما دفع رئيس الوزراء حسان دياب إلى دعوتهم للمساهمة في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، واقترح سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية أن تعول كل عائلة بالخارج عائلة أخرى في لبنان مقابل 200 دولار لدرء الجوع، الأمر الذي يوضح حجم المعاناة التي تشهدها الدولة اقتصاديًا وسياسيًا على مستوى إدارتها.
أزمة في الكهرباء
لم تستطع الحكومة تأمين احتياجات المواطنين من الكهرباء، ويتضح ذلك في زيادة أوقات انقطاع الكهرباء والتي تصل إلى 20 ساعة واعتمادهم على المولدات، واتجه أصحاب المولدات إلى رفع التعريفة بسسب ارتفاع تكلفة الوقود، وقد صرح رئيس تجمع المولدات في لبنان بأن أصحاب المولدات لجؤوا إلى شراء المازوت من السوق السوداء بسعر مرتفع بلغ 27 ألف للتنك بدلًا عن 14 ألف، إلا أن الأمر تفاقم ولم يستطيعوا توفيره من هذه السوق أيضا. إضافة إلى عجر مالي تشهده مؤسسة كهرباء لبنان بلغ أكثر من 1.8 مليار دولار عام2018.
أزمة الاقتراض من صندوق النقد
اتجه لبنان إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض مالي لمواجهة أزمته المستعصية، وقد بدأت المفاوضات في مايو الماضي، إلا أن غياب التوافق على حجم خسائر القطاع المالي بين المصرف المركزي والحكومة حال دون استمرارها. فلدى مصرف لبنان التزامات دولارية غير ممولة للقطاع المصرفي تفوق قيمتها 45 مليار دولار، ووفقا للمصرف فإن سداد هذه الالتزامات يتم من خلال الأرباح المستقبلية التي سيحققها المصرف المركزي من طباعة الأوراق النقدية، لكن الحكومة ترى ضرورة شطب جزء كبير من هذه الالتزامات غير الممولة؛ لأن التعويض عن هذ الخسائر يمثل أكثر من100% من إجمالي الناتج المحلى. ونتج عن عدم التوافق خلافات داخل فريق التفاوض أدت إلى استقالة كل من آلان بيفاني مدير عام وزارة المال وهدري شاؤول مستشار وزير المالية، مما أدى إلى تعليق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لحين التوافق بين مؤسسات الدولة ووضع خطة حقيقية للإصلاح.
ختاما يبقى مستقبل الدولة مرهونًا بإرادة القوى السياسية ورغبتها في خروج الدولة من عنق الزجاجه من عدمه، وبمواقف القوى الخارجية تجاه الدولة اللبنانية، ففي حال استمرار الحكومة في عدم مواجهة الأزمة بفاعلية ينذر الوضع بانفجار مجتمعي يهدد بقاء حكومة حسان دياب والمطالبة برحيلها، ومن ثم الاستمرار في دولة أكثر فشلا جراء أزمة سياسية لن تنتهي وأزمة اقتصادية تتضاعف. أو تقدم الحكومة على اتخاذ إجراءات فاعلة لمواجهة الوضع الاقتصادي من خلال خطة إصلاحية ترضي صندوق النقد الدولي، ومن ثم الموافقة على منحها قرضًا لمواجهة الأزمة الاقتصادية والتزامها ببرنامج تنفذه تحت إشراف الصندوق.
باحث ببرنامج العلاقات الدولية