
معهد أمريكي يرصد نشاط “السلفية الجهادية” في منطقة “الساحل الأفريقي”
عرض – تقى النجار
تمثل القارة الأفريقية بيئةً حاضنةً لنشاط الجماعات الإرهابية، حيث الانتشار الواسع لظاهرة الدولة الفاشلة، وهو ما يعكس ضعف سلطة الدولة أمام تنامي دور التنظيمات المتطرفة لملء ذلك الفراغ الناتج عن تراجع سلطة الدولة. وبالرغم من أن الجماعة الإرهابية تنتشر في أغلب القارة الأفريقية إلا أن هناك بعض المناطق التي تشهد كثافة في الممارسات الإرهابية ويأتي على رأسهما منطقة الساحل والصحراء.
في هذا السياق، أصدر“المعهد الأمريكي لأبحاث السياسة العامة” في إبريل الجاري تقرير بعنوان “البيئة السلفية الجهادية في منطقة الساحل” في محاولة لتعرف على نشاط الجماعات السلفية الجهادية في منطقة الساحل والوقوف على ملامح تطوره. وقد انقسم التقرير إلى محورين؛ يتعلق أولهما باستعراض التطور التاريخي لصعود الجماعات السلفية الجهادية في منطقة الساحل. وينصرف ثانيهما إلى الوقوف على ملاح تطور ذلك النشاط في الوقت الراهن.
أولًا: التطور التاريخي للجماعات السلفية الجهادية
استعرض التقرير التطور التاريخي للجماعات الجهادية السلفية في منطقة الساحل، وذلك في إطار المراحل التالية:
- 1992: جاءت بداية تشكيل الجماعات السلفية الجهادية في الساحل من خارج المنطقة، إذ يمكن إرجاعها إلى الحرب الأهلية الجزائرية. فقد تشكلت “الجماعة الإسلامية المسلحة” في عام1992 بهدف قتال الحكومة الجزائرية. وفي عام 1998، انشق فصيل عنها نتيجة لارتكابها مذابح ضد المدنيين. وأطلق هذا الفصيل على نفسه اسم “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” واستمر في شن هجمات إرهابية ضد الحكومة الجزائرية والجيش الجزائري.
- 2006: تحول اسم “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” إلى “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” في عام 2006 وذلك بعد مبايعة الأولى لتنظيم “القاعدة”. وامتد نشاطها من الجزائر إلى كلٍ من تونس، ومالي، والنيجر، وساحل العاج. وعملت الجماعة على ترسخ وجودها في المنطقة من خلال تنمية العلاقات مع المجتمعات المحلية، وذلك عبر توفير المساعدة المالية، والمصاهرة، وتجنيد الأعضاء.
- 2011: حدث أول انشقاق كبير عن تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” في أكتوبر 2011. إذ انشقت مجموعة من مقاتليها لتأسيس “حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا”. وفي السياق ذاته، تأسست حركة “أنصار الدين” في ديسمبر 2011 بزعامة “إياد غالي”، الذي يعد أحد قادة الطوارق التاريخيين.
- 2012: حدث الانشقاق الرئيسي الثاني عن تنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي” في نهاية عام 2012، عندما انشق “مختار بلمختار” مع عدد من اتباعه عن التنظيم، وشكل لواء “الملثمون”، الذي أصبح يُعرف باسم “الموقعون بالدم”.
- 2013: في أغسطس 2013، اندمج لواء “الملثمون” مع حركة “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”، لتشكيل تنظيم “المرابطون”. وقد ركزت المجموعة الجديدة هجماتها الإرهابية ضد أهداف فرنسية وغربية.
- 2015: برزت “جبهة تحرير مآسينا” لأول مرة في يناير 2015 في مالي، عندما أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات في وسط وجنوب مالي. وتأسست تحت قيادة “أمادو كوفا”. وكانت مسؤولة عن الهجمات التي استهدفت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والقوات الفرنسية، وقوات الحكومة المالية في مناطق عدة. وقد عملت على إقامة علاقات وثيقة مع أعضاء حركة “أنصار الدين“.
وفي العام ذاته، أعلن “عدنان أبو الوليد الصحراوي” (القيادي في تنظيم “المرابطون”) بيعته للبغدادي (زعيم تنظيم داعش آنذاك) في منتصف عام 2015. ليتشكل تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى” عبر عناصر منشقة من تنظيم “المرابطون”. وبعد فترة خمول لقرابة عام ونصف، أعلن تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى” عن نفسه بقوةٍ عبر سلسلة عمليات بارزة نهاية سنة 2016. وينشط التنظيم في المنطقة المسماة “الحدود الثلاثة” التي تجمع بين مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر.
- 2016: تمدد نشاط الجماعات السلفية الجهادية إلى بوركينا فاسو بحلول نهاية عام 2016. حيث تأسست جماعة “أنصار الإسلام” على يد “إبراهيم ديكو” في شمال بوركينا فاسو في ديسمبر 2016. بعد مقتل “ديكو” تولى أخوه “جعفر ديكو” قيادة الجماعة. ولاتزال جماعة “أنصار الإسلام” مستقلة عن تنظيم “القاعدة” أو “داعش”، إلا أنها تتلقى الدعم من الجماعات المرتبطة بالقاعدة، كذلك تتلقى الدعم من تنظيم “داعش افي الصحراء الكبرى”.
- 2017: تأسست “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في أوائل عام 2017. وتضم 4 جماعات إرهابية، وهي: “المرابطون”، و”إمارة منطقة الصحراء الكبرى”، وجماعة “أنصار الدين”، و“جبهة تحرير مآسينا“. وتعلن الجماعة أن عدوها الأساسي هو فرنسا، وتتمركز بشكل أساسي في مالي، لكنها تشكل تهديدًا لدول الجوار خاصه (تشاد، والنيجر، وبوركينافاسو.)
ثانيًا: نشاط الجماعات السلفية الجهادية في منطقة الساحل في الوقت الراهن:
أشار التقرير إلى طبيعية نشاط الجماعات السلفية الجهادية في منطقة الساحل في الوقت الراهن في ضوء المؤشرات التالية:
- التعايش المشترك: تعمل كل من “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، و”داعش في الصحراء الكبرى”، وأنصار الإسلام معًا في الوقت الراهن في منطقة الساحل. تتعايش الجماعات فيما بينها نتيجة للأهداف المشتركة، والتاريخ المشترك والروابط العرقية، ما يخلق ساحة جهادية فريدة من العنف والإرهاب.
- زيادة النفوذ: تَعزز نشاط الجماعات السلفية الجهادية في منطقة الساحل، وقد اتضح ذلك في فعالية هجمات فرع “داعش في الصحراء الكبرى” تجاه الجنود الماليين والنيجيريين. وفي الوقت نفسه، لم تمنع عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل – بقيادة الجيش الفرنسي بدعم أمريكي – من تقويض نشاط الجماعات السلفية الجهادية.
- عوامل محفزة: هناك عوامل تساعد على استمرار نشاط الجماعات السلفية الجهادية حيث الدول الإقليمية ضعيفة، والظروف المحلية التي جعلت المجتمعات عرضة لانتشار الإرهاب والتطرف. ومن ثم، توظف الجماعات السلفية الجهادية سياسات الهوية والعلاقات المحلية لتعزيز وجودها. ومن المرجح زيادة التأثير السلفي الجهادي مع انهيار الحكم المحلي وقبول المجتمعات الضعيفة حماية هذه الجماعات كبديل للدول الوطنية.
ملاحظات حول التقرير
بناء على ما تقدم يمكن استخلاص جملة من الملاحظات المُهمة التي يمكن إجمالها على النحو التالي
الملاحظة الأولى: تتعلق بطبيعة منطقة غرب أفريقيا، إذ تمثل منطقة غرب أفريقيا ولاسيما منطقة الساحل بيئة حاضنة لنشاط التنظيمات الإرهابية، حيث الحكومات الضعيفة، وانعدام الأمن، والصراعات داخل المجتمعات القبلية، ما يمثل ساحة مزدهرة لنشاط تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، والمجموعات المرتبطة بهما. وتجدر الإشارة إلى أن منطقة الساحل (وتحديدًا بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر) شهدت في عام 2019 زيادةً كبيرةً في نشاط التنظيمات الإرهابية؛ حيث تعرضت تلك المنطقة إلى ما يقرب من 800 هجومًا إرهابيًا. ويرتبط هذا النشاط المكثف من قبل التنظيمات الإرهابية بالمسارات الجديدة لها، بعد انحسار نشاطها في منطقة الشرق الأوسط، لذلك كان الانتقال الاستراتيجي لإفريقيا.
الملاحظة الثانية: تنصرف إلى تصاعد وتيرة العمل الإرهابي في منطقة الساحل، بالتزامن مع تفشى فيروس “كورونا”. وما يترتب عليه من انسحاب القوات الأجنبة من المنطقة لصالح استثمارها في عمليات التصدي لـ”كورونا” في دولها أو حمايتها من الوباء الذي قد ينتشر في تلك البلدان، ما يتيح مساحة أكبر لتعزيز نشاط التنظيمات الإرهابية في المنطقة.
الملاحظة الثالثة: تتمثل في تصاعد احتمالية استقرار التنظيمات الإرهابية كلاعب سياسي في منطقة الساحل، ولا سيما في ضوء تجربة حركة “طالبان” التي وقعت اتفاق تاريخي مع الولايات المتحدة. الأمر الذي يشجع عديد من التنظيمات الإرهابية على اتباع النهج ذاته. و تجدر الإشارة إلى البيان الذي أصدرته جماعة “نصره الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم القاعدة في مارس الماضي، حيث أكدت فيه على استعادها للحوار مع حكومة مالي. ويمكن القول أن مع استمرار التداعيات المصاحبة لانتشار الفيروس، حيث الضغط على الخدمات العامة، وتدمير البنية التحتية، وتدهور الاقتصاد، ما يترتب عليه من تقويض شرعية النظم الحاكمة. وبالتالي استغلال أزمة الشرعية من قبل التنظيمات الإرهابية لكل تقدم نفسها كبديل عن المؤسسات الوطنية.
الملاحظة الرابعة: تتصل باحتمالية تغيير مقاربة الحرب على الإرهاب في عالم ما بعد “كورونا”، فمع الحديث أن انسحاب القوات الأجنبية من بعض البلدان من أجل إعادة توظيفها في عمليات مكافحه كورونا في بلدانها الأصلية. فقد قد تلجأ الدول إلى مقاربات داخلية في القضاء على الإرهاب، وليست وفقًا للمصالح الخارجية، بل بما تمليه المصالح الداخلية لكل دولة. إلا أن هناك تخوف من آثار انسحاب القوات، وما قد يحمل في طياته من تصاعد الظاهرة الإرهابية وتمدها.
للإطلاع على التقرير:
Katherine Zimmerman, “Salafi-jihadi ecosystem in the Sahel”, American Enterprise Institute, April 22, 2020
https://www.aei.org/wp-content/uploads/2020/04/Salafi-Jihadi-Ecosystem-in-the-Sahel.pdf
باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع