
كيف أجهضت الأجهزة الأمنية محاولة تأسيس خلية تابعة لتنظيم داعش في الجيزة؟
أصدرت محكمة أمن الدولة طوارئ برئاسة المستشار محمد السعيد الشربيني وعضوية المستشارين وجدي عبد المنعم والدكتور علي عمارة حيثيات حكمها الصادر في أواخر مارس الماضي على 7 متهمين بتكوين خلية تابعة لتنظيم داعش الإرهابي في محافظة الجيزة، وتراوحت الأحكام بين المؤبد والمشدد، ولم يكن هذا الحكم هو الأول من نوعه، فقد أصدر القضاء المصري عدة أحكام رادعة في قضايا مماثلة، عقب نجاح الأجهزة الأمنية في إسقاط عدة خلايا سعى التنظيم لتكوينها في محافظات مصرية متعددة.
مرحلة التأسيس
قام قائد الخلية ويدعى “محمود طوسون” باستقطاب صديقه “مصطفى سيد عبد العليم” لمساعدته في تأسيسها خلال الفترة بين عامي 2015 – 2016 وقاموا بضم المتهمين الآخرين إليهم، وجميعهم يحمل أفكار التنظيم المتطرفة، وكشفت نيابة أمن الدولة في تحقيقاتها التي أجراها إيهاب العوضي وكيل أول النيابة برئاسة شريف عون، عن أن المتهم الرئيسي “محمود طوسون” يعتنق أفكار داعش الإرهابية، التي تقوم على ووجوب الخروج على الدولة بدعوى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
وأكدت التحريات التي أجرتها الأجهزة الأمنية، أن المتهم عمل على تأسيس خلية عنقودية بمحافظة الجيزة بهدف ارتكاب عمليات عدائية لترويع المواطنين، وتكفير العاملين بالقوات المسلحة والشرطة واستهدافهم فى عمليات عدائية، بالإضافة إلى تكفير المسيحيين واستحلال ممتلكاتهم ودمائهم ودور عبادتهم، واستهداف المنشآت الهامة والحيوية التابعة للأجهزة الأمنية، لزعزعة الأمن والاستقرار بالبلاد، سعيًا إلى إسقاط نظام الحكم القائم بالبلاد.
وتواصل المتهم “محمود طوسون” مع كوادر تنظيم داعش الإرهابي بالخارج من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتلقى تكليفات بالدعوة لأفكار التنظيم المتطرفة بالأوساط التي يتواجد فيها المتهم لتكوين الخلية وأستطاع المتهم ضم باقي عناصر الخلية وهم: مصطفى سيد عبد العليم، محمد أحمد ماهر، كرم محمد نجيب، عمرو إسماعيل حنفى، مختار عفيفي، على إبراهيم مهران ثابت، وأعتنقوا جميعًا أيدولوجيات التنظيم.
تجهيزات الخلية وبنك أهدافها
عقب تجهيز “محمود طوسون” عناصر خليته والأستقرار على المنضمين إليها، قام بإعداد برنامجًا تدريبيًا لتجهيزهم للقيام بالعمليات الإرهابية المقرر القيام بها، وقام بتوزيع 6 مطبوعات وإصدارات تدعم أفكار تنظيم داعش والتى تبرر أعمال العنف والإرهاب وتؤكد فرضية الجهاد ضد السلطة الحاكمة على عناصر الخلية.
وكانت تتم اجتماعات الخلية في احدى الشقق بحي بولاق الدكرور لتجنب الرصد الأمني لهم، وقام “طوسون” وبعض عناصر الخلية بالسفر إلى سيناء والأنضمام لصفوف الجماعات الإرهابية هناك، للتدريب على حروب العصابات والمدن وأستخدام الأسلحة وصنع المتفجرات، والمشاركة في بعض عمليات الهجوم على القوات الأمنية هناك.
عقب العودة من سيناء كلف “طوسون” عناصر الخلية بتصنيع العبوات الناسفة والسعي لشراء الأسلحة النارية لتنفيذ العمليات المخطط القيام بها، وبالفعل قام المتهمين (مصطفى سيد عبد العليم – محمد أحمد ماهر) بتصنيع عدد من العبوات الناسفة، وقام المتهم (كرم محمد نجيب) بالسفر إلى أسيوط وشراء أسلحة نارية غير مرخصة والذخائر الخاصة بها من عنصر جنائي يدعى (إبراهيم ثابث) ويقيم بمركز الفتح بأسيوط.
بعد أن تأكد “طوسون” من اكتمال التجهيزات اللوجيستية اللازمة للقيام بالعمليات العدائية، أتفق مع باقي المتهمين على وضع قائمة بالأهداف المقرر استهدافها وتتضمن أكمنة أمنية ومنشآت حيوية ودينية وكانت كالتالي:
– أرتكاز أمني لقوات الشرطة أسفل الطريق الدائري بمنطقة صفط اللبن.
– مطار غرب القاهرة العسكري بطريق القاهرة – الأسكندرية الصحراوي.
– كنيسة العذراء مريم والأنبأ موسى الأسود بشارع ريحان بطريق كفر طهرمس.
– كنيسة رئيس الملائكة بشارع العشرين بفيصل.
– محل إقامة أحد القساوسة بشارع الملكة ببولاق.
كما خطط المتهمون لسرقة سيارة خاصة بأحد المواطنين المسيحيين لاستخدامها في العمليات المخطط تنفيذها.
الأجهزة الأمنية بالمرصاد
ضبطت أجهزة الأمن الوطني المتهمين بعد رصد تحركاتهم، وضبطت بمحال إقامتهم العديد من الأسلحة النارية والذخيرة الخاصة بها، وبعض المواد والأجهزة التي تدخل في تصنيع وتجهيز العبوات الناسفة، بالإضافة إلى جهازين لاسلكى تردد فوق العالى والتى يحظر استيرادها أو استخدامها أو حيازتها دون الحصول على تصريح من الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات.
وأعترف المتهم مصطفى عبد العليم الشهير بـ”صاصا” في التحقيقات أنه يرتبط بالمتهم الرئيسي “محمود طوسون” بعلاقة صداقة وثيقة منذ عام 2014، وخلال لقاءاتهم بمسجد أل حسن بمنطقة بولاق الدكرور وبمحل للعطور، كانوا يتدراسون التأصيل الشرعي لأفكار تنظيم داعش وقناعاتها، وتم العمل على ضم باقي المتهمين وتكليفهم بدراسة اصدارات تنظيم داعش ورصد المناطق المستهدفة.
وأضاف المتهم أنه عقب العودة من سيناء قام المتهمون برصد المناطق المخطط استهدافها، والتجول في محيطها لرصد المترددين عليها وأعدادهم ومعرفة أعداد قوات التأمين القائمة عليها وتسليحها، كما اعترف المتهم “كرم محمد نجيب” باعتناقه الأفكار التكفيرية ومتابعته لتنظيم داعش الإرهابى، وفِى عام ٢٠١٧ كلّف بالإمداد بالاسلحة والذخائر.
وكشفت تحريات الأجهزة الأمنية أن المتهمين حاولوا صنع بعض القنابل لتفجيرها وعندما فشلوا في ذلك لقلة خبرتهم، قام المتهم الأول “محمود طوسون” بتكليف الثانى “مصطفي سيد” بشراء الأسلحة النارية والذخيرة المطلوبة، وقام المتهم الثاني بتكليف المتهم الثالث “كرم محمد نجيب” بشرائها من المتهم السابع “ابراهيم ثابت” والذى قام بدوره بتجهير الأسلحة المطلوبة وهى سلاحين ناريين يدوى التعمير وثلاث طلقات نارية أرسلها للمتهم الثاني مع شخص تقابل معه الأخير وأخذها منه ثم ذهب بها إلى المتهم الثالث لمشاهدتها ومراجعة أوصافها وفقا لما طلبه من المتهم السابع “ابراهيم ثابت”.
وقام المتهم “مصطفى سيد” بإرسال حوالة بريدية بمبلغ 1800 جنيه إلى المتهم “ابراهيم ثابت” بتاريخ 2 يوليو 2018 من مكتب بريد كفر طهرمس إلى مكتب بريد عرب الكابلات، ونفى المتهم “ابراهيم” علمه بحقيقة الأمور وعدم علمه من الغرض من شراء هذه الأسلحة.
قطار المحاكمة ينطلق
في 9 يوليو 2019 بدأت أولى جلسات محاكمة المتهمين أمام محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ بالدائرة 5 إرهاب برئاسة المستشار محمد سعيد الشربيني وعضوية المستشارين وجدى عبد المنعم، ود. على عمارة بأمانة سر محمد الجمل وأحمد مصطفى، وعقدت الجلسات بمجمع محاكم طرة قاعة رقم 4.
وفي 23 ديسمبر 2019 قالت النيابة في مرافعتها أن الإرهاب أصبح موجه ضد الدولة المصرية وتقف خلفه فئة باغية وهم حفنة ممن ضلوا وأضلوا وعصابة ترافق الشيطان، عصابة أعضائها على قناعة بأفكار شاذة، نهجت عقيدة إرهابية، لا دخل لها بالشريعة الإسلامية، وأن المتهم الأول اعتنق أفكار داعش الإرهابى التى تدعو لتكفير حكام العرب والمسلمين، أفكار بعيدة عن الدين، بافتراء كاذب، بزعم كاذب انه جهاد فى سبيل الله.
وأضافت النيابة أنه ترسخت عند المتهم الأول “محمود طوسون” أفكار التنظيم من خلال الإصدارات المرئية، فالتنظيم منصة إعلامية يبث من خلالها سمومه، ارتبط المتهم الأول بأحد كوادر الجماعة وقدم للجماعة السمع والطاعة، وكون خلية عنقودية ترتكب عمليات عدائية تستهدف مؤسسات الدولة، وأمد المتهم أعضاء التنظيم بكتب ذاخرة بأفكار التنظيم الإرهابى وبمواقع على شبكة التواصل للتنظيم، تنوعت المواضيع بتنوع اللقاءات، يتدارسون الولاء واستباحة الدماء، تخمرت أفكار داعش بعقول المتهمين، فأصبحت قلوبهم اشد قسوة من الحجارة، اطلع المتهمون عل دروس التنظيم بالشبكة الدولة.
صدور الحكم وحيثياته
في 25 مارس 2020 أسدلت المحكمة الستار على محاكمة المتهمين بخلية داعش الجيزة بصدور أحكام بالسجن المؤبد والمشدد للمتهمين، وحكمت على المتهمين محمود طوسون، ومصطفى سيد، وكرم محمد نجيب، بالسجن المؤبد، وبالسجن المشدد 15 سنة لـ محمد أحمد ماهر، عمرو إسماعيل حنفى، مختار عفيفى، إبراهيم ثابت، ووضع المتهمين تحت المراقبة لمدة 5 سنوات بعد انتهاء مدة العقوبة ومصادرة المضبوطات والزامهم بالمصروفات الإدارية.
وقالت المحكمة في حيثياتها التي أصدرتها في 21 إبريل الجاري، إنها توصلت إلى أدلة الثبوت في الدعوى سواء القولية منها أو الفنية وإقرارات بعض المتهمين بتحقيقات النيابة العامة، والتي بنيت على أسباب سائغة، وتطمئن المحكمة إلى ثبوت أركان الجريمة المنسوبة للمتهمين والواردة بأمر الإحالة في حقهم.
وأوضحت المحكمة إنه كان الثابت من أقوال شاهد الإثبات الأول “رائد شرطة” أنه بعد تأسيس تلك الجماعة وتكوينها بمعرفة المتهمين الأول والثاني، وانضم إليهم كلا من المتهمين الثالث والرابع والخامس والسادس، وكانوا يلتقون في لقاءات منظمة ومحددة بمنطقة بولاق الدكرور، وكان المتهم الأول يلقى على المتهمين دروسا دينية ثم يتحدث معهم عن تنظيم الدولة الإسلامي ويشرح لهم أفكاره ودعاهم معه للذهاب للانضمام إلى تنظيم الدولة هناك وعلمهم كيفية الدخول على المواقع لمتابعة أخبار وأفكاره.
وأقر المتهم الأول بتكليفه الاخرين بشراء الأسلحة إلا انه نفى استخدامها في عمل إرهابي وهو قول ترفضه المحكمة ذلك أن ما يؤكد علم المتهمين الثانى والثالث والسابع بالغرض من ذلك السلاح وهو القيام بأعمال اتفقوا عليها سالفا مع الباقين وهى استهداف بعض الأماكن والأشخاص، فضلا عما ثبت بالحوالة البريدية بمبلغ 1800 جنيه والمرسلة من المتهم الثانى إلى المتهم السابع بتاريخ 2 يوليو 2018 من مكتب بريد كفر طهرمس إلى مكتب بريد عرب الكابلات، كما لا يغير ذلك من إنكار المتهم السابع ونفيه علمه بحقيقة الأمور وعدم علمه من الغرض من شراء ذلك السلاح وخاصة وان من طلب منه وكلفه به المتهم الثالث من أحد أقربائه وعلمهما بحقيقه الأمور التي تأكدت بأقوال الشاهد والتي تطمئن إليها المحكمة الأمر الذى تتوفر معه أركان جريمة التمويل في حقهم ويكون الدفع غير سديد وتلتفت عنه المحكمة.
وأضافت الحيثيات أنه حددت المادة الأولى فقرة ـ أ ـ من قانون الإرهاب، الجماعة الإرهابية بأنها كل جماعة أو جمعية أو هيئة أو منظمة أو عصابة مؤلفة من 3 أشخاص على الأقل أو غيرها، أو أي كيان ثبت له هذه الصفة أيا كان شكلها، ويتحقق الركن المادي للجريمة المذكورة والمنصوص عليها في المادة 12 من قانون مكافحة الإرهاب بأحد الأفعال الآتية، أولها إنشاء الجماعة الإرهابية او تأسيسها أو تنظيمها أو إدارتها والعبرة في عدم مشروعية أي جماعة تأسست على خلاف أحكام القانون هو بالغرض التي تهدف إليه الوسائل التي تتخذها للوصول لمبتغاها ويلاحظ أن الإنشاء والتأسيس مترادفان من حيث المعنى إذ يقصد بهما التكوين ولا عبرة بالصفة أو الاسم الذى تتخذه الجماعة.
تابعت المحكمة أنه عن الدفع بانتفاء أركان جريمة التنظيم وتولى قيادة جماعة إرهابية فإنه لما كان قانون العقوبات المصرى في المادة 86 مكرر قد أطلق وصف الكيان الإرهابي على ما أسماه بالجمعية أو الهيئة او المنظمة أو الجماعة أو العصابة إذا ما توافرت فيها شرطان، أولها الطبيعة الإجرامية وتتحدد في ضوء الغرض منها، والثانى هو استخدام الإرهاب وسيلة لتحقيق هذا الغرض كما استخدم القرار بالقانون رقم 8 لسنة 2015 في شان تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية تعبير “الكيان الإرهابي”، ثم جاء قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 واستخدم تعبير آخر وهو ” الجماعة الإرهابية “.
باحث أول بالمرصد المصري