
في “زمن كورونا”.. الجنود الأمريكيون محاصرون في قواعدهم بالخارج
ربما تكون وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، هي الجهة الوحيدة داخل الولايات المتحدة، التي يشكل فيروس كورونا، تأثيرًا مزدوجًا عليها، الأول هو تأثير داخلي يتعلق بموظفيها ومجنديها داخل المعسكرات والقواعد الموجودة على الأراضي الأمريكية، ومشاركتهم في جهود الحكومة الأمريكية لمحاصرة آثار هذا الفيروس، والثاني هو تأثير خارجي يمس جنودها وضباطها في القواعد الأمريكية المنتشرة في جميع أنحاء العالم.
فحتى يوم 23 مارس، أعلنت الوزارة عن وصول أعداد المصابين بهذا الفيروس، في صفوف قواتها والعاملين المدنيين بها وعائلاتهم، إلى 243 حالة. هذه الحالات لم تكن فقط داخل الولايات المتحدة، بل قسم منهم أصيب بالفيروس أثناء سفره للخارج قبل عودته للبلاد، وقسم آخر أصيب بالفيروس خلال خدمته في القواعد الأمريكية في إيطاليا وكوريا الجنوبية وألمانيا.
وقد أجرت وزارة الدفاع 1574 اختبارًا لفيروس كورونا حتى 19 مارس. يقول مسؤولو وزارة شؤون المحاربين القدامى أنهم أجروا أكثر من 1524 اختبارًا حتى الآن، ويضيفون أنهم يعتقدون أن لديهم ما يكفي لتلبية الطلب.
القواعد الأمريكية في كوريا الجنوبية
في 25 فبراير الماضي، تم في كوريا الجنوبية، تسجيل الإصابة الأولى في صفوف المجندين الأمريكيين العاملين في قواعد عسكرية خارج الولايات المتحدة، وهي لجندي يبلغ من العمر 23 سنة، يخدم في قاعدة (كارول) العسكرية، الواقعة على بعد 30 كيلومترا شمالي مدينة (دايجو)، رابع أكبر مدن كوريا الجنوبية. وقد تم وضعه هو وزوجته في الحجر الصحي، بمنزله الواقع خارج القاعدة التي يخدم بها.
هذه الحادثة، أفضت إلى سلسلة من الإجراءات التي بدأت قيادة القوات الأمريكية في كوريا، في تنفيذها لحماية عناصرها المنتشرين في شبه الجزيرة الكورية من مخاطر تفشي الفيروس، ومنها وضع كافة وحداته في حالة طوارئ قصوى، حيث يتمركز على الأراضي الكورية الجنوبية، نحو 28 ألف جندي أمريكي، موزعين على 16 قاعدة عسكرية، تتضمن 12 معسكرًا للوحدات التابعة لفرقة المشاة الثانية الأمريكية، على رأسها معسكر (همفريز)، وقاعدة (دايجو)، التي تضم أربعة معسكرات، من ضمنها معسكر (كارول) الذي تم فيه تسجيل الإصابة الأولي بفيروس كورونا، في صفوف القوات الأمريكية في الخارج. هذه المعسكرات يضاف أليها قاعدتين بحريتين قرب (بوسان) جنوبي البلاد، وقاعدتين جويتين شمالي وجنوبي العاصمة سيول.
وفي هذا الإطار، رفع الجنرال روبرت إبرامز، قائد القوة الأمريكية في كوريا الجنوبية، منذ أواخر الشهر الماضي، حالة الاستعداد الخاصة بالشؤون الصحية داخل القواعد الأمريكية، إلى المستوى (مرتفع)، وأمر بتطبيق سلسلة من التدابير الوقائية، منها منع الموظفين والمتعاقدين والمقاولين المدنيين، من دخول القواعد الأمريكية، إلا في حالات الضرورة القصوى، وبعد استيفاء مراحل الفحص الطبي.
المشكلة الرئيسة التي تواجه قيادة القوات الأمريكية في كوريا، تكمن في تواجد مساكن جنودها خارج نطاق القواعد والمعسكرات، فمثلًا في مدينة بوسان، التي توجد فيها قاعدتان بحريتان أمريكيتان، يسكن كافة الجنود والضباط العاملين بهما، في أحياء المدينة، وليس داخل نطاق القاعدتين، وهذا هو نفس الحال فيما يتعلق بقاعدة دايجو ومعسكر همفريز، وهو ما كان سببًا رئيسيًا في تسجيل أول إصابة في صفوف الجنود الأمريكيين في كوريا.
ولهذا شرع الجيش الأمريكي في كوريا، في إعداد مئات الغرف داخل الثكنات المعزولة، من أجل تخصيصها للجنود والضباط الذين سيخضعون للحجر الصحي الوقائي، وبدأ في إغلاق دور رعاية الأطفال والمدارس التابعة له، في عدة مدن كورية، من بينها مدينة دايجو، بجانب تقييد الزيارات التقليدية، التي تقوم بها أُسر الجنود والضباط، إلى القواعد والمعسكرات، وفرض قيود شديدة على سفر الجنود والضباط من القواعد إلى الخارج والعكس.
في ما يتعلق بالاختبارات الطبية على الجنود والضباط، يبدو أن الوحدات الأمريكية في كوريا، لا تمتلك في الوقت الحالي، القدرة على إجراء اختبارات واسعة للكشف عن الفيروس ضمن صفوف منتسبيها، ولذلك تم إناطة هذه المهمة، بالمراكز الكورية الجنوبية المخصصة للكشف عن الفيروس، مع إعطاء الجنود الأمريكيين والكوريين التي تظهر أعراض الفيروس، أولوية على المواطنين العاديين في الخضوع لعمليات الفحص، وذلك لفترة مؤقتة إلى أن تتمكن قيادة القوات الأمريكية في كوريا، من الحصول على الكميات الكافية من مجموعات الاختبار، الخاصة بالكشف عن هذا الفيروس.
هذه التدابير وغيرها، دفعت قيادة القوات الأمريكية في كوريا، إلى تأجيل عدة فعاليات تدريبية مشتركة مع الجيش الكوري الجنوبي، وهو ما يمثل مشكلة أمريكية اخرى، خاصة في ظل استمرار الأنشطة العسكرية للجيش الكوري الشمالي، وأخرها مناورة بالذخيرة الحية للمدفعية والمدفعية الصاروخية، وربما تؤثر الإجراءات الحالية المتخذة من جانب الجيشين الأمريكي والكوري الجنوبي، على الجاهزية العسكرية العامة لكليهما، خاصة وأن العلاقة الحالية بينهما ليست في أفضل حالاتها، لأسباب عدة، على رأسها مشكلة الموظفين المدنيين الكوريين في القواعد العسكرية الأمريكية.
فمنذ أوائل العام الجاري، تحاول الولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق، مع الحكومة الكورية الجنوبية، تتقاسمان بموجبه تكاليف الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي الكورية، بما فيها رواتب نحو تسعة آلاف موظف مدني كوري، قد يغادروا وظائفهم داخل القواع الأمريكية قريباً، إذا فشل الجانبين في التوصل إلى تسوية، وهو ما يعني عملياً مزيد من المشاكل للوحدات الأمريكية في كوريا، في هذه المرحلة الدقيقة.
القواعد الأمريكية في إيطاليا وألمانيا تحت مرمى الفيروس
القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا، تأثرت أيضاً بشكل كبير بموجة تفشي فيروس كورونا، خاصة وأنها القيادة العسكرية الأهم في تشكيلات الجيش الأمريكي خارج الولايات المتحدة، وتنضوي تحت أمرتها، عشرات القواعد العسكرية في معظم الدول الأوروبية. ألمانيا تحتضن نحو 33 ألف جندي أمريكي، موزعين على 14 قاعدة عسكرية، من ضمنها قاعدتين جويتين، ومستشفى إقليمي في مدينة (لاندشتول) قرب الحدود مع فرنسا، كما يتواجد مقر القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا، بمدينة (فيسبادن). هذا المقر، شهد أوائل الشهر الجاري، وضع عدد من الضباط الأمريكيين في الحجر الصحي الوقائي، عقب اكتشاف إصابة ضابط أجنبي بفيروس كورونا، وذلك بعد مشاركته في اجتماع لقادة القوات البرية الأمريكية، ترأسه قائد القوات الأمريكية في أوروبا، كريستوفر كافولي. تتالت بعد هذا الاجتماع، عمليات رصد مصابين بهذا الفيروس في القواعد الأمريكية في ألمانيا، فمثلاً القاعدة الأمريكية في شتوتجارت رصدت حتى الآن 33 إصابة مؤكدة بالفيروس.
عقب هذه التطورات، تقرر رفع درجة استعداد القوات الأمريكية في ألمانيا، تحسباً لاحتمالية مستقبلية، يتم فيها أغلاق بعض القواعد الأمريكية على الأراضي الألمانية، وتم فرض قيود صارمة على التنقلات خارج القواعد العسكرية. كما أوقف الجيش الأمريكي في السادس عشر من الشهر الجاري، عمليات نقل الأفراد والمعدات، التي كانت تتم من أجل الاستعداد لمناورات (مدافعو أوروبا 2020) العسكرية، التي قد يتم إلغاؤها أو تقليص نطاقها الزمني والجغرافي، وأعداد الجنود المشاركين فيها، لأنه كان مخططاً أن تتم في عدة دول أوروبية، بقوام قدره 37 ألف جندي من 18 دولة.
إيطاليا، كانت محل الحالة الثانية من حالات الإصابة بفيروس كورونا، لعناصر الجيش الأمريكي في الخارج، حيث تم الكشف في السابع من الشهر الجاري، عن إصابة أحد أفراد البحرية الأمريكية، بفيروس كورونا، خلال تواجده في القاعدة البحرية الأمريكية في نابولي، ضمن نحو 35 ألف جندي أمريكي، يتواجدون في خمسة قواعد رئيسية على الأراضي الإيطالية، من بينها مقر الأسطول السادس الأمريكي في قاعدة نابولي البحرية، وقاعدتين بريتين، وقاعدة لطيران البحرية، وقاعدة (أفيانو) الجوية شمال شرق البلاد.
بسبب التفشي المستمر للفيروس في جميع أنحاء إيطاليا، اتخذت قيادة الجيش الأمريكي في أوروبا هذا الشهر، قراراً بالإغلاق المؤقت لقاعدة (فيتشينزا) البرية شمالي البلاد، وهي مقر قيادة عمليات الجيش الأمريكي في أفريقيا، ويتمركز بها نحو سبعة آلاف جندي، تم اصدار اوامر لهم ولعائلاتهم المرافقة لهم، بالتزام أماكن سكنهم خارج القاعدة وعدم مغادرتها، خاصة وأن المناطق الشمالية الشرقية، المحيطة بهذه القاعدة وبقاعدة أفيانو الجوية، تعد من أكثر المناطق الإيطالية، تضرراً من تفشي فيروس كورونا. كذلك أغلقت قيادة الجيش الأمريكي في إيطاليا بشكل مؤقت، كافة المرافق التابعة لها خارج القواعد المذكورة سابقاً، مثل المدارس ومراكز الترفيه والكنائس وغيرها.
جدير بالذكر أن إجراءات مماثلة بدأت قيادة القوات الأمريكية في أوروبا، في التجهيز لاحتمالية اتخاذها، حيال قواعد أخرى لها في أوروبا، وهي قاعدة خليج (سودا) البحرية في اليونان، وقاعدة (روتا) البحرية في إسبانيا، وقاعدتين في بلجيكا، وقاعدة واحدة في كل من هولندا والبرتغال والنرويج، وقاعدتين في تركيا.
القوات الأمريكية في أفغانستان واليابان تتجهز
أوائل هذا الشهر، رفعت قيادة القوات الأمريكية في اليابان، ومقرها في قاعدة (يوكوتا) الجوية وسط البلاد، حالة التأهب الخاصة بالخدمات الصحية، إلى الحالة القصوى، في كافة قواعدها على الأراضي اليابانية، خاصة قاعدة (يوكوسوكا) البحرية، التي تحتضن مقر قيادة الأسطول السابع الأمريكي. كذلك تم إصدار تعليمات مشددة لقادة الوحدات التدريبية، خاصة في جزيرة (اوكيناوا)، التي يتمركز بها 47 ألف جندي، بإلغاء أية تجمعات كبيرة، بما في ذلك الحلقات النقاشية أو المحاضرات الخاصة بالتدريبات، والتي تقام في عدد من المنشآت الخاصة بالتدريب على الجزيرة، مثل معسكر (جونسلافز)، مع الالتزام بالكشف الصحي الكامل على كل الوافدين إلى كافة المعسكرات، وذلك عن طريق فرق للترصد الطبي، تم تشكيلها بالتعاون مع وزارة الصحة اليابانية.
في التاسع عشر من الشهر الجاري، أمر قائد قوات حلف الناتو في أفغانستان، الجنرال سكوت ميلر، بالإيقاف المؤقت لكافة تحركات قوات الحلف داخل أفغانستان، وهذا يشمل أيضاً منع مغادرة اية أفراد أو مجموعات من هذه القوات للبلاد. مبعث هذا القرار كان ظهور أعراض الأنفلونزا على عشرات من هؤلاء، لكن لعدم توفر إمكانيات طبية للكشف عن هذا الفيروس في أفغانستان، ستنتظر قيادة الحلف نتائج تحاليل، يتم إجراؤها حالياً في ألمانيا، على عينات تم سحبها من المشتبه في إصابتهم بالفيروس. هذا القرار سيعرقل الخطة الأمريكية، التي كانت تستهدف سحب نحو خمسة آلاف جندي من أفغانستان وإعادتهم إلى الولايات المتحدة.
هذا الوضع أيضاً سبب إرباكًا للخطط الأمريكية في العراق والخليج، حيث أضطر الجيش العراقي لتعليق أنشطته التدريبية مع الجيش الأمريكي، بعد أن سحب التحالف الدولي بعض من مستشاريه من العراق، واعادهم بشكل مؤقت إلى الولايات المتحدة. شملت الإجراءات أيضا، إصدار القيادة المركزية الأمريكية أوامر لقواتها بعدم السفر إلى منطقة الخليج، إلا في حالة الضرورة، وأمرت القوات الأمريكية في السعودية، بالحد من تحركاتها بشكل عام داخل البلاد.
باحث أول بالمرصد المصري