كورونا

الاستراتيجية الصينية لتطويق فيروس كورونا

ما إن بدأ الحديث عن فيروس كورونا المستجد COVID-19 في مقاطعة هوبي بمدينة ووهان الصينية، تولى الرئيس الصيني شي جين بينج بنفسه في ديسمبر 2019 أعمال التنظيم الخاصة بمواجهة الفيروس الذي أعلنت عنه منظمة الصحة العالمية أنه “جائحة”. هذا بالإضافة إلى متابعة إجراء التعبئة العامة على المستوى الوطني، واتخاذ تدابير الوقاية، والسيطرة بحزم لمنع مزيد من الإصابات، فقد وظّفت الصين نظامًا شاملًا لمواجهته.

وفي الخامس والعشرين من يناير تم إنشاء الفرقة القيادية للوقاية والسيطرة على انتشار الفيروس، وفي السابع والعشرين من ذات الشهر، أصدر الرئيس شي توجيهات لمنظمات وأعضاء وقيادات الحزب الشيوعي بتحمل المسؤولية ونشر المعلومات في وقتها والشفافية، والتأكيد على التعاون مع منظمة الصحة العالمية.

إجراءات حازمة وسريعة للتعامل مع الأزمة

هناك بعض العوامل والإجراءات التي اتبعتها الصين ساعدتها في نسج قصة نجاح في مواجهة الفيروس، أدت في نهاية المطاف لعودة الأطباء خط المواجهة الأول من مدينة ووهان لمواقعهم ووقوف أفراد من الجيش لتحيتهم، يمكن ذكر بعض هذه الدروس كالتالي:

  • سرعة الكشف عن الفيروس: عملت الصين في خلال أسابيع قليلة على متابعة الفيروس وإبلاغ منظمة الصحة العالمية بما توصلت له من معلومات حول التسلسل الجيني له، وذلك مقارنة بما حدث مع فيروس “سارس” في 2003 الذي استغرق التعرف عليه شهورًا. وهو أمر له دور فعّال في تطوير لقاح وخيارات العلاج، فقد اتخذت الإدارة الوطنية للمنتجات الطبية إجراءات فورية لتسريع عمل شركات التكنولوجيا الحيوية لتطوير سبل الكشف عن الفيروس، وهو ما يعكس الدور القيادي الصيني في مجال الصحة العامة العالمية.
  • اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب: فقد عكست التجربة الصينية أهمية أخذ المسؤولين الحكوميين لآراء خبراء العلوم والصحة العامة خلال هذه الأحداث، وأثبت هذا التعاون فعاليته في احتواء والتحكم في الفيروس، وتقديم إرشادات واضحة، ومتابعة التنفيذ بدقة، والحفاظ على تدفق المواد الغذائية والأدوات الطبية، وتعيين مرافق رعاية وإدارة الأمراض المعدية لعزل ورصد ومعالجة الحالات الإيجابية، وإنشاء قنوات تقارير واتصالات مركزية لاطلاع المواطنين باستمرار على المستجدات، وطورت كلية الصحة العامة بجامعة تشجيانج موادًا تعليمية سهلة الفهم للطلاب والجمهور بمعلومات حول الفيروس وكيفية منع الانتشار.
  • استخدام البيانات الضخمة والتكنولوجيا: وذلك تحت شعار “خريطة واحدة،ورمز واحد، وفهرس واحد”، وتم تطبيق ذلك في بعض المدن لمنع والتحكم في الفيروس، إذ تم إنشاء رموز صحية للجميع، يسمح من خلالها اللون الأخضر لحرية التحرك، أما الأصفر فيعني الحجر الصحي، والأحمر عزلًا ذاتيًا. بالإضافة لنظام المراقبة الصحية الذي يهدف لمتابعة كل فرد لدرجة حرارته وتسجيلها وتحديث ملفه الشخصي لتسهيل تحديد حالته الصحية. كذلك تم استخدام الروبوتات لتوصيل الإمدادات لتقليل التواصل المباشر مع المرضى، واستخدامها في مهام التعقيم داخل المستشفيات، والطائرات بدون طيار لتطهير المناطق ذات المساحات الواسعة.
  • تأثير اتباع التدابير الوقائية على مسار الفيروس: إذ يرجع ارتفاع معدل الوفيات في مدينة ووهان بشكل جزئي إلى نقص الموارد الطبية والافتقار لسرعة التعامل مع العدوى، بعكس مدن صينية أخرى مثل شيجيانج وهانجتشو، لذا فقد ظهرت ضرورة تقييم حجم الموارد الطبية ونظم الاستجابة، لذا فقد استطاعت الحكومة الصينية تنفيذ تدابير قوية وحازمة لحجر مدينة ووهان، وتنفيذ إجراءات مماثلة في كل مدينة وقرية تقريبًا، وذلك في المكاتب والمدارس والتجمعات والمنازل، لأن كل الأشخاص عليهم نفس المسؤولية لمحاربة الفيروس، وهذا ما حدث في مدينة هانجتشو التي لم يتم تسجيل أي حالات إصابة بها. أضف إلى ذلك الإجراءات الخاصة بفرض قيود صارمة على السفر، واختبارات الحرارة في المطارات ومحطات القطارات، وبناء مستشفيين جديدين (هوشنشان، ليشنشان) في غضون 10 أيام، وتمديد عطلة عيد الربيع لخفض معدل انتقال وحركة العاملين، والحث على التبليغ عن الحالات المصابة ومراقبة الناس لأنفسهم لاحتواء الفيروس، لأن عدم اتخاذ الحكومة لهذه الإجراءات يعني سرعة انتشار الفيروس وتهديد الأمن والاقتصاد العالمي.
  • العمل على اكتشاف لقاح للمرض: لم يقتصر الأمر على سبل المكافحة وتطويق الفيروس، بل السعي لاكتشاف لقاح له، فعلى الرغم من أن الأمر يستغرق ما بين 12 إلى 18 شهرًا على الأقل للتأكد من أن اللقاحات آمنة، فقد أكد مسؤولون صينيون إنه يتم العمل على لقاح من قبل ثمانية معاهد في البلاد ليكون جاهزًا بحلول شهر أبريل المقبل وسيتم تجربته على الحالات الطارئة.
  • الحفاظ على اقتصاد مستقر: رغم فرض البلاد إجراءات صارمة خلال الفترة الماضية لتثبيط تدفق السكان، لكن تم اعتماد تدابير قوية لحماية الاقتصاد حيث تم الإبقاء على فتح طرق النقل الخاصة بالمواد اللازمة لمكافحة المرض والحفاظ على سبل العيش في ذروة الأزمة. ذلك بالإضافة لاتخاذ تدابير مالية تشمل تشجيع إعفاءات الإيجار في مباني المكاتب والمحلات التجارية وتقديم المساعدة المالية للشركات التي تواجه صعوبات جسيمة.
  • استمرار التواصل والتعاون مع العالم: إذ تبادلت الصين المعلومات المتعلقة بالمرض علنًا وتدابير الوقاية من الأوبئة وأرسلتها لمنظمة الصحة العالمية للمساعدة في الاستعداد للانتشار، بالإضافة للتواصل مع العديد من القادة ومسؤولين في أكثر من 20 دولة لمتابعتهم بالتقدم الذي تحرزه الصين، وتقديم الشكر لهم على دعمهم لبكين في مواجهتها.
  • توفير الحماية للأجانب المقيمين على أراضيها: فقد عقدت وزارة الخارجية الصينية لقاءات مع البعثات الدبلوماسية لديها لمشاركة المعلومات والبيانات معهم، وترجمة تعليمات الوقاية من الفيروس إلى ست لغات، وتشغيل الخطوط الساخنة في العديد من المقاطعات لتلقي استفسارات الأجانب، بالإضافة للاهتمام بحماية وتغذية الطلاب الوافدين في الجامعات.
  • تآزر كل مؤسسات الدولة: فقد قامت الحكومة المركزية بإرسال الكمامات والملابس الواقية والأدوية لووهان، عن طريق التعاون مع المقاطعات الأخرى لضمان تشغيل المصانع الخاصة بذلك وتوريدها للمدينة. وقامت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات بمراقبة وقيادة المؤسسات الحاصلة على ترخيص إنتاج المواد الطبية وتوجيهها لتصنيع الإمدادات الطبية، وخصص البنك المركزي الصيني ميزانية خاصة للسيطرة على الفيروس تعادل مائة وثلاثة وسبعين مليار دولار. دعوة خبراء من هونغ كونغ وماكاو وتايوان لإجراء دراسات ميدانية في ووهان.

تضامن مصر والعديد من دول العالم مع الصين

أشادت منظمة الصحة والعالمية بجهود الصين في مكافحة الفيروس، ودول أخرى مثل مصر والإمارات والجزائر ولبنان وبريطانيا وأستراليا واليابان والبرازيل وسنغافورة وإندونيسيا وكندا وبنجلاديش، وباكستان، وأرسلت لها الكمامات والملابس العازلة والقفازات الطبية.   

وتعبيرًا عن عمق العلاقات الثنائية بين البلدين مصر والصين، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي خطابًا لنظيره الصيني، وأجرى وزير الخارجية سامح شكري اتصالًا بنظيره الصيني، لإظهار الدعم والمؤازرة لمكافحة الصين للفيروس، وأعربت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد عن تقديرها لموقف الصين الذي ينمّ عن تحمّل المسؤولية، وتوجهت في زيارة خاصة لتقديم التعازي والدعم، وقدّمت عشرة أطنان من الإمدادات الطبية الوقائية كهدية تضامن من الشعب المصري. بالإضافة إلى إضاءة المعالم الأثرية المصرية الهامة بعلم الصين تعبيرًا عن التضامن، وتلقت السفارة الصينية في مصر خطابات من البرلمان المصري والأحزاب ووسائل الإعلام والجامعات تدعم الصين.

وأيضًا، أصدر الاتحاد الأفريقي بيانًا أعرب فيه عن دعمه لبكين. وتوجهت طائرة شحن طبية عراقية في 14 فبراير لمساعدة الصين في جهودها، تحمل نحو 78 طنًّا من أغطية الوجه والكفوف، تم جمعها من أنحاء العراق بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، ووضع لافتات على الطائرة تحمل العلمين العراقي والصيني، وشعار جمعية الصداقة العراقية- الصينية، وجملة “الصحة والسلامة لإخواننا الصينيين”.

ولم يمنع الحصار المفروض على الفلسطينيين من تعبيرهم عن التضامن مع الصين، فقد نظمت مؤسسة “عطاء فلسطين الخيرية” في غزة وقفة رددت هتافات منها “نتضامن مع الحكومة الصينية في القضاء على هذا المرض القاتل”.

رغم الأزمة.. الصين تقدم يد العون

أعلنت الصين إرسالها لفريق من 7 خبراء طبيين تحت قيادة منظمة الصليب الأحمر الصينية لمساعدة إيطاليا في محاربة الفيروس، كونها البلد الأوروبي الأكثر تضررًا، و5 خبراء لتقديم مساعدات مماثلة لإيران تشمل معدات التشخيص السريع عن الفيروس ومستلزمات طبية منها أجهزة توليد الأكسجين، ونقل الخبرات الناجحة من الصين. فقد أعرب الرئيس الصيني عن استعداد بلاده لدعم طهران، وأن بلاده لم تنس دعم الحكومة الإيرانية وشعبها. 

وتعاون فرع شركة الصين للإنشاءات الهندسية بمصر مع الهيئات الصحية المصرية في إنشاء منظومة شاملة للوقاية من الفيروس، التي تشمل بوابات حرارية لفحص درجات حرارة المارين. وأنشأت السفارة الصينية في مصر آلية لمعالجة الطوارئ مع الأجهزة المصرية.

ختامًا، ظهر الشعب الصيني موحّدًا، وعبّئت المؤسسات الموارد من أجل المشاريع الكبرى، ووظّفت قدراتها المادية والتكنولوجية الضخمة لتطويق الفيروس ومعدل انتشاره، مما جعلها تتمتع بثقة وقدرة وتصميم أكبر من أي وقت آخر.

ما قامت به الصين من خطوات على المستوى المحلي والخارجي والذي يظهر في انخفاض عدد الحالات المؤكدة بالإصابة وتراجع معدل الوفيات، يثبت ضرورة وأهمية الاستعداد للوقاية من تفشي الأمراض المعدية والسيطرة عليها، بما يساعد في التفكير في كيفية تحديث سبل مكافحة الأمراض والوقاية منها عالميًا.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

فردوس عبد الباقي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى