
سباق مع وباء “كورونا” في ليبيا … ما بين الرصاص وقلة الإمكانيات
تتفاقم يومًا بعد آخر تعقيدات المشهد الليبي، بعد أن بدأت حكومتا الوفاق “طرابلس” والمؤقتة “بنغازي” منذ يومين، في تنفيذ إجراءات عاجلة لمحاولة تأخير وصول موجة الإصابة بفيروس كورونا إلى الأراضي الليبية، وهي إجراءات تبدو وكأنها “أضعف الإيمان”، في ظل شح الإمكانيات واستمرار تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة الغربية، وكذلك استمرار خروقات الميليشيات والمرتزقة، للهدنة المفترضة في محاور طرابلس الجنوبية، والمحاور الشرقية لمدينة مصراتة، وذلك عبر سلسلة مستمرة من الهجمات.
الجيش الوطني الليبي أعلن خلال الساعات الماضية عدة قرارات جديدة لمواجهة هذا الموقف، تضاف إلى قرارات سابقة تم اتخاذها منذ يومين، وبموجبها تم البدء في تجهيز مستشفيي طوارئ، استعدادًا لظهور أية حالات إصابة مؤكدة بهذا الفيروس، الأول داخل قاعدة بنينا الجوية، والثاني في منطقة الهواري بمدينة بنغازي شرقي البلاد، على أن يتم تمويل كافة التكاليف الخاصة بالإنشاء والتجهيز من ميزانية الجيش الوطني.
القرارات الجديدة تضمنت تكليف كل من الدكتور عبد الحق المنصوري والدكتور أحمد المجبري، بمهمة إدارة المستشفيين الميدانيين في الهواري وقاعدة بنينا الجوية، وتشكيل لجنة عليا تحت اسم “اللجنة العليا لمكافحة وباء كورونا”، برئاسة رئيس الأركان العامة للجيش الوطني، وعضوية وزيري الداخلية والصحة في الحكومة المؤقتة. تعاون هذه اللجنة لجنة متخصصة هي “اللجنة الطبية الاستشارية”، والتي ستتولى مهمة الإشراف على تشخيص الحالات المشتبه بتعرضها للإصابة وعزلها وعلاجها، وكذلك الإشراف والرقابة على الدواء والمستحضرات الطبية، والتجهيزات والمستلزمات الصحية، وستتولى رئاسة هذه اللجنة الدكتورة فتحية العريبي، التي ستكون أيضًا ضمن أعضاء اللجنة العليا لمكافحة وباء كورونا.
وبالفعل عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول في مدينة بنغازي، برئاسة رئيس الأركان العامة للجيش الوطني، الفريق عبد الرازق الناظوري، وأقرت مجموعة من القرارات العاجلة، من بينها تجهيز مستشفى الهواري العام ليكون مقرًا للحجر الصحي في حالة رصد أية إصابات مؤكدة على الأراضي الليبية، ولهذا الغرض تم تكليف عدة شركات، بمهمة صيانة وتجهيز المهمات الميكانيكية والكهربائية والطبية داخل هذا المستشفى، بغرض تجهيز ما يقرب من 150 سرير تجهيزًا كاملًا، من ضمنها نحو 35 سرير مجهزة للعناية المركزة. تقرر خلال هذا الاجتماع أيضًا، استمرار الاعتماد على مستشفى الكويفية للصدر، كمقر مؤقت للحجر الصحي العام، مع توفير مراكز إضافية للحجر الصحي، في مناطق البريقة وسرت وأجدابيا وواحة الكفرة، وأماكن أخرى احتياطية وبديلة قد تشمل مرافق خاصة مثل الفنادق والمستشفيات الخاصة، وكذا متابعة وضع المخزون الاستراتيجي من الأدوية والمهمات الطبية، وجاهزية عربات الإسعاف والعناية المركزة.
ميدانيًا، بدأت وحدات الجيش الوطني، في تنفيذ خطة شاملة، لتعقيم المرافق الحيوية والمنشآت العامة في كافة الأراضي الليبية، وكانت البداية مع عملية تطهير شاملة لمطار بنينا الدولي، نفذتها وحدة الحرب الكيميائية التابعة للكتيبة 155 مشاة.
الحكومة المؤقتة أصدرت بدورها عدة قرارات جديدة في هذا الصدد، من بينها قرار وزير الداخلية المستشار إبراهيم بوشناف، القاضي بإغلاق المنافذ البرية والجوية والبحرية أمام كافة الرحلات القادمة إلى البلاد، عدا رحلات شحن البضائع، وذلك بدءًا من الخميس المقبل. كذلك قرر رئيس الوزراء عبد الله الثني، إغلاق كافة المساجد بشكل كامل، وعدم فتحها إلا فقط بغرض رفع آذان الصلوات الخمس، وقد اتُخذ هذا القرار عقب قرار هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي لم يحسم هذه المسألة، وسمح بإقامة صلاة الجماعة وصلاة الجمعة، في الساحات الخارجية للمساجد.
وزارة الصحة بالحكومة المؤقتة، أصدرت تعميمًا على العاملين بالقطاع الصحي والطبي، يتضمن مجموعة إجراءات احترازية لمواجهة فيروس كورونا، منها التقليل قدر الإمكان من الزيارات لديوان الوزارة والجهات التابعة لها إلا في حالات الضرورة القصوى، واعتماد الوسائل الإلكترونية المتاحة للتواصل مع كافة الإدارات والأقسام، وكذا تطهير وتعقيم المكاتب الإدارية والأقسام وغرف العناية المركزة والعمليات وأقسام الإسعاف والطوارئ بكافة المستشفيات والمؤسسات الطبية.
وأعلنت حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، من جانبها سلسلة إجراءات جديدة، تدخل ضمن خطة الطوارئ التي أعلنها رئيس مجلسها الرئاسي فائز السراج منذ يومين، من هذه القرارات، قرار وزير الاقتصاد والصناعة المفوض علي العيساوي، بحظر تصدير كمامات الفم والأنف، والأجهزة المساعدة على التنفس ومواد التعقيم بجميع أنواعها. وأعلن وزير المواصلات ميلاد معتوق عن إجراءات جديدة بخصوص المسافرين الليبيين الموجودين خارج البلاد، حيث أعلن أن معبري رأس جدير ووازن بين ليبيا وتونس، سيكونان هما المنفذ الوحيد لدخول البلاد، حيث سيتم السماح بالدخول فقط لحاملي الجنسية الليبية العالقين في الخارج، دون السماح لأية جنسيات أخرى بالدخول إلى البلاد، وكذلك منع الخروج من البلاد بشكل تام لكافة الجنسيات بما فيها الجنسية الليبية.
وزير الموصلات لم يقدم خلال مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه عن هذه القرارات، أية حلول لمعضلة الليبيين العالقين في مطار إسطنبول التركي، وأغلبيتهم العظمى من جرحي ميليشيات حكومة الوفاق، الذين سافروا للعلاج في إسطنبول مع مرافقين من عائلاتهم، وهم يقبعون هناك منذ يوم الأحد الماضي، دون القدرة على العودة إلى ليبيا مرة أخرى. هذا الوضع دفع هؤلاء لاقتحام مبنى القنصلية الليبية في إسطنبول؛ احتجاجًا على عدم تسفيرهم على متن رحلتين جويتين، وصلتا مساء أمس إلى ليبيا، قادمتين من إسطنبول، وكانتا تحملان حسب زعمهم، مزيدًا من المرتزقة السوريين.
استمر هذا الوضع حتى اليوم، رغم إعلان الناطق باسم وزارة الخارجية بحكومة الوفاق محمد القبلاوي، عن بدء القنصلية الليبية، تسكين هؤلاء العالقين في فنادق بالعاصمة التركية. منذ ساعات، أعلنت شركة الخطوط الجوية الإفريقية، عن إنشاء جسر جوي عاجل، لإعادة كافة العالقين إلى طرابلس، وهو ما يعني عمليًا، عدم تنفيذ قرار حكومة الوفاق السابق، والقاضي بإغلاق كافة المنافذ البحرية والجوية بشكل كامل.
عدة بلديات تابعة لحكومة الوفاق، بدأت في تنفيذ إجراءات محلية لمكافحة الانتشار المحتمل لفيروس كورونا، من بينها المجلس البلدي لمدينة سبها، الذي أعلن عن تشكيل غرفة عمليات متخصصة من أجل هذه الغاية، وكذلك بلدية الجفرة، التي شكلت لجنة طوارئ برئاسة عميد البلدية، وفريق عمل من الأطباء المتخصصين في أمراض الجهاز التنفسي، بهدف إقامة نقاط كشف ورصد في مداخل الطرق الرابطة بين الجفرة ومدن سبها وسرت ومرادة.
حتى الآن نستطيع أن نعتبر أن ليبيا مازالت خارج دائرة الاجتياح التي بدأت في أكثر من مائة دولة، تم تسجيل حالات إصابة مؤكدة بفيروس كورونا بها، فوزارة الصحة في الحكومة المؤقتة، أعلنت في بيان لها أن الحالات الخمس الأولى التي تم الاشتباه بها، بواقع حالة في مستشفى صبراتة، وحالتين في مستشفى الخضراء، وحالتين في مستشفى طرابلس، كانت جميعها سلبية وخالية من فيروس كورونا، وكذلك حالة سادسة وصلت إلى مركز طبرق الطبي فجر الثلاثاء، وتم التأكد من سلبيتها. البيان الذي أصدرته سفارات الجزائر وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبريطانيا والولايات المتحدة، بجانب بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا، ووزارة الخارجية التونسية، والذي يدعو كافة الأطراف الليبية لوقف القتال، لمواجهة فيروس كورونا، ربما يكون هو البيان الأكثر طرافة على مدار سنوات الأزمة الليبية، فبعض هذه الدول، تجاهل ويستمر في تجاهل، تدفع الأسلحة التركية والمرتزقة السوريين إلى طرابلس، وهو السبب الرئيسي بجانب الوجود الميليشياوي في طرابلس، الذي أدى بهذا البلد الغني بثرواته النفطية، أن يصبح في هذه المرحلة من الضعف في الإمكانيات الطبية، والتي قد ينتج عنها كارثة كبيرة في حالة بدء تسجيل حالات إيجابية لفيروس كورونا على الأراضي الليبية.
باحث أول بالمرصد المصري



