
رغم تعاونهما الواسع: لماذا تراجعت إسرائيل أن تكون جزءا من مشروع تركيا في شرق المتوسط؟
تحرير: نوران عوضين
يدور النقاش بالحلقة الجديدة من سلسلة “ أطماع وأوهام..الوجه التركي القبيح في شرق المتوسط” حول مجالات التعاون التركي الإسرائيلي، والتركى القطري، مع تركيز الحديث حول الرغبة التركية منذ ما يقرب من نحو عشرة أعوام في توطيد التعاون مع إسرائيل من خلال إضافة وجه جديد متمثل في التعاون بمجال الطاقة.
الحلقة الثالثة: تركيا وإسرائيل.. تصريحات حادة وتعاون مستتر
ترتبط تركيا مع إسرائيل بعلاقات اقتصادية وعسكرية قوية منذ العام 1949. فعلى الرغم من حدة التصريحات السياسية الواردة من الجانب التركي في اتجاه إسرائيل إلا أنه من واقع الأرقام، فإن الأمر مغاير لتلك الحدة.
يعد السوق الإسرائيلي من أهم الأسواق لتركيا في العالم. فعلى الرغم من الخلافات الدبلوماسية والسياسية التي طرأت على العلاقات ما بين البلدين خاصة بعد أحداث سفينة مرمرة عام 2010، إلا أن العلاقات الاقتصادية كان لها رأي مغاير. بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين لعام 2009 أكثر من 2.5 مليار دولار، وفي عام 2014، ازداد حجم هذا التبادل ليصل إلى نحو 5.8 مليار دولار. وفي عام 2016، وقع الطرفان اتفاق لتطبيع العلاقات البينية، ولكن لم يخلوا الأمر من مناوشات كلامية بين الحين والآخر، علاوة على إعلان الولايات المتحدة اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2017، وهو الحدث الذي ازدادت في إطاره حدة التصريحات التركية سواءً خلال زياراتها الخارجية أو خلال كلماتها بساحة الأمم المتحدة، ولكن كالمعتاد لم يكن لمواقف تركيا السياسية المعلنة مردودًا على جانبها الاقتصادي، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما عام 2018 نحو 5.6 مليار دولار.
إلى جانب العلاقات الاقتصادية، ترتبط تركيا بعلاقات عسكرية قوية مع الجانب الإسرائيلي، تتراوح ما بين اتفاقيات تطوير أسلحة وتدريب للعسكريين. وقد كان آخر ما تم الكشف عنه في إطار تلك العلاقة، ما أشارت إليه التقارير الصحفية بشأن الدبابات التي استخدمتها تركيا خلال غزوها الأخير لمناطق الشمال السوري، والتي تم تطويرها في إسرائيل بعقد ضخم يبلغ مئات الملايين من الدولارات.
في ضوء تلك العلاقات التجارية العسكرية، ومع بداية الأزمة بين روسيا وأوكرانيا فى عامي 2006 ثم عام 2009 والتي منعت وصول 93 مليار متر مكعب من الغاز كانت تمر عبر خمس خطوط غاز من أوكرانيا، بدأ طموح متبادل بين تركيا وقطر من جانب تدعمه الادارة الامريكيه السابقه لتطوير شكل جديد من العلاقات مرتبط بمجال الطاقة لنقل غاز قطر إلى أوروبا، وسرعان ما تطور هذا الطموح لتركيا من جانب آخر بعد الكشف الإسرائيلي عن حقل ليفياثان وبالتالى أصبح المخزون الإسرائيلى من الغاز حوالى 29 ترليون قدم مكعب ويسمح لها بتصدير كميات كبيرة، ولأن الشريك الأجنبى فى الحقول هى شركات أمريكيه عليها تطوير الحقول بحفر آبار إضافيه للوصول بالإنتاج إلى أقصاه ومن ثم تصديره إلى السوق الأوروبية لتصريف منتجات هذا الكشف، ولكن لا يمكن للشريك الأجنبي دفع تكاليف التطوير للحقل التي تصل إلى 12 مليار دولار، بالإضافه إلى 6 مليار دولار لتطوير حقل تمار، إلا بوجود منفذ تصديري ومن خلاله يباع كم من الغاز يسمح لهم بالحصول على أموال للصرف على التطوير، حيث اقتصر الإنتاج من حقل تمار لتغطية الاحتياج المحلي فقط فى إسرائيل وهو قليل جدا نتيجة عدد السكان، وللاستفاده من هذا المخزون الضخم ولتطوير الحقلين، كان لزاما أن تحصل الشركات الأجنبيه فى إسرائيل تدريجيا على ما قيمته 18 مليار دولار من بيع الغاز من الحقلين لسداد تلك التكاليف التى ستستثمرها الشركات، وهذا أمر حتمي، وهو ما تلاقى مع الرغبة التركية في أن تكون بديل عملى عن نقص الغاز الذى تسببت فيه الأزمه بين روسيا وأوكرانيا، فعملت تركيا على محورين: محور نقل غاز قطر مرورا بالسعوديه والأردن وسوريا إلى أراضيها ومن ثم إلى أوربا، ومحور نقل غاز شرق المتوسط أيضا بداية بغاز إسرائيل، لكي تصبح تركيا المعبر الرئيسي لتلك المنتجات نحو السوق الأوروبية، ولأن مرور الغاز الإسرائيلي عبر أراضيها يمنحها أسعار تفضيلية تصب في مصلحة اقتصادها المتراجع، ويضمن تنويع مورديها من الغاز وعدم الاعتماد الكامل على الغاز الروسي الذي يوفر نحو 60% من احتياجاتها، وأخيرًا، فإن وجود علاقة جيدة لتركيا مع إسرائيل يضمن لها طريق خلفي مع الولايات المتحدة في حال تراجع علاقتها مع الأخيرة، فضلا عن أن هذا سيكسبها ثقل سياسي يفرض نوع من السيطرة على قرار الاتحاد الأوربى ويساعدها في الانضمام إليه، وأيضا التأثير على قرار الاتحاد الاوروبى فيما يتعلق بشئون الشرق الاوسط، كالدفع بأي حكومات إخوانيه جديدة في بلاد الربيع العربي وما قد يستجد من دول أخري، فتصبح السيطرة الإخوانيه على الشرق الأوسط أسهل.
قطع العلاقات لم يكن عائقًا أمام الطموح التركي
بدأ الطموح التركي في أن تكون بوابة عبور الغاز إلى أوروبا فى عام 2007 حيث بدأت تركيا محادثات مع اليونان لإنشاء خطوط للغاز الطبيعي تصل إلى إيطاليا، إلا أن تغير طموح تركيا بعد الإعلان عن ثروات شرق المتوسط فى 2010 كان السبب الرئيسى أن هذه المحادثات لم تكتمل.
وفي ضوء تصاعد الخلافات الروسية الغربية بعد الأزمه مع أوكرانيا فى 2009 والعناء الشديد الذى تحملته الدول المستورده للغاز الطبيعى نتيجة تلك الأزمة، تزايد الطموح التركي أن تكون بوابة العبور البديله لموردين جدد للقارة الأوروبية، وتوافق هذا الطموح مع الدعم الأمريكي لقطر أن تكون البديل للغاز الروسي الذى كان يمر من أوكرانيا، ومن ثم بدأ التفكير في خط يبدأ من قطر يمر بالسعودية ثم الأردن ثم سوريا وينتهي بالأراضي التركية ومنها إلى أوربا، وهذا يتوقف بشكل أساسى على وجود بشار الأسد في الحكم داخل سوريا الذى رفض مرور هذا الخط من أراضيه دعما لحليفه الاستراتيجى” روسيا ” وهو السبب الرئيسي لكل ماحدث في الداخل السورى لاحقا من إمداد محاربي الدواعش والإخوان بالسلاح وتحويل المعارضة إلى معارضة مسلحه حيث قامت تركيا وقطر بدور أساسي في توفير الأسلحه والعلاج واللوجيستيات، أملا فى اسقاط بشار الأسد ليمر الخط، وفي هذا الوقت كانت السعوديه والإمارات أيضا لا ترى فى بقاء الأسد خيار مقبول لهم نتيجة دعم إيران وروسيا له.
بينما دار تصور الخط الثاني حول إنشاء خط من إسرائيل إلى تركيا مرورًا بالمياه الاقتصاديه القبرصية، أو من خلال خط بحري يمر بالمياة الاقتصاديه لكل من لبنان وسوريا بمحاذاة الشاطىء.
وعليه، في حال افتراض قيامها بالفعل بنقل غاز بحر قزوين لأوروبا من أذربيجان وتركمانستان عبر خط (TANAP) الذى يحمل 31 مليار متر مكعب ، وإتمام إنشاء الخط الواصل من قطر مرورا بالسعودية، الأردن، وسوريا بقدرة 30 مليار متر مكعب، والخط الواصل من إسرائيل بقدرة 21 مليار متر مكعب ، يترتب على ما تقدم أن يمر من أراضيها 82 مليار متر مكعب من إجمالى 200 متر مكعب تستوردهم أوروبا من الغاز الروسى، ومع إمكانية مد خط آخر من قطر مستقبلا، بالتالي تصبح تركيا دولة عبور رئيسية للغاز أمام الأوروبيين يمر من خلالها أكتر من نصف ما تستورده من الغاز في حالته الغازية، علاوة على إسهامها في تقليل الاعتماد الأوروبي بشكل جزئي على الغاز الروسي، وتصبح تركيا هنا فاعل مؤثر بالقارة وحليف أو ورقة ضغط على الجانب الأوروبي.
وكما سبق توضيحه بالحلقة الأولى من السلسلة، فمنذ عام 2010 بدأت تتبلور المناطق التى وجد بها غاز بكميات كبيرة بالمنطقة، بإسرائيل وقبرص، وفي نفس العام وفي أعقاب اكتشاف حقل “ليفاثان”، طرحت شركة “ديليك” الإسرائيلية مسألة إمكانية تصدير الغاز إلى تركيا. كان التصور حينها أن يتم ربط حقل “أفروديت” القبرصي بحقل “تمار” الإسرائيلي من خلال أنبوب ساحلي له احتمالين، الأول: أن يمر من المياة الاقتصاديه اللبنانية ثم السوريه إلى المياة التركية الاقتصاديه حتى” ميناء جيهان” والموضح بالخريطه بالخط اللبني، والاحتمال التاني: يتفادى المياه اللبنانية، حيث تبلور خلاف بين لبنان وإسرائيل على الحدود الاقتصاديه ) والسورية ويمر بالمياه القبرصية وصولًا إلى تركيا (وهو الخط الموضح باللون الأزرق بالخريطة التالية، “ومن الأرض يمد خط إلى أوروبا. قُدرت تكلفة هذا الخط حينها حوالي 5-6 مليار دولار، وخُطط له نقل حوالى 21 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا إلى أوروبا، بما يعادل عشر استهلاك أوروبا من الغاز المستورد من روسيا.
وقد عملت تركيا على توفير ممولين لهذا الخط، ولكن الدراسات المبدأية كانت تحوي مشاكل فنية تتعلق بطبيعة الأعماق التي سيمر بها الخط في أى من المسارين المقترحين أثناء تنفيذه، فضلًا عن مشاكله السياسية الخاصة بالنزاع القبرصي التركي السابق توضيحه بالحلقة الثانية، فمع الصراع اللبناني الإسرائيلى على الحدود الاقتصاديه والوضع المعلق بالحرب الداخليه الدائره فى سوريا، جعل الاحتمال الأول لهذا الخط المزمع انشاؤه صعب تحقيقه، وظل موقف قبرص من الاحتمال التاني أن يمر الخط من مياهها الاقتصاديه معلقا لسببين :
الأول : أن قبرص مرت بوضع اقتصادي صعب بعد الأزمه العالمية، نتيجة خساره أكبر بنكين هناك مبلغ 9 مليار يورور فى الاستثمارات اليونانيه في قطاع العقارات، مما اضطرها لطلب قرض من الاتحاد الأوروبى الذى وافق على إقراضها 10 مليار يورو فقط آخذا فى الاعتبار اكتشافات الغاز فى الجزيره حديثا، وأضطرت قبرص إلى توفير 8 مليار يورو أخرى بخصم 40% من أى أموال سائله فى البنوك للأفراد والشركات، حدث هذا بين يوم وليلة، مما أدى إلى انكماش شديد في الاقتصاد، وللتعافي الاقتصادي يجب استخراج الغاز سريعا وبيعه،, وفي ظل التهديد الإخوانى بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود الموقعه فى 2003 بين مصر وقبرص وإهدار حقوق قبرص المائية، لم يكن أمام الإدارة القبرصيه اختيار سوى إسالة غازها فى مصر مع هذا الموقف المناقض للقانون الدولي.
الثانى : أنه فى ظل التهديد الذى رأته قبرص أثناء تولي الإخوان حكم مصر والخطوات التى اتخذوها بإرجاع اتفاقية الترسيم إلى مجلسهم للتصويت على إلغائها مباشرة قبل ثورة 30 يونيو، ربما يكون خط غاز تمار جيهان هو المنفذ الوحيد لتصدير غازها ومن ثم التغلب على مشاكلها الاقتصادية، ولكنه خيار صعب عليها، لأن تركيا ستزيد سيطرتها على قبرص وبالتالى تثبيت حقهم الغير شرعي في احتلال الجزء الشمالي وفرض قيود جديدة على قبرص تتعلق بحقوق القبارصه الأتراك في الجزء المحتل.
وجاء موقف الإداره المصريه الجديد بعد الثوره داعما للقانون الدولي باحترام تعهدات الدوله السابقة متمثله فى اتفاقية الترسيم الموقعه من الطرفين عام 2003 , وهو السبب الرئيسى الذى اكسب قبرص اليقين والقوه لرفض مرور هذا الخط من مياهها الاقتصادية، واتخذت فشل المحادثات بين تركيا وقبرص فى جنيف على حل أزمة أراضيها المحتله من تركيا كسبب لرفض مرور الخط، والاتجاه البديل بتسييل غازها فى مصر الذى سيبدأ فور الانتهاء من إنشاء خط الأنابيب الذى يربطها بمصر عام 2024 وهنا تأكد فشل الاحتمالين تماما سواء عبر الطريق الساحلى مرورا بلبنان ثم سوريا أو الاحتمال الآخر بمرو الخط خلال المياه القبرصيه الاقتصاديه التى ثبت حقها فيها بنائا على احترام مصر لتعهداتها الدوليه والذى يحمي أيضا حدود مصر المائيه أمام شركات التنقيب التي تكون استثماراتها بمئات الملايين تصل إلى عدة مليارات في التنقيب واستخراج الغاز ولن يقدم أحد من شركات التنقيب فى مياه متنازع على ملكيتها لأنها مرسمه على خلاف القانون الدولى وعليها نزاع مع قبرص واليونان والاتحاد الأوروبى الذى سيمنع شركاته ومنهم إيني الإيطالية من التنقيب فيها.
وفيما بتعلق بالوضع السوري، مثلت أيضا ثورة 30-60 تحولا رئيسيا فى الملف السوري إجمالا، لأن الموقف المصرى كان واضحا من وحدة الأراضى السورية التى أراد الإخوان لها أن تقسم، ورفضته الإداره المصرية تماما بعد الثورة، وكان للمعلومات التى أمدت بها مصر كلا من السعوديه والإمارات عن المخطط العام لقطر وتركيا أهمية كبيرة، حيث رأوا فيها تهديدا حقيقيا على سلامة أراضيهم مستقبلا، وهذا ما كان له الاثر الكبير فى تحول موقفهما من الملف السوري، وانتهاء دعمهما لقطر، والقناعه ببقاء بشار الأسد كرئيس لسوريا، وهو الموقف المضاد تماما لموقفهما سابقا، ومن ثم حدث التحالف الرباعى بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين ضد قطر وتركيا لاحقا، مما ساعد على بقاء الأراضى السورية موحده، ورفع الكثير من العناء عن روسيا فى الدفاع عن سوريا، وهذا مثل أيضا السبب الرئيسي لانتهاء أمل تركيا في نقل الغاز القطري عبر سوريا، وبقى حلم تركيا أن تكون معبر الغاز الرئيسي لأوروبا معلقا مع استمرار الأسد بالسلطة ورفض الإدارة القبرصية مرور خط إسرائيل تركيا من أراضيها ، وهو السبب الرئيسى لتخبط تركيا سواءا بمحاولة سيطرتها على إدلب السورية، أو الذهاب إلى “محور ليبيا تركيا” باتفاقية اردوغان السراج مؤخرا الغير قانونيه تماما، كمحاوله بائسه لاعتراض خط “إيستميد”، الذى تم التوقيع عليه بين قبرص وإسرائيل واليونان مؤخرا ولم تشترك مصر فى الاتفاقيه لامتلاكها بنى تحتية تسمح بتصدير إنتاجها من الغاز بصورة سائلة، وبقى لتركيا الأمل الوحيد للحصول على أى مكاسب من غاز المتوسط متمثلا فى مصدرين:
الأول: أن الجانب التركي يرى أنه لا يحق لقبرص الرومية أن تنقب عن الغاز في المياه الإقليمية والاقتصاديه للجزيرة من دون التوافق مع قبرص الشمالية. إذ يعد هذا انتهاكا لحقوق القبارصة الأتراك فى شمال الجزيرة.
التاني: رؤيتها الخاصة في شأن حدود مناطقها الاقتصادية والتي انتزعت فيها مناطق قبرصية ويونانية خالصة ضمتها إلى نطاق حدودها ، وكلاهما منافى للقانون الدولي.
الموقف الإسرائيلى وتطبيع العلاقات وعودة المشاورات البينية
وصولًا إلى العام 2016، وتوقيع الجانب التركي لاتفاق تطبيع العلاقات مع نظيره الإسرائيلي، كان الموقف الإسرائيلي مازال مذبذبا بخصوص نقل غازه إلى أوربا مع ازدياد الأمر تعقيدا فى كل من الاحتمالين لنقل الغاز عن طريق تركيا، ولكن تركيا لم تفقد الأمل السابق، حيث اتفق وزراء طاقة البلدين على بدء المباحثات الخاصة بدراسة هذا الموضوع. ارتبطت تلك المباحثات بزيارات لمسؤولين أتراك إلى إسرائيل واجتماعهم بمسؤولين عن شركات إسرائيلية مختصة في مجال الطاقة والغاز وبحث إمكانية شراء الغاز ونقله إلى تركيا. وعلى الصعيد غير الرسمي، تصاعد الحديث حول قيام شركة “زورلو هولدينج” المقربة من الرئيس التركي بتشكيل تكتل إلى جانب 15 شركة آخرى معنية بالطاقة بهدف جمع التمويل اللازم للاستثمار في مشروع الربط الغازي بين إسرائيل وتركيا، فضلًا عن مشاركة شركة “زورلو” في الاستثمار بمحطات الطاقة الإسرائيلية.
وعلى الرغم من الزيارات التبادلية والاستثمارات الدافعة نحو إتمام المشروع، ولكن مرة آخرى لم يكتمل الأمر. فإلى جانب تأكيد الجانب القبرصي رفضه مرور أنابيب غاز عبر مياهه إلى تركيا، أعلنت كلًا من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا رفضهم للمشروع. فباعتبار الدول الثلاث هي أكبر مستورد للغاز في أوروبا، فقد اتفقوا على رفض شراء الغاز الإسرائيلي القادم عبر تركيا خاصة بعد الممارسات التركية على الصعيد الداخلي في أعقاب أحداث الانقلاب الفاشل، وما أعقبها من انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، بجانب وهو الأهم سياسة الابتزاز التي اتبعها أردوغان في التعامل مع أوروبا، حينما قام بابتزازهم بملف اللاجئين. وبالتالى أصبحت إسرائيل محاطة من كل الجوانب وليس لها أى خيار آخر إلا تسوية غرامات التحكيم التى كسبتها مع مصر التى أشرنا لها فى الحلقات السابقة، ولأن إسرائيل لن يمكنها تطوير حقولها لزيادة الإنتاج إلا بتسييل الغاز فى مصر، ليحصل الشريك الأجنبي على أموال يطور بها الحقول هناك، أقدمت مجموعة “ديليك للحفر” الإسرائيلية في فبراير 2018 اتفاق مع شركه خاصه بمصر يفيد بأن الشركاء في حقلي الغاز الطبيعي الإسرائيليين “تمار وليفاثان” وقعوا اتفاقيات مدتها عشر سنوات لتصدير ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز الطبيعي إلى شركة” دولفينوس المصرية”، وهو 64 مليار متر مكعب من إجمالى مخزون إسرائيل وهو 826 مليار متر مكعب، وهناك اتجاه داخل إسرائيل يفيد أنها ستحتفظ بنصف هذا المخزون وتصدر نصفه، ومن هنا كان الاحتياج لخط “إيستميد” الذى يعد ضربه لتركيا وتحطيم أمل سابق هام جدا لها.
وفي عام 2019، تصاعدت حدة الأحداث والتحركات التركية في نطاق منطقة شرق المتوسط، وذلك بعد انطلاق أعمال منتدى غاز شرق المتوسط الذي استبعِدت منه تركيا، وتوقيع إسرائيل وقبرص واليونان والاتحاد الأوروبي لاتفاق “إيست ميد” والذي يشتمل على مد أنبوب للغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط، إلى أوروبا عبر قبرص واليونان. كان لتلك الأحداث مردود في تصاعد التحركات التركية ضد دول المنتدى، وإعلانها عدم السماح بمد أنابيب غاز إسرائيلية إلى أوروبا عبر المياه التي تزعم أنها تتبع لها، وذلك وفقًا لاتفاقها البحري الأخير مع حكومة الوفاق الليبية.
وفي هذا السياق، وعلى الرغم من استمرار تركيا في إطلاق تصريحاتها المناهضة لإسرائيل، أوردت التقارير الصحفية بمنتصف ديسمبر 2019 عن وجود اتصالات سرية ما بين الجانبين التركي-الإسرائيلي، أبدت أنقرة في إطارها استعدادها للتفاوض مع تل أبيب بشأن نقل إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. جاء الرد التركي على تلك الأحاديث، ولكن بشكل مغاير، من خلال الترويج بقيام الجانب الإسرائيلي بتوجيه الدعوة لتركيا بخصوص التفاوض حول مشروع أنابيب ” إيست ميد”، وتمثل الرد التركي الرسمي حينها من خلال الرئيس التركي حيث قال بأن “موضوع إسرائيل غير موجود أبدًا على جدول أعمال السلطات التركية”.
إجمالًا،
لن تتوقف محاولات تركيا أن يكون لها نصيب فى غاز المتوسط أو نقله إما بالبلطجة على المياه القبرصيه والتنقيب فيها، أو محاولة التنقيب فى المياه اليونانيه المعتدى عليها باتفاقية أردوغان السراج، وهو الأمر الذى لن تسمح به اليونان، فستسعى تركيا بكل الطرق حتى عام 2023 ، آملة إعادة التفاوض عند انتهاء اتفاقية لوزان على ملكية جزر شرق ايجه تبعا للخريطة التى نشرتها بالجريده الداخليه ” خريطة الميثاق الملى “ لكى لا تستمر عزلتها الحالية بشرق المتوسط، ولما سيحققه الأمر من منافع لها على الصعيد الاقتصادي وعلى صعيد علاقتها مع الجانب الأوروبي، بل والأمريكي أيضًا. ولذلك، فإن كانت العلاقات التركية الإسرائيلية في ظاهرها العداء، ولكن في الواقع تعاونهما متجذر بشكل أكبر من أن يقوضه أي حدث سياسي.
وهذه هى “خريطة الميثاق الملى”، وسنلاحظ فيها أن جزيره قبرص وجزر شرق بحر إيجه وشمال سوريا والعراق كلها بنفس لون تركيا !!.



