أفريقيا

خبراء يفندون بيان واشنطن “الخماسي” بشأن سد النهضة

أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية في السادس عشر من يناير الجاري بياناً “خماسيا” بشأن نتائج الاجتماع التقييمي الثاني لمفاوضات سد النهضة الإثيوبي بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا بحضور ممثلين عن البنك الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية كمراقبين للمفاوضات، وتضمن البيان إعلان التزام وزراء الدول الثلاث بالتوصل على اتفاق شامل وتعاوني حول ملء وتشغيل السد الإثيوبي، وفي سبيل ذلك اتفق الوزراء مبدئياً على عدد من النقاط على أن يجتمعوا مرة أخرى يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من الشهر الجاري لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النهائي بناءً على اللقاءات والمناقشات بين جميع الأطراف حتى ذلك التوقيت.

تحليل نقاط البيان

C:\Users\DELL\Desktop\دكتور-محمد-نصر-الدين-علام-وزير-الري-الأسبق.jpg

تناول عدد من الخبراء المختصين في هذا الشأن البيان المشترك بالتحليل وعرض رؤاهم حول السيناريوهات المستقبلية للاتفاق النهائي، ففي قراءة الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري الأسبق لبيان وزارة الخزانة الأمريكية، يرى أنه لم يتم الاتفاق النهائي حتى الآن لوجود عدد من التحفظات عند جميع الأطراف، وأن ما تم الاتفاق عليه فقط هو التخزين الأولي لأهميته للجانب الإثيوبي من أجل البدء في انتاج الكهرباء كما هو مقرر في 2021.

وأوضح “علام” في تصريحات خاصة للـ “المرصد المصري”، أن هناك مشاكل صعبة لم يتم التوصل لحلها حول مراحل التخزين التالية وإجراءات وقواعد تشغيل السد، وأرجع ذلك إلى الخلاف حول مطالبة إثيوبيا بحصة مائية، ومعايير الجفاف ومسئولية إدارتها، وعدم وضوح معنى أن تكون إدارة الجفاف والجفاف الممتد مسئولية مشتركة للدول الثلاث، كما وصف المرحلة الحالية من المفاوضات وحتى إعلان الاتفاق النهائي بنهاية يناير الجاري بأنها شديدة الصعوبة، وقد يستلزم ذلك التشدد من المفاوض المصري في بعض ما يملك في هذه المعادلة الصعبة.

من جانبه، يرى الدكتور “هاني رسلان”، رئيس بحوث السودان ودول حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن اجتماع واشنطن يمثل تقدمًا وتحولًا نوعيًا كبيًرا في مسار المفاوضات، وذلك لأن اجتماع أديس أبابا الأخير انتهى بتباين كبير في الموقفين المصري والإثيوبي، وظهر ذلك في المغالطات والأكاذيب الإثيوبية التي حاولت التغطية على التعنت وغياب الإرادة السياسية للتسوية لدى أديس أبابا، ثم الرد المصري الذي أوضح أن إثيوبيا تكذب وتغالط عمدًا.

وبالرجوع إلى المقترح المصري لإنهاء هذه الازمة، أشار “علام” إلى أن مصر تقدمت به بعد الاستناد إلى آراء الخبراء وأساتذة الجامعات المتخصصين في هذا الشأن، وكان هذا المقترح قد أثار نوعاً من الجدل بين الجانبين المصري والإثيوبي حيث طالبت مصر بالإفراج عن 40 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وألا يقل منسوب المياه أمام السد العالي عن حد معين بما لا يؤثر على إنتاج السد العالي من الكهرباء، وأثناء الاجتماعات الفنية صرح الوزير الإثيوبي أن مصر قد تنازلت عن هذا الشرط ما دفع الخارجية المصرية بعد ذلك لإصدار بيان يؤكد على تمسك مصر بالمقترح المقدم ونفي التصريحات الإثيوبية.

C:\Users\DELL\Desktop\200862_Large_20140206031549_11.jpg

كما أضاف “رسلان” أن بيان واشنطن تضمن العديد من النقاط الهامة والتي سبقت الإشارة لبعضها في اجتماع واشنطن في التاسع من ديسمبر الماضي ديسمبر، حيث تم تجاوز الحديث عن كميات المياه وعدد السنوات، عبر الإشارة إلى أن الملء سيكون طبقا لهيدرولوجية النهر، أي حسب كميات الفيضان المتغيرة من سنة إلى أخرى ، وهذا يعنى التجاوب مع المنطلقات المصرية والتي تطالب بحد أدنى من التدفق السنوي لا يقل عن ٤٠ مليار أثناء الملء وألا يقل ارتفاع المخزون خلف السد العالي عن ١٦٥م فوق سطح البحر ، وهذا المفهوم يلغى الحديث عن عدد السنوات والكميات المخزنة كل عام، ويثبت كذب إثيوبيا الخائب في القول بأن مصر تطالب بالملء في فترة تتراوح بين ١٢ و٢١ سنة.

الموقف المصري بعد الاتفاق المبدئي

وحول تأثر مصر بفترة الملء الأولي لسد النهضة، أوضح “علام” أن الملء في هذه الفترة سوف يكون سريعاً دون النظر إلى فترات الجفاف، وهو ما سيؤثر بالتأكيد على كمية المياه في بحيرة ناصر، ولكن استخدامات المياه في مصر خلال هذه الفترة سواء مياه الشرب أو الملاحة أو الزراعة لن تتأثر بشكل كبير نظراً للاعتماد على مياه بحيرة ناصر والتي تقدر بـ 90 مليار متر مكعب مياه صالحة للاستخدام، ولفت إلى أهمية المرحلة الأولى من الملء بالنسبة للإثيوبيين من أجل اختبار التوربينات والبدء في انتاج الكهرباء في 2021 كما هو مقرر من قبل لإرضاء الشعب الإثيوبي، وهو ما اتفق عليه الخبيران، حيث قال “رسلان” أن إنتاج الكهرباء من السد سوف يعطي عائداً إعلامياً وسياسياً للحكومة الإثيوبية لإرضاء الرأي العام الذى تم شحنه وتعبئته طوال سنوات بأن السد سيكون بوابة إثيوبيا الكبرى نحو التنمية، وهو أمر مبالغ فيه إلى حد كبير جداً، وسوف يشكل إحباطاً كبيراً فيما بعد.

ويضيف “رسلان” أنه تم التوصل إلى تعريفات الجفاف والجفاف الممتد، وتلتزم إثيوبيا بإجراءات لتخفيف ذلك، وهذا مطلب مصري رئيسي، كانت إثيوبيا تسعى بكل جهد للتملص منه، وسوف يتم استكمال التفاصيل في هذا الإطار في مفاوضات الأسبوعين القادمين.

أما تصريحات وزير الخارجية سامح شكري بأنه “قد يتم التوصل إلى اتفاق، وإذا لم يحدث سنلجأ لبند الوساطة في إعلان المبادئ”، فيرى “رسلان” أنها تدعو في مجملها للتفاؤل الحذر، وهذا ربما يعنى أن مصر تريد ضبط إيقاع الأزمة فلا تغلق الباب، وأيضًا لا تسرف في التفاؤل، كما يعنى أيضًا أن هناك ثوابت لا يمكن التنازل عنها، وأن هناك نوع من التحسب لتفاوض مازال صعبًا مع إثيوبيا التي لا تكف عن المراوغة وتفاوض بسوء نية، تحت أوهام رغبتها في السيطرة المنفردة والمخالفة للقواعد والعرف الدوليين بشكل كامل.

وأردف أن بعض التقارير الصحفية أشاعت الكثير من اللغط، عبر الإشارة إلى ضغوط كبيرة على مصر للتنازل عن بعض مطالبها، الأمر المخالف للواقع، والشاهد على ذلك هو ما تضمنه البيان الصادر عن الاجتماعات، والذي يشير إلى أسس تتفق في منطوقها وفلسفتها وجوهرها مع المقترحات المصرية، وليس مع مواقف اثيوبيا وادعاءاتها.

طلب وساطة جنوب إفريقيا ودلالاته

وفيما يخص طلب رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” لوساطة رئيس جنوب إفريقيا “رامافوزا” من أجل الوصول إلى حل لقضية سد النهضة وإنهاء الخلاف بين مصر وإثيوبيا، يرى “رسلان” أن هذا الطلب زاد من تعقيد الموقف، حيث يتضمن حكمًا مسبقًا ونية مبيتة لإفشال اجتماع واشنطن، وأوضح أيضاً عدم ترحيب إثيوبيا بدور واشنطن والبنك الدولي (ربما لمخالفة الموقف الإثيوبي لكل القواعد والأعراف الدولية في أحواض الأنهار وتهافت حجة الوفد الإثيوبي أمام الجهد العلمي والفني الهائل الذي قدمه الوفد المصري والمرتكز بالأساس إلى القانون الدولي)، والإصرار على الاستمرار في نهج المراوغة واستهلاك الوقت.

فيما وصف “علام” ذلك الطلب بأنه سقطة سياسية، حيث أنه تقدم بهذا الطلب دون موافقة الرئيسين المصري والسوداني كما هو متفق عليه في إعلان المبادئ، وأضاف أن مصر لا يجب أن تدقق في كل التصريحات الصادرة عن المسئولين الإثيوبيين، وأن تركز فقط في التوصل إلى اتفاق يخدم المصلحة المصرية، حيث أن الولايات المتحدة لن تسمح بتدخل وسيط آخر لحل هذه الازمة خصوصاً في الفترة الحالية.

موقف الإدارة الأمريكية

وفيما يتعلق بموقف الإدارة الأمريكية تجاه المفاوضات، يرى “رسلان” أن هناك تحولاً كبيراً في موقف إدارة ترامب، الذي رمى بثقله باتجاه حل الأزمة، ورد عملياً بالرفض القاسي على التحركات الإثيوبية للمراوغة واستهلاك الوقت ومحاولة استدعاء جنوب افريقيا للوساطة، ومن الناحية العملية تم إجبار اثيوبيا على الاستمرار في التفاوض ومد الاجتماعات ليوم ثالث، واصدار بيان مشترك، وتحديد سقف زمني جديد للوصول لاتفاق يتم توقيعه في واشنطن.

كما أضاف أن ترامب يريد تحقيق إنجاز سياسي بالتوازي مع إجراءات محاكمته في الكونجرس، وأيضاً لإغلاق الباب أمام أي أدوار روسية أو صينية قد تسعى للتدخل لاستثمار الأزمة سعيًا وراء زيادة النفوذ، ولذلك جرى التحول من داخل المفاوضات من دور المراقب والميسر، إلى دور أكثر تدخلاً وربما يفوق الوساطة.

تفاؤل حذر

وبالرغم من عدم الوصول إلى اتفاق نهائي إلى الآن إلا أن الوزير الأسبق عبّر عن تفاؤله في التوصل إلى اتفاقية تحفظ الأمن المائي المصري، وقد يتم الاتفاق بنهاية يناير الجاري أو مد الفترة لشهر أو شهرين أخريين في حالة استمرار الخلاف على بعض النقاط العالقة.

وفي حديثه حول إمكانية أن تقدم الولايات المتحدة والبنك الدولي حزمة من المساعدات لتخفيف الخسائر على كل من مصر وإثيوبيا، لم يستبعد “علام” ذلك مشيراً إلى أنه في حالة تأخر السد عن إنتاج السد للكهرباء، فمن الممكن أن تتلقي إثيوبيا مساعدات في شكل استثمارات جديدة تعوض ضعف إنتاج الكهرباء عما هو مخطط، ومن الممكن أن تتأثر مصر بنقص تدفق المياه ما يدفعها إلى تبوير مساحات من الأراضي المزروعة، الأمر الذي يفرض على الولايات المتحدة والبنك الدولي تقديم مساعدات تخفف من وطأة الآثار السلبية على الزراعة المصرية.

وأردف أنه يمكن تحديث البنية التحتية لمنظومة الري المصرية بإطلاق مشروع قومي لذلك من أجل توفير المياه المهدرة والتي تُقدر بثلاثة مليارات متر مكعب سنوياً، على أن يكون ذلك بتمويل من البنك الدولي في شكل قروض ميسرة، ومساعدات مالية بسيطة من الولايات المتحدة.

مما سبق، يتضح أن هناك اتفاقاً بين قراءات الخبراء بشأن أزمة السد الإثيوبي في عدد من النقاط أهمها:

– مراعاة الاتفاق المبدئي لعدد من النقاط التي تقدمت بها مصر ضمن مقترح ملء وتشغيل السد الإثيوبي.

– التفاؤل الحذر بالتوصل إلى اتفاق نهائي يحفظ الامن المائي المصري ويساعد إثيوبيا على إنتاج الكهرباء في الموعد المقرر.

–  عدم إمكانية تدخل وسيط جديد لإنهاء الأزمة بين مصر وإثيوبيا.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمود سلامة

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى