
“قايد صالح” .. مجاهد حافظ على الجزائر وودع شعبه بشموخ
بقي قائدا على السفينة حتى أرساها.. أعطاه الله عمرا حتى حقق وعده بالمحافظة على الدماء الجزائرية في أشد اللحظات خطرا على الوطن.. بقي يقظا حتى تمت الانتخابات.. ظل موجودا حتى نصب الرئيس الشرعي رسميا… تسلم وسام استحقاق بعد استحقاق حقيقي… ثم ودع شعبه بشرف وشموخ وسلم روحه الى بارئها أنه نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح.
“أحد رجالات الجزائر الأبطال الذي بقي إلى آخر لحظة وفيًا لمساره الزاخر بالتضحيات الجسام التي ما انقطعت منذ أن التحق في سن مبكرة بصفوف جيش التحرير الوطني الذي ترعرع في أحضانه وتشرَّب منه جنديًا فضابطا فقائدًا مجاهدًا عقيدةَ الوفاء للوطن والشعب”، هكذا نعى بيان الرئاسة الجزائرية اليوم ، قايد صالح، الذي وافته المنية اليوم إثر سكتة قلبية عن عمر يناهز 80 عامًا.
رحل قايد صالح بعد أن هنأ الشعب وأفراد الجيش بنجاح الانتخابات الرئاسية قائلا: “حرصنا على عدم إراقة قطرة دم واحدة والجزائريون تأكدوا من صدق نوايانا”.
وأكد قائد أركان الجيش الجزائري الراحل أن “الجيش سيبقى مجندا وداعما للرئيس الذي اختاره الشعب ولن يتخلى أبدا عن التزاماته الدستورية”.
ويعد الراحل رجل المرحلة الجزائرية، حيث ترك بصمة في تاريخها الحديث، فخلال الأحداث المتلاحقة التي شهدتها البلاد مؤخرا، والتي بدأت باحتجاجات شعبية عارمة رافضة لترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، وانتهت بتنحيه، برز اسم قايد صالح، رئيس الأركان، بقوة خلال هذه المرحلة، واستحق عن جدارة لقب “رجل المرحلة”.
ومع إعلان بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة، حذر صالح مما وصفه بـ “نداءات مشبوهة من أجل الاحتجاج”، معتبرا أنه “من غير المقبول أن يتم دفع بعض الجزائريين من خلال نداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جر هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة وغير مأمونة العواقب”.
وبعد 24 ساعة من البيان الأول، أصدر الجيش بيانا جديدا قال فيه إنه “ملتزم بتمكين الجزائريين من تأدية واجبهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة”، فيما تعهد صالح في كلمة تلفزيونية، بأن الجيش “لن يسمح بعودة الجزائر إلى حقبة سفك الدماء”.
ولعب هذا البيان دورا أساسيا في إعلان بوتفليقة أنه سيستقيل قبل موعد نهاية ولايته الرئاسية، وتشكيله حكومة جديدة، إلا أن هذه الإجراءات لم تكن كافية في نظر صالح، الذي عاد وأصدر بيانا حاسما، شكل نقطة فاصلة في تاريخ الجزائر.
واعتبر قايد صالح أن بيان الرئيس “صادر عن جهات غير دستورية”، وأنه “لا بد من التطبيق الفوري للحل الدستوري”، لافتا إلى وجود “محاولات للمماطلة والتحايل لإطالة عمر الأزمة في البلاد”.
وبعد وقت قليل من بيان الجيش القوي، أعلن بوتفليقة استقالته من منصبه، ليترك حكم البلاد بعد نحو 20 عاما، ويحقق مطالب الشعب، الذي خرج الملايين من أبنائه في مظاهرات سلمية بمختلف أنحاء البلاد.
من هو قايد صالح
ولد صالح في ولاية “باتنة” الجزائرية عام 1940، والتحق في وهو في سن الـ 17 من عمره بجيش التحرير الوطني الذي حارب جيش الاستعمار الفرنسي.
وفي شبابه، التحق بالجيش الشعبي الوطني الجزائري، كما شارك في حرب تحرير الجزائر، وكافح ضد الاحتلال الفرنسي، حتى استقلال الجزائر عام 1962، وبعدها شارك في حرب الاستنزاف في مصر عام 1968، وفي حرب أكتوبر 1973 ضمن صفوف القوات الجزائرية التي شاركت بالحرب إلى جانب الجيش المصري.

تلقى صالح عدة دورات تأهيلية بـ “الجزائر”، ثم في “الاتحاد السوفيتي” سابقا لمدة عامين من” 1969 وحتى 1971″ وتخرّج منها بشهادة عسكرية من أكاديمية “فيستريل”، ثم نجح في اعتلاء مناصب مهمة بالجيش، لحين وصوله إلى منصب قائد لسلاح البر عام 1994.
وفي عام 2006، ترقى لرتبة فريق، وتولى رئاسة أركان الجيش الجزائري، ثم عينه بوتفليقة في سبتمبر 2013، في منصب “نائب وزير الدفاع”، خلفا لـ عبد الملك قنايزية، مع احتفاظه برئاسة أركان الجيش، ما اعتبره الخبراء والمحللون مؤشرًا على قوة العلاقات بينهم، والتي بدت في عدة مواقف كان أبرزها دعم صالح للرئيس بوتفليقة لترشحه لفترة رئاسية رابعة، في عام 2014، معللا ذلك بأنه مازال قادرًا على إدارة شئون البلاد.
رفيق بوتفليقة.. المنحاز للحراك الشعبي
وبرغم كل العلاقات القوية التي ربطت بين بوتفليقة وصالح، إلا أن الأخير انحاز لمطالب الحراك الشعبي الذي عارض ترشح بوتفليقة لولاية خامسة عام 2019، خاصة في ظل حالته الصحية المتدهورة، حيث دعا صالح إلى تطبيق المادة “102” من الدستور والتي تنص على “شغور” منصب رئيس البلاد، كـ “حلا توافقيا” يحفظ سيادة الدولة، ويستجيب لمطالب الشعب، ما انتقدته عدة وسائل اعلام جزائرية وفرنسية، مشيرين لأنها “القطيعة” بين قادة الجيش اشعبي الوطني وأسرة بوتفليقة.
وبعد أن أدى الجزائريون واجبهم تجاه وطنهم بانتخاب رئيس جديد هو عبد المجيد تبون أهدى الرئيس الجديد وسام الاستحقاق، لقايد صالح تقديرا لجهوده في ثورة التحرير ومساهمته في تحديث الجيش الوطني، ولعمله في صون سيادة الجزائر، وتأمين وحماية الدولة ومؤسساتها ومرافقته الشعب في انتفاضاته بسلمية ومسؤولية.



