الصحافة العربية

بعد أكثر الأيام دموية في الاحتجاجات.. إلى أين يتجه العراق؟

شهدت الاحتجاجات العراقية تطورات مهمة خلال الساعات الماضية، إذ قام المتظاهرون بإشعال النيران بمقر القنصلية الإيرانية بمدينة النجف ذات الأغلبية الشيعية، وهو ما قابلته إيران بتقديم احتجاج رسمي عبر وزارة خارجيتها لدى الحكومة العراقية، ويعد ذلك الاعتداء هو الثاني الذي يطال المقرات الدبلوماسية الإيرانية، بعد استهدفت القنصلية الإيرانية في كربلاء باعتداء مماثل في 3 من الشهر الجاري، بالإضافة لمقتل 25 وأصابه 223 من المتظاهرين في الاحتجاجات ببغداد ومدينة الناصرية جنوب العراق، وهو ما يجعله أكثر الأيام دموية منذ بدء الاحتجاجات في أكتوبر الماضي، وما تبعه من  خروج آلاف المواطنين في مواكب تشييع رغم فرض حظر التجول في تحدٍ واضح للإجراءات الأمنية التي أقرتها الحكومة.

احتجاجات لا تهدأ

اندلعت المظاهرات في العاصمة العراقية بغداد في 1 أكتوبر الماضي احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانتشار الفساد بمشاركة الاف، بعد أن ظلت الاحتجاجات خلال الشهور الماضية مقتصرة على المحافظات الجنوبية، وما يميز تلك التظاهرات أن أغلب مشاركيها من الشباب، وغير مؤدلجة، وانطلقت في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية، ولا تحظى بدعم من تيارات سياسية أو حزبية، وهو ما يعد سابقة في تاريخ العراق التي تحتل المرتبة 12 في لائحة أكثر الدول فساداً بحسب منظمة الشفافية الدولية، ويعاني فيها قرابة 40 مليون مواطن من الفقر رغم الثروة النفطية. 

أدى التعامل الأمني العنيف مع المتظاهرين ومقتل العديد منهم إلى تأجيج مشاعر الغضب واتساع رقعة المظاهرات لتشمل أغلب المحافظات العراقية، ولم تفلح الإجراءات التي أقرتها الحكومة كفرض حظر التجوال وتعطيل العمل بدواوين الحكومة والمدارس والجامعات وقطع الإنترنت في إيقاف وتيرة المظاهرات المتزايدة، وهو ما أدى إلى سقوط المزيد من القتلى والجرحى، إذ بلغت حصيلة المظاهرات منذ بدايتها وحتى الان أكثر من 300 قتيل وقرابة 15 ألف مصاب. 

وحاولت الحكومة العراقية احتواء المظاهرات من خلال عدة قرارات اتخذتها في بداية الاحتجاجات وأبرزها تسهيل الحصول على أراض سكنية وبناء وحدات جديدة، ومنح 175 ألف دينار (نحو 145 دولاراً) شهرياً للعاطلين عن العمل ولمدة ثلاثة أشهر، وإنشاء مجمعات تسويقية حديثة بمناطق تجارية في بغداد وعدة محافظات أخرى، واعتبار ضحايا المظاهرات “شهداء” ومنح عائلاتهم “امتيازات الشهداء”، والإعلان عن فتح باب التطوع للجيش، وإعادة الذين فسخت عقودهم بعد اجتياح تنظيم “الدولة الإسلامية” في العام 2014، إلا أن تلك القرارات لم تنفذ وهو ما زاد من غضب المتظاهرين ورفع سقف المطالب لديهم.

إيران والمشهد العراقي

تعد إيران أكثر دول العالم اهتمامًا بما يجري على الساحة العراقية؛ وذلك لما تمثله نتائج تلك الاحتجاجات من تداعيات عليها داخليًا وخارجيا، بالإضافة لتأثيرها على المصالح الإيرانية في العراق في ظل المطالبة الصريحة للمتظاهرين بإنهاء النفوذ الإيراني بعد تيقنهم من أن إيران مسؤولة بشكل ما عما يشهده العراق من تدهور، ودعم طهران لأحزاب وشخصيات سياسية عُرف عنها التورط بقضايا فساد كبرى، وهو ما تجسد فعليًا بحرق القنصلية في النجف وكربلاء، وحرق صور السياسيين الإيرانيون ورفع شعارات مناوئة لها.

وعلى الصعيد السياسي الرسمي قدمت إيران الدعم الكامل للحكومة العراقية، إذ وجهت شخصيات رسمية بالدولة اتهامات للمتظاهرين بالتخوين والتأكيد على أن أعداء إيران هم من يقفون وراء تلك الاحتجاجات، ومن الشخصيات التي ساقت تلك الادعاءات المرشد الأعلى “علي خامنئي”، ورئيس مجلس الشورى الإيراني “علي لاريجاني”، ومساعد رئيس مجلس الشورى الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان”، والمتحدث باسم الحكومة “علي ربيعي”، والمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية “عباس موسوي” وذلك سواء في تغريدات على موقع تويتر أو تصريحات أو بيانات صحفية.

كما دعمت طهران عبر وكلائها في الساحة السياسية العراقية رئيس الوزراء “عادل عبد المهدي”، إذ وضعت استراتيجية تقضي بإجراء انتخابات العام المقبل تشرف عليها مفوضية من المزمع أن تكون أكثر استقلالاً والقيام بإصلاح سياسي، وإعادة النظر في البرلمان وتركيبته ليكون أصغر وأكثر تمثيلاً للسكان الذين يتسمون بالتنوع، وهي الخطة التي تضمن بقاء النخبة الحاكمة والتي تدين بالولاء لإيران من جهة، وتهدئة المتظاهرين وحل الأزمة الحالية من جهة أخرى، وهو ما يمنح إيران الوقت اللازم لإعادة التفكير في كيفية الحفاظ على مصالحها في العراق.

العمل على مزيد من القمع

على الصعيد الأمني انضمت مجموعة من الميليشيات العراقية وقادة الأمن العراقيين إلى ضباط في “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني لتشكيل خلية أزمة في بغداد في 3 أكتوبر الماضي، وتأسيس غرفتي عمليات ببغداد أحدهما بمنزل آمن سري في حي “الجادرية”، والأخرى بمبنى لهيئة تابعة لقوات الحشد الشعبي بالقرب من مستشفى “ابن سينا”، وقدم ضباط اتصال إيرانيون المشورة بناءً على خبرتهم في محاربة النشطاء في إيران، ووفروا موادًا استخبارية عن النشطاء والاتصالات الآمنة للقناصة.

وتتكون تلك الخلية من قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وأبو مهدي المهندس (اسمه الحقيقي جمال جعفر ابراهيم) قائد عمليات قوات الحشد الشعبي، وفالح الفياض مستشار الأمن القومي العراقي ورئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو جهاد (اسمه الحقيقي محمد الهاشمي) مدير مكتب رئيس الوزراء العراقي، وقيس الخزعلي الأمين العام لـ «عصائب أهل الحق، وأبو زينب اللامي (اسمه الحقيقي حسين فالح اللامي)، أبو منتظر الحسيني (اسمه الحقيقي تحسين عبد مطر العبودي) رئيس العمليات السابق في قوات الحشد الشعبي والمستشار الحالي لرئيس الوزراء،  وأبو تراب (اسمه الحقيقي ثامر محمد اسماعيل) ويرأس حالياً اللواء الحقوقي إسماعيل، وحامد الجزائري قائد سرايا طليعة الخراساني، وأبو آلاء الولائي (اسمه الحقيقي هاشم بنيان السراجي) قائد ميليشيا كتائب سيد الشهداء، وأبو إيمان الباهلي رئيس مديرية الاستخبارات في قوات الحشد الشعبي.

إلى أين يتجه العراق؟ 

في ظل استمرار المظاهرات العراقية وعدم التوصل إلى حل توافقي يحقق مطالب المتظاهرين، وعدم تعاطي النظام الحاكم مع مطالبهم، بالإضافة إلى لجوء القوات الأمنية إلى مزيد العنف والقتل بهدف قمع المظاهرات وانهائها، سترتفع حالة الغضب وتتسع رقعة المظاهرات على المستوى الجغرافي والقطاعي، وبذلك سيكون العراق مقبلًا على مستقبل مظلم، وحلقة مفرغة من العنف والذي سينتهي في جميع الأحوال برحيل النظام الحالي، وذلك في ظل مؤشرات اقتصادية سلبية وتحديدًا بالقطاع النفطي، وهو ما يزيد من أزمات العراق الحالية والمستقبلية، بالإضافة إلى أن الأوضاح الحالية تشكل فرصة جيدة للغاية أمام فلول تنظيم داعش التي تسعى لإعادة تموضعها بعد مقتل “البغدادي”. 

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى