الصحافة المصرية

مشروع “المدينة الخضراء” بشرم الشيخ .. وفلسفة الحكومة في التنمية المستدامة

   بعدما منحتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” لقب “مدينة السلام” تدخل شرم الشيخ مرحلة جديدة تتحول فيها إلى مدينة خضراء؛ لتكون أول مدينة مصرية وعربية وأفريقية تحمل صفة “صديقة للبيئة” وفقا للمعايير العالمية المتمثلة في أن تصبح خالية من جميع الملوثات والانبعاثات الضارة بالبيئة، لذا حرصت الهيئات المصرية المختصة على نشر ثقافة استخدم موارد الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية، مما جعلها تَمنع استخدام البلاستيك وقدمت المواد الطبيعية كبديل له.

وتحويل شرم الشيخ إلى مدينة خضراء يأتي أيضا في سياق الحفاظ عليها نظرا لتفرد موقعها وما بها من محميات طبيعية كمحمتي “رأس محمد”، و”نبق”، ووجود الشعاب المرجانية النادرة التي تكونت منذ آلاف السنين بها.

 ويعتمد برنامج مشروع تحويل مدينة “شرم الشيخ” على تطبيق مبادئ الجودة أثناء تنفيذ المشروع، وكذلك اعتماده على برامج للطوارئ بالمدينة لمواجهة الحوادث البيئية والكوارث الأخرى من الحرائق وموجات التلوث الهوائية، وآليات التعامل الحديث معها، وتدريب المواطنين عليها. كما يعمل على تطبيق مبادئ الإدارة البيئية الحديثة من خلال التخطيط والمتابعة المستمرة حتى يتم التعامل مع المستجدات البيئية.

مشروع “المدينة الخضراء

      لم يكن مشروع تحويل شرم الشيخ إلى “مدينة خضراء” مستدامة وليد تلك الأشهر المعدودة، بل بدأ قبل 15 عاما عندما انتبهت وزارة السياحة إلى أن السياحة البيئية تمثل 45% من السياحة العالمية، وتمثل ثلثي السياحة الوافدة إلى مصر. مما جعل وزارة البيئة تتعاون مع محافظ جنوب سيناء للعمل على خطة تطوير المحميات الطبيعية في المحافظة ليصل عددها إلى 40 محمية تغطى 20% من أرض الدولة، بدلًا من 27 محمية فقط تنتشر على 15% من مساحة مصر.

    ومولت الحكومة المشروع بالتعاون مع المستثمرين وأصحاب الفنادق والمنشآت السياحية، علاوة على ذلك قدم برنامج الأمم المتحدة دعم يصل إلى 7 ملايين دولار بالتعاون مع مرفق البيئة العالمية في مجالات عديدة منها: تدوير المخلفات، والأنشطة والخدمات في المحميات واستخدامات الطاقة الشمسية في المنشآت السياحية.

    وسبق، أن وقعت وزارتا السياحة والبيئة ومحافظة جنوب سيناء، مبادرة تحويل مدينة شرم الشيخ إلى مدينة خضراء بحلول عام 2020، وذلك من خلال تقليل انبعاثات الكربون وإدارة المخلفات الصلبة، والتأكيد على الحفاظ على جودة الحياة البحرية بتكلفة وصلت حينها إلى 1.3 مليار جنيه، إلا أن توالي أحداث التي مرت بها البلاد عقب أحداث يناير 2011  أوقف المشروع كليا حتى أعاده اللواء “خالد فودة” محافظ جنوب سيناء مرة أخرى للتنفيذ بالتعاون مع “ياسمين فؤاد” وزيرة البيئة في يوليو من العام الجاري.

خطة تنفيذ مشروع “المدينة الخضراء

    في أكتوبر الماضي، عُقد اجتماع بين اللواء “خالد فودة” محافظ جنوب سيناء مع فريق الخبراء المُكلف من قبل وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والدكتور “محمد بيومي” مساعد الممثل المقيم لبرنامج الامم المتحدة الإنمائي بمصر، و “إندرياز كارنر” خبير الطاقة والبيئة، و”مالكوم جانسين” الخبير باللجنة البيئية للمحافظة على المصادر الطبيعية و”عمرو صدقي” رئيس لجنة السياحة بمجلس النواب للاتفاق على مكونات المشروع وجدولة مراحل تنفيذه زمنيًا، ولإعداد وثيقة المشروع تتوافق مع توجهات السياحة العالمية وبدعم مالي من مرفق البيئة العالمي.

      وفقاً لذلك، تتمحور خطة المشروع في جعل مدينة شرم الشيخ مدينة “صديقة للبيئة” عبر 33 برنامجا تنفذ عبر ثلاثة محاور رئيسية تتمثل في محاور اقتصادية واجتماعية وبيئية. بالإضافة إلى التشييد المعماري للمدينة؛ إذ تتبع الحكومة المصرية فلسفة التنمية المستدامة في تنفيذ المشروع؛ بحيث ترتكز على التحسين والتطوير المستمر للمشروعات المنفذة.

أولاً: المحور الاقتصادي

    لم تُعد تكلفة تصميم المدينة الخضراء مرتفعة اقتصاديا مقارنة بالاستمرارية والتنمية المستدامة المرجوة من تنفيذ تلك البرامج؛ بحيث تتوزع عناصر المحور الاقتصادي بين عناصر الإنتاج، والقوى البشرية، ونظم الإدارة ورأس المال والبرامج التأهيلية للمواطنين.

ثانيا: المحور الاجتماعي

     يهتم المحور الاجتماعي بالمشروع بتأهيل الشباب والمواطنين للتعامل مع مشروعات التنمية المستدامة، مما يعود بشكل إيجابي على خلق فرص عمل جديدة من خلال العوائد الاقتصادية من إعادة تدوير المخلفات والمياه واتساع المساحات الخضراء؛ ولقد انتبهت السلطات المسؤولة على المشاريع السياحية في جنوب سيناء أن نجاحها متعلق بتأهيل المواطنين بها للتعامل مع الأنشطة السياحية واستغلالها لتحقيق موارد مالية لمواطنين جنوب سيناء.

ثالثاً: المحور البيئي

        ويُعتبر من أهم محاور المشروع؛ بحيث يتضمن أكثر من 12 برنامجاً؛ لمراعاة المحور البيئي في إنشاء المدينة، ومن بينهم توافر خريطة المعلومات الجغرافية والطبيعية، والتعرف على حجم المياه الموجودة سواء في الآبار وغيرها، ورسم الخريطة الكاملة عن الموقع وتوفير المعلومات الجغرافية، ودرجات الحرارة في مختلف الفصول، والحفاظ على النفع البيئي من خلال الحفاظ على الشواطئ من التلوث، لذا يدعم المشروع إدارات المحميات الطبيعية المحيطة بمدينة شرم الشيخ في “راس محمد”، و”نبق”، و”أبو جلوم”؛ للحفاظ على الشعاب المرجانية.

  وحرص المشروع على استخدام الطاقة المتجددة للحفاظ على البيئية لخفض معدلات الكربون؛ لذا تعمل وسائل للنقل الجماعي بالغاز الطبيعي، واستخدام مزيج جديد للطاقة النظيفة سيتم من خلاله تحويل السيارات التي تسير في شوارع المدينة بالغاز الطبيعي كلها. واستخدام المشروع التكنولوجيات الصديقة للبيئة في البرامج التنفيذية للمدينة، سواء المعدات والعربات ومحطات توليد الطاقة الشمسية، والحد من دخول الأكياس البلاستيكية في المدينة والاعتماد على القماشية.

     والتوسع في إتاحة الأماكن الخضراء بكل أرجاء المدينة. أما بالنسبة للتشييد العمراني للمدينة، يراعي المشروع الاتجاهات الرئيسية في استخدام الأرض والحيز العمراني، وتوجيه المباني علميا للواجهة البحرية، وتشييد “الجراجات” العامة في الاتجاهات القبلية لخفض درجة الحرارة، وعمل سور شجري.

مميزات وعوائد المدينة الخضراء

        تحقق المدينة الخضراء عديدا من المميزات التي منها زيادة عوامل صحة المواطنين بالمدينة، وذلك من خلال الهواء النظيف، وخفض الانبعاثات الحرارية، الأمر الذي يؤدى إلى ارتفاع إنتاجية الفرد، وتحقيق معدلات نمو اقتصادي جيدة.

       يسعى مشروع المدينة الخضراء في حل العديد من مشكلات التي تعاني منها المدن من تلوث، ونقص المياه؛ فبالنسبة لحل مشكلة نقص المياه من خلال عدة طرق مثل الترشيد في استهلاك المياه، والحفاظ على مصادر المياه من التلوث، وإعادة تدوير مياه الصرف المعالجة، وتستخدم في ملء السيفون وتنظيف المرحاض، وزيادة كفاءة الري، وزراعة أنواع معينة من النباتات والمسطحات الخضراء، المستهلكة كمية أقل من المياه. كما أن المباني الخضراء توجد بها تقنيات لخفض استهلاك المياه من خلال استخدام أدوات صحية ذات معايير محددة، ونظم غسيل عالية الكفاءة.

     تعمل الدولة بخطوات جادة في تحقيق العوائد الناتجة من المحور البيئي، المتمثلة في إعادة تدوير المخلفات سواء كانت غازية، أو صلبة، أو سائلة؛ لذا تعمل على توسيع في إنشاء مصانع لتدوير المخلفات البلدية ومصانع لتدوي المخلفات الزراعية، والحد من الحرائق لقش الأرز والمخلفات الزراعية الأخرى، وإعادة تدوير المياه، واستخدامها في ري الغابات. وتوفير ورش للحرف والصناعات اليدوية للأهالي، للقضاء على ظاهرة الصيد الجائر بالمنطقة.

      وختاماً، لم تتوقف الدولة المصرية عند مدينة “شرم الشيخ” في تحويلها مدينة خضراء، بل سعت إلى استكمال عديد من المشروعات البيئية؛ فعزمت على إنشاء النهر الأخضر بالعاصمة الإدارية بمساحة 10 كيلو مترات، كمرحلة أولى من إجمالي 35 كيلومترا ، وتنفيذه ليحاكي نهر النيل الذي يتوسط مدينة القاهرة، كما يشتمل على حدائق مركزية وترفيهية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى