
تمثل حرب الـ 12 يوما بين إسرائيل وإيران أحد أخطر المنعطفات في صراعات الشرق الأوسط، حيث انتقلت من الحرب الخفية عبر الوكلاء إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، تمسُّ منشآت حيوية داخل أراضي الطرفين. في ظل هذا التصعيد، تتوجه الأنظار إلى مواقف القوى الكبرى، ومنها أوروبا، التي طالما تبنّت خطابًا دبلوماسيًا يدعو للسلام والاستقرار. وبتفكيك الموقف الأوروبي من التصعيد الحالي، يمكن الكشف عن ملامح عدة للضعف والتردد في الاستجابة، الأمر الذي يعكس حالة الجمود الأوروبية التي من شأنها أن يكون لها تداعيات واسعة على الدور الأوروبي في المشهد الدولي.
خلفية تاريخية للموقف الأوروبي تجاه الملفين الإيراني والإسرائيلي
ترتبط أوروبا بعلاقات تاريخية مع طرفي النزاع؛ إذ كانت أحد أضلاع الترويكا التي تفاوضت على الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA)، وحاولت جاهدة لإنقاذه بعد انسحاب الولايات المتحدة عام 2018. بجانب ذلك، يعتمد الاتحاد الأوروبي نهجًا متوازنًا وشاملًا في تعامله مع إيران، يستند إلى الحوار لمعالجة جميع القضايا المثيرة للقلق. ويتسم هذا النهج بـ “الحزم” في حال وجود خلافات، وبـ “التعاون” عندما تبرز مصالح مشتركة.
وتظل الأهداف الشاملة للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإيران قائمة على البيان المشترك الصادر في 16 أبريل 2016، والذي حدد مجالات تعاون الاتحاد الأوروبي مع إيران “من حيث المبدأ” ، بما يشمل عدد من المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية والإنسانية والإقليمية. ولكن منذ أكتوبر 2022، فرض الاتحاد الأوروبي عدد من التدابير التقييدية ضد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران، كما أدان الاتحاد بشدة تسليم إيران طائرات مسيّرة إلى روسيا واستخدامها في الحرب على أوكرانيا. وفي هذا السياق، اعتمد الاتحاد الأوروبي عقوبات إضافية ضد أفراد وكيانات إيرانية لدورهم في تطوير وتسليم الطائرات بدون طيار التي تستخدمها روسيا في ساحة المعركة.
بجانب ذلك، يمثل “البرنامج النووي الإيراني” مسألة ملحة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، إذ تتجه التصريحات من قبل الدول الأعضاء نحو التأكيد بوجوب منع إيران من تطوير سلاح نووي، من منطلق أن ذلك من شأنه تأجيج التوترات في منطقة الشرق الأوسط. ولهذا كان الاتحاد الأوروبي المشرف الأول على تنفيذ خطة الاتفاق النووي والحفاظ عليها، حيث وضعت تلك الخطة سلسلةً من القيود الصارمة على وصول إيران إلى المواد النووية والمعدات الحساسة. إضافةً إلى ذلك، يمنح الاتفاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) وصولاً غير مسبوق لمراقبة برنامج إيران النووي والتحقق منه، وتحديد مستوى تخصيب اليورانيوم ومخزون اليورانيوم المخصب الذي تستطيع إيران امتلاكه.
وفي أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو 2018 وإعادة فرض العقوبات التي سبق رفعها، ظل الاتحاد الأوروبي ملتزماً بدعم التجارة المشروعة مع إيران، وفي هذا السياق، قام الاتحاد بتحديث نظامه الخاص بالحظر، ووسّع تفويض بنك الاستثمار الأوروبي ليشمل الإقراض الخارجي لصالح إيران، وقدم دعماً شاملاً لفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، بصفتهم الأطراف المؤسسة لآلية “إنستكس” (آلية دعم التبادل التجاري)، التي تهدف إلى تسهيل المعاملات التجارية المشروعة بين أوروبا وإيران. وبالفعل انضمت ست دول أوروبية إضافية إلى الآلية كمساهمين، وهو ما رحّب به الاتحاد الأوروبي، مشجعاً على توسيع قاعدة المشاركين فيها، وتم تنفيذ أول معاملة عبر “إنستكس” بنجاح في مارس 2020.
وفي 2019، بدأت إيران باتخاذ خطوات لتقليص التزاماتها النووية، وقد ظل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء يحثّونها باستمرار على التراجع عن هذه الإجراءات والامتناع عن أي تحركات من شأنها تقويض الاتفاق. وفي محاولة لإحياء الاتفاق، انطلقت في أبريل 2021 عدة جولات تفاوضية في فيينا، سعياً إلى تأمين عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق وضمان التنفيذ الكامل والفعّال من قِبل جميع الأطراف.
وفي المقابل، تتمتع أوروبا بعلاقات استراتيجية قوية مع إسرائيل، سواء من خلال التجارة أو التعاون العسكري والاستخباراتي. فالأساس القانوني للعلاقات بينهما هو “اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2000، حيث تشمل أحكاماً بشأن الحوار السياسي المنتظم، وحرية التأسيس وتحرير الخدمات، وحرية حركة رأس المال وقواعد المنافسة، وتعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي.
كما ترتكز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل على خطة العمل لعام 2005 في إطار سياسة الجوار الأوروبية، حيث تهدف إلى دمج إسرائيل تدريجيًا في السياسات والبرامج الأوروبية، وتم إنشاء عشرات اللجان الفرعية التي تجتمع بانتظام لمناقشة الأولويات وتبادل الآراء وتتابع سير الخطة. ويولي الاتحاد الأوروبي أهمية كبيرة لإيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي، ويواصل دعمه للمبادرات الهادفة إلى إحياء عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مع العلم أنه بخلاف الولايات المتحدة، يتبنى الاتحاد الأوروبي موقفًا أكثر انتقادًا للسياسات الإسرائيلية، رغم تباين وجهات النظر بين الدول الأعضاء.
التصعيد الإيراني الإسرائيلي يكشف عن “هشاشة” أوروبا
بعد الهجمات الإسرائيلية على المنشآت الإيرانية يوم 13 يونيو وما تلاها من رد إيراني مباشر على الأراضي الإسرائيلية، في تصعيد مفاجئ بدأته إسرائيل أولا، اكتفت أوروبا بإصدار بيانات تدعو إلى “ضبط النفس” و”تفادي التصعيد” وحثت إيران على العودة لطاولة المفاوضات، لتمر “حرب الإثنتي عشر يوما” كما أسماها الرئييس الأمريكي “دونالد ترامب” باستجابات أوروبية عدة أظهرت تبايبنا كبيرًا في التعاطي مع الأزمة:
- بين دعم آلة الحرب الإسرائيلية والتنديد بالهجوم
كما حدث في السابع من أكتوبر في الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد كان هناك شبه إجماع أوروبي على دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وتمت الإشارة إلى ذلك في أكثر من مناسبة جمعت القادة الأوروبيين، كاجتماع G7 وجلسات البرلمان الأوروبي، بالرغم من معارضة الهجمات للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي لا يجيز الضربات الوقائية، في ظل تمسّك أوروبا- الظاهري- بالقانون الدولي.
كما تم التلميح إلى أن هذا الدعم قد يمتد خارج حدود التصريحات، ليصل إلى التدخل العسكري المباشر، وبالطبع كانت ألمانيا هي المصرح الأول بذلك، لدرجة تبرير الهجمات بقول إن إسرائيل تقوم “بالعمل القذر” ضد إيران بالنيابة عن حلفائها الغربيين، ما يعني تشريع فكرة “الحرب الاستباقية” ضمنيا دون شروط قانونية واضحة، ودون اعتبار أن ذلك من شأنه السماح لقوى كبرى أخرى بتبني المنطق ذاته مستقبلاً، ما يؤدي إلى تآكل مفهوم القانون الدولي لصالح موازين القوى.
وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي، فلم تفلح مؤسسات الاتحاد الأوروبي، مثل المجلس الأوروبي أو المفوضية، في بلورة موقف موحد، بسبب الانقسام بين دول شرقية داعمة لإسرائيل، ودول أخرى أكثر ميلًا للتوازن مثل إسبانيا أو إيرلندا، وكذلك من خلال رئيسة المفوضية “أورسولا فون دير لاين” التي دائما ما تغرد خارج السرب الأوروبي وتعتبر موقفها الشخصي من دعم إسرائيل بمثابة موقف موحد للمؤسسة التي تمثلها. وبشكل عام، كان هناك إجماع تقريبا على العودة إلى الدبلوماسية، والتأكيد عبر التصريحات الرسمية أن “الأمن الدائم يُبنى من خلال الدبلوماسية وليس من خلال العمل العسكري”.
وبالعودة إلى اجتماع G7، والتي عقدت في كندا في الفترة من 15 حتى 17 يونيو 2025، اتسم بيانه الختامي بالتأكيد على فكرة دعم أمن إسرائيل، والتأكيد عل أن إيران هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، والتشديد على أن إيران ليس بإمكانها امتلاك سلاحا نووي أبدا، كما حث البيان على خفض التصعيد والعودة لطاولة المفاوضات، من منطلق الإدراك الكامل أن التصعيد يعني التهديد المباشر لمصالح أوروبا السياسة والاقتصادية في الشرق الأوسط، ولكن من دون القدرة على ضمانات مقابلة، أو التأثير على تصرفات إسرائيل والولايات المتحدة.
- مفاوضات جنيف “E3” والاتحاد الأوروبي
حاولت أوروبا تقديم خطة موحدة، أو على الأقل مشتركة، لاحتواء التصعيد وتجنيب المنطقة حربا شاملة، حيث دعت دول الترويكا( فرنسا وبريطانيا وألمانيا) والاتحاد الأوروبي إيران للتفاوض في “جنيف” العاصمة السويسرية الجمعة 20 يونيو، في أول مشاركة أوروبية حقيقية منذ بدء الحرب، وذلك في اليوم الثامن من الصراع. وقدمت الدول الثلاث مقترحا للتفاوض بشروط تشمل خفض إيران تخصيب اليورانيوم إلى الصفر، وتقييد برنامجها للصواريخ الباليستية، ووقف تمويلها للجماعات التابعة لها، مثل حماس وحزب الله.
وبعد مفاوضات استمرت لأكثر من ثلاث ساعات جمعت وزراء الخارجية الأوروبيين ونظيرهم الإيراني، لم يسفر الاجتماع عن أي تقدم ملموس، وجاء بيان القادة الأوروبيين بالتأكيد على دعمهم استمرار المناقشات، وأهمية إيجاد حل لمعضلة البرنامج النووي، والترحيب بالجهود الأمريكية للتوصل إلى حل تفاضي، والإعراب عن استعدادهم للقاء مستقبلا.
وكما المتوقع، فشلت أوروبا في أن تكون فاعلًا دبلوماسيًا في جنيف، واعتبر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أن الدول الأوروبية لن تكون قادرة على المساعدة في إنهاء الحرب، خاصة وأن المفاوضات في جنيف أثبتت الرفض الإيراني التواصل المباشر مع واشنطن وإشراكها في المحادثات، وهو ما جعل أوروبا تفقد مصداقيتها كوسيط نزيه من إيران.
- تغيير النظام الإيراني
عارض الاتحاد الأوروبي الجهود الإسرائيلية الرامية إلى التحريض على تغيير النظام في إيران، والتأكيد على أن هذه الفكرة ليست جزءا من الموقف الموحد للاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، عندما دعا “ترامب” إيران إلى “استسلام غير مشروط” ولمّح باغتيال الولايات المتحدة للمرشد الإيراني “آية الله علي خامنئي“، ظل الموقف الأوروبي محصورا في دعوات ضبط النفس وخفض التصعيد، فيما يبدو أن هناك رغبة كامنة مغرية ترغب في تغيير النظام في طهران، وذلك بعكس التصريحات المعلنة والمحصورة في النطاق الأخلاقي والرمزي، خاصة مع دعم النظام الإيراني للجانب الروسي ضد أوكرانيا. ولكن أوروبا تعلم أن حتى مسار تغيير النظام يعتمد على قرار “ترامب” في وقتٍ تُحدد فيه الولايات المتحدة وإسرائيل قواعد الاشتباك والقرارات المصيرية.
- الموقف من الضربات الأمريكية
كان هناك انقسام كبير بين دول اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي قبل تدخل الولايات المتحدة في الصراع، ففرنسا وبريطانيا رفضوا كافة التكهنات المتزايدة حول سعي الرئيس “ترامب” إشراك القوات الأمريكية في هجوم مباشر على إيران دعما لإسرائيل، بينما دعمت ألمانيا هذا القرار وساندته بشدة بهدف القضاء على خطط إيران النووية التي تهدد استقرار المنطقة.
ولكن القصف الأمريكي الفعلي للمواقع الإيرانية فجر الأحد 22 يونيو وضع القادة الأوروبيين في موقف محرج، وأثيرت التكهنات حول علمهم المسبق بالقرار الأمريكي الذي اتضح أنه اتخذ منفردا دون مشاورتهم، وكذلك حول مشاركتهم في الضربات وتقديمهم دعم مباشر لواشنطن. بالإضافة إلى عدم إدانة أي طرف لقرار الرئيس الأمريكي، الأمر الذي تناقض مجددا مع اتفاقيات جنيف وميثاق الأمم المتحدة، كما تناقض مع تصريحاتهم للجانب الإيراني الداعية إلى منع هذا التصعيد، بل وسلّطت الضوء على عبثيتها، وأكدت على فقدان أوروبا مصداقيتها الأخلاقية والسياسية بالتغاضي عن ممارسات حلفائها، في حين تدين سلوكيات مماثلة من خصومها، في إطار سياسة “ازدواحية المعايير” التي بات يشتهر بها الاتحاد الأوروبي.
النفاق السياسي الأوروبي في إدارة الصراعات في الشرق الأوسط
كشف الموقف الأوروبي من التصعيد الإيراني الإسرائيلي، ومن قبله في الحرب الإسرائيلية على غزة، عن أزمة عميقة في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خصوصا فيما يتعلق بالصراعات في الشرق الأوسط، حيث في غياب الإرادة السياسية، والانقسام الداخلي، والتبعية للولايات المتحدة والوقوع في فخ ازدواجية المعايير:
- ازدواجية المعايير
كشف التصعيد عن المعايير المزدوجة للدول الأوروبية، فبجانب دعم إسرائيل غير مشروط حتى في ظل انتهاكها المتكرر للقانون الدولي، في غزة وسوريا ولبنان وإيران، يتسابق بعضهم لإنهاء المأساة في قطاع غزة، فقد كان الرئيس الفرنسي على شفا الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مؤتمر أممي دولي داعم لحل الدولتين كان المفترض أن يُعقد هذا الشهر كدليل على وصول العلاقات الفرنسية الإسرائيلية إلى أدنى مستوياتها، وسط تهديد تهديد غير مسبوق بإقدام عدد من الدول الغربية الكبرى على الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، ما يعد إهانة سياسية مدوية لحكومة نتنياهو، لكن هذا المؤتمر ألغي- إلى أجل غير مسمى- بفعل الهجمات الإسرائيلية التي رحب بها “ماكرون” وعدد من القادة الغربيين، وهذا التناقض يكشف عن غياب موقف أوروبي حقيقي من حكومة “نتنياهو”، ويفقد أوروبا مصداقيتها بشكل كبير.
والأهم من ذلك، أن الاتحاد الأوروبي وافق- بعد ضغط شعبي كبير- على مراجعة اتفاقية الشراكة بينه وبين إسرائيل، والتي كان من المفترض أن تؤدي، في ضوء جرائم الحرب الإسرائيلية، إلى تعليق التجارة التفضيلية بين الاتحاد الأوروبي وتل أبيب، حيث انضمت أغلبية الدول الأوروبية، بمبادرة من هولندا، إلى أيرلندا وإسبانيا، اللتين انفردتا في 2024 بالمُطالبة بمُراجعة اتفاقية شراكة الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل. ولكن الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران والدعم الأميركي الواضح لهذه العدوانية قد قلبا مسار التحول في أوروبا نحو أي قدر من الاستقلال والوضوح الأخلاقي. ونظرا لتباين مواقف بعض الدول الأوروبية من الصراع، لذا يُرجّح أن تمنع معارضة ألمانيا وبولندا والمجر التعليق التام للاتفاقية وفرض أيّ عقوبات على إسرائيل.
أما عن البرنامج النووي الإيراني، والذي يعتبر ذريعة إسرائيل لشن الهجمات على إيران، فإن موقف أوروبا حيال هذا البرنامج يكشف أيضا عن معايير متناقضة، فالاتحاد الأوروبي يستمر في إصدر الإدانات لإيران حول هذا البرنامج، بالرغم من أن إسرائيل تمتلك برنامجها النووي السري الخاص، ولكنه يُقابل فقط ببعض من الانتقادات الشكلية كونه برنامج لا تعترف به إسرائيل علنياً، كما أن إسرائيل بمنأى عن التدقيق أو العقوبات التي تستهدف عادةً الدول النووية غير الأطراف في معاهدة حظر الانتشار النووي.
ولكن الخبراء والمراقبون يؤكدون بما لا يدع مجالا للشك بأن البرنامج النووي الإسرائيلي يتوسع بشكل كبير، إذ يُعتقد أن إسرائيل تمتلك ثاني أصغر ترسانة نووية بين الدول التسعة المعروف امتلاكها لسلاح نووي، حيث تمتلك ما لا يقل عن 90 رأسا حربيا، وكمية كافية من المواد الانشطارية لإنتاج ما يصل إلى مئات أخرى، وفقاً لمركز السيطرة على الأسلحة ومنع الانتشار ومبادرة التهديد النووي.
- التبعية الأمريكية رغم تعمد تهميش الدور الأوروبي
يعد الاتفاق النووي لعام 2015 رمزًا لفشل أوروبا في فرض استقلالية دبلوماسية، بعد أن قوّضه انسحاب ترامب منه في ولايته الأولى، مما أفقد الأوروبيين ثقة طهران التي رأت في بروكسل شريكًا تابعًا لا يستطيع الدفاع عن التزاماته، وبهذا تحوّل الاتفاق في النهاية من ركيزة أمنية إلى رمز للإخفاق الأوروبي في مقاومة الإملاءات الأميركية.
ورغم محاولات أوروبا الأخيرة للنأي بنفسها عن السياسات الأمريكية، خاصة مع تصاعد الانتقادات لإسرائيل بسبب غزة، جاءت الضربة الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران بدعم أمريكي لتُعيد الاتحاد الأوروبي إلى موقع التابع من جديد. ومع ذلك، أبرز الصراع الأخير عداء ترامب الواضح لأوروبا، حيث حاول الرئيس الأمريكي عمدا التقليل من الدور الأوروبي في أي مبادرات أو حلول تفاوضية أوروبية يتم الاتفاق عليها، ليس فقط بشأن إيران، بل وأيضاً بشأن أوكرانيا وغزة، الأمر الذي أدى إلى تقليص دور الاتحاد الأوروبي إلى مجرد متفرج على لعبة تُدار بلا مشاورته بعد أن كان يتمتع ذات يوم بنفوذ كبير، حيث يصر ترامب على سحب زمام المبادرة من القادة الأوروبيين، حتى يُنسب له الفضل في وقف هذه الحرب.
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي قد انسحب من قمة G7 لأسباب غير معروفة، بينما حاول الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” تبريرها للإعلام ببحث مستقبل الصراع في الشرق الأوسط، وهو ما قوبل لاحقا بسخرية واسعة من ترامب الذي نفى تصريحات ماكرون، وعكس أن أوروبا لا تملك سوى التصريحات، كما عكست انتكاسة محاولات الاتحاد الأوروبي التواصل مع الرئيس الأمريكي، بجانب التأكيد بأن واشنطن لم تعد ترى في التعددية الأوروبية شريكًا ذا قيمة في اتخاذ القرار بشأن الأمن العالمي، بل أصبحت تنظر إليها كعائق أو على الأقل كمجموعة غير فاعلة.
ورغم وضوح النوايا الأمريكية تجاه أوروبا، انحاز الأوروبيون إلى مطالب إدارة ترامب لإجبار إيران على التخلي عن جميع أنشطة التخصيب في مفاوضات “جنيف”، بالرغم من علمهم التام بأن هذا الشرط يعد بمثابة خط أحمر بالنسبة إلى طهران، ما أدى في النهاية إلى تقويض الثقة في أوروبا كلاعب فاعل غير منحاز في السياسة الخارجية كونها لا تمتلك رؤية موحدة أو استراتيجية مستقلة تحقق مصالح الاتحاد وتنسجم مع مبادئه المعلنة.
مجمل القول، خرجت أوروبا من حرب الإثني عشر يوما كخاسر أكبر في صراع لم تخضه، فاقدة ثقة جميع الأطراف، فلم تكسب دعم واشنطن الكامل رغم التملق، ولم تؤثر على إسرائيل رغم الدعم، ولم تحافظ على قنوات الحوار مع إيران رغم المبادرة. والأسوأ من ذلك، أن هذا الفراغ أتاح لروسيا فرصة الظهور كلاعب بديل ووسيط في الملف الإيراني. وفي ظل هذا التراجع، لا سبيل أمام أوروبا لاستعادة دورها القيادي سوى بالتحرر من التبعية لواشنطن، من خلال صياغة سياسة خارجية موحدة وأكثر استقلالية، والسعي لاستعادة دور الوسيط النزيه والمتوازن في أزمات الشرق الأوسط، إذا كانت ترغب في استرجاع ما تبقى من مكانتها المتآكلة في النظام الدولي.
باحثة بالمرصد المصري