
إيران ولبنان وغموض مستقبل حزب الله
علي الرغم مما لحق بحزب الله من خسائر سواء علي مستوي هيكل القياده أو بالنسبه لإمكانياته العسكرية، إلا أنه يسعى جاهداً في هذه المرحله إلى محاوله الحفاظ على دوره المزدوج سواء باعتباره لاعباً أساسياً حاكماً علي مستوي التركيبه السياسيه الطائفية في لبنان أو بالنسبه لكونه حركة “مقاومه عسكريه” ضد إسرائيل، ولكن يبدو أنه قد يفقد مكانته علي الجبهتين إذ بات يواجه معضلة التعامل مع مجموعه من الضغوط الداخلية والخارجية لتجنب تقويض موقعه داخل لبنان و لمنع تآكل قوته كلاعب رئيسي في مقاومه إسرائيل وذلك مع الاستمرار في خدمة المصالح الجيوسياسية الأوسع لإيران.
فنجاح إسرائيل في اغتيال مجموعه هامه من قادة حزب الله بما في ذلك زعيمه الأعلى لأكثر من ثلاثين عاماً حسن نصر الله، قد أثبت عمق أو أبعاد الاختراقات الإسرائيليه للحزب من خلال التكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية، والتي ثبت خطوره تداعياتها السياسيه والعسكريه علي الحزب الذي ظل يلعب دورًا أساسيًا في تعزيز مصالح إيران في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك لبنان وسوريا والعراق واليمن، وشكلت ضربة هائله للحزب وهي بلا شك الأسوأ في تاريخه،
مع النجاح الإسرائيلي، انقلب المشهد الاستراتيجي لمحور المقاومه رأساً على عقب، فالقضاء على نصر الله، إلى جانب سلسلة من كبار قادة حزب الله، قد ألقى باستراتيجية إيران الرامية إلى خنق الدولة اليهودية من خلال شبكتها من الميليشيات بالوكالة في حالة من الفوضى، فحزب الله كان يعد بمثابة الورقة الرابحة لإيران وخسارة نصر الله جاءت لتمثل خساره شخصية بالنسبة للنخبة السياسية في إيران، بعد أن كان الشخصية الرئيسية الوحيدة في المنطقة التي اعتبرت المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، مرشدها الروحي حيث قبل حزب الله المفهوم الايراني لولايه الفقيه وهو نظام دستوري يخضع للبنيه الثيوقراطيه التي بمقتضاها يقبل حزب الله المرشد الأعلي لإيران باعتباره السلطه المطلقه التي يتوجب قبول مواقفها وتعليماتها.
بعد اغتيال إسماعيل هنيه في طهران يوم 31 يوليو، صعدت إسرائيل عملياتها ضد حزب الله في لبنان باستهداف أجهزة الاتصال اللاسلكي التابعة لحزب الله يومي السابع عشر والثامن عشر من سبتمبر، ثم قامت بأشد الضربات الإسرائيلية ضراوه على أهداف لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان ووادي البقاع. واستمرت الضربات المكثفة في أعقاب اغتيال نصر الله في السابع والعشرين من سبتمبر وبلغ عدد القتلى المدنيين في لبنان حتي الآن أكثر من ألف شخص بحلول الثلاثين من سبتمبر وأعقب ذلك القيام بعمليه بريه محدوده حتي الأن في ظل مخاوف متزايده في مختلف أنحاء المنطقة من أن يتحول العنف إلى صراع أكبر.
ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن نصرالله كان بمثابه العقل والقلب النابض لحزب الله، ومن دونه من الصعب للغاية أن نتصور كيف سيفكر حزب الله ويتحرك ويؤثر بالطريقة التي فعلها طوال العقود الماضيه خاصه وأنه ليس هناك مجال للمقارنه بين تداعيات إغتيال اسرائيل لعباس موسوي عام 1992 وبين آثار نجاحها في اغتيال حسن نصر الله ، فلسنوات عديدة، كان نصر الله، من بين الأفضل الذين يعرفون كيفية قراءة وفهم إسرائيل “حكومتها وجيشها ومجتمعها ونقاط ضعفها وحدودها”، و التي سعى إلى استغلالها من أجل البقاء وحتى الازدهار، ولكنه فشل في إدراك أن إسرائيل اليوم مختلفة تمام الاختلاف عن أي حكومة تعامل معها من قبل، وفشل في إدراك أن هذه الحكومة الإسرائيلية لا تشبه أي حكومة أخرى إذ تعتبر الأكثر تطرفاً وعدوانية في تاريخ الدولة اليهودية، كما فشل في فهم أنه بغض النظر عمن يتولى السلطة في إسرائيل، فلن يقبل أي زعيم إخلاء كل شمال إسرائيل تقريباً بسبب الضربات الصاروخية التي يشنها الحزب، كما مثل قرار نصر الله بمساعدة حماس في غزة بفتح جبهة ضد إسرائيل مقامرة كبري جاءت بنتائج عكسية تماماً إذ لم يفشل فقط في دعم حماس بأي شكل له معنى بل إن قراره لم يجلب سوى الخراب لحزب الله، والقول بأن نصر الله أخطأ في حساباته هو أقل من الحقيقة بكثير بعد أن ثبت أن خطأه كان مميتاً. ومع تواصل استهداف اسرائيل للشخصيات التي يمكن أن تخلف نصر الله يواجه الحزب تحديات غير مسبوقه تزيد من ضبابيه الموقف، وعلي الرغم من إجماع مجموعه من الأراء علي أن حزب الله بات يواجه مستقبلا غامضا خاصه وأن مكانته السياسيه والعسكريه وثقله لم تعد كما كانت عليه من قبل، إلا إن هناك تسرع في التوصل إلى استنتاجات توحي بأن حزب الله قد انتهي تماما، إذ لايزال يمتلك عشرات الآلاف من المقاتلين فضلا عن ترسانه هائله من الصواريخ والعتاد العسكري التقليدي والطائرات بدون طيار، الأمر الذي يرجح صعوبة تصور قدره إسرائيل علي القضاء التام عليه.
ومع تواصل العمليات العسكريه الإسرائيليه ضد حزب الله وعدم استبعاد تفجر صراع إقليمي، فإن الحزب أضحى يواجه تحديين إضافيين، يتمثل أولهما في تأكيد عدد من القوي الدوليه والإقليميه وحتي في لبنان ذاتها أهميه التحرك نحو تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 والذي ينص علي ضروره نزع سلاح كافه المليشيات اللبنانيه بما فيها حزب الله، والعمل علي استعاده الحكومه اللبنانيه سيطرتها الكامله علي كافه الأراضي اللبنانيه وكان سكرتير عام الأمم المتحده قد حذر من تداعيات احتفاظ حزب الله بقدرات عسكريه ضخمه مؤكدا ضروره العمل علي تحويله من مليشيات عسكريه إلى حزب سياسي مدني صرف، ويتمثل التحدي الثاني في رفض العديد من القوي الدوليه والإقليميه لمبدأ وجود تنظيمات مسلحه لا تخضع لسيطره الدوله الوطنيه تنفذ استراتيجيات خارجيه لأحد القوي الإقليميه وتقوم علي أسس طائفية وتتمتع بالقدره على الإنخراط في حروب تؤدي إلى خسائر اقتصاديه وإنسانيه تفوق التصور ويمكن أن تتسبب في زعزعه الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي، فنموذج الحرب بالوكاله الذي استحدثته إيران في المنطقه لم يعد من الممكن تصور استمراره مهما كانت أهدافه ودوافعه.
وتعتبر الفتره القادمه حاسمه بالنسبه لمستقبل الحزب الذي عليه تقع مسؤولية إدراك تحركات توازنات القوي الدوليه والإقليميه، وحتي داخل لبنان ذاتها التي قد تشهد توترات طائفيه يمكن أن تخرج عن نطاق السيطره وتؤدي إلى حرب أهليه جديده، حيث اغتنمت مجموعه من المعارضين السياسيين لحزب الله الفرصة للتشكيك في استراتيجية الحزب والخسائر السياسيه وإبراز الأضرار الاقتصاديه الباهظة التي ألحقها بلبنان نتيجه لتفضيله للمصالح الإيرانيه، خاصه بعد أن تعنت الحزب في مسألة انتخاب الرئيس، حيث أصر حزب الله على انتخاب مرشحه المفضل، الأمر الذي أدى إلى طريق مسدود وفراغ رئاسي دام قرابة العامين ومع تزايد التصعيد في المنطقه تعمل العديد من الأطراف علي الحيلوله دون تحول الأمور إلى حرب إقليميه واسعه النطاق يمكن أن تأتي علي الأخضر واليابس، وليس من قبيل المبالغه استنتاج أن حزب الله بات يواجه مستقبلا غامضا خاصه وأن إيران لم يثبت أنها أفادت القضيه الفلسطينيه أو أنها نجحت في حمايه الفلسطينيين من المذابح الإسرائيليه.