
الطاقة المتجددة في مصر وتعزيز مشاركة القطاع الخاص
وضعت مصر أهدافًا طموحة لزيادة إنتاجها من الطاقة المتجددة، بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية باريس لتغير المناخ. ويتجلى هذا الالتزام في الخطط الاستراتيجية التي وضعتها مصر والتي تحدد الأهداف والآليات اللازمة لدمج الطاقة المتجددة في الشبكة القومية وزيادة الاعتماد عليها. وهذه الأهداف ليست بيئية بطبيعتها فحسب، وإنما لتحقيق أمن الطاقة من خلال تنويع مصادر الطاقة في مصر وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ولقد شهدت الفترة الماضية خطوات واسعة في زيادة الاستثمار في الطاقات المتجددة وزيادة الاعتماد عليها ، فأصبحت مصر من أهم دول المنطقة في مجالات ( طاقة الرياح- الطاقة الشمسية – الهيدروجين الأخضر) ، واتخذت مسارها لتكون مركز إقليمي لتجارة الطاقة في المنطقة، وعملت علي تطوير السياسات والاجراءات لتعزيز ذلك وتهيئة مناخ جاذب للاستثمار ومشاركة القطاع الخاص، وجاء الإعلان الأخير الذي أصدره جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك بشأن تشجيع استثمارات القطاع الخاص في الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة وتحديد القواعد التنظيمية للاتفاقات الثنائية في القطاع الخاص، والاعلان عن بدء تلقي طلبات التسجيل للشركات الراغبة بالمشاركة في المرحلة الأولى من مشروعات إنتاج الطاقة الكهربائية من المصادر المتجددة بمثابة خطوة داعمة لتخارج القطاع الحكومي أو مشاركته علي الأقل في هذا القطاع الحيوي.
إمكانات مصر من الطاقة المتجددة
منذ إنشاء هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر عام 1986 وأصبحت هي الجهة المسؤولة عن تنمية استخدام الطاقات المتجددة وحصر المصادر الطبيعية وتطوير الخطط والاستراتيجيات التي تساعد في الاعتماد عليها مع تشجيع تصنيع وتجميع مكونات المشروعات محليا ، بالإضافة إلي تطبيق معايير كفاءة الطاقة.
وفقا لدراسات تقييم وحصر مصادر الطاقة المتجددة وتقارير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)؛ تتمتع مصر بإمكانات هائلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تجعلها تتفوق علي دول المنطقة وتجذب المزيد من الاستثمارات في المجال.
الطاقة الشمسية: حدثت مصر امكاناتها من الطاقة الشمسية من خلال الأطلس الشمسي الذي أصدرته عام 2018، والذي يحتوي على بيانات ومتوسطات الإشعاع الشمسي لفترة تصل إلى 15 سنة، ما بين المتوسطات السنوية والشهرية، والتي يتراوح معدل الإشعاع الشمسي المباشر فيها من 2000 إلى 3200 كيلووات/ ساعة لكل متر مربع في السنة. بالإضافة إلى رصد مفصل لجميع الأراضي المخصصة لمشروعات الطاقة المتجددة.
طاقة الرياح: طورت مصر أطلس لطاقة الرياح يحدد مناطق الجمهورية ذات السرعات العالية من الرياح والتي تتوافر بها مقومات اقامة المشروعات، وتتمتع مصر بمتوسط سرعات للرياح بلغت 8-13 م/ث في مناطق مثل الزعفرانة وخليج السويس وشرق وغرب النيل.
الأراضي: ووفقا للمتغيرات العالمية واتجاه مصر نحو تحقيق التنمية المستدامة ومشروعات مواجهة تغير المناخ فقد خصصت الدولة مساحات من الأراضي التي تصلح لإقامة مشروعات الطاقة المتجددة بتنوع مصادرها، وقد بلغت مساحات الأراضي المخصصة لهيئة الطاقة المتجددة لإقامة المشروعات وفقا للأليات المتاحة أكثر من 31 ألف كم2، تسمح بإضافة أكثر من 174 جيجاوات من الطاقات المتجددة (شمسي- رياح) ، وهناك أكثر من 10 ألاف كم2 من الأراضي جاري تخصيصها تسمح بإضافة حوالي 107 جيجاوات، فضلا عن أكثر من 50 ألف كم2 تحت الدراسة.
وربما في حصرنا لإمكانات مصر التي تمكنها من التقدم في مشروعات الطاقة المتجددة، لا ننسي العنصر البشري من الفنيين والمهندسين الذين لديهم القدرة علي بناء وتشغيل وصيانة تلك المحطات. كما يعزز تلك الامكانات سياسات وتشريعات مرنة تساعد في دعم مكانة مصر اقليميا ودوليا في هذا المجال.
الوضع الحالي لمشروعات الطاقة المتجددة في مصر
شهد النصف الأول من عام 2024 خطوة جديدة نحو مسار انتقال الطاقة في مصر بافتتاح محطة رياح خليج السويس 1 بقدرة إجمالية 252 ميجاوات بالتعاون مع الشركاء الاوروبين ومؤسسات التمويل الدولية من المانيا وفرنسا والدنمارك، لتمد المحطة الجديدة ذات ال 70 توربينة الشبكة القومية للكهرباء بحولي 1200 جيجاوات/ ساعة سنويا من الكهرباء ، وتسهم في خفض نحو نصف مليون طن سنويا من الانبعاثات الكربونية، وبتلك المحطة تبلغ إجمالي قدرات محطات طاقة الرياح في مصر حتي الان 1323 ميجاوات من القطاع الحكومي، و512 ميجاوات محطات للقطاع الخاص. حتي تنقلب المعادلة نهائيا بحلول 2030 ، ويسيطر القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية علي مشروعات طاقة الرياح بخطط ودراسات لاضافة ما يزيد عن 28 ألف ميجاوات جديدة من طاقة الرياح.
يختلف الوضع بالنسبة لمشروعات الطاقة الشمسية، فيقدم القطاع الخاص نموذجا فريدا من المشروعات بنظام تعريفة التغذية جمعت حوالي 32 شركة ومؤسسة تمويل دولية في مجمع بنبان للطاقة الشمسية بأسوان بقدرة 1465 ميجاوات. لتبلغ إجمالي قدرات الطاقة الشمسية 1770 ميجاوات ، تملك منها الدولة عن طريق هيئة الطاقة المتجددة محطتان بقدرة 26 ميجاوات بكوم أمبو بأسوان ، و50 ميجاوات بالزعفرانة ، بينما تشير القدرات الباقية إلي المحطات الصغير الغير مرتبطة بالشبكة.
هناك بعص المصادر الاخري ضمن نطاق الطاقات المتجددة وعلي رأسها الطاقة الكهرومائية والتي تعتبر أول مصدر متجدد اعتمدت عليه مصر في توليد الكهرباء من خلال السد العالي بقدرة 2100 ميجاوات، وأنشات بعده عدد من القناطر و السدود في أسوان وإسنا وأسيوط ليصل إجمالي القدرات 2830 ميجاوات.
بالاضافة إلي محاولات أولية في مشروعات الكتلة الحيوية خاصة بعد صدور تعريفة التغذية بقدرات بلغت 60 ميجاوات في محطتي الجبل الأصفر ومحطة التنقية الشرقية . وخلاصة القول أن القدرات المركبة من الطاقات المتجددة في مصر بلغت 6700 ميجاوات من إجمالي القدرة الكهربية، لتشكل حوالي 12% من المزيج الوطني للكهرباء .
شكل (1): اجمالي قدرات مشروعات الطاقة المتجددة
خطط واستراتيجيات طموحة
وفقا للمستجدات والأحداث العالمية وكذلك المحلية التي شهدتها مصر خلال السنوات الماضية وتأثيرها على تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة بصفة خاصة، فقد تم تحديث استراتيجية الطاقة المستدامة لتهدف إلي الوصول بنسبة مشاركة الطاقة المتجددة بنحو 42% بحلول 2030، الأمر الذي يضع أعباء هائلة علي الدولة لمحاولة تحقيق هذا الهدف ومضاعفة قدرات الطاقة المتجددة خلال 6 سنوات فقط.
جاء تحديث الاستراتيجية بناء علي الأحداث العالمية وتداعيات تغير المناخ التي تقتضي بضرورة تنوع مصادر الطاقة وتحقيق أمن الطاقة باعتباره أمن قومي، لذا منذ استضافة مصر لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP27) بشرم الشيخ ومن بعده في مؤتمر الأمارات (COP28) ، ومع تقديمها للمساهمات المحددة وطنيا (NDCs) بشأن خفض الانبعاثات الكربونية في مجالات الاقتصاد والطاقة والصناعة ، فقد وقعت مصر عدد من مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون بشأن اضافة قدرات تعدت 28 ألف ميجاوات من طاقة الرياح بالتعاون مع القطاع الخاص تحت الدراسة الأن ، فضلا عن مشروعات تحت التنفيذ بقدرات 1700 ميجاوات . وكذلك الوضع بالنسبة للطاقة الشمسية فهناك مشروعات بقدرة 700 ميجاوات تحت التنفيذ، وما يقارب من 12 ألف ميجاوات من مشروعات الخلايا الفوتوفلطية تحت الدراسة والتطوير بالتعاون مع القطاع الخاص والشركات العالمية.
شكل (2): استراتيجية الطاقة المستدامة لمصر 2030
الهيدروجين والسباق العالمي
مع اكتساب الهيدروجين الأخضر ومشتقاته زخما عالميا غير مسبوق، وأصبح الحديث عنه باعتباره وقود المستقبل وأحد أفضل البدائل في عمليات التحول من الوقود الاحفوري مع اكتمال تطور السوق وخفض التكلفة. الهيدروجين الأخضر ينتج من التحليل الكهربي للماء باستخدام أجهزة التحليل الكهربي لفصل مكونات الماء باستخدام الكهرباء المتجددة وبذلك فهو لا ينتج عنه أي انبعاثات ضارة، ولكنه في ذات الوقت يحتاج إلي الكهرباء والماء لإنتاجه، وعندها يستخدم لنقل وتخزين الطاقة، ويمكن من خلاله تعظيم الاستفادة من المصادر المتجددة ونقلها لمسافات طويلة بطرق مختلفة، أومن خلال تحويله إلي منتجات أخري ذات فوائد اقتصادية هامة مثل الأمونيا الخضراء أو الميثانول.
طورت مصر استراتيجية للهيدروجين الأخضر ومشتقاته تهدف من خلالها حجز مقعد في السباق العالمي للهيدروجين. وتسعي للوصول لنسبة 6-8% من السوق العالمي للهيدروجين بحلول عام 2040، وهو الهدف الذي يمكن تحقيقه من خلال تمتعها بالمقومات الطبيعية والجغرافية، فضلا عن تهيئة مناخ للاستثمارات ووضع حوافز وتسهيلات للاستثمار في مجال الهيدروجين ومشتقاته والتي تتطلب استثمارات تبلغ حوالي 60 مليار دولار أمريكي، من خلال 3 مراحل:
- المشاريع التجريبية 2020-2029
- التوسع في السوق 2030-2039
- السوق الكامل 2040
وقد وقعت مصر حتي الان علي ما يقرب من27 مذكرة تفاهم بشأن مشروعات للهيدروجين الأخضر ومشتقاته مع شركات عالمية، تحولت منها 11 مذكرة إلي اتفاقيات تعاون مشتركة وتم تحدييد أراضي المشروعات المقترحة، وجاري استكمال الدراسات.
سياسات وتشريعات
لا شك أن تنفيذ الأهداف والاستراتيجيات الوطنية يحتاج إلي توضيح الاجراءات المطلوبة وتطوير السياسات والتشريعات التي من شأنها دعم تنفيذ هذه الأهداف ومحاولة التغلب علي أي عوائق ممكنة. البيئة التشريعية المرنة هي الإطار الفعلي الحاكم لتنفيذ المشروعات، لذا منذ عام 2014 وقد حرصت مصرعلي تطوير وتحديث التشريعات المنظمة لقطاع الكهرباء والطاقة المتجددة في مصر من خلال:
- قانون تحفيز استخدام الطاقة المتجددة رقم 203 لسنة 2014، وما تلاه من القـرار الجمهـوري رقـم ١٣٥ لسـنة ٢٠١٤ بشـأن تعديـل قانـون هيئـة الطاقـة الجديـدة والمتجـددة ليسـمح لهـا ببيـع الكهربـاء المنتجـة مـن مشـروعاتها لإحـدى الشـركات التابعـة للشـركة القابضـة لكهربـاء مصـر أو المسـتثمرين مـن القطـاع الخـاص ، وانشـاء شـركات سواء بمفردها أو مع شركاء آخرين. وكذلك قرار السـيد رئيس مجلس الوزراء رقم ١٩٤٧ لسـنة ٢٠١٤ ،بشـأن ألية تعريفة التغذية لمصادر الطاقة المتجددة (شـمس – رياح).
- وفي عام 2016 صدر قـرار جمهـوري رقـم ١١٦، بتخصيـص مسـاحة تصـل إلـى ٧٦٠٠ كـم٢ لصالـح هيئـة الطاقـة الجديـدة والمتجـددة لاسـتخدامها فـي مشروعات الطاقة المتجددة سواء بنفسها أو طرحها للمستثمرين بنظام حق الانتفاع وفقا للقواعد التي يقررها مجلس الوزراء. وكذلك القرارات رقم 51، و55 لسنة 2023، والقرار رقم 39 لسنة 2024، بتخصيص مساحات من الأراضي بلغت 40 ألف كـم٢ في محافظات سوهاج وأسوان و سيدي براني بمحافظة مطروح ، ومحافظة الوادي الجديد.
- صدور الكتـاب الدوري رقـم ١٠ بخصـوص تعديـل نمـوذج عقـد تبـادل الطاقـة الكهربائيـة بنظـام صافـى القيـاس علـي شـبكات التوزيـع لمحطـة طاقـة شمسـية بقدرة حتي ٢٠ ميجاوات، وكذا الكتــاب الــدورى رقــم ٣ لســنة ٢٠٢٣ بشــأن القواعــد التنظيميــة لمنظومــة إنتــاج الطاقــة الكهربيــة المنتجــة مــن الطاقــة الشمســية الفوتوفلطية بغرض الاستهلاك الذاتي.
- كما أعلنت الدولة عن تعريفة التغذية لمشروعات الكتلة الحيوية، واصدرت كتاب دوري لتوضيح قواعد شحن السيارات الكهربية وتشجيع بناء محطات الشحن بمشاركة القطاع الخاص .
- وفي عام 2024 تم صدورقانون رقم 2 لسـنة ٢٠٢٤ بشـأن حوافز مشـروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشـتقاته، والذي بموجبه ستحصل الشركات التي تنفذ مشروعات الهيدروجين الأخضر في غضون خمس سنوات والتي يكون حوالي 70% من تمويلها من مقرضين أجانب على إعفاءات من ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل، إضافة إلى حوافز غير ضريبية وتخفيض في الرسوم .
لاشك أن مساهمة القطاع الخاص في دعم الاقتصاد الوطني أمر هام وضروري، لاسيما في زيادة مشروعات الطاقة المتجددة، والذي سيسهم بدوره في خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض الانبعاثات. ولتفعيل هذا الدور كان لابد من إزالة العقبات أمام استثمارات القطاع الخاص وتوضيح كافة الامور التنظيمية لانتاج واستهلاك الكهرباء المنتجة من مشروعات القطاع الخاص باستخدام الشبكة، وأعلن جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك عن دعوة المستثمرين الراغبين في التسجيل للمشاركة في المرحلة الأولى بإنشاء 5 مشروعات للطاقة المتجددة سواء طاقة شمسية أو رياح بقدرة إجمالية 500 ميجاوات، وبيع الطاقة المنتجة لمستهلكين جدد، كما أقر مؤخراً القواعد التنظيمية للاتفاقيات الثنائية بين القطاع الخاص إنتاجاً واستهلاكاً وكافة العقود اللازمة في هذا الشأن. وأوضح ذلك من خلال الموقع الالكتروني ،وحدد فترة التقديم حتي شهر أغسطس 2024.
باحثة ببرنامج السياسات العامة



