مقالات رأي

جوتيريش وغالى بين المبادئ والمناصب

كلاهما شغل أو ما زال يشغل المنصب الرفيع كسكرتير عام للأمم المتحدة وعضو أمانتها العامة، وهى كبرى المنظمات الدولية التى تأسست فى 26 يونيو1945وكلا الرجلان واجه التعنت الأمريكى, بطرس غالى فى يوغسلافيا وجوتيريش واجه التعنت الإسرائيلى الأمريكى فى فلسطين بشكل عام وفى غزة بشكل خاص، والدكتور بطرس غالى واجه عدم تجديد ولايته الأولى لخمس سنوات أخرى ضمن كافة شاغلى المنصب الرفيع, لرفضه معطيات الغزو الأمريكى للبلقان وتفتيت دُول الاتحاد اليوغسلافى، بينما يعانى انطونيو جوتيريش منذ نهاية العام الثانى من ولايته الثانية بالتزامن مع مأساة غزة والتجبٌر الإسرائيلى. فإلى ملمح من مسيرة الرجلين.
أولا: جوتيريش، وهو الأمين الحالى والتاسع حتى الآن. تولى فى اول يناير 2017 وتجددت ولايته الثانية الحالية بعد خمس سنوات فى الأول من يناير2022 ويواجه تحديات نظرا للموقف غير المُرحب به من قِبَل الولايات المتحدة والموقف المعادى له من اسرائيل, التى ذهبت الى نَعْت جوتيريش بحليف حماس والإرهاب ضد اسرائيل! وكانت قمة أداء الأمين العام للأمم المتحدة بزيارتيه الى شمال سيناء متضمنة مطار ومستشفى العريش وانتهاء بزيارة معبررفح من الجانب المصرى.
وتلخصت أهم مواقف وتصريحات جوتيرش فى الدعم الإنسانى لسكان غزة الذين يعيشون فى ظروف قاسية فى ظل العدوان العسكرى الهمجى الإسرائيلى والضربات الجوية التى تهدم المنازل وتدمر البنى التحتية مع سقوط الآلاف من الشهداء والمصابين, حيث لم تفرٍق تلك الضربات بين حمساوى وغزاوى, مع إدانته لتصرفات قوات حماس ومن فى ركابها ضد المدنيين الإسرائيليين يوم 7 أكتوبر2023 ومواصلته للعمل الدءوب لوقف إطلاق النار والإفراج عن كل المحتجزين بمن فيهم الإسرائيليون مدنيين وعسكريين.
وركز الأمين العام خلال زيارته لشمال سيناء على زيارة ومواساة الجرحى الفلسطينيين الذين يتلقون العلاج العاجل فى مستشفى العريش ثم باقى المستشفيات المصرية. وتفقد جوتيريش المساعدات الإنسانية التى تمد بها مصر بشكل مباشر أو من خلال الشحن الجوى من الدول الصديقة وما يستتبعه من الإعداد والنقل مع طوابير الآلاف من الشاحنات المصرية المنتظِرة عبورها حيث العراقيل الإسرائيلية التفتيشية والإجرائية، التى تعرقل معدل تدفق تلك المعونات. كما انه مع عدم صلاحية الطرق لايمكن للشاحنات ان تتجاوز خان يونس وبالتالى المضى الى شمال قطاع غزة شبه المحاصر والمعرض إلى مجاعة حقيقية (وهو ما وصفه جوتيريش بالعار) مما دفع مصر وبعض الدول الصديقة إلى الإمداد الجوى بالإسقاط المظلى رغم محاذيره ومحدوديته بالمقارنة بالإمداد البرى المباشر.
ثم إدانة جوتيريش لاستهداف (الأونروا)المعنية بغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين حيث قُتل منها 162 فردا وهو رقم غير مسبوق لخسائر الأمم المتحدة، وزاد الطين بلة وقف أمريكا والبعض من دول غرب أوروبا للدعم المادى لتلك المنظمات الإنسانية. واتهام إسرائيل لها بأنها تتعاون مع حماس.. وجوتيريش البرتغالى الجنسية هو برلمانى سابق وعضو الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا ومؤسس المجلس البرتغالى للاجئين.
ثانيا: بطرس غالى، وهو دكتور فى القانون الدولى وسياسى ودبلوماسى مخضرم ومؤسس الفرانكوفونية الدولية. وشغل منصبه الرفيع فى الأمم المتحدة بترتيب السادس منذ يناير 1992 وحتى نهاية عام 1996 وهو الأمين العام الوحيد الذى لم تجدد له فترة أمانة ثانية, حيث تعارضت سياسته مع التوجهات الامريكية والغربية لتكريس التوحد الغربى وتقوية حلف الناتو، فى مقابل التفتت الشرقى الذى تم فى الاتحاد السوفيتى 1981 وتكرار التجربة ضد الاتحاد اليوغسلافى من خارج الأمم المتحدة وأمينها العام- كما تم تكرارها فى غزو العراق- بدعوى المواقف الإنسانية لبعض العرقيات، حيث تفككت جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية الى 7 دول و6 مقاطعات واستمر التفكك والتفاعل طيلة عشرة أشهر متصلة وما واكبها من مشاكل سياسية واجتماعية عرقية أدت الى مشاكل اقتصادية وتفتت اجتماعى.
ورافق غالى سوء حظ بتصاعد الحرب الأهلية الرواندية التى تحولت إلى حرب إبادة قبلية إقليمية 1990-1993 حصدت قرابة المليون نسمة، واتُهم الرجل بالتباطؤ فى القرارات رغم انها قرارات مؤسسية وليست فردية. وهكذا تعارضت المبادئ والوظائف، فدفع بطرس غالى الثمن بشبة إبعاد بعدم التجديد الأول له كسكرتير عام للأمم المتحدة، بينما يكافح انطونيو جوتيرش ضد التيار لنصرة شعب غزة الأعزل ليس ضد السلاح الإسرائيلى فقط, بل ضد الجوع والعطش والمرض, حيث وصف الرجل الموقف بأنه عارٌ على الانسانية وذلك خلال مرافقته الرمضانية السنوية لبعض اللاجئين الفلسطينيين لتناول الإفطار فى الأردن, رغم الإحساس بانه خسر الوظيفة المرموقة مقدماً..
نقلا عن جريدة الأهرام

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى