
قراءة في نتائج الانتخابات الرئاسية التايوانية ٢٠٢٤
انعقدت الانتخابات الرئاسية التايوانية يوم السبت الماضي الموافق ١٣ يناير ٢٠٢٤، في تنافس شرس بين ثلاثة مرشحين وهم لاي تشينغ-تي، الملقب بويليام لاي، من الحزب الديمقراطي التقدمي، هو يو-يه من حزب الكومينتاغ، وكو وين-جي من حزب الشعب التايواني، للتنافس على السلطة لفترة رئاسية قادمة. وسلم الناخبين التايوانيين الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم الولاية الثالثة على التوالي، بعد أن نجح في تأمين ولايتين سابقتين على رأس الحكم، لنرى تقدم الرئيس الجديد ويليام لاي ليتربع على رأس السلطة في تايوان، رغم تحذيرات الصين المتكررة ومحاولاتها إفشال حملته الانتخابية. وعليه، تمثل هذه الانتخابات نصرًا ديمقراطيًا كبيرًا للحزب، نظرًا لكونها المرة الأولى التي يفوز فيها حزب سياسي في تايوان بولاية رئاسية ثالثة على التوالي، على الرغم من عدم حصوله على أغلبية في الهيئة التشريعية، ما لم يتيح له أن يحكم بنفسه.
نتائج الانتخابات
لم تأتي نتائج الانتخابات بفروق كبيرة وملحوظة بين المرشحين، حيث حصل كل من ويليام لاي، وهو يو-يه، وكو وين-جي على 40.1%، 33.5%، و26.5%على التوالي من الأصوات الصحيحة في الانتخابات الرئاسية. وتأتي هذه النتائج متشابهة في الترتيب لنتائج الانتخابات الرئاسية السابقة ولكنها تختلف من حيث نسب التصويت، إذ فاز الحزب ذاته بنسبة 57.1%، وتلاه حزب الكومينتاغ بنسبة 38.6%من الأصوات. ويتضح أن العديد من الناخبين الذين دعموا الأحزاب الأخرى ناخبين لأول مرة، حيث لوحظ في شوارع تايوان، خاصةً في الأيام التي سبقت الانتخابات، رؤية عددًا من الشباب الذين يرتدون ملابس مميزة لحزب الشعب التايواني. وهو ما يكشف عن خيبة أملهم جراء فشل الحزبين التقليديين الرئيسين، أي الحزب الديمقراطي التقدمي وحزب الكومينتاغ المعارض في تحقيق طموحاتهم، فيما يشير ذهاب ربع الأصوات الانتخابية إلى المرشح كو وين إلى مستقبل باهت ينتظر هذه الأحزاب، وتشكل أرضية قوية لحزب الشعب التايواني يمكن البناء عليها في المستقبل للوصول إلى أعلى منصب رسمي في تايوان في حال قرر المشاركة في السباق الرئاسي مرة أخرى في المستقبل.
وعلى الرغم من وصول الحزب نفسه إلى الحكم، إلا أن انخفاض نسب التأييد عن الانتخابات السابقة تكشف انخفاض الرضا الشعبي التايواني، وهو الحال نفسه لحزب الكومينتاغ، ويعود ذلك إلى استياء الشعب من سياسات المرشحين والصراعات الداخلية بين أحزابهم خلال فترة الترشح وإعلان الحملات الانتخابية. ولكن، من المرجح أن يكون قلق التايوانيين من سياسات حزبي الكومينتاغ وحزب الشعب التايواني جراء مستقبل العلاقات مع الصين، هو النقطة الفاصلة في الاختيار الذي تبناه أكثر من 40% من الناخبين، لا سيما وأن حزب الكومينتاغ تعرض لانتقادات مستمرة خلال الحملة الانتخابية بسبب سياستهم الصينية. بالإضافة إلى توجه الناخبين لاختيار فريق يمتلك خبرة محلية ودولية في التعامل مع التوترات الحالية ومستجدات الصراعات الإقليمية والعالمية، خاصة وأن لاي كان نائبًا للرئيسة السابقة لمدة ثمانية أعوام متواصلة، وهو ما يميزه عن منافسيه بخبرة كبيرة في التعامل مع القضايا المحلية.
تحديات جديدة وملفات ممتدة
على الرغم من فوز ويليام لاي في الانتخابات الرئاسية إلا أنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة، والتي يأتي على رأسها فشل حزبه في الحصول على أغلبية في الهيئة التشريعية، ليتفوق عليه حزب الكومينتاغ المعارض الذي حصل على 52 مقعدًا من أصل 113 مقابل 51 للحزب الديمقراطي التقدمي، بعد أن حصل الأخير في الانتخابات التشريعية السابقة على 61 مقعدًا من أصل 113 مقابل 38 لحزب الكومينتاغ. وعليه، قد يجعل هذا التغير في موازين السلطة الرئيس الجديد في حاجة إلى دعم من الحلفاء السياسيين المحليين للحكم بفعالية. علاوة على ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة التي تعتبر الداعم الرئيس لتايوان قد تخلت عن موقفها الداعم للجزيرة، في ضوء إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه لا يدعم استقلالها. وذلك على خلاف التصريحات الأمريكية التي تشير إلى الدعم الكبير لتايوان وفي مقدمتها التحذير من تدخل أي طرف في الانتخابات التايوانية أو محاولة التأثير عليها، ويأتي التخلي الأمريكي مواليًا للمناقشات التي دارت بين بايدن وشي جين بينغ في نوفمبر الماضي حول شؤون الجزيرة وحتمية ضمها للبر الرئيسي الصيني، مدعومًا بتشتت واشنطن بين عدد من الصراعات الشائكة في الشرق الأوسط وأوكرانيا، إضافة إلى الانتخابات الرئاسية التي بدأت تستهلك بايدن لضمان فوزه بعهدة ثانية.
ومن جهة أخرى، يمتد الصراع ذاته عبر المضيق وسط التحذيرات التي حاولت الضغط على الجزيرة وتوجيه الرأي العام لعدم انتخاب ويليام لاي، أملًا في رؤية إطاحة الشعب بحزبه من الحكم. ويؤكد اختيار الشعب لحزب يعزز الهوية المنفصلة للجزيرة للمرة الثالثة على التوالي، وهي سابقة تعد الأولى من نوعها، أن هذه الديمقراطية الصاخبة قد ابتعدت أكثر عن الصين وحلمها بالتوحيد، ويؤكد على رغبة الكتلة الأكبر من الشعب التايواني في البقاء على مسافة من البر الصيني. وفي هذا الصدد، وبعد أن هددت الصين بأن التصويت للحزب الديمقراطي التقدمي يعد تصويتًا للحرب، قد تتجه الصين للبحث عن وسائل أخرى من شأنها أن تُخضع الجزيرة لرغبتها في التوحيد، والتي قد تشمل المزيد من المضايقات والضغوطات الاقتصادية، كما قد تحافظ على ضغطها العسكري لردع ما تخشى أن يكون محاولات محتملة من لاي للتقدم نحوتغيير وضع تايوان.
وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو الأمر وكأنه سوداويًا بالنسبة لبكين، حيث إنه مع قوة المعارضة السياسية في الهيئة التشريعية وبين الحكومات المحلية، قد تسنح الفرصة للصين لتجاوز الحكومة المركزية والعمل مباشرة مع تلك الشخصيات المعارضة، مما قد يؤدي إلى عرقلة شرعية سلطة لاي وحكومته وتقويضها. وعلى هذا الغرار، سيتعين على لاي محاولة إبقاء منافذ الحوار مع الصين مفتوحة، حتى وإن كان لا يفضل نهج بكين القاسي. وبينما أعرب الرئيس الجديد عن أهمية الحوار للتقليل من حدة الصراع، إلا أن هذا الحل يبدو وكأنه مستبعدًا من جانب الصين، لكونها وجدت في التقسيمة التشريعية منفذًا جيدًا للضغط على القائمين على السلطة.
ويشير فوز ويليام لاي بأقل من أغلبية الأصوات، على عكس الانتخابات الرئاسية السابقة، إلى التراجع في شعبية الحزب لدى عموم الشعب التايواني، وهو ما يهدد محاولاته المحتملة لتأمين عهدة رابعة لحزبه. وعلى هذا الأساس، سيتعين على لاي العمل بقوة وسط ظروف صعبة لحل المشاكل المعيشية التي تواجه المواطنين التي تتردى يومًا تلو الآخر، والوفاء بوعوده المتعددة التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، خصوصًا أن حصول حزب المعارضة على أكبر عدد من المقاعد في السلطة التشريعية، سيخضع حكومة لاي القادمة وخاصة تشريعاتها وميزانياتها المقترحة، لمزيد من التدقيق والضغط من المشرعين أكثر مما كانت عليه في إدارة تساي، مما يعيق تنفيذ الكثير من سياساتها السابقة ويستدعي تعديل بعضها السياسات بشكل استراتيجي.
ختامًا، يفوز الحزب الديمقراطي التقدمي بولاية ثالثة، وهو ما يعد حدثًا فريدًا من نوعه في السياسة التايوانية، ولكن، لم يبدو أن الشعب التايواني كان يؤيد بحفاوة هذا الحزب مقارنة بالحزبين الآخرين، لا سيما مع انخفاض نسب المؤيدين له بالنظر في نسب التصويت للانتخابات الرئاسية السابقة، إضافة إلى الفوارق البسيطة بين عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح على حدة، وعدم استطاعة لاي تأمين نصف عدد الأصوات لصالحه، مع عدم حصول حزبه على أكبر عدد من المقاعد في السلطة التشريعية. لهذا، من المرجح أن يكون الشعب التايواني، بحساباته العقلانية، فضل اختيار الحزب الذي يعرفه والذي من شأنه أن يقود الأوضاع إلى موضع أقل خطرًا من تلك التي كادت ترسى بها الأحزاب الأخرى، لا سيما لكون المؤيدين لحزب الشعب التايواني معظمهم من الشباب الذين لم يسبق لهم وأن انتخبوا قط.
هذا ويتضح أن ولاية لاي تواجه تحديات داخلية وخارجية أشد من تلك التي تعرض لها الحزب ذاته في عهد ولايتي تساي، خاصةً مع صعود المعارضة التي تؤيد الصين بشدة وتختلف مع لاي أيديولوجيًا لدرجة كبيرة، وهو ما قد يكون مكلفًا لحكومة لاي وسيطرته على أركان الدولة نفسها قبل التطرق للصراعات الخارجية مع الصين. انطلاقًا من أن هذا الانقسام الداخلي من شأنه أن يعرقل سياسات لاي على الصعيد الداخلي، ومن شأنه أن يفتح مجالًا للصين لاستغلال المعارضة لصالحها، وإن كان يهدف بشكل أساسي إلى خلق تصدعات داخلية في صفوف السلطة ومن ثم، الشعب، أو للضغط على حكومة لاي لتقديم بعض التنازلات التي لم يكن ينوي الرئيس الجديد الإقدام عليها.
باحثة بالمرصد المصري