
اتهامات باطلة وأدلة ضعيفة.. قراءة في دفاع إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية
على مدار يومي الحادي عشر والثاني عشر من يناير الجاري، عُقدت جلستين في محكمة العدل الدولية في مقرها في لاهاي لمناقشة القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، الأولى جلسة استماع للفريق القانوني لجنوب أفريقيا، والثانية جلسة رد إسرائيل على الاتهامات الموجه إليها. وفي وقت سابق؛ رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل على ضوء خرقها لاتفاقية الإبادة الجماعية التي وقعت عليها إسرائيل في 1949. وقد أثارت القضية اهتمام الرأي العام العالمي وليس الحقوقيين فقط، وتصدر الدعم مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إطلاق مظاهرات تضامنية للدعوى، ومطالبة المحكمة بإصدار حكم ضد إسرائيل بشكل عاجل.
ومقارنة بما قدمه فريق الادعاء لجنوب أفريقيا؛ فقد جاء رد إسرائيل ضعيفًا ومفتقدًا لأدلة واضحة وقوية تدعم موقفها، حيث اعتمد الفريق القانوني لإسرائيل –كالعادة- على سياسة رد الاتهام-باتهام، والقول بأن جنوب أفريقيا هي الذراع القضائي الدفاعي لحماس الإرهابية حد وصفها، ونفي جميع التهم ضدها، وقلب الطاولة على حماس وعلى الهجوم الذي شنته في السابع من أكتوبر، واتهام أطراف أخرى وتحميلها مسؤولية تأزم الأوضاع الإنسانية في غزة وعرقلة دخول المساعدات وعلى رأسها مصر.
أبرز ما جاء في جلسة الاستماع لجنوب أفريقيا في اتهام إسرائيل بأعمال الإبادة الجماعية
وجه الفريق القانوني لجنوب أفريقيا في اليوم الأول من جلسة محكمة لاهاي، اتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، وطالب محامو الادعاء من المحكمة إصدار حكم بتعليق طارئ للحملة العسكرية الإسرائيلية المدمرة في قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 2.3 مليون فلسطيني. كما أشارت جنوب أفريقيا إلى حملة القصف المتواصلة التي تقوم بها إسرائيل والتي يدعمها القادة العسكريون والسياسيون في إسرائيل، مستشهدًا بتعليقات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، الذي قال في وقت مبكر من الحرب إن إسرائيل ستفرض حصارًا كاملًا كجزء من معركة ضد “الحيوانات البشرية”. كما أشارت جنوب أفريقيا أنه في ضوء حجم الدمار في غزة واستهداف المنازل والمدنيين، أصبحت الحرب ضد الأطفال.
وأكدت جنوب أفريقيا أن إسرائيل محت عائلات بأكملها دون مراعاة أي بنود إنسانية أو قانونية، كما أنها قامت بتهجير 85% من الفلسطينيين دون أي مراكز للإيواء. ومنعت إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية والمياه والوقود إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى أن نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة بلا منشآت سكنية جراء القصف الإسرائيلي. ومعاناة 80% من الفلسطينيين في قطاع غزة من مستويات عالية من الجوع، واستخدام إسرائيل أسلحة محرمة دوليًا في استهداف المدنيين والمنازل والبنية التحتية.
وأكدت جنوب أفريقيا أن مستقبل الفلسطينيين في قطاع غزة يتوقف على قرار المحكمة. بالإضافة إلى أن إسرائيل تسيطر على المياه والكهرباء والبنية التحتية والدخول والخروج في غزة، وانتهكت المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، حيث تعمدت قتل الشعب الفلسطيني بمستوى مكثف وقصفت المستشفيات والمدارس بمن فيها، وألقت 6000 قنبلة على قطاع غزة فقط خلال الثلاثة أسابيع الأولى من القصف، وبشكل عام يتبع النظام الإسرائيلي سياسة الفصل العنصري وينتهك حقوق الإنسان في غزة.
وما يدعم موقف جنوب أفريقيا تقديم المحامين أدلة على الإبادة الجماعية، تتمثل في صور الأعلام الإسرائيلية الموضوعة على أنقاض منازل المدنيين المدمرة جراء القصف العشوائي والمقابر الجماعية للفلسطينيين، فضلًا عن تصريحات قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين.
وفي ذلك الإطار؛ قام محامو الدفاع الإسرائيلي بالرد على التهم الموجه إلى إسرائيل في الثاني عشر من يناير الجاري، والذي يمكن تسليط الضوء على أبرز ما جاء في عريضة الدفاع في التالي:
أولًا: إسرائيل تصف جنوب أفريقيا بذراع حماس القضائي:
أشار فريق الدفاع القانوني لإسرائيل إلى أن جنوب أفريقيا تشوه الصورة الواقعية والقانونية بشكل عميق، وأنها تسعى إلى محو التاريخ اليهودي. كما اتهمت إسرائيل الأدلة التي قدمتها جنوب أفريقيا بأنها أدلة “غير قانونية”، ولا يمكن تمييزها عن خطاب حماس.
وردت إسرائيل بأن جنوب أفريقيا هي حماس وهي الذراع القضائي لها، حيث تدافع جنوب أفريقيا عن جماعة إرهابية على حد وصف إسرائيل التي ارتكبت الجرائم في 7 أكتوبر وهي أكبر جريمة قتل جماعي محسوبة لليهود منذ المحرقة. وأن دفاع جنوب أفريقيا عن تلك الهجمة يمثل تأييد الوحشية والإرهاب ودعم تجاهل القانون، وترفض حق إسرائيل في استخدام كل الوسائل المتاحة للرد على مذبحة 7 أكتوبر التي تعهدت حماس بتكرارها. كما اتهمت إسرائيل جنوب أفريقيا بأنها لم تمنحها فرصة للقاء والتحاور حول غزة قبل رفع دعوى قضائية بتهمة الإبادة الجماعية، واصفةً نفسها وقوات دفاعها الإسرائيلية بأنها هي الكيان الأكثر أخلاقية على وجه الأرض.
كما أشارت إسرائيل إلى أن جنوب أفريقيا تتمتع بعلاقات وثيقة مع حماس، واستمرت هذه العلاقات هذه حتى بعد فظائع 7 أكتوبر، واتهمتها بتنفيذ أوامر حماس والانصياع لها، وزعم محامو الدفاع أن أجندة جنوب أفريقيا الحقيقية تتلخص في “إحباط” حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وأشاروا إلى أن جنوب أفريقيا وليس إسرائيل، هي التي يجب أن تخضع لإجراءات مؤقتة من قبل محكمة العدل الدولية بسبب دعمها المزعوم لحماس.
ويمكن النظر إلى تلك الاتهامات التي وجهها فريق الدفاع إلى جنوب أفريقيا بأنها ضعيفة للغاية ومنافية للواقع وتمثل ازدواجية المعايير بشكل واضح، ويمكن الرد على ذلك بالإشارة إلى أمرين في غاية الأهمية، الأول هو أن جنوب أفريقيا في دعوتها تدافع عن الشعب الفلسطيني وليس عن حركة حماس، والثاني هو من المهم الإشارة إلى حقيقة اعتراف نتنياهو نفسه بوجود حماس على الأرض والعمل على ترسيخ وجودها في القطاع منذ فترة طويلة، حيث وافق في أغسطس 2018 بصفته رئيس الوزراء في هذا التوقيت على تدفق الأموال إليها من أجل تمكينها من الاحتفاظ بالسلطة في غزة، معتقدًا أنها أفضل استراتيجية لزيادة الانقسام الفلسطيني ومن ثم منع إنشاء دولة فلسطينية. وبالتالي فإن أي تعاون مع حماس باعتبارها حاكمة لقطاع غزة، يتماشى مع اعتراف نتنياهو نفسه بحماس حاكمة لقطاع غزة. وفي حال تمت إدانة جنوب أفريقيا لتعاونها السابق سياسيًا مع حماس، فيجب إدانة رئيس الوزراء الإسرائيلي هو الآخر.
ثانيًا: إسرائيل تنفي اتهام التحريض على الإبادة الجماعية في خطابات الساسة والعسكريين الإسرائيليين:
انتقلت إسرائيل بعد ذلك إلى الرد على ما أشارت إليه جنوب أفريقيا من أدلة حول أن السياسيين والعسكريين الإسرائيليين نفسهم أدلوا بتصريحات تدعو للقتل والإبادة الجماعية، خاصة خطابات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، وللساسة والعسكريين الأخرين، من خلال نفيها للرسائل التي استنتجتها جنوب أفريقيا من تلك التصريحات، مؤكدةً أنها مجرد “تأكيدات عشوائية” من قبل بعض المرؤوسين غير ذوي الصلة. وفيما يتعلق بتصريح رئيس الوزراء بينامين نتنياهو الذي أقتبس فيه قصة من الكتاب المقدس عن “قتل النساء والأطفال والماشية من أعدائك” فهو نص ديني لا تستوعبه جنوب أفريقيا، وهو اتهام باطل وخارج السياق.
وردًا على ذلك، يجدر الإشارة إلى أن تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي في نوفمبر 2023 أكد بشكل واضح على تشجعيه لمواصلة حربه على الفلسطينيين في قطاع غزة، واستعدى النصوص التوراتية القديمة لتأجيج المشاعر الدينية عند الجمهور الإسرائيلي، مشيرًا في خطاب متلفز إلى ”نبوءة إشعياء” في إطار سعيه لمواصلة حرب الإبادة على قطاع غزة، وقال “نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام، وسينتصر النور على الظلام”. في إشارة صريحة منه إلى تسويغ حرب الإبادة على قطاع غزة.
وتستمر إسرائيل في التناقض بين تصريحاتها الرسمية وأفعالها على أرض الواقع، والتي تثبت بشكل صريح التُهم ضدها، حيث تزامنًا مع جلسة الاستماع لإسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي، جدد النائب اليميني نيسيم فاتوري المحسوب على حزب الليكود الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، دعوته “لإحراق غزة وقتل سكانها” بحجة أن “لا أبرياء في قطاع غزة”، في إشارة واضحة إلى الدعوة لاستمرار الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة، وهو ما يتنافى بشكل صريح مع رد محامو إسرائيل في محكمة لاهاي. ويعكس بشكل واضح ضعف الرد الإسرائيلي في محكمة العدل حول تحريض الساسة الإسرائيليين على الإبادة.
ثالثًا: محامو إسرائيل يؤكدون أن حماس هي من استخدمت المستشفيات والمدارس كدروع:
واستمرارًا لردود إسرائيل الاتهام باتهام، أشار الفريق القانوني لإسرائيل إلى أن الاتهام الموجه لها بالشروع في القتل الجماعي والعشوائي للمدنيين وقصف المستشفيات والمدارس، بأن حماس كانت تستخدم المدنيين كدروع بشرية وأن القوات الإسرائيلية كانت تحاول “التقليل” من الأذى الذي يلحق بالمدنيين. وشككت في الأرقام التي قدمتها جنوب أفريقيا من أعداد الأطفال المقتولين جراء “أعمال الإبادة” كما وصفتها جنوب أفريقيا، حيث أشارت سابقًا بأن هناك أكثر من 10 آلاف طفل قتل في قصف المستشفيات والمدارس والمجازر المرتكبة بهم، وأشارت إسرائيل بأن تلك الأرقام غير دقيقة وغير حقيقية متجاهلة بذلك مضمون الاتهام نفسه.
وأدعى محامو إسرائيل بأن الذي ليس له مثيل وغير مسبوق في هذه الحرب، هو قيام حماس بتضمين عملياتها العسكرية في جميع أنحاء غزة داخل وتحت المناطق المأهولة بالسكان وتحت المستشفيات والمدارس، وتحدثوا كما لو أن العديد من ادعاءات إسرائيل الأكثر غرابة حول عمليات حماس السرية لم يثبت كذبها أو تبين أنها مبالغ فيها إلى حد كبير، مثل الادعاء الإسرائيلي بوجود مقرات عسكرية تابعة لحماس تحت مستشفى الشفاء، وفي حجرة الرنين المغنطيسي للمستشفى.
وزعم أحد المحاميين الإسرائيليين أيضًا أن محامي جنوب أفريقيا قد فشلوا في ذكر عدد المباني التي تم تفجيرها وتدميرها في غزة خلال الأشهر الثلاثة الماضية من القصف الإسرائيلي المستمر، والتي فخختها حماس – كما وصفوها- بدلًا من أن تدمرها إسرائيل.
وفي الواقع هذا الادعاء غير واقعي وضعيف للغاية ليس فقط نظرًا لحجم القصف الإسرائيلي لأحياء بأكملها، ولكن أيضًا لأن الجنود الإسرائيليين نشروا مقاطع فيديوهات استفزازية أثناء إطلاقهم إشارة التفجير لمحو أحياء بأكملها. بالإضافة إلى أن حساب المتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي يشارك يوميًا فيديوهات لقصف المباني والأحياء وقتل واعتقال المدنيين على منصة أكس.
ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل رفضت أيضًا أرقام القتلى والجرحى التي قدمتها السلطات الصحية في غزة، وذكرت دولة الاحتلال أن المحامين في جنوب أفريقيا فشلوا في ذكر عدد القتلى الفلسطينيين الذين كانوا في الواقع من نشطاء حماس، وكانت هذه نقطة لافتة للنظر، نظرًا لأن المسؤولين الإسرائيليين أكدوا علنًا وعلى نحو متكرر أنه “لا يوجد أبرياء في غزة”، وأن موظفي الأمم المتحدة والصحفيين الذين تقتلهم إسرائيل هم في الواقع عملاء سريون لحماس.
رابعًا: توجيه فريق الدفاع الإسرائيلي تهمة عرقلة وصول المساعدات للحكومة المصرية:
زعم محامي الدفاع الإسرائيلي أنه فيما يتعلق بالتدابير المرتبطة بتيسير الوصول إلى غزة سواء بعثات تقصي حقائق أو التفويضات الدولية أو الهيئات الأخرى، والوصول إلى غزة من خلال مصر تسيطر عليه الحكومة المصرية، كما أنه ليس على إسرائيل الالتزام بموجب القانوني الدولي بأن تقوم بالسماح بالوصول إلى غزة عبر أراضيها، في إشارة واضحة إلى أن عرقلة وصول المساعدات تسبب فيها الحكومة المصرية.
وردًا على ذلك صرح رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، بأن تهافت وكذب الادعاءات الإسرائيلية يتضح بعدة نقاط منها، أن المسؤولين الإسرائيليين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الطاقة أكدوا عشرات المرات في تصريحات علنية منذ بدء العدوان على غزة أنهم لن يسمحوا بدخول المساعدات لقطاع غزة، خاصة الوقود. وأن سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصري من معبر رفح، بينما يخضع الجانب الآخر منه في غزة لسلطة الاحتلال الفعلية، وهو ما تجلى فعليا في آلية دخول المساعدات من الجانب المصري إلى معبر كرم أبو سالم الذي يربط القطاع بالأراضي الإسرائيلية، حيث يتم تفتيشها من جانب الجيش الإسرائيلي، قبل السماح لها بدخول أراضي القطاع.
بالإضافة إلى أن مصر أعلنت عشرات المرات في تصريحات رسمية، بأن معبر رفح من الجانب المصري مفتوح بلا انقطاع، مطالبة الجانب الإسرائيلي بعدم منع تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع والتوقف عن تعمد تعطيل أو تأخير دخول المساعدات بدعوى تفتيشها، والعديد من كبار مسؤولي العالم وفي مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد زاروا معبر رفح من الجانب المصري، ولم يتمكنوا من عبوره لقطاع غزة، نظرًا لمنع الجيش الإسرائيلي لهم، أو تخوفهم على حياتهم بسبب القصف المستمر على القطاع.
وخلال المفاوضات التي جرت حول الهدن الإنسانية التي استمرت لأسبوع في قطاع غزة وكانت مصر مع قطر والولايات المتحدة أطرافًا فيها، شهدت تعنتا شديدًا من الجانب الإسرائيلي في تحديد حجم المساعدات التي ستسمح قوات الاحتلال بدخولها للقطاع، باعتبارها المسيطرة عليه عسكريًا، وهو ما أسفر في النهاية عن دخول الكميات التي أعُلن عنها في حينها.
وما يؤكد سيطرة جيش الاحتلال على دخول المساعدات للقطاع وتعطيله المتعمد لها، مطالبة الرئيس الأمريكي جو بايدن بفتح معبر كرم أبو سالم لتسهيل دخول المساعدات، وهو ما أعلن عنه مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان في 13 ديسمبر 2023. وأكد رئيس الهيئة أنه إذا كانت السلطات الإسرائيلية ترغب في دخول المواد الغذائية والطبية والوقود للقطاع، فعليها فورًا فتح 6 معابر تربط إسرائيل بقطاع غزة، مشيرًا إلى أن إسرائيل تفتح تلك المعابر للتجارة مع قطاع غزة والتي بلغت عام 2022 أكثر من4.7 مليارات دولار لصالح القطاع التجاري والصناعي الإسرائيلي.
مصير دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة لاهاي.. هل تفضي لوقف العمليات العسكرية؟
عند مقارنة الأدلة التي قدمتها إسرائيل بتلك التي قدمها محامو الدفاع لجنوب أفريقيا، فإن دفاع إسرائيل ضعيفًا في تقديم الحقائق الموثقة على عكس ادعاء جنوب أفريقيا الذي كان قويًا وموثقًا بالعديد من الأدلة والأرقام ومقاطع الفيديو، بالإضافة إلى أنه يمكن القول بأنه خلال عرضها أمام المحكمة، لم تقدم إسرائيل أي حجج للدفاع عن سلوكها في غزة، وقد جاء ذلك على عكس ما تعلنه هي ومؤيدوها في إدارة بايدن في هذا الشأن بشكل متكرر في وسائل الإعلام على مدار الأشهر الثلاثة الماضية.
ويبدو أن الدعوى الحالية ضد إسرائيل لم تتسبب في تخفيف الهجمات على قطاع غزة في الأيام الماضية، على الرغم من أن الموقف القانوني لإسرائيل ضعيف للغاية، ومع كل يوم تستمر فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جرائم الإبادة، سيموت المزيد من الفلسطينيين وسوف يتدهور الوضع الإنساني المتردي بالفعل أكثر.
وفي حال اتخذت المحكمة جانب إسرائيل ورفضت ادعاءات جنوب أفريقيا، فإن إسرائيل سوف تشير إلى ذلك كدليل على عدالة قضيتها، وسيكون ذلك بمثابة ضوء أخضر من المحكمة الدولية باستكمال حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل ضد قطاع غزة.
لكن على النقيض إذا وافق القضاة على طلب جنوب أفريقيا، وأُصدر قرارًا بتدابير مؤقتة لوقف العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، فسوف يُطرح تساؤلًا حول مدى احترام إسرائيل وداعميها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة القانون الدولي، خاصة وأن القضية حاليًا تحظى بمتابعة دولية قوية ودعم لموقف جنوب أفريقيا في المحكمة الدولية.
فمن المتوقع أن ترفض إسرائيل قرار المحكمة وتمتنع عند تطبيقه وتشكك في نزاهة وعدالة المحكمة، وفي هذه الحالة ووفقًا للفقرة الثانية من المادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة، من الممكن أن تنقل مسؤولية تنفيذ التدابير المؤقتة لمحكمة العدل الدولية إلى “أطراف الدعوى ومجلس الأمن” لحين صدور حكم نهائي في القضية. ولذلك سوف تلجأ جنوب أفريقيا لمجلس الأمن كسلطة تنفيذية من أجل فرض الحكم على إسرائيل، وهو ما حدث من قبل في قضية الروهينجا، حيث تبنى مجلس الأمن قراره ضد ميانمار بإنهاء جميع أشكال العنف وضبط النفس ووقف التصعيد في ديسمبر 2022، وذلك بعد إقرار التدابير المؤقتة من محكمة العدل الدولية، مع الأخذ في الاعتبار أن روسيا والصين امتنعتا عن التصويت ولم تستخدما حق النقض (الفيتو) في تلك المرة.
وبالعودة لاحتمال توجه جنوب أفريقيا إلى مجلس الأمن باعتبارها طرفًا في الدعوى وفقًا للمادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة، فمن المتوقع أن تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو ضد أي قرار صادر عن المحكمة يفضي إلى وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كما حدث من قبل تجاه مشاريع قرارات وقف إطلاق النار التي تم التقدم بها إلى المجلس، وما يعزز من احتمالية تحقق هذا التوقع هو رفض البيت الأبيض خلال اليومين الماضيين التعليق على كيفية الرد إذا قررت محكمة العدل الدولية أن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة جماعية في القطاع.
وعلى الرغم من ذلك، فإن إصدار التدابير المؤقتة من قبل المحكمة لا يعتبر أمرًا هينًا ولا يجب التعامل معه كإجراء شكلي، إذ إنه يمثل خطوة مهمة في عملية النضال القانوني التي تساند الحشد السياسي والدعائي في قضايا الجرائم ضد الإنسانية مثل القضية الفلسطينية التي حازت اهتمام الرأي العام العالمي مرة أخرى بعد سنوات من الغياب.
باحثة بالمرصد المصري