الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024الأمريكتان

الطريق إلى البيت الأبيض.. ملامح كاشفة عن مواجهة حادة في الانتخابات الأمريكية 2024 

ما بين رئيس حالي يسعى للحفاظ على منصبه، ورئيس سابق يحاول العودة إلى البيت الأبيض مرة أخرى، ترتسم ملامح مواجهة حادة في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 بين الرئيس الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب. الخطاب المسيطر على المرشحين الجمهوري والديمقراطي يوحي بأن المواجهة ستكون بلا حدود، خصوصًا أن الانتقاد يصل لاستخدام عبارات من نوع “فاشل” و”محتال” حين يتحدث ترامب عن بايدن. فيما يقول بايدن إن خطاب ترامب تذكير بألمانيا النازية. 

قدم بايدن حملته الانتخابية على أنها نضال من أجل إنقاذ الديمقراطية ضد ترامب الذي هاجم مناصروه مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، على أمل وقف عملية المصادقة على فوز بايدن. أما ترامب فتقوم حملته الانتخابية على أن الرئيس بايدن قد يشعل حربًا عالمية ثالثة ويتسبب في دمار الولايات المتحدة خلال الأشهر العشرة الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية. وعلى الرغم من تقدم بايدن وترامب على منافسيهم في استطلاعات الرأي، إلا أن هناك القليل من الحماس بين الناخبين لأي من المرشحين. 

وجهة النظر المعارضة لبايدن ترى أن الرئيس الديمقراطي أكبر من أن يسعى للفوز بولاية ثانية، حيث سيصل عمره في نهايتها إلى 86 عامًا. ونتيجة لتعاملات ابنه التجارية المثيرة للجدل في أوكرانيا والصين من المحتمل أن تتم محاكمة هانتر بايدن مرتين في عام 2024 بينما يحاول والده البقاء في الرئاسة لولاية ثانية. في حين أن وجهة النظرة المعارضة لترامب -الذي سيبلغ عمره 78 عامًا عندما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع- ترى أنه يواجه 91 تهمة جنائية في أربع لوائح اتهام، ومن المتوقع أن يحاكم خلال ذروة الحملة الانتخابية.

ملامح كاشفة عن سير المنافسة الانتخابية

استطلاعات الرأي: وفقًا لاستطلاع رأي أجرته شبكة CNN، يوافق نحو 40% فقط من الأمريكيين على أداء بايدن كرئيس، ويعتقد ربعهم فقط أنه يتمتع بالقدرة على التحمل والحدة اللازمة للخدمة بفاعلية. بينما أظهر استطلاع رأي آخر أجرته وكالة أسوشيتدبرس أن واحدًا من بين كل ثلاثة ديمقراطيين وأكثر من نصف الأمريكيين (56%)، لا يريدون أن يكون بايدن هو المرشح الديمقراطي. 

ووفقًا لمؤسسة جالوب لاستطلاعات الرأي، وصلت نسبة تأييد بايدن 39%، وهي الأدنى بين الرؤساء في ولايتهم الأولى وقبل عشرة شهور على الانتخابات منذ عقد الأربعينيات. كما أظهر استطلاع وطني أجرته شبكة إن بي سي نيوز أن بايدن يخوض منافسة شرسة مع الرئيس السابق دونالد ترامب في الوقت الحالي للناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا مفضلين ترامب عنه.

تكرار تجربة 1980: بينما تشير استطلاعات الرأي أن بايدن يفقد الدعم بين الدوائر الانتخابية الديمقراطية الرئيسية، يشعر الديمقراطيين بالقلق من أنه قد يكون أول ديمقراطي يخسر محاولة إعادة انتخابه منذ خسارة جيمي كارتر أمام رونالد ريجان في عام 1980. حيث لم يخسر سوى رئيس ديمقراطي واحد منذ الحرب الأهلية، وهو كارتر محاولة إعادة انتخابه. وجميع الرؤساء الآخرين الذين تولوا فترة ولاية واحدة، بما في ذلك ترامب، كانوا جمهوريين. 

خوف الديمقراطيين مدفوع بالاضطرابات في الشرق الأوسط والمخاوف بشأن الاقتصاد والتضخم. وتتزايد التقديرات بشأن احتمال أن يفقد بايدن الناخبين الأمريكيين المسلمين والعرب. بسبب غضبهم بشأن تعامله مع الحرب بين إسرائيل وحماس، إذ حذر العديد من قادة المجتمع من أنهم لن يصوتوا لصالح بايدن في الانتخابات، حتى لو كان بديل الحزب الجمهوري هو الرئيس السابق ترامب. 

محاكمة ترامب: لعل السمة الأبرز في هذا السباق هو عدم وضوح ما إذا كان الرئيس السابق دونالد ترامب سيحظى بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية أم لا، حيث يواجه ترامب أربع لوائح اتهام جنائية تتألف من 91 تهمة تتعلق بمحاولاته إلغاء نتائج انتخابات 2020، والتخطيط للاحتفاظ بعشرات الوثائق السرية التي نقلها إلى مقر إقامته في فلوريدا بعد مغادرته البيت الأبيض عام 2021، وقضايا احتيال مالي وتهرب ضريبي.  

وبغض النظر عن نتائج الدعاوى القضائية ضد ترامب، إلا أنه لن يفقد أهليته للترشح للرئاسة في ضوء أن الدستور الأمريكي لا يضع حدودًا للإدانات الجنائية التي قد تصدر ضد المرشحين للانتخابات الرئاسية. وحتى إذا تمت إدانته فلا يزال بإمكانه الترشح للرئاسة. لكن الإدانة قد تضر بمكانة ترامب في استطلاعات الرأي. وفي حال فوزه، يمكنه العفو عن نفسه من التهم الفيدرالية، ولكن ليس من تهم التدخل في انتخابات جورجيا.

وهناك سابقة تاريخية تشير إلى أنه في عام 1920، ترشح يوجين دبس لمنصب الرئيس نيابة عن الحزب الاشتراكي على الرغم من أنه قضى 10 سنوات في ثلاث تهم تتعلق بانتهاك قوانين التجسس والفتنة. حتى أنه أدار حملته الانتخابية من زنزانته في سجن أتلانتا الفيدرالي، وسمحت له السلطات بإصدار بيان سياسي أسبوعي للصحافة. 

ولكن هناك بند نادر الاستخدام في الدستور الأمريكي بموجب التعديل 14 للدستور، يمنع المسؤولين الذين شاركوا في “تمرد” من تولي المنصب. وينص التعديل على أنه لا يمكن لأي شخص أن يشغل أي منصب في خدمة الولايات المتحدة أو أي دولة معينة، بعد أن أقسم الولاء، “ثم شارك في التمرد ضد الولايات المتحدة، أو قدم العون أو المساعدة لأعدائها”. وتم إجراء هذا التغيير في القانون الأساسي بعد الحرب الأهلية 1861-1865 للحد من حقوق السياسيين الذين شاركوا في المواجهة المسلحة. وفي إطار هذا البند، أصدرت ولايتي كولورادو وماين حكمًا بعدم أهلية ترامب لخوض انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية للانتخابات الرئاسية. ليصبح ترامب أول مرشح رئاسي في تاريخ الولايات المتحدة يتم اتخاذ هذا الإجراء ضده.

منافسة رمزية مقابل منافسة شرسة: يحظى بايدن بمنافسة رمزية داخل حزبه، بعد إخلاء المجال أمام منافسين ديمقراطيين جادين في الانتخابات التمهيدية عندما أعلن في أبريل 2023 أنه سيترشح مرة أخرى للانتخابات. فلم يتحد أي ديمقراطي بارز الرئيس جو بايدن الذي حصل على نسبه تأييد لترشحه لولاية ثانية وصلت 65.8% على المستوى الوطني، فيما حصلت ماريان ويليامسون على 7.6% ودين فيليبس على 5.4%. 

فيما يواجه ترامب منافسة شرسة داخل حزبه للحصول على تأييد الحزب الجمهوري، فقد حاول اثنان من المتنافسين الجمهوريين للرئاسة إقناع الناخبين بأن الرئيس السابق، ليس مؤكدا فوزه بالترشيح عن الحزب الجمهوري وإثبات إمكانية انتخابهما. وأكد كل من حاكم ولاية فلوريدا “رون ديسانتيس” وحاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة “نيكي هيلي”، أن ترشيح ترامب للمرة الثالثة على التوالي يمثل مخاطرة لا ينبغي للناخبين الجمهوريين أن يخوضوها.

ومع ذلك فإن ترامب في وضع جيد يسمح له بالفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الثالثة على التوالي. وسوف تصبح قوة معارضة الحزب الجمهوري لترامب أكثر وضوحًا في 15 يناير عندما تبدأ المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا عملية الترشيح. ويتمتع ترامب بتقدم كبير في معظم استطلاعات الرأي الوطنية، على الرغم من أن السفيرة السابقة للأمم المتحدة نيكي هيلي وحاكم فلوريدا رون ديسانتيس يكافحان من أجل إيقافه. 

وفي استطلاع رأي FiveThirtyEight، يتقدم الرئيس السابق دونالد ترامب بفارق كبير في استطلاعات الرأي التمهيدية للحزب الجمهوري الوطني بنسبة 61.7%، يليه رون ديسانتيس بنسبة 12.2% ونيكي هالي بنسبة 11.3%. ويهيمن ترامب أيضًا في ولاية أيوا بنسبة 46.7%، يليه ديسانتيس بنسبة 19.6% وهيلي بنسبة 15.0%. وإذا عكست نتائج الانتخابات هذه الاستطلاعات الوطنية، فسوف يفوز ترامب بأغلبية كبيرة من المندوبين. 

مخاوف خارجية: لن يغيب الخوف والترقب عن علاقة الولايات المتحدة بالعالم خلال عام 2024 وما بعده، ومدى أهمية نتائج الانتخابات لأمريكا وبقية العالم، في ظل استمرار أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، وأزمة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واستمرار تهديدات الصين لتايوان، وبقية جيرانها. ومع أن فوز بايدن لن يأتي بأي تغيير كبير في سياسات أمريكا الخارجية الحالية، فإن من شأن فوز ترامب بفترة حكم ثانية أن يهز علاقات واشنطن بهذه الأزمات الثلاث، وسيدفع بتغيرات في طبيعة علاقاتها ببقية دول العالم. 

ونجح ترامب في دفع الحزب الجمهوري للاستعداد عن تخلي دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، في وقت يشعر الحلفاء في أوروبا بالخوف من فترة فوزه وما قد يعنيه ذلك إزاء تآكل مكانة واشنطن المركزية في حلف الناتو، بل بقاء الحلف نفسه، واستمراره كمظلة أمنية للقارة الأوروبية. وعلى الرغم من أن كلا الحزبين يحاولان التفوق على بعضهما البعض في التشدد تجاه الصين، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان ترامب سيلزم الجيش الأمريكي بالدفاع عن تايوان. كذلك لا يعرف أحد كيف سيتعامل مع ملف صراع الشرق الأوسط.

مراحل انتخاب الرئيس في الولايات المتحدة

يتم انتخاب الرئيس الأمريكي ونائبه كل أربع سنوات. والناخب الأمريكي لا يقوم بانتخاب رئيسه مباشرة، بل يتم حسم الانتخابات عن طريق الهيئات الانتخابية أو المجمع الانتخابي (Electoral College) التي تتكون من 538 مندوبًا. وهذا العدد يوازي عدد أعضاء الكونجرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ، علاوة على ثلاثة أعضاء من مقاطعة كولومبيا التي يوجد بها العاصمة واشنطن على الرغم من أنها لا تملك أي تمثيل انتخابي في الكونجرس. حيث يكون لكل ولاية أمريكية داخل هذا المجمع الانتخابي عدد معين من الأصوات بحسب عدد سكانها وعدد النواب الذين يمثلونها في الكونجرس.

ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة في الولايات المتحدة في الخامس من نوفمبر القادم، وخلال يناير الجاري، ستُجرى منافسات الترشيح الرئاسي للحزبين الديمقراطي والجمهوري، والتي ستنتخب المندوبين إلى مؤتمرات الترشيح للحزبين. وتقوم هذه المؤتمرات، في يوليو للجمهوريين وأغسطس للديمقراطيين، باختيار المرشحين الرئاسيين لحزبيهما رسميًا.

ويتم انتخاب الرئيس عبر عدة مراحل على النحو التالي:

المرحلة الأولى: وفيها يشكل الراغبون في الترشح قاعدة انتخابية لحشد التأييد لأنفسهم بين أنصارهم داخل الحزب، والحصول على ضمانات من المانحين بتقديم إسهامات مالية لحملاتهم الانتخابية. وإذا اعتقدوا أنهم يتمتعون بتأييد يكفي لخوضهم الانتخابات يخطرون السلطات الفيدرالية باعتزامهم ترشيح أنفسهم، لتأتي بعد ذلك عمليات جمع الأموال وخوض سباق الانتخابات الحزبية.

المرحلة الثانية: وهي الانتخابات التمهيدية، وفيها يتم اختيار مرشح الحزب الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية أمام مرشحي الأحزاب المنافسة. حيث يتعين على الناخبين المؤيدين لأحد الأحزاب السياسية أن يختاروا مرشح الحزب من بين عدد من مرشحي هذا الحزب. وتبدأ الانتخابات التمهيدية في شهر يناير من عام الانتخابات، حيث يخوض المرشحون منافسة ضد زملائهم من أعضاء نفس الحزب للفوز بترشيح الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية. ويتوقف نوع الانتخابات التمهيدية على القواعد التي تحددها كل ولاية أو الحزب السياسي، حيث يمكن أن تكون الانتخابات التمهيدية مفتوحة أو مغلقة أو مزيجًا منهما.

المرحلة الثالثة: وفيها يتم تنظيم مؤتمرات الأحزاب. حيث يصل وفد كل ولاية إلى القاعة التي يعقد فيها المؤتمر القومي للحزب يحمل لافتة عليها اسم مرشح الحزب الذي يتمتع بتأييده. وعادة يكون الحزب قد كون فكرة عن مرشحه لخوض الانتخابات الرئاسية بحلول هذه المرحلة. ويقوم وفد كل ولاية باختيار مرشحه لخوض الانتخابات الرئاسية رسميا. ويفوز بترشيح الحزب المرشح الذي يختاره أكبر عدد من الوفود، كما يحصل على دعم منافسيه داخل الحزب أيضا، ثم يقوم المرشح الفائز باختيار نائبا له يخوض معه حملته الانتخابية.

المرحلة الرابعة: وفيها يكثف المرشحون المتنافسون من الأحزاب السياسية الأمريكية المختلفة تركيزهم على الحملة الانتخابية. وتعاد صياغة سياسات كل مرشح لتأخذ في الاعتبار مطالب أنصار منافسيه السابقين داخل حزبه. ويركز المرشحون اهتمامهم على ما يعرف بالولايات “المتأرجحة” ويقصد بها الولايات التي لم يتضح بعد أي مرشحين ستؤيد في الوقت الذي يستعدون فيه لانتخابات الهيئة الانتخابية الحاسمة.

المرحلة الخامسة: وهي مرحلة “الانتخابات العامة”، وتجرى هذه المرحلة في أول يوم ثلاثاء في شهر نوفمبر ويُطلق عليه “الثلاثاء الكبير”. حيث يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحهم لرئاسة البلاد. ثم تفرز الأصوات وتعلن النتائج الأولية للانتخابات خلال 12 ساعة من إغلاق مراكز الاقتراع.

ختامًا، ليس هناك شك في أن المنافسة الانتخابية لعام 2024 ستكون واحدة من أكثر المنافسات ضراوة وذات أهمية تاريخية. فإذا خسر دونالد ترامب مرة أخرى أمام الرئيس جو بايدن، فمن المرجح أن يزعم حدوث عمليات تزوير كبيرة وأن يحرض على شن حملات تخويف واسعة النطاق ضد مسؤولي الانتخابات والعاملين فيها. وقد تواجه الولايات المتحدة، في حال فوز بايدن بولاية ثانية أيضا أزمة سياسية غير مسبوقة، إذا دخل ترامب السجن في واحدة من القضايا الكثيرة التي يواجه تهما فيها. وفي حال فوز ترامب في الانتخابات سينظر العديد من الديمقراطيين إلى فوزه على أنه غير شرعي، وسيرفض البعض تأكيد فوز ترامب مستشهدين بالدستور الذي يحظر على أي شخص “يشارك في تمرد” تولي مثل هذا المنصب. ومن المتوقع أن يقوم ترامب إذا فاز بولاية ثانية باستخدام المؤسسات الحكومية لملاحقة مناوئيه وسحق أي معارضة له.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى