إسرائيل

هل كتبت “طوفان الأقصى” نهاية “نتنياهو” السياسية؟

بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023 وحمل اسم عملية “طوفان الأقصى” ردًا على الانتهاكات الإسرائيلية في باحات المسجد الأقصى، واعتداء المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة والداخل المحتل، انقلبت الطاولة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ إذ تعالت الأصوات الداخلية المنتقدة لسياساته، والتي حمّلته كامل المسؤولية عن الإخفاق الاستخباراتي والعسكري والأمني لإسرائيل، وعبرت عن فقدان الثقة في حكومته.

وتجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى الذي يُطالَب فيها “نتنياهو” بالاستقالة؛ فلأكثر من عقد من الزمان، تصاعدات الأصوات المطالبة بسحب الثقة من رئيس الوزراء لأسباب عديدة، منها: تزايد مستويات عدم المساواة، وأزمة الإسكان في إسرائيل، وميله إلى الشعبوية، وتورطه في عدد من قضايا الفساد، ومؤخرًا خطته المثيرة للجدل للإصلاح القضائي. ولكن بعد هجوم المقاومة الفلسطينية الأخير، يبدو أن احتمالية استمراره على رأس السلطة في إسرائيل أصبحت ضعيفة.

في الواقع، يشغل نتنياهو منصب رئاسة وزراء إسرائيل منذ 16 سنة بصورة إجمالية، وخلال هذه السنوات تُوصف السياسة التي تبانها بأنها سياسة يمينية متطرفة، وهي السياسة التي قادت إلى تفجر الأوضاع ومنح الفرصة لحماس لتنفيذ هجومها المباغت والذي كتب سطرًا مهمًا في نهاية المسيرة السياسية لنتنياهو، لا سيّما إذا خلُصت لجنة تحقيق من المتوقع تشكيلها بعد انتهاء الحرب إلى أنه يتحمل مسؤولية الإخفاق في 7 أكتوبر.

“طوفان الأقصى” واهتزاز الثقة في “نتنياهو”

تعد عملية “طوفان الأقصى” الهجوم الأعنف بالنسبة للشعب والجيش والجهاز الأمني الإسرائيلي، وهو ما دفع الإسرائيليين إلى إلقاء اللوم بشأنها على حكومة “نتنياهو”، والمطالبة بإزاحته فور انتهاء الحرب، وذلك على الرغم من ان الحرب الحالية ليست الحرب الأولى على حدود إسرائيل الجنوبية مع قطاع غزة بوجود “نتنياهو” على رأس السلطة في إسرائيل، لكن الجمهور الإسرائيلي يرى أن الخطأ الذي ارتكبه هذه المرة جسيم للغاية، ولا تقارن خسائره بأي حرب سابقة.

وتجدر الإشارة إلى أن طوائف الشعب الإسرائيلي المختلفة تشعر بالغضب تجاه “نتنياهو” وحكومته منذ سنوات، لكن هذا الغضب قد تصاعد منذ مارس الماضي، عندما تقدمت الحكومة بمقترحات أطلقت عليها “خطة الإصلاحات القضائية” التي تمنح السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة اليد العليا في التشريع. وتعالت أصوات المعارضة آنذاك في الاحتجاجات التي شارك فيها الآلاف في تل أبيب ضد الخطة بسحب الثقة من حكومة “نتنياهو”. ولكن وفق القانون الإسرائيلي لا يمكن إسقاط أي حكومة إلا داخل الكنيست، وأعلن رئيس الكنيست أن مقترح سحب الثقة رُفض بأغلبية 59 صوتًا مقابل موافقة 53 صوتًا، وبذلك استطاع “نتنياهو” البقاء في السلطة.

وتجددت مطالب إسقاط “نتنياهو” بشكل كبير بعد عملية “طوفان الأقصى”؛ لإنهاء سياساته غير المسؤولة تجاه حماس على حد تعبير الجمهور الإسرائيلي؛ فمنذ توليه رئاسة الوزراء في 2009، اتبع “نتنياهو” استراتيجية مبنية على الاعتقاد بأن حكم حماس لقطاع غزة مفيد لإسرائيل؛ إذ إن الانقسام الفلسطيني يخدم المصالح الإسرائيلية بشكل أفضل لإعاقة أي “عملية سلام” يمكن أن تؤدي إلى نتيجة “حل الدولتين” وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة. 

وبناءً على ذلك؛ أشارت العديد من الشواهد ووسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن حكومة “نتنياهو” أسهمت في دعم حكم حماس لقطاع غزة، ووفقًا لأحد وزراء حكومته الحالية، فإن صور الحقائب المليئة بالنقود كانت تذهب إلى حماس علانية دون أي عرقلة، فيما وجهت انتقادات لحكومة “نتنياهو” لاستخدامه سياسة استنزاف الجيش لحماية المستوطنات في الضفة الغربية وأهمل “الكيبوتس” اليسارية بشكل عام.

لكن عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023 أكدت فشل استراتيجية “نتنياهو” وثقته في قدرته على  السيطرة واحتواء حماس وأنشطتها، واعتقاده أنها قد تم ردعها ولن تقدم على أي هجوم قد يضر بالأمن القومي لإسرائيل. وهو الأمر الذي أثار غضب الرأي الإسرائيلي ضده بعد 7 أكتوبر. 

وبناء على ذلك، يرى المحللون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير مؤهل لإدارة العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ضد حركة حماس، وغير مؤهل كذلك لقيادة أي جهود رامية إلى تأمين سلام أكثر استدامة، وأنه يجب على إسرائيل أن تعطي الأولوية لرؤية سياسية أكبر، ليس فقط من أجل تقليل التوترات مع الدول المجاورة وتجنب إغراق منطقتها بالعنف، ولكن من أجل مصلحتها الخاصة المتمثلة في تأمين مستقبلها.

وتجدر الإشارة إلى أن “نتنياهو” فقد ثقة العديد من موالييه أيضًا؛ ففي 29 أكتوبر أُثيرت حالة من الفوضى بتغريدة في وقت متأخر من الليل ألقى فيها اللوم على وكالات الاستخبارات الإسرائيلية لعدم تبليغه بأي مؤشرات أو احتمالات لهجوم حماس. وقام في وقت لاحق بحذف التغريدة واعتذر بعد هجوم كبير عليه، وهو ما أفقد ثقة أعضاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فيه. 

هل يؤثر تشكيل حكومة الطوارئ على مستقبل “نتنياهو”؟

عقب أحداث السابع من أكتوبر، تم الاتفاق على تشكيل حكومة طوارئ موسعة تضم مجلس حرب أو حكومة حرب مصغرة. وقد رفض زعيم المعارضة يائير لابيد رئيس حزب “يش عتيد” الانضمام إلى هذه الحكومة واشترط إزاحة الوزراء اليمنيين المتطرفين من الائتلاف، ولكن رفض “نتنياهو” ذلك مما يعني أنه يفكر بالفعل في كيفية الحفاظ على هذه الأغلبية لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب.

وبدلًا من ذلك، وافق رئيس “معسكر الدولة” وزير الدفاع السابق “بيني جانتس” على الانضمام إلى الحكومة، شرط استبعاد هؤلاء الوزراء اليمنيين من مجلس الحرب. ويمكن القول إن تشكيل حكومة الطوارئ جاء نظرًا للانتقادات الإسرائيلية التي يتعرض لها “نتنياهو” والذي يهدف إلى أن تكون هناك مسؤولية جماعية عن مسار الحرب، وتقاسم هذه المسؤولية مع شخصيات ذات خبرة عسكرية ولديهم قبول لدى المجتمع الإسرائيلي، وإن استطاعت تحقيق بعض صور الانتصار فمن المرجح أن ينسب “نتنياهو” ذلك لنفسه.

لكن على الرغم من ذلك، لم يكن لتشكيل هذه الحكومة تأثير كبير على تعديل موقف الرأي العام الرافض لاستمرار “نتنياهو” في السلطة؛ إذ عكست استطلاعات الرأي الداخلية، قرب سقوط نتنياهو ونهاية حكومته. ومن أبرز هذه الاستطلاعات، استطلاع رأي نشرته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية في 10 نوفمبر حول اتجاهات التصويت لدى الناخبين الإسرائيليين إذا ما أجريت انتخابات. 

جاءت نتيجة الاستطلاع ضد نتنياهو وحزبه الليكود، حيث حصل “معسكر الدولة” برئاسة بيني جانتس على 40 مقعدًا، وحصل حزب “الليكود” على 18 مقعدًا، وحصل حزب “إسرائيل بيتنا” برئاسة أفيجدور ليبرمان على 9 مقاعد، وحزب “يش عتيد” برئاسة يائير لبيد على 14 مقعدًا، وحزب شاس (لليهود الحريديم الشرقيين) على 9 مقاعد، و”يهدوت التوراة” برئاسة موشيه جافني على 7 مقاعد، وحزب “عوتسما يهوديت” برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على 5 مقاعد، وحزب “رعام” على 5 مقاعد، وحزب “حداش تعال” على 5 مقاعد، وحزب “ميرتس” على 4 مقاعد، وحزب “الصهيونية الدينية” برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على 4 مقاعد. 

وبالنسبة إلى سؤال أيهما أكثر ملاءمة لرئاسة وزراء إسرائيل؛ بنيامين نتنياهو أم بيني جانتس؟ أشارت نتيجة الاستطلاع إلى أن 52% من المستطلعين يؤيدون جانتس، مقابل 26% نتنياهو. فقد أصبح بيني جانتس حاليًا المرشح الأبرز لمنصب رئيس الوزراء في كل استطلاعات الرأي، ويحظى بدعم حتى من قبل ناخبي الليكود لكونه أبدى استعدادًا لترك تجربته السياسية المريرة مع “نتنياهو” جانبًا والانضمام إلى الحكومة من أجل مصلحة البلاد.

وفي استطلاع رأي آخر أجرته قناة 13 الإسرائيلية في 3 نوفمبر، أشار إلى أن 44% من المستطلعين يرون أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو المسؤول عن فشل 7 أكتوبر، مقابل 33% يعتقدون أن رئيس الأركان وكبار ضباط الجيش هم المسؤولون، وحوالي 5% فقط يضعون المسؤولية على عاتق وزير الدفاع يوآف جالانت. بالإضافة إلى ذلك، أجاب 28% فقط بأنهم يثقون “بنتنياهو” في إدارة الحرب، فيما أجاب 56% أنهم لا يثقون به. 

وفيما يتعلق بسؤال ما الذي يجب على رئيس الوزراء “نتنياهو” فعله الآن، يعتقد 76% أن نتنياهو يجب أن يستقيل فورًا أو بعد انتهاء الحرب، و18% فقط يعتقدون أنه يجب أن يستمر في منصبه حتى بعد الحرب، ويعتقد 64% أنه ينبغي لإسرائيل إجراء انتخابات بعد انتهاء الحرب، مقارنة بـ 26% فقط يعتقدون أن الحكومة الحالية يجب أن تستمر في السلطة.

وتشير نتائج الاستطلاعات السابقة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي يواجه أزمة داخلية كبرى غير مسبوقة، وأنه على الرغم من أنه ليس ملزمًا قانونيا بتقديم الاستقالة فإن ضغط الرأي العام ربما يصل إلى مستوى لن يترك له أي خيار. وقد بدأ الضغط في الأيام الماضية حيث تظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين في تل أبيب والقدس، وحثوا الحكومة على ضمان إطلاق سراح الرهائن. وفي 4 نوفمبر تظاهر المئات أمام منزلي نتنياهو في القدس وقيسارية، مطالبين بتنحيه.

هل يستمر نتنياهو في السلطة بعد انتهاء الحرب؟

إن مسألة نهاية وجود “نتنياهو” في السلطة هو الاحتمال الأقرب حتى الآن، وذلك وفقًا للمؤشرات الحالية ووسط الانتقادات التي تنهال على الحكومة الإسرائيلية، سواء من المحللين والمتخصصين السياسيين، أو حتى من الجمهور الإسرائيلي. وتشير الدلالات المختلفة إلى أن قضية فقدان الثقة في “نتنياهو” لم تكن وليدة عملية “طوفان الأقصى”، بل الأحداث المختلفة التي واجهها الجمهور الإسرائيلي وآخرها خطة الإصلاح القضائي والأزمة الاقتصادية المترتبة عليها والتي تعد أحد الأسباب الكبرى الدافعة لانقلاب الرأي العام ضده، ولكنها ربما ستكون الأخيرة في سلم السلطة بالنسبة إلى رئيس الوزراء الحالي، وذلك على الرغم من محاولة تنصله من مسؤوليته عن الفشل يوم 7 أكتوبر. 

مجمل القول، تعكس استطلاعات الرأي الحديثة في إسرائيل أن 75% من الشعب الإسرائيلي يحمّل المسؤولية الكاملة في انتهاك الأمن الداخلي لإسرائيل وهجمات المقاومة الفلسطينية “لنتنياهو”؟ ووفقًا للأسباب المتعددة طول الستة عشر عامًا الماضية التي تولى فيها منصب رئيس الوزراء، والتي انتهت بعملية طوفان الأقصى، يمكن القول إن احتمالية أن تكون أيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسية معدودة مرتفعة للغاية. لكن وفقًا لتصريحات أعضاء الحكومة الحالية أنه من السابق لأوانه رسم سيناريو محدد لنزوله من المسرح السياسي، ومن غير المرجح أن تتم الإطاحة بنتنياهو ما دامت الحرب مستمرة.

Website |  + posts

باحثة بالمرصد المصري

مريم صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى