
وصل وفد روسي بقيادة وزير الدفاع سيرجي شويجو ووفد صيني برئاسة عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي “لي هونغ تشونغ” يوم ٢٥ يوليو الجاري إلى العاصمة الكورية الشمالية بيونج يانج، تزامنًا مع احتفالها بمرور 70 عامًا على إبرام الهدنة في شبه الجزيرة الكورية أو ما يُعرف بيوم النصر. وهي زيارات تعد الأولى إلى كوريا الشمالية منذ حالة الإغلاق التي فرضتها منذ جائحة كورونا، وتجيء في سياق عام من التوترات على الساحة العالمية تتعلق بالدول الثلاث. وعليه، ما الذي من الممكن أن يكون وراء هذه الزيارة؟
علاقات وثيقة
تربط كوريا الشمالية والصين وروسيا علاقات وثيقة على مختلف المستويات، خاصةً وأن كوريا الشمالية لا تجمعها علاقات دبلوماسية إلا بعدد قليل من الدول، على رأسهم الصين وروسيا. وقد ازدادت هذه العلاقات عمقًا مع شن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وزيادة التوترات بين الصين والولايات المتحدة بسبب ملف تايوان وغيره من الملفات الخلافية. وهو ما يتضح في التالي:
العلاقات الدبلوماسية: تظهر العلاقات الدبلوماسية الوطيدة بين الدول الثلاث في الدعم المتبادل في عدة قضايا على الساحة العالمية، مثل التصويت بخصوص القرار الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا في ٢ مارس ٢٠٢٢ والتي أقدمت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث صوتت كوريا الشمالية بالرفض لتكون واحدة من خمس دول فقط صوتت بالرفض، فيما امتنعت فيه الصين عن التصويت ضد روسيا. ليس هذا وحسب، بل رفضت الصين وروسيا الانضمام إلى بقية الدول الأعضاء في مجلس الأمن بخصوص إدانة كوريا الشمالية لإطلاقها صواريخ باليستية عابرة للقارات في مايو ٢٠٢٢.
هذا واستخدمت بكين وموسكو، في نوفمبر ٢٠٢٢، حق النقض “فيتو” ضد مشروع قرار قدمته واشنطن لتعزيز العقوبات ضد كوريا الشمالية. إضافة إلى ذلك، تزود العلاقات الدبلوماسية بينهم بتبادل المراسلات والزيارات، مثل اللقاءات التي عقدها مسؤولون روس مع آخرين في الصين وكوريا الشمالية الشهر الماضي بعد تمرد “فاجنر” والتي أظهر خلالها المسؤولون الصينيون والكوريون دعمهم الكامل لروسيا، والحرص على تعزيز التعاون المشترك.
التعاون الاقتصادي: تتسم العلاقات بين البلدان الثلاثة بجانب اقتصادي مهم، خاصةً بالنسبة لكوريا الشمالية؛ إذ إن الصين تحتل المرتبة الأولى في العلاقات التجارية مع كوريا الشمالية التي تعتمد بشكل كبير عليها، حيث وصلت حجم صادرات الصين إلى كوريا الشمالية في مايو ٢٠٢٣ نحو ١٦٦ مليون دولار، والواردات نحو ٢٣.٩ مليون دولار، مما أدى إلى ميزان تجاري إيجابي قدره ١٤٢ مليون دولار. ونجد أن الصادرات الصينية إلى كوريا الشمالية في يونيو ارتفعت ثمانية أمثال مقارنة بالعام الماضي.
فيما تأتي روسيا بصادرات لكوريا الشمالية في عام ٢٠٢١ بنحو ٤١ مليون دولار، وتطمح بيونج يانج إلى الاستفادة من الحرب الروسية الأوكرانية للحصول على فوائد اقتصادية وعلاقات أوثق مع موسكو. فضلًا عن أن الصين تعد الشريك التجاري الرئيس لروسيا، حيث بلغ التبادل التجاري بين البلدين رقمًا قياسيًا قدره ١٩٠ مليار دولار أمريكي في ٢٠٢٢. هذا ومن المرتقب أن يجري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة إلى الصين في شهر أكتوبر المقبل للمشاركة في المنتدى الدولي للحزام والطريق، يلتقي خلالها الرئيس الصيني شي جين بينج؛ لمناقشة التعاون التجاري والاقتصادي الثنائي، وذلك حسبما صرح يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية.
التعاون العسكري: تدعم الدول الثلاث بعضها البعض عسكريًا في مواجهة التوترات على الساحة العالمية. وظهر هذا التعاون في استطاعة كوريا الشمالية أن تستخدم بحر الصين لإطلاق عدة صواريخ كروز للالتفاف على عقوبات الأمم المتحدة في يوليو الجاري. بالإضافة إلى اكتشاف وجود وسيط سلوفاكي يُزعم أنّه يعمل على ترتيب صفقات أسلحة بين موسكو وبيونج يان، والذي عمل على إبرام صفقات بيع ومقايضة مع كوريا الشماليّة لشحن “أكثر من عشرين” نوعًا من الأسلحة والذخائر إلى روسيا بين أواخر ٢٠٢٢ وأوائل ٢٠٢٣.
إضافة إلى ذلك، اشتركت الصين وروسيا في يوليو الجاري في مناورات جوية وبحرية تهدف إلى “حماية” أمن الممرات المائية في بحر اليابان، ردًا على المناورات التي أجرتها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان في أبريل الماضي لردع كوريا الشمالية. علاوة على ذلك، ذكرت تقارير أن الصين ترسل سرًا أسلحة ومعدات عسكرية إلى روسيا، من ضمنها الطائرات بدون طيار، بقيمة بلغت أكثر من ١٠٠ مليون دولار هذا العام.
الدوافع والأهداف
توطيد العلاقات: تدفع هذه الزيارة من قبل روسيا والصين إلى تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية بين البلدان الثلاثة، واستغلال مناسبة الاحتفالات الكورية الشمالية بعيد النصر للتأكيد أن مثل هذه الزيارة ستساعد في تعميق العلاقات الودية بين بيونج يانج وموسكو وبكين، وتوسيع نطاق التعاون في مجالات مثل التدريب والتسليح والمعلومات، وتعميق الانفتاح بين بكين وبيونج يانج على وجه الخصوص وتخفيف القيود الحدودية القائمة بينهما منذ انتشار جائحة كورونا.
تأكيد التضامن: من المحتمل أن تهدف روسيا من وراء زيارة وزير دفاعها إلى كوريا الشمالية تأكيد دورها ومكانتها كقوة كبرى، وتعزيز صورتها كشريك استراتيجي لكوريا الشمالية. وقد تكون صورة من صور الدعم السياسي لكوريا الشمالية، في مواجهة الضغوط والعقوبات الدولية، ما قد يتفق مع رفض الصين وروسيا لتلك العقوبات؛ بوصف كلا البلدين هما أهم حلفائها على المستوى الدولي.
إبرام اتفاقيات: من الممكن أن تحمل هذه الزيارة دوافع وغير معلنة، خاصةً وأنها تأتي في إطار توترات عالمية تجمع الدول الثلاث وجعلت لها مصالح مشتركة تتمثل في مناوءة المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة. وعليه، قد تسهم هذه الزيارات، وخاصة زيارة “شويجو”، في إبرام اتفاقيات مع كوريا الشمالية في المجال العسكري والأمني خاصةً مع التقارير التي تتحدث عن وجود مثل هذا التعاون المتمثل في شراء الأسلحة، رغم نفي البلدين.
رسائل ودلالات
تتزامن هذه الزيارة مع العديد من التوترات على الساحة العالمية، خاصةً وأن كل دولة من الدول الثلاث تخوض صراعًا حاليًا خاصةً مع الولايات المتحدة، مما يجعل بينها هدفًا مشتركًا؛ إذ تتصارع الصين مع الولايات المتحدة حول عدد من الملفات أهمها مسألة تايوان التي تعدها الصين جزءًا من سياسة “الدولة الواحدة” التي عزمت عليها والتي تعترض عليها تايوان راغبة في الانفصال، ما تدعمه الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، ليس خافيًا الصراع الروسي الغربي بوجه عام والروسي الأمريكي على وجه الخصوص في إطار الحرب في أوكرانيا التي تحظى بدعم أمريكي وغربي واسع منذ بدء العملية الروسي في فبراير 2022.
وتأتي كوريا الشمالية في صراع مع الولايات المتحدة حول برنامجيها النووي والصاروخي، وصل إلى حد تهديد الرئيس الأمريكي جو بايدن بإنهاء النظام في كوريا الشمالية إذا ما قررت بيونج يانج استخدام الأسلحة النووية ضدها، مُرسلًا غواصة أميركية مسلحة نوويًا للموانئ الكورية الجنوبية للمرة الأولى منذ أربعة عقود لإثبات التزام الولايات المتحدة بالردع الموسع. وكان آخر هذه التوترات عبور جندي أمريكي الحدود من كوريا الجنوبية باتجاه كوريا الشمالية حيث تم احتجازه هناك ولم تستطع الولايات المتحدة التفاوض بشأنه.
وفي إطار هذه التوترات على الساحة العالمية، تمثل الرسالة الأساسية التي يريد مسؤولو البلدان الثلاثة توجيهها هي عزمهم على بلورة معسكر شرقي جوهره موسكو وبكين وبيونج يانج وربما طهران في مواجهة الولايات المتحدة والمعسكر الغربي وهيمنته على الصعيد الدولي. وهو ما يتماشى مع السياسة التي تعمل هذه الدول عليها وهي الوصول إلى عالم متعدد الأقطاب، ووضع حد لسياسة “العالم أحادي القطب” وقد تتعزز هذه الفكرة بسبب التحالف القوي بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، بالإضافة إلى التهديدات المتبادلة بين الجانبين، ودعم الولايات المتحدة لخصوم هذه الدول الثلاث مثل: تايوان، وأوكرانيا، وكوريا الجنوبية، على التوالي.
ختامًا، تأتي زيارة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني لي هونغ تشونغ في إطار عدة سياقات من شأنها أن تعطي بعض الإشارات والتحذيرات التي تتجاوز مجرد الاحتفال بمرور ٧٠ عامًا على إبرام الهدنة في شبه الجزيرة الكورية. ومن المتوقع أن تخلق شكلًا أقوى من التحالف الثلاثي في مواجهة المعسكر الغربي، خاصةً وأن الدول الثلاث لديها أهداف مشتركة وتسعى، بشكل كبير، إلى زعزعة الهيمنة الأمريكية والغربية عالميًا.
باحثة بالمرصد المصري