
كيف ستواجه إيران قرارًا أوروبيًا بإبقاء العقوبات الصاروخية عليها؟
على الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في مايو 2018 خروج بلاده من الاتفاق النووي الدولي المبرم مع إيران في 2015 بسويسرا، فإن هذه الوثيقة ظلت تحظى بأهمية لدى الدول الأوروبية حتى في الوقت الذي قامت فيه إيران بمضاعفة مستويات تخصيب (إثراء) اليورانيوم من 3.67% (حسب اتفاقية 2015) إلى ما يقارب 84% مؤخرًا حسبما تم الإعلان عنه في شهر فبراير الماضي من جانب مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفي ظل نفي إيراني رسمي.
ويعود ذلك إلى رغبة الدول الأوروبية في الحفاظ على قنوات اتصال مع إيران عبر الحوار؛ من أجل منع الوصول إلى نقطة اللا عودة غير المرغوبة غربيًا، والتي تتمثل في امتلاك طهران قنبلة نووية. بل إن المسؤولين الأوروبيين قد أكدوا على رغبتهم في مواصلة الحوار والتفاوض مع إيران على الرغم من غضبهم من التعاون العسكري الإيراني مع روسيا.
ومع ذلك، فإن تقريرًا لصحيفة “الجارديان” البريطانية الشهيرة نُشر يوم 2 يوليو الجاري قد أشار إلى أن دول الترويكا الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) تعتزم إبقاء العقوبات المفروضة على البرنامج الصاروخي الإيراني المقرر أن تنتهي في شهر أكتوبر 2023 بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، ما قد يعني بدوره تحولًا كبيرًا وتحديًا في الوقت نفسه في المشهد الإيراني الأوروبي خلال الفترة المقبلة سيحمل في ثناياه أيضًا تداعياتٍ على العديد من الملفات ذات الصلة.
لماذا تخطط “الترويكا الأوروبية” لعدم رفع العقوبات الصاروخية عن إيران في أكتوبر المقبل؟
منذ أن أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، في يوليو 2022 عن “انخراط” إيراني في الحرب الروسية الأوكرانية لصالح موسكو، أصبح التعاطي الأوروبي مع ما يتعلق بإيران مختلفًا عما كان قبله. فبعد ذلك الإعلان، بادرت الدول الأوروبية إلى فرض عقوبات متنوعة على طهران عقب تأكيد مسؤوليها على أنها زوّدت موسكو بمئات الطائرات المسيرة، خاصة تلك من طراز (شاهد – 136)، واستعدادها لإرسال صواريخ أيضًا إلى روسيا. وطبقًا للتقارير، فإنه قد جرى إرسال طائرات مسيرة إيرانية إلى روسيا خلال الأشهر الماضية، إلا أنه لم يتم التوسع في إرسال صواريخ حتى الآن، حسب تقارير استخباراتية غربية.
وعليه، فإن إبقاء العقوبات الأوروبية على صناعة وإنتاج وإرسال الصواريخ الإيرانية إلى الخارج سوف يقيد بشكل كبير للغاية إمكانية دعم طهران لموسكو بالصواريخ في هذه الحرب. وهذا هو ما ذهب إليه دبلوماسيون أوروبيون وبريطانيون في معرض حديثهم في هذا الصدد. حيث علقوا قائلين إن “إيران انتهكت الاتفاق النووي لعام 2015 بما يشمل إرسال المسيرات إلى روسيا لاستخدامها في الحرب”، مشيرين إلى “الاحتمالية المستقبلية بشأن أن ترسل إيران صواريخ باليستية إلى روسيا”.
توقيت الإعلان
لقد جاء الإعلان عن هذه الخطة من قِبل صحيفة “الجارديان” البريطانية في وقت تصاعدت فيه التوترات بين الأوروبيين والغرب بوجه عام وإيران بعد التقدم الحاصل في البرنامج النووي والتصريحات التحذيرية ذات الصلة. فمؤخرًا وفي يونيو 2023، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، إن “إيران لم تنفذ التزاماتها النووية ذات الصلة بالاتفاق النووي لعام 2015 منذ فبراير 2021″، مضيفًا أن “مخزونها من اليورانيوم المخصب قد ارتفع بنسبة 25% خلال 3 أشهر فقط”. وأشار “جروسي” إلى أن “وتيرة تخصيب اليورانيوم تتزايد بسرعة كبيرة، وتتزايد الأنشطة أيضًا”.
وفي الشهر نفسه، ذكر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أن “إيران قامت بتخزين 114.1 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة تفوق 4 مرات تلك الكمية التي تراها الوكالة الدولية كمية هائلة من اليورانيوم المخصب بنسب عالية واللازمة لإنتاج أول مادة تفجيرية نووية”. وأشار التقرير إلى أن “مخزون إيران الكلي من اليورانيوم المخصب تضاعف 14 مرة عن تلك النسبة المسموح بها في خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015. وتستطيع إيران تخصيب اليورانيوم لإنتاج قنبلة خلال 12 يومًا وإنتاج 8 قنابل في 3 أشهر فقط بالنظر إلى مخزونها الحالي وعدد أجهزة الطرد المركزية المتقدمة”.
ولم تذهب مندوبة بريطانيا في الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، في يونيو أيضًا بعيدًا عن هذين التقريرين حينما عبّرت عن قلقها من “تضاعف كمية اليورانيوم المخصب في إيران واللازم لصنع قنبلة نووية”. حيث قالت المسؤولة البريطانية، في تصريحات لقناة “إيران إنترناشيونال”، ومقرها لندن، إن “مخزن إيران من اليورانيوم مرتفع، وإن قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم قوية جدًا”.
وفي معرض ردها على الخطوة التي قد تتخذها إيران مقابل إبقاء الأوروبيين على العقوبات الصاروخية ضدها في أكتوبر المقبل، قالت باربرا إن “الموقف يسبب كثيرًا من القلق، وإن المملكة المتحدة تعمل عن قرب مع الأطراف الأوروبية الثلاثة المشاركة في اتفاق 2015 بشأن ماذا سنفعل بعد”. ويتزامن هذا كله مع تعثر المفاوضات النووية بشكل كامل بين إيران والغرب منذ شهر سبتمبر 2022، وهو ملف كانت العلاقات فيه بين إيران وروسيا أحد أبرز أسباب التعثر.
ردود الفعل الإيرانية المتوقعة إزاء قرار “الترويكا الأوروبية”
بعدما أعلن “ترامب” خروج واشنطن من الاتفاق النووي في 2018، اتخذت طهران العديد من الخطوات الجريئة بشأن الأنشطة النووية في الداخل وعمليات تخصيب اليورانيوم، إلى أن وصلت نسبة التخصيب إلى 84% حسبما أكدت الوكالة الدولية. ولعل خطة الدول الأوروبية الثلاث الأعضاء في الاتفاق النووي (JCPOA) يُتوقع أن تدفع إيران إلى مثل هذه الإجراءات التصعيدية مرة أخرى، وهي ما سنلقي الضوء عليها فيما يلي:
موت الاتفاق النووي لعام 2015: على الرغم من خروج واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015، فإن الأطراف الأوروبية كانت لا تزال ملتزمة ببنوده وتحث إيران دائمًا على القيام بالأمر نفسه ولو في إطار محدود. أما مع اتخاذ قرار الترويكا إبقاء العقوبات الصاروخية على إيران إلى ما بعد أكتوبر المقبل، فسيعني ذلك “موت الاتفاق النووي بشكل رسمي” وأنه لم يعد هناك مجال لأي التزامات تقييدية بشأنه سواء من جانب الإيرانيين أو الأوروبيين، ما يقودنا بالتالي إلى الحديث عن إمكانية أو احتمالات “إحياء” ذلك الاتفاق مرة أخرى عبر المفاوضات التي انطلقت في النمسا منذ أبريل 2021.
تضاؤل فرص إحياء الاتفاق النووي لعام 2015: مع إبقاء العقوبات الصاروخية على إيران وتوتر العلاقات بين إيران وأوروبا، فإن نوافذ الاتصال بين إيران والغرب سوف يتراجع عددها أو ربما تغلق بشكل شبه كلي، وهو ما سيؤثر بدوره على احتمالات إعادة إحياء الاتفاق النووي مرة أخرى في فيينا. ولعل الأمر لا ينحصر في هذا الصدد فيما يتعلق بنوافذ الاتصال بين الطرفين، بل إن إبقاء العقوبات من جانب “الترويكا” إلى جانب خروج الولايات المتحدة بالأساس من الاتفاق في 2018 لن يشجع طهران على المضي قدمًا في المحادثات، هذا إلى جانب أن تزايد فرص التوتر بين الجانبين سينعكس بالسلب على إمكانية إحياء الاتفاق النووي.
التصعيد النووي: من المرجح أن تُقْدِم إيران في ظل هذا القرار الأوروبي على اتخاذ إجراءات تصعيدية على الجانب النووي قد تتمثل على الأغلب في رفع مستويات تخصيب اليورانيوم فوق نسبة 84% التي كشفت عنها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير 2023. ولعل الأمر سيكون مختلفًا هذه المرة بشأن خطوات إيرانية على هذا المستوى؛ إذ إن رفعها هذه النسبة مرة أخرى سيعني حتمًا إنتاجها أول قنبلة نووية لها في تاريخها. ويضعنا هذا بالتالي أمام سيناريوهات تصعيد وتوتر بين إيران والغرب الذي سوف يسعى إلى عدم توصل طهران لهذه القنبلة؛ خاصة وأنه بات يعبر، مثلما تمت الإشارة آنفًا، عن قلقه من “إمكانية إنتاج إيران مواد تفجيرية نووية في غضون أيام”.
تعزيز العلاقات العسكرية مع روسيا: إن إبقاء العقوبات الصاروخية على إيران قد يدفعها إلى المزيد من تعزيز وتعميق علاقاتها العسكرية مع الجانب الروسي، والصيني أيضًا؛ فهذا القرار قد يغلق آخر قنوات الاتصال بين الأوروبيين والإيرانيين، وهي المغلقة بالأساس بين طهران وواشنطن منذ سنوات. لذا، فإن مزيدًا من توتر العلاقات بين إيران والغرب سيقود طهران على الأرجح إلى تنمية التعاون مع موسكو في مختلف المجالات، خاصة المجال العسكري الدفاعي والعلاقات السياسية والأمنية. وحول ذلك، فإن إمكانية تنمية التعاون بين روسيا وإيران فيما يخص الأوضاع في أوكرانيا سيكون خيارًا مطروحًا على الطاولة.
الاستنتاج
إن إبقاء العقوبات الصاروخية على إيران سوف ينعكس من ناحية أخرى على العلاقات الأمريكية الأوروبية فيما يتعلق بتنمية التعاون المشترك الخاص بالتعامل مع إيران؛ إذ إن السياسة الأوروبية على هذا النحو سوف تتشابه إلى حد ما مع النهج الأمريكي الخاص بالتعامل مع طهران، ما سيؤدي بالتالي إلى تقارب الرؤى الأمريكية والأوروبية بشأن إيران في المستقبل القريب.
ومع ذلك، يظل التساؤل قائمًا حول ما إذا كانت إيران سوف تُقدم حقًا على تعزيز أنشطتها النووية والتحاف مع روسيا إذا ما أبقى الأوروبيون على العقوبات الصاروخية عليها؛ ذلك لأن مثل هذه الخطوات من قِبل إيران سوف تشجع الدول الغربية وإسرائيل أيضًا على اتخاذ خطوات أكثر صرامة تجاه إيران لن يُستثنى منها حينئذ الخيار العسكري، وهو ما قد يدفع إيران إلى التفكير مراتٍ قبل الإقدام على هذه الخيارات.
باحث بالمرصد المصري