مقالات رأي

التكامل المصري السوداني وسلة الغذاء المرتقبة

يمكن أن يتحقق التكامل المصري السوداني، هذا الأمل المشروع والقابل للتنفيذ بشرطين. الأول هو سرعة استعادة الاستقرار السوداني، والثاني هو الحل العادل لأزمة السد الإثيوبي وإدارته المشتركة لكيلا يؤثر بالسلب على كل من مصر والسودان بل يزيد من حصتهما مستقبلًا بما يتماشى مع النمو السكاني فيهما، خاصة أن المياه الفيضية للنيل الأزرق تشكل من 75 إلى 80% من احتياجات الدولتين المرتبطة أساسًا بالزراعة والغذاء.

من ناحية أخرى أسفرت الحرب الروسية على أوكرانيا منذ فبراير 2022 وما زالت، عن نتائج متعددة منها غير العسكرية التى كان من تداعياتها ارتباك منظومة الغذاء الاستراتيجية وسلسلة صادراتها من أوكرانيا والدول العربية المستوردة، خاصة مصر والسودان بلدَىْ نهر النيل اطول وأحد أغنى أنهار العالم مقارنة بنهر الدنيبر المنفرد في أوكرانيا.

وبمقارنة بين أوكرانيا، وبين مصر والسودان منفردتين ومجتمعتين من حيث القوة البشرية والمساحة ومتطلبات الزراعة كالمياه والتربة والأيدي العاملة وأدواتها وكذلك المناخ وتنوع الطقس وموانئ التصدير، نجد أن مساحة أوكرانيا 604 آلاف كم2 وعدد سكانها 44 مليون نسمة. أى ما يساوى نحو 60% من مساحة مصر و25% من مساحة السودان قبل انفصال الجنوب كأكبر دولة إفريقية وعربية. و14% من مساحة مصر والسودان معًا. كما أن عدد سكانها يساوى نحو 40% من سكان مصر ويكافئ سكان السودان. وهنا نلاحظ أن المقارنة ليست في صالح أوكرانيا من ناحية الكم، ولكن ربما تختلف من ناحية الكيف، خاصة القوة البشرية في مجال الزراعة والميكنة الزراعية.

فمن حيث متطلبات الزراعة وبدءًا بموارد المياه، فلدى أوكرانيا نهر الدنيبر الذي يتخللها من الحدود البيلاروسية إلى الجنوب الشرقي بطول 1205 كم ليصب في البحر الاسود وهو دائم المياه، ويتأثر منسوبه بموسم الأمطار وكذلك ذوبان الجليد الذي يكون بعض البحيرات الموسمية بالإضافة إلى نهرين صغيرين هما الدون في الشمال الشرقي ودينيستر في الجنوب. أما نهر النيل فذو مصدرين أحدهما دائم وينبع من البحيرات العظمى الاستوائية عبر بحرى الجبل والغزال، والآخر فيضان موسمي عبر النيل الأزرق ورافدي السوباط وعطبرة، وتتجمع كلها داخل السودان ليتجه النيل شمالًا من الخرطوم إلى الحدود المصرية عبر مجموعة من الجنادل التي تقلل من سرعة التيار، وبالتالي من النحر، بإجمالي طول 4670 كم ثم عبر مصر إلى القاهرة فالدلتا بطول 1520 كم إلى مصبه في البحر المتوسط.

أما التربة ومناطق الزراعة، فتقع أوكرانيا ضمن السهل الأوروبي الشرقي ويحد السهل الأوكراني شمالًا منطقة الغابات الشجرية التي تشكل 15% من مساحة أوكرانيا حيث يتم غرس 6.4 مليون هكتار دوريًا، كما يحده جنوبًا سلسلة جبال الكاربات. وتتفاوت جودة التربة ذات الرواسب البلورية من مكان لآخر. ويشكل ذوبان الجليد تحويل أجزاء كبيرة إلى تربة اسفنجية هشة لا تتناسب مع بعض المحاصيل المهمة والتي تحتاج لفترة زمنية، خاصة القمح والذرة والنباتات الزيتية. كما خسرت أوكرانيا أراضيها الزراعية في القرم بضم روسيا للإقليم عام 2014. وفي المقابل فلدى مصر والسودان تربة خصبة متنوعة في معظمها.

أما القوة العاملة فإذا تقاربت بين أوكرانيا والسودان فإن لدى مصر فائضًا كبيرًا منها. ورغم مساهمة قطاع الزراعة اقتصاديًا بنسب متقدمة في البلدان الثلاثة، فإنه يجب أن يكون أضعاف ذلك في مصر والسودان في إطار من التكامل، مع تطوير الميكنة الزراعية والري المتطور وإنتاج معداتهما محليًا لزيادة الإنتاجية، والبتروكيماويات لمصلحة الأعلاف والأسمدة مع تطوير البحوث الزراعية.

أما المناخ فيسود أوكرانيا مناخ معتدل مع رياح رطبة أطلسية ممطرة وتصل درجة الحرارة شتاء إلى 7 تحت الصفر حيث تتراكم الثلوج حتى 30سم، وتصل الحرارة صيفًا إلى 24 ْ مما يؤثر على دورة بعض المحاصيل المهمة، أما في مصر السودان فمناخ متنوع. ففي مصر مناخ جنوب البحر المتوسط المعتدل، وفي السودان حار جاف ورطب في الجنوب ولا توجد إعاقة لدورة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة وقصب السكر والفول والسمسم والكتان والزيوت والأعلاف ومحاصيل استراتيجية غير غذائية كالقطن والأصماغ كمثال، مع إمكانية تجديد الغابات السودانية جزئيًا ودوريًا.

وأخيرًا الموانئ، فلم يبق لأوكرانيا غير أوديسا بعد فقد مواني القرم وآزوف نتيجة الحرب الروسية ويمتلك السودان ميناء بورسودان ويمكنه التكامل مع مصر بموانئ متعددة على البحرين الأحمر والمتوسط عبر قناة السويس. وأخيرًا يجب أن تكون سلة الغذاء العربية بتكامل مصر والسودان بل وتفيض إقليميًا. ويمكننا أن نبدأ بمجرد استقرار السودان الشقيق وحل أزمة السد الإثيوبي.

نقلًا عن جريدة الأهرام

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى