إيران

رسائل ودلالات إعدام نائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق علي رضا أكبري

في مارس 2022، أفرجت طهران عن الصحفية البريطانية من أصل إيراني نازنين زاغري إلى جانب المهندس المتقاعد أنوشه آشوري الذي يحمل أيضًا جنسية مزدوجة، وذلك بعد اعتقالهما لسنوات بتهم التجسس، أحدهما لصالح “جهات أجنبية” والآخر لصالح إسرائيل، حسب المزاعم الإيرانية. ولم يكن الإفراج عن الصحفية والمهندس بالأمر اليسير؛ إذ شغلت قضيتهما الرأي العام البريطاني واستحوذت على اهتمام دولي موازٍ لسنوات منذ أن تم اعتقال الأولى على يد استخبارات الحرس الثوري في مطار “الإمام الخميني” عام 2016 والثاني في أغسطس من العام التالي، كما أن البعض وصف اعتقالهما بـعملية “احتجاز رهائن” في ظل التفاوض آنذاك على دفع 530 مليون دولار ديون بريطانية لإيران طالبت بها الأخيرة مقابل إطلاق سراحهما.

وعلى الرغم من إتمام صفقة الإفراج مقابل المال، إلا أن دوافع أخرى قد ساهمت في الواقع في إطلاق سراح زاغري وآشوري آنذاك وكان أهمها أن العملية جاءت في سياق محاولات إثبات “حسن النوايا” بين الطرفين، بالتزامن مع انعقاد المفاوضات النووية في فيينا ونجاحها في ذلك التوقيت في التوصل لتسويات ثنائية، علاوة على الضغوط المجتمعية والإعلامية الأوروبية المصاحبة.

ومع ذلك، بقي عدد من المعتقلين البريطانيين الآخرين في إيران (من مزدوجي الجنسية) وأصبح من الصعب لاحقًا الإفراج عن بعضهم، وهو ما يعود إلى تدهور العلاقات بين البلدين وبشكل رئيس بعد اندلاع الاحتجاجات في إيران منتصف شهر سبتمبر الماضي، والانتقادات الإيرانية المتتالية للندن بـ “التدخل في شؤونها وإثارة الاحتجاجات المحلية”. وينطبق هذا أيضًا على مواطنين أجانب أخرين في إيران يحملون جنسيات غربية. وظلّ في قائمة المواطنين البريطانيين الذين بقوا محتجزين في إيران نائب وزير الدفاع الأسبق علي رضا أكبري الذي أعلنت إيران عن إعدامه يوم 14 يناير 2023.

لماذا أعدمت إيران علي رضا أكبري؟

ذكرت صحيفة “كيهان” الإيرانية، الناطقة بالفارسية والمقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي في عددها الصادر يوم 15 يناير الجاري، أن السلطات القضائية في إيران أعدمت نائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق في عهد حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي “1997-2005” بتهم “الإفساد في الأرض، والإضرار بالأمن الداخلي والخارجي للدولة عن طريق التجسس لصالح جهاز الاستخبارات البريطاني (MI6)، في مقابل الحصول على مبالغ مليون و805 آلاف يورو، و265 ألف جنيه إسترليني، و50 ألف دولار أمريكي”. وزعمت الصحيفة أيضًا، والتي يمكن وصفها بأنها الناطق الرسمي باسم النظام، أن علي رضا أكبر قد أُعدم بسبب “إضراره بالأمن القومي للدولة عن طريق لقاءاته المتعددة الواسعة مع ضباط استخبارات العدو في دول مختلفة، وطول مدة تجسسه، وهي ما توصَف بأنها جريمة كبرى ضد الأمن القومي والخارجي للدولة إلى الحد الذي تسبب معه في حدوث اختلال حاد في أنظمة الدولة العامة”، حسب ادعاء الصحيفة.

واتهمت السلطات الإيرانية أكبري، الذي وُلد في 21 أكتوبر 1961، بأنه سعى من خلال علاقاته الأمنية المتشعبة داخل أجهزة الأمن الإيرانية إلى الحصول على معلومات حساسة ادّعت دون أدلة أنه “استغلها في الخارج” في المراكز البحثية والدراسية المعنية وأرسلها إلى جهاز (MI6). وتشير وسائل الإعلام الإيرانية بشكل رئيس في ذلك إلى العلاقة الوطيدة بين علي أكبري والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حاليًا ووزير الدفاع الأسبق علي شمخاني، وهو ما يجعل اتهام وإعدام علي أكبري بمثابة “إحراج” أو ربما “تهديد” لبقاء شمخاني في منصبه الأمني.

وقالت إيران أيضًا، إن المعلومات التي كانت لدى أكبري ساهمت في عملية استهداف العالم النووي البارز السابق محسن فخري زاده واغتياله في نوفمبر 2020 في مدينة “آبسرد” داخل محافظة طهران، وذلك على الرغم من اعتقال أكبري عام 2019.    

ولكن، على الرغم من هذه الاتهامات، فإن إيران لم تقدم دليلًا على تجسس أكبري، وحينما أرادت ذلك أذاعت شريطًا لاعتراف علي رضا أكبري، إلا أن الأخير نفى صحته وأكد أنها اعترافات قسرية جاءت تحت التعذيب.  

رسائل إعدام أكبري

لا تنفصل عملية إعدام نائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق علي أكبري عن عملية التصعيد الأخيرة بين إيران والغرب بوجه عام وطهران ولندن بوجه خاص، نظرًا لكونه يحمل الجنسية البريطانية. حيث اضطربت العلاقات بشكل حاد بين إيران وبريطانيا منذ اندلاع الاحتجاجات الإيرانية في شهر سبتمبر الماضي، للتنديد بمقتل المواطنة “مهسا أميني” على يد الوحدة الشرطية السابقة “شرطة الأخلاق”. وعلى إثر ذلك، وجّهت طهران اتهامات لبريطانيا بـ “التدخل في الشؤون الداخلية والعمل على إثارة الاحتجاجات المحلية” إلى جانب مزاعم أخرى بـ “استضافة قنوات ووسائل إعلامية تدعو للاحتجاج داخل إيران”.

وزعمت إيران أيضًا، أن بريطانيا تأتي على رأس الدول الأجنبية التي تحاول إثارة الاحتجاجات في الداخل عن طريق “العملاء والجواسيس”، وتبع ذلك تنفيذ أجهزة الأمن الإيرانية حملة اعتقالات طالت عددًا غير قليل من الأجانب ومزدوجي الجنسية خلال الأشهر القليلة الماضية، ومن بينهم فرنسيون وألمان وهولندي وبولندي. وبالطبع، لم يكن الأجانب وحدهم، بل اعتقلت السلطات أيضًا عددًا كبيرًا من المواطنين الإيرانيين وأعدمت بعضهم بتهم “التجسس” للخارج، ولإسرائيل بشكل رئيس.

وعلى أي حال، توضح لنا هذه الدوافع والمزاعم أن إعدام علي أكبري قد جاء لإرسال الرسائل التالية من جانب النظام الإيراني للداخل والخارج معًا:

  1. الرد على بريطانيا بشأن ما تزعمه إيران من “تدخلها” في الشؤون الداخلية والاحتجاجات.
  2. قالت وسائل إعلام عدة موالية للنظام الإيراني في الداخل إن إعدام أكبري يُعد رسالة إلى “عملاء وجواسيس بريطانيا بأنهم ليسوا بعيدين عن يد الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية”، على حد تعبير صحيفة “طهران تايمز”.
  3. التشديد على أن إيران سوف تتعقب بشكل حثيث مختلف “الجواسيس” الأجانب، حسب وصفها، وستكثف من عملياتها في هذا الصدد خلال الأيام المقبلة في ظل استمرار الاحتجاجات العارمة.
  4. توظيف عملية الإعدام لإخافة المحتجين في الداخل، حيث لم تكن هذه العملية الأولى من نوعها منذ اندلاع الاحتجاجات في سبتمبر الماضي، فقد أعدمت طهران حتى الآن 18 شخصًا من بينهم 4 أفراد في شهر ديسمبر 2022 بتهمة “التعاون مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)”.
  5. تحذير الضباط الإيرانيين في مختلف الأجهزة والوحدات، خاصة الأمنية منها، من التعاون مع الخارج أو الانشقاق، في الوقت الذي لم تكن فيه عملية إعدام مسؤول أمني كبير مثل أكبري الأولى من نوعها في الداخل، وفي الوقت الذي يخشى فيه النظام من ناحية أخرى حدوث أية انشقاقات في صفوف هذه الوحدات الأمنية؛ نظرًا لأن نتائجها ستكون مؤثرة للغاية مع استمرار التظاهرات الحاشدة في إيران للشهر الخامس على التوالي.

دلالات إعدام أكبري

تحمل عملية إعدام نائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق علي أكبري عدة دلالات مهمة ذات صلة، أهمها:

  • ما يشير إلى حقيقة شبه مؤكدة أن هناك اختلافات ظاهرة في صفوف القائمين على الحكم في إيران قد ازدادت على الأرجح خلال العقد الأخير، وهو ما يبرزه على الأقل الصراع بين أجنحة بعض رجال الدين أو الأصوليين بوجه عام هناك، كما أن تفاقم نفوذ الحرس الثوري في مجال السياسة الداخلية والخارجية في إيران قد أزعج بعض المحافظين، ومن بينهم الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وسياسيين آخرين موالين للتيار الإصلاحي مثل وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف الذي قدّم استقالته في فبراير 2019 احتجاجًا على عدم إبلاغه بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى البلاد واستبداله بالقائد السابق لوحدة “فيلق القدس” التابعة للحرس الثوري، قاسم سليماني.   
  • توضح الإعدامات المتتالية في إيران مؤخرًا، وآخرها عملية إعدام أكبري، أن النظام السياسي لم يستطع حتى الآن السيطرة على موجة التظاهرات العارمة وأنه لا يزال يخشى أن تُحدث هذه الاحتجاجات تغييراتٍ كبرى غير متوقعة في الداخل.
  • تثبت عملية الإعدام أيضًا أن العلاقات بين بريطانيا وإيران، وبين الدول الغربية وإيران أيضًا، تشهد أدنى مستوى من التعاون بينهما خلال سنوات وتوتراتٍ هائلة على خلفية الاحتجاجات المحلية واتهام إيران للندن بـ “التدخل” بعد انتقاد بريطانيا استخدام السلطات الأمنية في إيران العنف لقمع التظاهرات.

ختامًا، من المرجح أن يضيف إعدام علي أكبري المزيد من التوترات القائمة حاليًا بين إيران والدول الأوروبية والولايات المتحدة، في ظل الانخراط الإيراني العسكري في روسيا والخلافات الأخرى المتعلقة بانتقاد استخدام العنف في إيران إزاء المتظاهرين، وهو ما يعني أن بريطانيا والدول الغربية قد تفرض عقوبات جديدة على إيران خلال الأيام القليلة المقبلة، ويجعل من المستبعد في الوقت ذاته استئناف المفاوضات النووية بين طهران والغرب في فيينا في وقت قريب.

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى