
مسار المرحلة النهائية من العملية السياسية الانتقالية في السودان: فرص وتحديات
في ضوء التفاهمات السياسية التي شهدها السودان نهاية عام 2022 والتوصل إلى اتفاق إطاري بين المكونين العسكري والمدني في الخامس من ديسمبر 2022، تشهد المرحلة الراهنة مساعي تلك الأطراف لتدشين المرحلة النهائية من العملية السياسية الانتقالية؛ بغية التوصل إلى اتفاق نهائي لنقل السلطة للمدنيين، وحل الانسداد السياسي الذي خيّم على السودان على مدار عام ونصف.
ولعل الاتفاق الإطاري الموقع بين الأطراف يحظى بقبول محلي ودعم إقليمي ودولي، إلا أن هناك عددًا من الحركات السياسية التي لم توقع عليه بعد، وهو ما يُمثل تحديًا أمام فرص الاستقرار السياسي في ضوء توافق شامل للأطراف، ولكن على الزاوية الأخرى هناك دعم أمريكي وتحفيز غربي لإتمام مسار التفاوض بشأن قضايا العدالة وإصلاح الجيش والأجهزة الأمنية واتفاق السلام الموقع في أكتوبر 2020.
محفزات داعمة
بالنظر إلى المشهد السياسي الداخلي، وعلى الرغم من وجود عدد من الجماعات السياسية الرافضة للاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه في ديسمبر 2022 وعلى رأسها لجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات الميدانية في السودان كأحد تكتيكات مواجهة الاتفاق السياسي الإطاري؛ فإن هناك مؤشرات داعمة لمسار التحول السياسي والتوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الخمس محل التباحث وهي كالآتي:
● دعم الآلية الثلاثية: إن مساعي التوافق حول القضايا الخمس العالقة والمتمثلة في (الإصلاح الأمني – العدالة الانتقالية – مراجعة اتفاقية السلام – أزمة شرق السودان – تفكيك النظام السابق) تحظى بدعم وتيسير من اللجنة الثلاثية (الاتحاد الأفريقي – الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيجاد” – الأمم المتحدة) والتي تعزز من مسار التفاوض في ضوء جولات المرحلة النهائية للوصول لاتفاق سياسي نهائي وعادل، علاوة على ربط دول الترويكا واللجنة الرباعية بين نجاح العملية السياسية واستئناف المساعدات وتمويل التنمية الداخلية التي سبق وتم تعليقها بسبب الإجراءات التي اتخذتها المؤسسة العسكرية في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.
● إنشاء هيكل جديد للجنة إزالة التمكين: وذلك في ضوء موافقة مؤتمر تفكيك نظام البشير على إنشاء هيكل جدد للجنة إزالة التمكين، والتوقيع على الاتفاق الإطاري من أجل وضع خارطة طريق لتجيد تفكيك نظام 30 يونيو في ضوء المرحلة الثانية من العملية السياسية في السودان، وذلك بعدما نصت على تشكيل لجنة جديدة لحل النظام السابق وتعديل قانون إزالة التمكين الذي أقره مجلس السيادة في 28 فبراير من عام 2019، حيث تعِد تلك الخارطة الخاصة بإلغاء كافة القرارات الصادرة من الدائرة الاستئنافية والقضائية بإلغاء قرارات لجنة التفكيك السابقة وتأسيس شرطة خاصة بتفكيك التمكين ومنح أعضائها حصانة إجرائية وقانونية، ولعل هذه الخطوة بمثابة نقطة تقدم حيوية للتوصل إلى اتفاق نهائي لنقل السلطة للمدنيين.
● ضغط أمريكي لإنجاح المرحلة الراهنة ودعم إقليمي ودولي واسع: أحد الدعائم لمسار المرحلة النهائية للاتفاق السياسي هو المساعي الأمريكية للضغط على الفصائل السودانية التي لم تشارك في الاتفاق المبدئي إلى الانضمام لهذا الاتفاق، وجاء ذلك في ضوء التصريحات التي أطلقها السفير الأمريكي في السودان “جون جودفري” في الثالث عشر من يناير الجاري. على الزاوية الأخرى، هناك دعم إقليمي ودولي كبير للعملية السياسية، حيث دعمت النرويج والسعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية تلك الخطوة وحثت على تركيز الجهود لاستكمال المفاوضات والوصول لاتفاق سريع لمعالجة التحديات المختلفة.
● ثبات الموقف داخل المكون العسكري: هناك موقف واضح وصريح من جانب المؤسسة العسكرية يكمن في الالتزام بالخروج النهائي من العملية السياسية، وعدم وجود أي دور مستقبلي لها في السلطة المدنية القادمة، وهو ما برز في تأكيد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق “محمد حمدان دقلو”، والالتزام بإنهاء الوضع الراهن وتشكيل سلطة مدنية كامل والعمل على تشكيل جيش مهني قومي واحد، ولعل تلك التأكيدات المستمرة تُمثل رسائل اطمئنان للمكون المدني دعمًا واستمرارًا للمفاوضات الجارية.
● دعم متزن لقوى الحرية والتغير: من بين العوامل المحفزة للتوصل إلى تفاهمات بشأن مسار العملية السياسية هو دعم تحالف قوى الحرية والتغيري للاتفاق المبرم في ديسمبر 2022، ومساعيها الدائمة للتصدي لحملات التشكيك المناوئة لهذا الاتفاق، وكذلك التسويق لذلك الخيار الاستراتيجي، وتعمل على تقريب وجهات النظر بين بعض مكونات الثورة وبين المكون العسكري من أجل تحقيق تكامل الأدوار بما يعزز مواقف الكتلة المدنية العريضة.
آليات متباينة
تحقيقًا لأهداف المرحلة النهائية ووصولاً لتسوية القضايا الخمس العالقة، فقد جاء تدشين المرحلة الأخيرة للاتفاق السياسي بدعم إقليمي ودولي للتأكيد على أنه لا توجد أي آليات أخرى باستثناء المضي قدمًا في الاتفاق الإطاري بأطرافه وموضوعاته. وتم تدشين عدد من الجلسات والورش الخاصة بمناقشة تلك القضايا، من بينها ورشة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو كأحد آليات التنسيق للتحول الديمقراطي المدني، وتقييم أداء لجنة التفكيك في الفترة الماضية للعمل على رفع كفاءة عملها وأدائها.
علاوة على ذلك تم تدشين عدد من الورش الأخرى الخاصة بالموضوعات الأربعة الخاصة بخارطة الطريق، وفتح المجال واسعًا أمام مشاركة الأطراف الرئيسية وكذلك أصحاب المصلحة والمجتمع المدني والأكاديميين؛ بهدف التوصل إلى صيغ تفاهم بشأنها. وتستهدف تلك الورش التوافق بشأن تلك القضايا؛ بهدف اكتساب الزخم الشعبي حول النتيجة المأمولة للوصول لاتفاق شامل.
وفي التقدير؛ وعلى الرغم من أن هناك بعض القوى الرامية إلى إفشال أي توافق بين المكونين المدني والعسكري، فإن متطلبات المرحلة الراهنة والحشد الإقليمي والدولي والتطلع الشعبي لإنهاء الفراغ السياسي هي حاضنة قوية لتمرير الاتفاق، كذلك فإن بناء الثقة الناجمة عن الاتفاق المبرم في ديسمبر 2022 بين أطراف المشهد السوداني تُعزز من إتمام المرحلة النهائية من الاتفاق السياسي.