أفريقياالأمريكتانمصر

استراتيجية العلاقات المصرية الأمريكية كركيزة لتعزيز الشراكة الأمريكية الأفريقية

بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي وأكثر من 40 من القادة الأفارقة، انطلقت في واشنطن القمة الأمريكية الأفريقية التي يستضيفها الرئيس الأمريكي جو بايدن في الفترة من 13 – 15 ديسمبر؛ لمواصلة تعزيز الرؤية المشتركة بشأن مستقبل العلاقات الأمريكية الأفريقية. وتعكس القمة دور مصر الرائد في القارة الأفريقية والتوجهات الأمريكية تجاه الشركاء الأفارقة لمواجهة التحديات العالمية، وتعزيز المشاركة الاقتصادية والسلام والأمن الغذائي.

عملت مصر على تعزيز دورها الرائد في أفريقيا في إطار استراتيجية الانخراط الكامل والتعاون مع الدول الأفريقية، وذلك لما تمثله العلاقات المصرية الأفريقية من أهمية للأمن القومي المصري. حيث ركزت على تعزيز العلاقات الثنائية مع كافة الدول الأفريقية، خاصة دول حوض النيل ومنطقة القرن الأفريقي، وتعزيز التبادل التجاري مع الدول الأفريقية. وقدمت مصر رؤية مشتركة لدعم وتمويل القارة الأفريقية خلال جائحة كورونا، ودعت الشركاء الدوليين إلى توفير التمويل المستدام لسد الاحتياجات الصحية للدول الأفريقية.

الجهود المصرية لم تقتصر فقط على المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار في عدد من دول الصراع بالقارة، مثل مالي وليبيا والصومال وجنوب السودان، بل تتعداها إلى تحقيق الأمن القاري بشكل شامل عبر مبادرة إسكات البنادق، وتقديم تدريبات موسعة لقوات مكافحة الإرهاب، وتوظيف القوى الناعمة والتعزيز الفعلي لشعار “حلول أفريقية للمشكلات الأفريقية” وتبني دبلوماسية هادئة إزاء مشكلات كثيرة تضرب القارة وتهدد أحيانًا مصالح الدولة المصرية، وتفادي أية تصعيدات في الأزمات الأفريقية – الأفريقية. 

دور مصر الرائد في القارة الأفريقية اتضح أيضًا خلال قمة المناخ COP27 بشرم الشيخ، وسعي الولايات المتحدة إلى مواصلة تعاونها الوثيق مع مصر بشأن المبادرات التي تم إطلاقها في المؤتمر والتي لها تأثير في مختلف أنحاء القارة الأفريقية. ويشمل ذلك مساهمة الولايات المتحدة بـ25 مليون دولار في مبادرة الاتحاد الأفريقي الرائدة لتسريع التكيف في أفريقيا والتي تستضيفها مصر لإطلاق برنامج تسريع الأمن الغذائى الخاص بالمبادرة، والذي سيعمل بشكل كبير على تسريع استثمارات القطاع الخاص في تكيف الأمن الغذائي مع المناخ في أفريقيا وتوسيع نطاقها. 

بالإضافة إلى إطلاق مصر مركز القاهرة للتعلم والتميز حول التكيف والصمود، والذي سيبني القدرة على التكيف في مختلف أنحاء القارة الأفريقية، وساهمت الولايات المتحدة بـ10 ملايين دولار في هذه المبادرة التي تقودها مصر والتي تهدف إلى دعم القارة بأكملها لزيادة قدرتها على معالجة آثار تغير المناخ، ومواصلة العمل مع مصر لتعزيز المصالح المشتركة وتحسين أوضاع السكان الأفارقة.

وعلى هذا، يحظى التعاون المصري الأمريكي حول قضايا القارة الأفريقية بأهمية كبيرة للولايات المتحدة لعدد من الأسباب:

تعزيز النفوذ الأمريكي: تعد القمة الأمريكية الأفريقية واحدة من أهم أولويات السياسة الخارجية لبايدن للعام الثاني في منصبه، إذ تم دعوة أكثر من 40 رئيس دولة، ومن المتوقع أن يأتي حوالي ألف مسؤول أفريقي إلى واشنطن لحضور القمة. وهي تمثل فرصة للرئيس الأمريكي للقاء العديد من رؤساء الدول والتصدي لشكاوى طويلة الأمد من المسؤولين الأفارقة من أن بلدانهم تحصل على اهتمام ضئيل في السياسة الخارجية الأمريكية، مقارنة بالحلفاء الأوروبيين أو في الشرق الأوسط أو الصين. وفرصة أيضًا للتحول عن نهج إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي تركزت فقط على مشاركة الولايات المتحدة في القارة حول مكافحة نفوذ الصين واستثماراتها. 

وفي هذا السياق، انتقد رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا الولايات المتحدة؛ لضغطها على دول أخرى لوقف الشراكة مع شركة الاتصالات الصينية “هواوي” في استثمارات شبكات الجيل الخامس. وقال رامافوسا في مؤتمر صناعي عام 2019: “إنهم يشعرون بالغيرة من أن شركة صينية تدعى هواوي قد تفوقت عليهم. ولأنهم قد تم تجاوزهم، يجب عليهم الآن معاقبة تلك الشركة الواحدة واستخدامها كبيدق في المعركة التي يخوضونها مع الصين”. 

تداعيات الحرب الأوكرانية على أفريقيا: يأتي توقيت انعقاد القمة في أصعب اللحظات التي يمر بها الاقتصاد العالمي وتباطؤ النمو بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتعطل سلاسل الإمداد والتوريد حول العالم. فقد أدان الاتحاد الأفريقي “الغزو الروسي”، لكن العديد من الدول في القارة حاولت أن تظل “محايدة”، لأن لديها علاقات طويلة الأمد مع روسيا والولايات المتحدة، وتعتمد على المساعدة من كليهما. وقد ظهر ذلك في الأمم المتحدة، إذ قرر العديد من الدول الأفريقية الامتناع عن التصويت لصالح المبادرات التي تدعمها الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، رغم الضغط الذي تمارسه إدارة بايدن؛ إذ يعارض القادة الأفارقة فكرة معاقبة روسيا، أو الإصرار على أن كييف يجب أن توافق على أي حل. خاصة أن بعض البلدان الأفريقية تستورد ما يصل إلى 80% من القمح من روسيا وأوكرانيا.

ومع ذلك، فإن إدارة بايدن لديها فرصة لاستمالة الدعم من الدول الأفريقية، التي تضررت من عواقب الحرب في أوكرانيا، وخصوصًا نقص القمح، واضطراب الأمن الغذائي، وارتفاع أسعار الأسمدة والوقود. ومساهمة الحرب في تغذية السوق السوداء في أفريقيا بالأسلحة؛ فتداعيات الحرب خلقت تقلبات وثغرات أمنية في أفريقيا، تتسرب عبرها الأسلحة في إمدادات تزود التنظيمات الإرهابية باحتياجاتها خصوصًا في منطقة الساحل التي تمتلك منافذ على أوروبا وتمنحها عبورا آمنا للعتاد والذخيرة. 

احتواء نفوذ القوى الأخرى: تسعى إدارة بايدن إلى التأكيد على “مبدأ الشراكة” في تفاعلها مع الدول الأفريقية، ما يسلط الضوء على ما يمكن أن تقدمه واشنطن وسط المنافسة العالمية العميقة على النفوذ مع القوى العالمية الأخرى، وعلى رأسها الصين وروسيا، لاسيما في الأعمال التجارية؛ وذلك لضمان الاستقرار وتعزيز مصالحها الخاصة فيما يتعلق بتغير المناخ والطاقة. وتحرص إدارة بايدن على الإشارة إلى أنها لا تطلب من القادة الأفارقة الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، لكن في نفس الوقت فإنها تشير إلى المزايا التي تقدمها واشنطن.

وبالتالي، تأتي القمة في سياق التنافس الدولي من جانب القوى الكبرى على بناء وتقوية الشراكات الاقتصادية والسياسية والأمنية مع القارة الأفريقية، وهو ما انعكس على الدور الصيني في أفريقيا، والذي يؤثر على المصالح الأمريكية؛ فالصين تعقد منتدى “التعاون الصيني الأفريقي” كل ثلاث سنوات منذ عام 2000، ويُنظر إليه على أنه وسيلة مهمة لتعزيز المصالح الدبلوماسية والتجارية الصينية، في حين أن القمة الأمريكية- الأفريقية تعد الثانية، بعد قمة أولى عقدت عام 2014.

وفي العقود الأخيرة، كثفت الصين استثماراتها بشكل كبير في أفريقيا، بما في ذلك من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة وزيادة المشاركة السياسية، رغم تحذيرات واشنطن من أن بعض هذه المشاريع ترقى إلى “دبلوماسية فخ الديون”. ووسعت الصين على مدى السنوات الماضية بصمتها الاقتصادية والدبلوماسية في أفريقيا، وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري ثنائي الاتجاه لأفريقيا، حيث بلغت قيمة تلك الشراكة العام الماضي 254 مليار دولار. في حين أقامت روسيا، شراكات عسكرية جديدة مع العديد من الدول الأفريقية لإضعاف نفوذ القوى الغربية هناك. 

البعد الاستراتيجي لأفريقيا في الأمن القومي الأمريكي: ترى استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الصادرة في أكتوبر 2022 أن الحكومات والمؤسسات والشعوب في أفريقيا تعد قوة جيوسياسية رئيسة، وهي قوة ستلعب دورًا حاسمًا في مواجهة التحديات العالمية في العقد القادم؛ فقد أصبحت أفريقيا أكثر ديناميكية وتعليمًا وتواصلًا من أي وقت مضى. وتشكل الدول الأفريقية أحد أكبر مجموعات التصويت الإقليمية في الأمم المتحدة، ويقود بعض مواطنيها المؤسسات الدولية الكبرى، ويجب أن تتكيف العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا لتعكس الدور الجيوسياسي المهم الذي تلعبه الدول الأفريقية على مستوى العالم.

وتعزيز المصالح القومية الأمريكية، ليس فقط مع الدول الأفريقية، ولكن أيضًا مع الهيئات الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي، والحكومات المحلية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص ومجتمعات الشتات. والاستثمار في أكبر دول المنطقة، مثل نيجيريا وكينيا وجنوب أفريقيا، مع تعميق العلاقات مع الدول المتوسطة والصغيرة. بالإضافة إلى دعم الجهود التي تقودها أفريقيا للعمل على إيجاد حلول سياسية للنزاعات المكلفة، وزيادة النشاط الإرهابي، والأزمات الإنسانية، مثل تلك الموجودة في الكاميرون، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وموزمبيق، ونيجيريا، والصومال، ومنطقة الساحل. 

وفيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، أكدت الاستراتيجية أنها ستقوم بإعاقة وتقليل التهديدات الإرهابية ضد الولايات المتحدة، والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب؛ عن طريق مكافحة الفساد، وتعزيز المساءلة والعدالة، والاستثمار في التنمية الاقتصادية الشاملة، وتعزيز حقوق الإنسان، وكذلك التصدي للآثار المزعزعة للاستقرار المتمثلة في مجموعة فاجنر المدعومة من روسيا. ولم تركز الولايات المتحدة في وجودها العسكري في أفريقيا على محاربة الإرهاب فقط، بل كانت تقوم من خلال الجيش بأنشطة أخرى لتحقيق وتعزيز المصالح الأمريكية في فترة الكوارث الطبيعية والأوبئة.

العلاقات المصرية الأمريكية

خلال المائة عام الماضية، ارتبطت مصر والولايات المتحدة بعلاقات وثيقة وثابتة لم تتأثر بتغير الإدارات الأمريكية المتعاقبة، تقوم على الشراكة القوية من أجل تحقيق الأهداف المشترك؛ للولايات المتحدة دورها الريادي في جميع القضايا العالمية والإقليمية، في حين أن مصر لها دورها المحوري في الشرق الأوسط وأفريقيا. وبوصفها دولة مستقرة في منطقة محاصرة بالتوترات والصراعات، فإن لدى الولايات المتحدة ومصر قائمة طويلة من المصالح المشتركة تشمل:

تعزيز الاستقرار الإقليمي: شهد اللقاء الذي جمع الرئيس السيسي وبايدن خلال مؤتمر المناخ تبادل الرؤى ووجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية، خاصةً الأزمة الروسية الأوكرانية وامتداد تداعياتها السلبية على مستوى العالم، خاصةً في قطاعي الغذاء والطاقة، فضلًا عن التباحث بشأن تطورات الأوضاع في كلٍ من ليبيا واليمن وسوريا، حيث أكد الرئيس السيسي على أن الوصول بالتسويات السياسية لتلك الأزمات يرتكز بالأساس على ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية وإنهاء وجود المرتزقة والميليشيات الأجنبية من المنطقة.

وترى الولايات المتحدة أن مصر تتبع سياسة خارجية نشطة جعلت منها عنصرًا فاعلًا على الأصعدة العربية والمتوسطية والأفريقية لا يُمكن تجاهله، بداية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ودور مصر في التوسط في وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في مايو 2021، والجهود المصرية التي أفضت إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وإعادة الهدوء إلى قطاع غزة في أغسطس 2022، بالإضافة إلى الوصول إلى حل سياسي للوضع في ليبيا، وكذلك في السودان ولبنان.

سد النهضة الإثيوبي: جدد الرئيس بايدن دعم بلاده لأمن مصر المائي وحقوقها في نهر النيل خلال لقائه الرئيس السيسي على هامش قمة المناخ COP27 بشرم الشيخ، وتمثل القمة الأفريقية الأمريكية فرصة كونها قمة دولية تجمع الدول التي لديها تشابكات في أزمة السد. جدد الرئيس السيسي خلال القمة العربية الصينية بالرياض مطالبه بإيجاد حل لتلك الأزمة، مشددًا على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بين جميع الأطراف من أجل مياه نهر النيل. وأكد الرئيس السيسي خلال لقائه بايدن في قمة المناخ COP27 تمسك مصر بالحفاظ على أمنها المائي للأجيال الحالية والقادمة من خلال التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد يضمن الأمن المائي لمصر، وذلك وفقًا لمبادئ القانون الدولي لتحقيق المصالح المشتركة لجميع الأطراف، ومن ثم أهمية الدور الأمريكي للاضطلاع بدور مؤثر لحلحلة تلك الأزمة.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تتعامل مع عدد من القضايا المختلفة في القارة الأفريقية، إلا أن استعصاء هذا الصراع وما قد يجلبه من تداعيات خطيرة محتملة يُحتم على الإدارة الأمريكية أن تفعل كل ما في وسعها لدعم التوصل الى حل دبلوماسي. ومن ثم، فإن حدوث تصعيد إضافي الى جانب التوترات القائمة في القرن الأفريقي من شأنه أن يهدد المصالح الأمريكية ويقوض الملاحة الدولية في أحد أهم الممرات الملاحية الدولية في البحر الأحمر وقناة السويس، ويهدد الإمدادات النفطية للاقتصاد العالمي، ويخلق بؤرة جديدة لنمو الإرهاب. وستؤهل الوساطة الأمريكية في مفاوضات سد النهضة واشنطن للعب دور أكبر في منطقة القرن الأفريقي برمتها، وستعمل على تعزيز دورها لحفظ الأمن والاستقرار في تلك المنطقة الحيوية للمصالح الأمريكية، فضلًا عن أنه سيتيح لها على المدى البعيد تقويض التحركات الروسية والصينية التي تهدف إلى تهديد المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة.

التعاون العسكري: تعد الولايات المتحدة القوة العسكرية الأولى في العالم، وتعد مصر كذلك القوة العسكرية العربية الرئيسة والأولى بالمنطقة، بما يعني أن التعاون العسكري المصري الأمريكي أمر ضروري للحفاظ على التوازنات الإقليمية، وهو شرط ضروري للاستقرار في المنطقة. وقد ساعد في ذلك أيضًا انضمام مصر في أبريل 2021، إلى القوات البحرية المشتركة التابعة للقيادة البحرية الأمريكية، وهي شراكة بحرية تضم 34 دولة لمكافحة الإرهاب ومنع القرصنة وتشجيع التعاون الإقليمي. وإجراء مناورات النجم الساطع بين الجيشين الأمريكي والمصري، التي جرت خلال الفترة 2-16 سبتمبر 2021 بقاعدة “محمد نجيب” في منطقة الساحل الشمالي، وشارك فيها 600 ضابط وجندي أمريكي، وأعقبها انعقاد الدورة رقم 32 للجنة التعاون العسكري بين البلدين، التي درست سبل تعميق الشراكة الاستراتيجية في المجال العسكري، وناقشت قضايا تأمين الحدود، والملاحة البحرية، ومكافحة الإرهاب، وخطط تحديث الجيش المصري.

ونفذت القوات البحرية المصرية والأمريكية تدريبًا بحريًا عابرًا بنطاق الأسطول الجنوبى بالبحر الأحمر خلال شهر يناير 2022، في إطار خطة الجيش المصري للارتقاء بمستوى التدريب وتبادل الخبرات. وجاء التدريب البحري المصري الأمريكي المشترك؛ بإشتراك الفرقاطة المصرية “الإسكندرية”، والمدمرتين( USS JANSON DUNHAM ) ،( USS COLE ) الأمريكيتين.

وتأتي المساعدات العسكرية الأمريكية في إطار أوسع للتعاون ولا يجوز اعتبارها هبة، وإنما هي جزء من صفقة متكاملة تخدم مصالح الطرفين، وحدث تآكل كبير للقدرة الشرائية لهذه المساعدات الثابتة قيمتها عند مبلغ 1,3 مليار دولار منذ الثمانينيات، والتي تُوجَّه لشراء الأسلحة والذخائر وصيانتها وتحديثها، والتدريب وتنمية مهارات أفراد القوات المسلحة. ففي عام 1978، شكلت المساعدات الأمريكية ما يقرب من 6.4٪ من “الناتج المحلي الإجمالي” لمصر، لكنها اليوم أقل من نصف في المائة.

وعلى الرغم من عمق العلاقات مع الجيش الأمريكي، تحركت مصر لتنويع مصادر أسلحتها منذ أن جمد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في 2013 تسليم مساعدات عسكرية لمصر بعد الإطاحة برئيسها الراحل محمد مرسي. وارتفعت واردات مصر من الأسلحة من روسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وفقًا لبيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

مكافحة الإرهاب: يحتل هذا الملف أهمية خاصة في العلاقات الثنائية، لأولويته المتقدمة لدى البلدين، ولوجود توافق عام بينهما حول سبل مواجهة هذه الظاهرة. وخلال لقائه الرئيس بايدن في قمة المناخ أكد الرئيس السيسي على إرادة الدولة الثابتة حكومةً وشعبًا على مواصلة جهودها الحثيثة لمواجهة تلك الآفة، وتقويض خطرها أمنيًا وفكريًا. وأشاد الرئيس الأمريكي بنجاح الجهود المصرية الحاسمة في هذا الإطار وما تتحمله من أعباء في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، معربًا عن دعم الإدارة الأمريكية لتلك الجهود، ومؤكدًا أن مصر تعد شريكًا مركزيًا في التصدي لتحدي الإرهاب العابر للحدود.

وتنظر الولايات المتحدة إلى استقرار مصر على أنه مفتاح الاستقرار الإقليمي، وتحتفظ بشراكة أمنية لتعزيز القوات المسلحة المصرية وقدرتها على مكافحة الإرهاب. ولضمان هذه الغاية، زوّدت واشنطن القاهرة بالتدريب اللازم ومروحيات هجومية لمساعدتها في حملتها المستمرة منذ سنوات ضد الإرهاب في شمال سيناء، فضلًا عن التدريبات المشتركة التي تجرى بشكل مستمر.

ويسعنا أن نذكر في هذا الإطار أن مصر ساعدت الحكومات الأمريكية المتعاقبة على اختراق الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش”، من خلال الاعتماد على عملاء مخابرات مدربين تدريبًا جيدًا، وانتشار عناصر مصرية في الكثير من الجماعات المتطرفة الناشطة في الشرق الأوسط. وقد أجرى مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، زيارة للقاهرة في مايو الماضي، لتعزيز العلاقات لمكافحة الإرهاب بين مصر وأمريكا في أعقاب هجوم إرهابي بسيناء.

وتقدر الولايات المتحدة دور مصر في مكافحة الإرهاب وهو ما أكد عليه وفد الكونجرس الأمريكي الذي زار مصر خلال شهر أبريل الماضي، وأشار إلى الدور المصري الناجح والفاعل في تحقيق الاستقرار والأمن في مصر بعد النجاح في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف وإرساء المفاهيم والقيم لحرية الاعتقاد، بالإضافة إلى الجهود الكبيرة التي تتم داخل مصر لتحقيق التنمية الشاملة.

الأمن الاستراتيجي: تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل من عام 1979، والتي تبقى حجر الزاوية للاستقرار في المنطقة. وكذا تشكل قناة السويس محورًا رئيسًا في المصالح الأمريكية لدى مصر؛ إذ تحتاج دائمًا واشنطن ضمان بقاء قناة السويس مفتوحة، سواء مجالها الجوي أمام الطائرات الأمريكية، أو كمجرى مائي للسفن العملاقة، وهو ما يحتاج ضمان أمن القناة، والبقاء على علاقات قوية مع القاهرة. وتتمتع السفن الحربية الأمريكية بتعامل تفضيلي في أوقات الطوارئ بقناة السويس، ويُسمح لها بتجاوز السفن المنتظرة على مدخل القناة، ودون المساعدة المصرية ستطول فترة العمليات الأمريكية في المنطقة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى