مقالات رأي

«نبتة».. درة التاج

قبل نحو أسبوعين وتحديدا فى الثالث عشر من سبتمبر الجارى كتبت فى هذا المكان مقالا بعنوان «المتحدة تواصل بناء حائط الصد» بمناسبة قرار الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بإطلاق خدمتها الإخبارية لمواجهة الشائعات، وقدرت أن ذلك القرار إنما يأتى فى إطار إستراتيجية المتحدة للتعامل مع معركة الوعى والحرب الإعلامية انطلاقا من إيمانها بأن تلك المعركة هى الأهم بل الأخطر التى يواجهها الشعب المصرى منذ ثورة 30 يونيو فى مواجهة ما أطلق عليهم الرئيس السيسى “محور الشر” بأذرعه المختلفة، كما أنها المعركة التى تدرك «المتحدة» كما الدولة أن رحاها لن تتوقف يوما. وكان أن بدأت المتحدة بالدراما التى كادت تفقد عرشها بل وكبرياءها على الساحة العربية، فنجحت المتحدة فى إعطاء قبلة الحياة للدراما المصرية ذات التاريخ العريق، ونجحت كذلك فى استعادة مجد تلك الدراما فى المواجهة الفكرية لطيور الظلام الذين يستهدفون عقول وقلوب المصريين. ثم خطت المتحدة لنفسها ولمصر مكانا يليق بها فى مجال اكتشاف المواهب والنجوم فى المجالات المختلفة وهو المجال الذى كادت تحتكره كيانات غير مصرية، وقدمت المتحدة تجارب ناجحة للغاية فى ذلك المجال منها برنامج “الدوم” لاكتشاف مواهب التمثيل والغناء وتعمل حاليا لإخراج برنامج «كابيتانو مصر» للنور لاكتشاف المواهب فى مجال كرة القدم. كما تستعد المتحدة لإطلاق قناة إخبارية تليق باسم مصر.

أما درة تاج تلك الإستراتجية التى تسهر عليها المتحدة فيتمثل فى تقديرى فيما أعلنت عنه قبل ثلاثة أيام والمتعلق بمجال الطفل. وكما قالت الشركة فى بيانها فإنها تستعد لإطلاق أكبر مشروع محتوى أطفال فى الإعلام العربى من خلال خريطة برامجية ودراما وأعمال كارتونية موجهة للأطفال بمختلف مراحلهم العمرية، من خلال إطلاق أكبر شركة إنتاج متخصصة فى محتوى الطفل بكافة مستوياته وهى «نبتة» التى ستبدأ بـ ٧ أعمال كبرى سواء برامجية أو كارتونية أو عرائس ومسابقات. على أن تبدأ الخريطة البرامجية الجديدة فى الأسبوع الأول من شهر أكتوبر المقبل بتخصيص فترات مفتوحة للأطفال فى قنوات المتحدة المختلفة تتضمن «كارتون» وبرامج أطفال منها برنامج «رحلة سعيدة»، بالإضافة إلى عرائس يحيى وكنوز وبرنامج «أطفال الحياة»، كما سيتم إطلاق ٢٦ أغنية ترفيهية وتعليمية جديدة للأطفال تحث على احترام الكبير وقيمة العائلة والانتماء للوطن، وكذلك تخصيص فقرات فى البرامج الدينية للأطفال وذلك لتعاليم الدين الصحيح وقيم التسامح والمحبة وتعليم الأطفال، وتخصيص فقرات فى برامج التوك شو يومى الإجازة الجمعة والسبت.

الاهتمام بالطفل هو درة تاج إستراتيجية المتحدة ليس فقط للاعتبارات المتعلقة بمواجهة حرب تزييف الوعى والتلاعب بقيم وتقاليد وأعراف المصريين، ولكن لأنه أولا تصد للمشكلة من جذورها فى وقت تتأهب فيه مصر لدخول الجمهورية الجديدة التى تختط لنفسها منهج بناء الإنسان، والبناء الحقيقى يبدأ من مرحلة الطفولة. قديما قالوا إن التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر يدوم ولا يكون فريسة سهلة للمحو أو التشويه. وثانيا لأنه يأتى فى توقيت هو الأخطر على الإطلاق، حيث المخاطر الجمة التى تحملها وسائل التواصل الاجتماعى والمنصات التى تستهدف من بثها أعمالاً للأطفال فى التأثير على المنظومة الفكرية والقيمية بل والدينية لأطفالنا، وفرض منظومة القيم الغربية وتسييدها على المجتمعات العربية وفى القلب منها المجتمع المصري. وثالثا لأنه يأتى فى وقت تصور فيه البعض أنه لا مجال فى ظل الضغوط والتحديات الحالية للحديث عن مثل هكذا إستراتيجية والإصرار على المضى قدما فيها. وهو ما يؤكد مجددا على أن يد البناء والتنمية مستمرة فى عملها أيا كانت التحديات والضغوط، وأن الدولة ماضية فى مشروعها لبناء الإنسان والولوج إلى الجمهورية الجديدة بأقدام ثابتة. ورابعا، لأن إطلاق استكمال تلك الإستراتيجية الإعلامية المتكاملة بمراحلها المختلفة إنما يؤكد كسب الرهان على الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وما يمكن أن تقدمه لضبط بوصلة الإعلام المصرى وتفعيل دوره فى خدمة المشروع الوطنى الذى بدأ بثورة 30 يونيو. لقد تم تغييب برامج الأطفال بشكل بات مثار تساؤل قطاعات عديدة، بل وبات يطرح العديد من علامات الاستفهام حول الأسباب التى أدت لتقاعس الدولة عن النهوض بدور هو فى الحقيقة فرض عين ويهدد الدولة فى مقتل بعدما كانت رائدة فى هذا المجال. وكما يقول رافى كافوكيان مؤسس مركز كندا لتكريم الطفولة فإنه «حين يولى المرء الاهتمام ببداية القصة فإن بمقدوره تغيير مجراها بأكمله». وبكل تأكيد فإن القصة التى نشاهدها الآن فيما يتصل بالشباب وما يعانيه من مشكلات تتعلق بوعيه وقيمه هى فى الحقيقة انعكاس لبدايات تكوين هؤلاء الشباب الذين تركوا نهبا لأعمال خارجية لا علاقة لها بالمنظومة المصرية. فقد تربى هؤلاء الشباب وهم أطفال على برامج تليفزيونية حملت لهم من القيم ما يعبر عن نفسه فيما نراه اليوم. ولعلنا جميعا نتذكر أنه بعد وفاة رحمى صاحب «بوجى وطمطم»، والدكتورة منى أبو النصر صاحبة «بكار» وافتقادنا إلى إعلاميين بحجم نجوى إبراهيم وقدرتها على النفاذ إلى الأطفال عبر «بقلظ» لم يعد هناك اهتمام أو برامج أطفال يمكن الإشارة إليها، حيث انصرف الجميع عن تلك البرامج بحجة أنها برامج غير ربحية وهكذا استسلمت الدولة لتلك الموجة من الضغط الإعلانى واعتبارات الربحية الآنية. حسابات الربح والخسارة فى ملف الأطفال أكبر بكثير من مجرد مردود مالى يدخل حسابات بعض المنتجين فى لحظة معنية. إنه استثمار مضمون فى المستقبل. وهذا ما تفعله المتحدة الآن بذلك المشروع الطموح والمصيرى فى الوقت نفسه، والذى يتطلب بكل تأكيد المثابرة أو النفس الطويل باعتباره استثمارا فى المستقبل، والمجتمع بكل قواه الحية مدعو الآن للمشاركة فى دعم ورعاية تلك «النبتة»، درة تاج إستراتيجية المواجهة الحقيقية والصعبة التى لم تعد ترفا.

نقلا عن جريد الاهرام بتاريخ 26 سبتمبر 2022

+ posts

رئيس وحدة دراسات الرأي العام

د.صبحي عسيلة

رئيس وحدة دراسات الرأي العام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى