مقالات رأي

نصف «دستة طلقات» من بني سويف

ليست المرة الأولى التي يزور فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي محافظة بني سويف، فتوجه الرئيس الثابت للاهتمام بصعيد مصر حمله لزيارة بني سويف والعديد من محافظات الصعيد أكثر من مرة. وفي كل مرة لم تكن الزيارات احتفالية والتقاط الصور، بل كانت زيارات لافتتاح العديد من المشروعات التي غابت كثيرًا عن الصعيد. 

ومع أنها ليست الزيارة الأولى، فإن زيارة بني سويف الأخيرة تكتسب أهمية مضاعفة وكاشفة لكثير من الأمور، التي ربما تحول محاولات أهل الشر لنشر أكبر قدر ممكن من العتمة لحجب الرؤية من رؤية تلك الأمور على حقيقتها. أهمية الزيارة تنبع جغرافيا من المكان حيث صعيد مصر الذي لم يشهد زيارات رئاسية بهذا المعدل من أي رئيس سابق. وتنبع سياسيا من أنها تأتي في وقت يتوهم البعض أن المشروع التنموي للدولة الذي يقوده الرئيس منذ تسع سنوات يتعثر وآن له أن يتوقف أو على الأقل يتقزم فلا يبرح حدود القاهرة. فإذا بالزيارة تطلق رصاصة الرحمة على مثل تلك الأوهام؛ فالرسالة واضحة والمشروع مستمر، وكلمات الرئيس أوضح وأعلى من ألا يسمعها القاصي والداني. إذ قال الرئيس «ما حدش أبدا رغم الظروف الصعبة اللى إحنا فيها هيوقفنا أبدا عن الطريق اللي إحنا ماشيين فيه.. ونغير حياة أهالينا». وهنا كانت الطلقة الأولى التي أصابت قلوب محور أهل الشر، فباتوا ليلتهم حيارى يتساءلون ماذا يمكننا أن نضيفه من أكاذيب وافتراءات وتشكيك حتى نوقف السيسي عما هو ماض فيه؟

الطلقة الثانية: هي ما كشفت عنه الزيارة من تأييد شعبي للرئيس وعدم تأثر ذلك التأييد بتداعيات الأزمة الاقتصادية كما يتوهم البعض. وبعيدًا عن مماحكات محور أهل الشر وادعائهم أن الزيارة كانت مرتبة وأن ما حدث من حفاوة الاستقبال هي حفاوة سابقة التجهيز، فالمؤكد أن مجرد قرار الزيارة إلى بني سويف والوجود بين الجماهير في مثل تلك الظروف هو قرار قائم على إدراك يقيني بأن الزيارة مرحب بها وأن الزائر محل ترحيب دائم. كل مشاهد الزيارة تؤكد ذلك، والأهم أن الحالة الهستيرية التي بدا عليها محور أهل الشر وأبواقه الإعلامية على مختلف وسائل الإعلام التقليدي منها والحديث تؤكد أن ما حدث في بني سويف هو الحقيقة التي حاولوا إنكارها أو على الأقل حاولوا تشويهها عبر آلاف الساعات من البث المرئي وملايين “التغريدات” و”البوستات” والمقالات سواء فرادى أو لجانا إلكترونية لم تتوقف يوما عن الإنكار والتشكيك والتشويه، فإذا بالجمهور الحقيقي في بني سويف وليس جمهور الفيس بوك أو تويتر/اكس يقول ويفعل شيئا مختلفا لا يمت بصلة للحالة التي عليها جمهورية الفيس بوك وتويتر. إنه الواقع في مواجهة الافتراضي.

الطلقة الثالثة: قطع الطريق على محور الشر ومن لف لفهم لاستغلال فاجعة موت بعض المصريين من بني سويف في ليبيا نتيجة إعصار «دانيال». لقد حاولوا استغلال المشهد لتحميل الدولة المسؤولية وكأنها مسؤولة عن الإعصار! تمامًا كما يصرون ليل نهار على أن الأزمة التي تمر بها مصر حاليا ليست امتدادًا للأزمة العالمية جراء الحرب الروسية الأوكرانية. توجه الرئيس السيسي ليقدم واجب العزاء لأهالي الضحايا في بني سويف هو تأكيد على وحدة المصريين وانطلاقًا من التقاليد المصرية العريقة في مثل تلك المصائب.

الطلقة الرابعة: وبعيدًا أيضًا عن مماحكات أهل الشر فيما يتعلق بقيمة العلاوات والزيادات التي قررها الرئيس والتي تتراوح تكلفتها ما بين ٦٠إلى 100 مليار جنيه، فالأهم هو مغزى القرار ذاته بعيدا عن قيمته المادية رغم أنها ليست بسيطة أو هينة كما يدعون. مغزى القرار أولًا أن الدولة حاضرة كما كانت في كل الأزمات وتتفاعل مع هموم المواطنين وتحاول التخفيف من ضغوط الأزمة التي يتعرضون لها. فقد عبر الرئيس عن إدراكه التام حجم المعاناة التي تواجهها الأسرة المصرية، في مواجهة الأعباء المعيشية، الناجمة عن الآثار الاقتصادية السلبية، للأزمة العالمية المركبة التي خلفتها جائحة «كورونا»، وضاعفتها الحرب «الروسية – الأوكرانية»، مؤكدًا أن الدولة لم تدخر جهدً، لاحتواء هذه الآثار السلبية، بما تملك من قدرات وإمكانيات.. و”لولا استعداداتنا المسبقة، بإجراءات اقتصادية فاعلة، لكانت آثار هذه الأزمة مضاعفة ومؤثرة”.

ومغزى القرار ثانيًا هو أن الفئات الأكثر احتياجًا كانت وما زالت في بؤرة الاهتمام وأنها لم ولن تفقد ذلك الاهتمام، وكما قال الرئيس فإن المشروع القومي لتنمية الريف المصري «حياة كريمة»، خير دلالة، على أن المواطن البسيط من الفئات الأكثر احتياجا، هو المستفيد الأول، من عوائد التنمية والإصلاح الاقتصادي. بينما كان أقصى ما يمكن أن يصل إليه خيال أكثر المتفائلين والمؤيدين للرئيس السيسي عندما سمعوا منه في 26 فبراير 2016 عبارة «بيعايرونا بفقرنا.. بس أنا مش هاسكت»، هو أن يتم تقديم المساعدات للفقراء والمهمشين أو حتى أن تطال يد الدولة المناطق الخطرة التي يسكنها بعض هؤلاء وتشكل خطرا على حياتهم. لم يتصور أحد أن تكون تلك العبارة ضربة البداية لمشروع قومي كبير (حياة كريمة) يليق بمصر يستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التي كانت شعارًا رفعه المصريون في ميدان التحرير وظلت أصداؤه تتردد خاصة مع خيبة الأمل التي عانها المصريون مع عام الإخوان.

الطلقة الخامسة: أن مصر الدولة تمر بأزمة شأنها شأن العديد من دول العالم ولكنها أبدا ليست كارثة كما يدعي أو يتمنى محور أهل الشر. فرغم الأزمة فإن الدولة كعادتها راغبة وقادرة على تحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين، فالدولة المأزومة لا تتخذ في ظل تلك الظروف مثل هكذا حزمة من إجراءات الدعم والمساندة. وكما قال الرئيس في مناسبات سابقة «ماحدش يقدر يخدع الناس بالكلام، نحن نسير في مسار تنمية وإصلاح، وهنفضل كده على طول، وكمان الناس متفهمة كده، وإن الإصلاح الاقتصادي لم يكن سهلا». وأن «الدولة والشعب حاجة واحدة، إحنا بنجري وأنا رهاني على الناس، والحمد لله رب العالمين، خلال السنوات الماضية كان الرهان كسبان».

الطلقة السادسة: تدعيم العلاقة الراسخة بين الرئيس والمواطنين القائمة على أن المواطن المصري كما قال الرئيس “هو بطل روايتنا الوطنية وتظل جودة حياته وتلبية متطلباته، والحفاظ على مكتسباته وصيانة مقدراته.. هي هدفنا الأسمى ويظل المصريون.. كل المصريين في وجداني وضميري”. فكانت الزيارة ترسيخ البعد الإنساني في صورة الرئيس بمنتهى التلقائية المرتكزة على قدرة فريدة وسلاسة في بناء الجسور مع الجماهير والوصول إليها مباشرة، وهي الصورة التي لا يكره أهل الشر صورة أخرى للرئيس أكثر منها، بل إنهم يعملون ليل نهار لتجريد الرئيس منها، فإذا بها ماثلة أمامهم كشمس نهار أغسطس. فالمشاهد الإنسانية في الزيارة لا تقل أهمية عن وقع القرارات الاقتصادية. وتلك المشاهد الإنسانية في بني سويف ليست فريدة هي الأخرى من نوعها. فكل الفعاليات مع المواطنين شهدت مثل هكذا مشاهد، بما يؤكد أنها تلقائية ومعبرة عن علاقة خاصة بين الرئيس المواطن والإنسان وكافة المواطنين المصريين. 

يكفي التوقف عند مشهد تلبية الرئيس دعوة مواطن لزيارته في منزله، واستدعاء الرئيس للطفلة التي كانت تبكي وسط مستقبليه وكيف تعامل معها في موقف لا يقل أبوية وإنسانية عن معاملته لأبناء الشهداء، فالإنسانية لدى الرئيس لا تتجزأ ولا تعرف التمايزات التي يعزف على وترها أهل الشر. فكما يشق الرئيس طرقا جاعلا منها محاور لربط أجزاء الوطن ورافعة لا غنى عنها في مشروعه التنموي، فإنه يشق طريقا لا يقل أهمية لتدعيم أواصر الإنسانية في المجتمع، بينما يغرد اهل الشر في وادي الكراهية ومعاداة المصريين. 

الطلقات الست لن تكون الأخيرة، فغدا تأتيهم طلقات جديدة من كل محافظات مصر لتجرف كل ما بناه أهل الشر كما جرف الإعصار «دانيال» كل ما اعترض طريقه؛ حجرًا كان أم بشرًا!

نقلًا عن جريدة الأهرام

كاتب

د.صبحي عسيلة

رئيس وحدة دراسات الرأي العام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى