
لقاء العلمين: هل تسرع المباحثات مشروعات الربط الكهربائي العربي؟
تضع الدول العربية آمالًا عريضة على مشروعات الربط الكهربائي؛ وذلك بهدف الحفاظ على أمن الطاقة وتأمين معدلات التغذية الكهربائية للمنطقة. وخلال الفترة الماضية، برزت جهود كبيرة لتنفيذ مشروعات عديدة، أهمها: الربط الكهربائي المصري السعودي، والربط الكهربائي المصري الثلاثي (مصر-الأردن-العراق) والربط الكهربائي الثماني، وغيرها من مشروعات الربط الكهربائي.
وتأتي هذه الجهود ضمن الخطة الكبيرة التي تهدف إلى إنشاء سوق عربية مشتركة للطاقة الكهربائية تضم خبرات جميع الدول العربية وتؤمن جميع الاحتياجات للمنطقة العربية. ولذلك ظل الملف الاقتصادي حاضرًا وبقوة في جميع القمم العربية خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى ملف استكمال مشروعات الربط الكهربائي والتي أصبحت ضرورة في الوقت الراهن بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على إمدادات الطاقة وحدوث الكثير من الأزمات التي تسببت في الارتباك والمشهد العالمي في أسواق الطاقة العالمية.
وهو ما انعكس علي أسعار المنتجات والمشتقات البترولية، حيث ارتفع سعر برميل النفط إلى حوالي أكثر من ١٣٠ دولارًا مسجلًا ارتفاعًا بنسبة تجاوزت ٢٠٪ وذلك قبل أن يستقر حول ١٠٠ دولار، وارتفع سعر الغاز الطبيعي بنسبة تخطت ٥٠٪، بالإضافة إلى أزمة الطاقة الكهربائية والتي تئن تحت وطأتها اليوم العديد من الدول العربية، فالعراق الذي احتل في نهاية عام ٢٠١٩ المرتبة الخامسة عربيًا باحتياطياته من الغاز الطبيعي، يضطر حاليًا إلى استيراد كميات ضخمة من الغاز والكهرباء، وسوريا والتي كانت تؤمن جزءًا مهمًا من احتياجاتها الداخلية من الطاقة الكهربائية، تلجأ منذ عدة سنوات إلى تطبيق نظام تقنين قاسٍ بسبب نقص إمدادات الغاز لمحطات التوليد.
وسط هذه الأزمات هل يؤدي لقاء العلمين التشاوري إلى تسريع مشاريع الربط الكهربائي وبالأخص في ظل احتياج الجانب الأردني والعراقي للكهرباء؟
الفائدة الرئيسة من ضرورة تسريع مشروعات الربط الكهربائي العربي
تتمثل الفائدة الرئيسة لربط مجموعة من الشبكات الكهربائية في خفض القدرة الاحتياطية المركبة في كل شبكة، وبالتالي تخفيض الاستثمارات الرأسمالية اللازمة لتلبية الطلب على القدرة، دون المساس بدرجة الأمان والاعتمادية في الشبكات المرتبطة. ويؤدي الربط الكهربائي أيضًا إلى الاستفادة من إقامة محطات التوليد في المواقع الأكثر جدوى من الناحية الاقتصادية؛ وذلك نتيجة لتوفر الوقود الرخيص والفائض صعب التصدير أو صعب التخزين في إحدى الدول المرتبطة، وأيضًا إلى التقليل من تلوث البيئة.
وإدراكًا لهذه الفوائد، فقد قام عدد محدود من الدول العربية منذ أوائل الخمسينيات بربط شبكاتهم الكهربائية، ومن هنا وطبقًا للمميزات العامة للربط الكهربائي نستطيع أن نستلخص أهم الإيجابيات لمشروعات الربط الكهربائي العربي ومنها:
- توفير الطاقة الإنتاجية للكهرباء.
- الحد من مخاطر توقف الطاقة المنتجة من محطات الطاقة البديلة والمتجددة.
- خفض تكلفة إنتاج الطاقة مما سينعكس إيجابيًا على أسعار الطاقة الكهربائية بشكل عام للمستهلكين.
- يسهم في تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مما يعمل على المساهمة في التنمية الفعلية لمصادر الطاقة المتجددة.
- المبادلة نظرًا لتعدد مصدر الطاقة الكهربائية وإمكانية تبادل الطاقة الكهربائية الطارئة وديمومة طاقة الكهرباء الاحتياطية.
- ستؤدي إلى السماح بعمليات تصدير واستيراد فائض الطاقة طبقًا لوقت الذروة في كل دولة.
- يوفر منافع اقتصادية وجيوسياسية مهمة للدول المشاركة.
- ستسهم مشروعات الربط الكهربائي العربي في خفض القدرة المركبة الاحتياطية في كل شبكة.
- يسهم الربط الكهربائي العربي في تحفيز التعاون الإقليمي وإنشاء شبكة ربط قوية بالمنطقة بهدف تحسين أمن واعتمادية الإمداد بالطاقة، والمساعدة عند حدوث الأعطال والانقطاعات والحالات الطارئة على شبكات النقل ورفع درجة تأمين الإمدادات الكهربية.
- المشروع سيسهم في بناء محور مهم للطاقة في المنطقة العربية مما سيخلق شبكة متصلة جيدًا عربيًا، وسيؤدي إلى تعزيز تغلغل الطاقة النظيفة ضمن مزيج الطاقة المنطقة العربية.
- المساهمة في خفض حجم الاستثمارات الرأسمالية والتي تلزم لتلبية الطلب.
وطبقًا للإيجابيات السابقة من ضرورة تسريع مشروعات الربط الكهربائي العربي نلقي الضوء على مشروعات الربط المصري مع دول المنطقة:
مصر محورًا للربط الكهربائي العربي
تضع الدولة المصرية آمالًا عريضة على مشروعات الربط الكهربائي؛ وذلك بهدف تحقيق حلم التحول إلى مركز عالمي لتجارة وتداول الطاقة. وصاغت مصر توجهاتها وأهدافها من خلال استراتيجية التنمية المستدامة ٢٠٣٠، وبالأخص في قطاع الطاقة والتي كانت من ضمن أهدافها الرئيسة جعل البلاد مركزًا محوريًا للطاقة، حيث تتصدر أولويات قطاع الكهرباء المصري في الفترة الحالية، استكمال الإجراءات الخاصة بمشروعات الربط الكهربائي مع دول الجوار، ومنها المملكة العربية السعودية والأردن ومنها للعراق، وليبيا، وكذلك الربط أوروبيًا مع قبرص واليونان.

وبدأت الدولة المصرية خلال الفترة الماضية في تطوير وتوسعة شبكات نقل الكهرباء وتوزيعها، وذلك حتى تتمكن من استيعاب القدرات المنتجة من مشروعات الطاقة المتجددة، وكذلك تبادل الكهرباء مع دول الجوار، وسعت إلى تدعيم وتطوير الشبكة القومية الموحدة لدعم مشروعات الربط الإقليمي القائمة مع الأردن وليبيا والسودان، وكذلك مشروعات الربط المزمع تنفيذها مع المملكة العربية السعودية وقبرص واليونان وهيئة الربط الخليجي.
الربط الكهربائي المصري الأردني:
يتبادل مصر والأردن الطاقة الكهربائية منذ عام ١٩٩٩، وترتبط الشبكة الكهربائية المصرية بالشبكة الكهربائية الأردنية من خلال خط بحري جهد حوالي ٤٠٠ كيلو فولت، والذي يمتد عبر خليج العقبة بطول حوالي ١٣ كم، وباستطاعة حوالي ٥٥٠ ميجاوات، ضمن مجموعة الربط الكهربائي الثماني، والذي يضم مصر، الأردن، العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، ليبيا، بالإضافة إلى تركيا.
وفى نهاية عام ٢٠٢١، اتفقت مصر والأردن على رفع القدرة الكهربائية بينهما من حوالي ٥٠٠ ميجاوات حاليًا إلى حوالي أكثر من ١٠٠٠ ميجاوات بحلول عام ٢٠٢٤، مما يتيح إمكانية تبادل الطاقة بين مصر ولبنان وسوريا والعراق وذلك عن طريق الأردن، بالإضافة إلى فتح أسواق طاقة جديدة لاستيراد وتصدير الطاقة الكهربائية.
الربط المصري السعودي:
اتفقت القاهرة والرياض على تنفيذ مشروع للربط الكهربائي بين البلدين لتبادل قدرات كهربائية تبلغ حوالي ٣ آلاف ميجاوات، وبتمويل من صناديق ومصارف عربية، وتبلغ القدرات الكهربائية المنتجة في البلدين أكثر من حوالي ١٥٠ جيجاوات؛ إذ تصل القدرات الكهربائية المولدة في المملكة إلى حوالي٩٠ جيجاوات، بينما تصل القدرات الكهربائية المنتجة في مصر إلى حوالي ٦٠ جيجاوات، ويبلغ إجمالي أطوال شبكات النقل الكهربائي بين البلدين قرابة حوالي ١٤٠ ألف كيلومتر، فيصل إجمالي أطوال شبكات النقل الدائري في مصر إلى حوالي ٥١ ألف كيلومتر، بينما تبلغ أطوال شبكات النقل الدائري في المملكة حوالي ٨٩ ألف كيلومتر.

ويتضمن الخط ٣ محطات تحويل جهد عالٍ، وهي محطة شرق المدينة المنورة ومحطة تبوك بالمملكة، ومحطة بدر شرق القاهرة، حيث يُعد المشروع البداية لإنشاء خط الربط الكهربائي العربي المشترك، وسوف يعزز من قدرات الكهرباء في المنطقة العربية، ومن المقرر كذلك تشغيل المرحلة الأولى بحلول عام ٢٠٢٤ بقدرة تبلغ حوالي ١٥٠٠ ميجاوات.
الربط الكهربائي المصري الخليجي:
فى نوفمبر من عام ٢٠١٩، تم توقيع مذكرة تفاهم واتفاقية سرية المعلومات مع شبكة كهرباء الخليج بين الشركة المصرية لنقل الكهرباء والشركة الوطنية الأردنية وهيئة الربط الكهربائي بمجلس التعاون الخليجي، وتجرى حاليًا دراسة أنسب البدائل الفنية والاقتصادية لتنفيذ هذا الربط.
الربط الكهربائي المصري الليبي:
انتُهِي من إنشاء الخط الكهربائي بين مصر وليبيا، وتبلغ قدرته الحالية حوالي ١٥٠ ميجاوات بطول حوالي ٢٥٥ كيلومترًا، وتسعى مصر إلى زيادة سعة الخط الكهربائي الرابط مع ليبيا إلى حوالي ٢٠٠٠ ميجاوات (مرحلةً أولى)، وذلك بعد توسيع محطة محولات برج العرب ومرسى مطروح ودخول محطة محولات الضبعة؛ إذ إن تدعيم قدرة الخط المصري الليبي سيُمهد الطريق لمباحثات إضافية لتحقيق الربط مع دول الإقليم، بحيث تكون ليبيا بوابة الربط الكهربائي بين مصر ودول إفريقيا، بالإضافة إلى استكمال الربط بين دول شمال أفريقيا بالكامل، وهو المقترح الذي صُدق عليه خلال قمة الاتحاد الأفريقي في نوفمبر من عام ٢٠٢١.
الربط الكهربائي المصري السوداني

فى أبريل من عام ٢٠٢٠، بدأت مصر في تغذية السودان من خلال الشبكة الكهربائية المصرية ضمن المرحلة الأولى للتغذية بقدرة حوالي ٨٠ ميجاوات، وتم الانتهاء من تنفيذ شبكات الربط في مارس من عام ٢٠١٩ وبطول حوالي ١٠٠ كيلومتر على الجهد حوالي ٢٢٠ كيلو فولت حتى الحدود السودانية، ومن المقرر أن تُرفع القدرات لتصل إلى حوالي ٣٠٠ ميجاوات.
إيجابيات إنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء
يُعد هدف إنشاء سوق عربية مشتركة للكهرباء حلمًا سعت الدول العربية إلى تحقيقه خلال السنوات الماضية، حيث عُقدت العديد من المناقشات بهدف الوصول إلى قرار بشأن مشروعات الربط الكهربائي بين الدول العربية. وتطلّب قيام السوق العربية المشتركة للكهرباء إجراء حزمة من الأطر التشريعية والقانونية بهدف إعداد وثائق الحوكمة؛ إذ وُقعت مذكرة تفاهم مع حوالي ١٦ دولة عربية ودخلت حيز التنفيذ في أبريل من عام ٢٠١٧.
وشارك البنك الدولي في إعداد اتفاقيات السوق الاتفاقية العامة واتفاقية السوق، حيث قاربت على الاكتمال لتصبح جاهزة للتوقيع عليها واعتمادها لبدء مرحلة جديدة للبدء في عمل السوق العربية المشتركة (البرنامج الزمني الشامل الذي تتبناه الجامعة العربية يحدد عددًا من المراحل تنتهي في عام ٢٠٣٨ لتصميم هذه السوق وتوسيع اختصاصها للوصول إلى شبكة كهرباء عربية ذات ربط كهربائي فعال ومتزن)، فالمرحلة التأسيسية المخصصة لدراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لتعزيز وتوسعة البنية التقنية للسوق العربية المشتركة للكهرباء وتطوير الأطر المؤسسية والتشريعية تم الانتهاء منها، وتم توقيع مذكرة التفاهم لإنشاء السوق وهي تتضمن التزامًا سياسيًا بتحقيق التكامل للسوق العربية المشتركة للكهرباء وأسسها القانونية.

ومن هنا نستطيع القول إن تمهيد الطريق نحو تعاون عربي يهدف إلى إنشاء سوق عربية مشتركة للكهرباء، وبما سيعود على المنطقة العربية العربية بالفائدة وذلك من خلال:
- تأمين التغذية الكهربائية.
- زيادة الاستقرار الديناميكي للشبكة الكهربائية، وخفض كلف توليد وحدة الطاقة الكهربائية.
- خفض التكلفة من خلال التعاون الجماعي.
- تحقيق عائدات مالية كبيرة للدول التي يمر بها خطوط الربط الكهربائي (دول العبور)، بالإضافة إلى توفير أسس تبادل وتجارة الطاقة الكهربائية وذلك بما يخدم النواحي الاقتصادية.
- تعزيز كفاءة التشغيل.
- التعاون نحو تنمية مصادر الطاقة البديلة بهدف الوصول إلى منظومة عربية كهربائية آمنة ومستدامة.
- نشر الأمن والاستقرار السياسي بين الدول.
- مشروع السوق العربية المشتركة للكهرباء سيعمل علي تحسين اعتمادية نظم الطاقة الكهربائية اقتصاديًا.
- العمل على خفض معدلات الانبعاثات باستخدام الإنتاج الأكثر كفاءة.
- خلق حالة من التعاون ولغة الحوار مع توافر مساحة اقتصادية مشتركة وإيجاد فرص عمل جديدة أثناء فترة الإنشاءات والتشغيل.
- تخفيض الأسعار بما يتناسب مع طبيعة كل دولة، بالإضافة إلى إمكانية تحقيق مكاسب مادية وذلك في حال تصدير فائض الكهرباء إلى القارة الأوروبية وفي ظل احتياج القارة إلى مزيد من إمدادات الطاقة.
- من المحتمل تخفيض نسب الاحتياطي الثابت والدوار لمواجهة الطوارئ في الشبكات الكهربائية لكل نظام على حدة.
مجمل القول، مشروعات الربط الكهربائي العربي هي خارطة طريق للسوق المشتركة للكهرباء، وتعمل علي تمكين الدول العربية من تنويع وزيادة حجم الاستثمارات في مصادر الطاقة المتوفرة من النفط والغاز ولمصادر الطاقة المتجددة المتاحة فيه، وكذلك لتنمية الحلقات بين دول الربط الكهربائي وتطويرها في قطاعات إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية؛ لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها دول الربط فتُشكل مشاريع الربط الكهربائي أحد الحلول التي تعول عليها الدول في إيجاد حلول نقص الإمدادات. وفى الأخير تأتي مشروعات الربط الكهربائي كخطوة حيوية لزيادة الثقل السياسي والاقتصادي العربي، وكجزء من طموحات الدولة المصرية لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة ومصدرًا للطاقة.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة



