الأمريكتان

زيارة “بايدن” إلى الشرق الأوسط من منظور أمريكي

يواجه الرئيس الأمريكي “جو بايدن” مجموعة متنوعة من التحديات أثناء زيارته إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع، في أول رحلة له للمنطقة منذ توليه منصبه. 

فتأتي تلك الزيارة المرتقبة في خِضم عالم يموج بصراعات عِدة تؤذن بنظام عالمي جديد مُتعدد القوى، تحاول فيه الولايات المتحدة الحفاظ على هيمنتها التي استمرت لعقود. ويحاول “بايدن” كذلك حفظ ماء وجه الولايات المتحدة في الوقت الذي تسعى فيه قوى كبرى “كالصين” إلى بسط نفوذ لها في منطقة كانت حتى وقت قريب منطقة نفوذ تقليدي لواشنطن.

ووفقًا لتصريحات سابقة للرئيس “بايدن”، فإن زيارته، التي تأتي قبل الانتخابات النصفية المقبلة في الولايات المتحدة، ستركز على الفرص المحتملة والواعدة؛ الناشئة عن الديناميكيات الجديدة في الشرق الأوسط، خاصة في إطار سعيه المضي قدمًا في “اتفاقات إبراهيم” والتي ولدت مستوى غير مسبوق من التعاون بين الدول العربية وإسرائيل.

لذلك، من المحتمل أن يكون التركيز الرئيس لجولة الرئيس الأمريكي على تطوير تفاهمات جديدة وشراكات إقليمية. وهذا لا يشمل الأمن فحسب، بل يشمل أيضًا مجالات أخرى، مثل الطاقة النظيفة والأمن الغذائي والمائي.

في هذا السياق، يتساءل الكثيرون عن جدوى زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” للشرق الأوسط، والتي تشمل (إسرائيل والأراضي الفلسطينية والمملكة العربية السعودية) وهل تُسهم تلك الزيارة في تحقيق الاستقرار السياسي الإقليمي؟ هل ستكون بمثابة ردع للنفوذ الإيراني؟ وهل تقود إلى تشكيل تحالف إقليمي جديد؟، سنحاول في السطور التالية التطرق لزيارة الرئيس “بايدن” للمنطقة من منظور أمريكي. 

تحديات على أجندة “بايدن”

يُعاني العالم من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية على كافة المستويات، فضلًا عن تنامي الترسانة النووية لإيران -الأمر الذي يٌقلق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة خاصة إسرائيل والمملكة العربية السعودية- وتشكل شبكة الجماعات المُسلحة والتنظيمات الإرهابية، مصدر قلق آخر للمنطق. كل تلك التحديات وأكثر تستحوذ على أجندة الرئيس “بايدن” خلال زيارته إلى الشرق الأوسط.

يزرو “بايدن” إسرائيل كأول محطة له خلال جولته للشرق الأوسط، وهذه الزيارة قد تمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي “يائير لابيد” مكانة أكبر قبل الانتخابات القادمة، خاصة مع انهيار الحكومة الائتلافية الشهر الماضي. جدير بالذكر أن “لابيد” يبدو أكثر انفتاحًا بكثير على استئناف المحادثات مع الفلسطينيين من القادة الإسرائيليين الآخرين.

وقد يستغل “بايدن” ذلك الأمر للتأكيد على وقف بناء أو توسيع المستوطنات (خاصة ما وراء الجدار الفاصل في الضفة الغربية)؛ وحماية الوضع الراهن في الأماكن الدينية في القدس؛ ووقف الاستفزازات الاسرائيلية مثل عمليات الإخلاء والغارات الليلية على المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية. وقد يضغط على إسرائيل لإعادة الالتزام بحل الدولتين، من خلال التعبير عن دعمه لإنشاء دولة فلسطينية في نهاية المطاف. 

المحطة الثانية لـ “بايدن” ستكون للأراضي الفلسطينية، وقد يسعى إلى طمأنتهم بأن الولايات المتحدة جادة بشأن حل الدولتين. مع حث القادة الفلسطينيين على تطوير مؤسساتهم الوطنية، وخاصة في الخدمات الصحية والتعليمية؛ والتحضير لانتخابات ديمقراطية تنافسية. وقد يتعهد بحشد دعم مالي كبير من الولايات المتحدة ودول الخليج العربي لهذا الأمر.

المحطة الثالثة لـ”بايدن” ستكون للمكلة العربية السعودية، سيلتقي خلالها بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، وقد يتطرق من بين أمور أخرى إلى قضايا “حقوق الإنسان”. وقد يؤكد “بايدن” أن الولايات المتحدة ستكون جادة لتأكيد التزامها الصادق بالأمن السعودي، على أن يربط ذلك بأمرين هما:

  • أولًا، تعهد المملكة العربية السعودية بمساعدة الولايات المتحدة لإدارة تسعير الطاقة، بزيادة إنتاج النفط مع خفض أسعاره، بما يتجاوز الزيادات المتواضعة في الإنتاج التي توصلت إليها منظمة البلدان المصدرة للنفط، والتخلي عن اتفاقية الحد من الإنتاج التي تم التوصل إليها مع موسكو في عام 2017.
  • ثانيًا، حث الرياض على تجنب العلاقات الناشئة مع الصين التي تهدد أمن الولايات المتحدة، مثل التصنيع المشترك للطائرات بدون طيار وإنتاج الصواريخ. سيعمل “بايدن” على تذكير السعوديين بأن بكين هي الحليف الاقتصادي والأمني ​​الأساسي لطهران، والتأكيد على أنه يمكن للسعوديين توقع المزيد من واشنطن، لا سيما في سياق الشراكة الإقليمية المتنامية.

وفي ختام جولته سينضم “بايدن” يوم السبت، إلى قمة الحكومات العربية الصديقة –والتي تضم دول مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق– وقد يؤكد لهم أن مصالحهم تتم حمايتها على أفضل وجه من خلال تشكيل تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة؛ يهدف إلى الحفاظ على النظام والاستقرار الإقليميين.

أهداف الزيارة

  • التحالف الإقليمي: قد يكون ذلك الأمر أحد الموضوعات المهمة على أجندة زيارة “بايدن” إلى الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي ركزت فيه الزيارات الرئاسية للزعماء الامريكيين في السابق على قضايا جوهرية كحل الصراع العربي الإسرائيلي، أو كيفية إدارة البرنامج النووي الإيراني، فضلًا عن قضايا تعزيز الديمقراطية، أو الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط؛ سيكون موضوع إيجاد تكامل أو تحالف إقليمي شرق أوسطي أحد الموضوعات الرئيسة على أجندة “بايدن”. وذلك لإعاة تشكيل المنطقة بطريقة تخدم المصالح الأمريكية من خلال أمرين، هما؛ 
  1. الأولى هي سلسلة اتفاقيات التطبيع: و ما تٌعرف بـ “اتفاقيات إبراهيم” التي أسست العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، فضًلا عن اتفاقيتين أخريين بين إسرائيل والمغرب وإسرائيل السودان. ترى الولايات المتحدة الامريكية أن إيجاد علاقات طبيعية بين إسرائيل والدول العربية توفر إمكانيات هائلة لمستقبل أكثر سلامًا وازدهارًا لشعوب المنطقة.

وإن كانت الإدارات الامريكية السابقة –خاصة إدارة الرئيس السباق “دونالد ترامب”- قد قطعت شوطًا كبيرًا في هذا الإتجاه، فإن الرئيس “بايدن” سيسلط الضوء على التزام الولايات المتحدة بتوسيع نطاق التطبيع. 

ومن المفترض أن يشارك في قمة افتراضية رباعية الأطراف مع قادة (إسرائيل والإمارات والهند (فيما يسمى بصيغة (I2U2 )؛ كما يأمل في إعلان خطوات من جانب المملكة العربية السعودية تجاه التطبيع في نهاية المطاف، مثل السماح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في المجال الجوي السعودي؛ وخلال مشاركته الافتراضية في قمة الحكومات الصديقة سيحث الأطراف على تطوير ذلك التحالف (مع فتح الباب للأردن الانضمام رسميا والفلسطينيين للمشاركة).

  1. التطور الإقليمي الرئيس الثاني هو إدراج إسرائيل في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) : والتي تشرف على العمليات العسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وهذا الأمر سيسمح لإسرائيل بمشاركة الجيوش العربية في إجراء التدريبات المشتركة والتخطيط وتبادل المعلومات الاستخباراتيه تحت مظلة تحت مظلة القيادة المركزية الأمريكية أكثر من أي وقت مضى. 

وقد يدعو بايدن إلى دمج الدفاعات الجوية الإقليمية ضد تهديد الصواريخ الباليستية والأنظمة الجوية. والتي يتهم إيران ووكلاءها في العراق واليمن وسوريا ولبنان بإطلاقها. ومن المحتمل أن يؤكد “بايدن” التزام الولايات المتحدة بضمان عدم امتلاك إيران مطلقًا لسلاح نووي لطمأنة الشركاء.

أهمية هذا التحالف للولايات المتحدة الأمريكية؟

بلورة تحالف عربي إسرائيلي: سينعكس بالإيجاب على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. ويؤسس لوجود أمريكي مستدام في المنطقة، حيث أثارت تصرفات الإدارات الأمريكية الثلاث السابقة تساؤلات بين شركاء واشنطن الإقليميين حول مصداقية التزاماتها بأمن المنطقة، ولكن مع هذا التحالف الناشئ، يمكن للولايات المتحدة أن تكون شريكًا استراتيجيًا لدول المنطقة؛ مما يمكّن الولايات المتحدة من حماية مصالحها والوفاء بالتزاماتها.

وبصفتها الشريك الرئيس لهذا التحالف، فإن الولايات المتحدة أيضًا ستكون في وضع أفضل لكسب التزام أعضائها بدعم المصالح الأمريكية الأساسية عندما تواجه هذه التحديات من قبل الخصمين العالميين روسيا والصين. خاصة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية. 

في السياق ذاته، سيدافع بايدن عن زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار العالمية من أجل تشديد حِدة العقوبات ضد روسيا وإتاحة إمدادات الطاقة غير الروسية للأسواق الأوروبية. هذا من جانب، ومن جانب آخر ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية على صد محاولات الصين لتوسيع نفوذها في المنطقة.

كسب التأييد لبايدن: مع الأزمات الطاحنة التي واجهها الرئيس “بايدن” عند توليه منصبه، لم يكن الشرق الأوسط على رأس الأولويات. ولكن في منتصف عامه الثاني في منصبه، فإن الفرصة والضرورة تشكلان فرصة استراتيجية لبايدن سيعمل على استغلالها لكسب التأييد المحلي. 

وتأتي الزيارة في ظل توقع زملاء الرئيس من أعضاء الحزب الديمقراطي داخل الكونجرس الأمريكي نتيجة مؤلمة في انتخابات التجديد النصفي في شهر نوفمبر المقبل، بعد أن تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في حدوث أخطر مواجهة بين أكبر قوى نووية في العالم منذ ذروة الحرب الباردة.

  • التعاون العربي الإسرائيلي

سيصبح بايدن أول رئيس أمريكي يسافر مباشرة من إسرائيل، وجهته الأولى، إلى المملكة العربية السعودية، محطته الأخيرة قبل العودة إلى واشنطن. مسار الرحلة قد يكون انعكاسًا لعلاقات ودية بين إسرائيل وجيرانها العرب، وهو تحول جذري يعيد تشكيل سياسات المنطقة.

في عهد الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، قامت إسرائيل بتطبيع العلاقات مع دول مثل الإمارات العربية المتحدة من خلال “اتفاقيات إبراهيم”، على الرغم من أن لا أحد يتوقع أن تعلن إسرائيل والمملكة العربية السعودية عن علاقات دبلوماسية رسمية خلال رحلة بايدن، لكن يمكن اتخاذ المزيد من الخطوات الإضافية، مثل السماح للرحلات الجوية التجارية الإسرائيلية بعبور المجال الجوي المملكة في طريقها إلى دول أخرى قريبة.

  • مواجهة النفوذ الإيراني

يُعد تهديد إيران أحد الحوافز الأساسية لإسرائيل والدول العربية للعمل معًا بشكل أوثق، ومن المرجح أن تكون إيران محور تركيز اجتماعات بايدن.

قد يسعى “بايدن” إلى إحياء الاتفاق النووي الذي توصل إليه الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” في عام 2015 وتخلي عنه الرئيس “ترامب” في عام 2018. من المتوقع أن يزور بايدن إحدى منشآت الدفاع الصاروخي الإسرائيلية حيث يحاول طمأنة الإسرائيليين بأن الولايات المتحدة ملتزمة بحماية دولتهم.

وفي مواجهة إيران، يرى الخبراء أنه يجب على “بايدن” التأكيد على تعزيز الأولوية الأمريكية في مواجهة إيران، وأن العمل مع السعوديين هو أفضل طريقة لضمان سلامة الجميع من الخطر الإيراني.

ختامًا، يمكن القول إن قياس مدى نجاح جولة الرئيس “جو بايدن” للشرق الأوسط، سيتحدد وفقًا لعدد من التحديات منها: 

الأول هو التحدي المتمثل في تلبية مطالب التسوية السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والحد من التوترات والتصعيد بين الجانبين، وإشراك الفلسطينيين في جهود التعاون الإقليمي الحالية والمستقبلية. بدون ذلك، سيظل السلام الإقليمي الشامل والمستدام بعيد المنال. 

التحدي الثاني هو سلوك إيران الإقليمي. إذ لا يزال أعضاء مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى يدعون إلى نهج دبلوماسي مع إيران، بما في ذلك الدبلوماسية الاقتصادية بدلًا من استخدام الخيارات العسكرية. في الوقت نفسه، تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى التأكد من الطبيعة السلمية لبرنامج طهران النووي. الشيء نفسه ينطبق على برنامج الصواريخ الباليستية والسياسات الإقليمية الضارة لطهران. وإذا تمكن “بايدن” من إيجاد نهج قوي للتصدي للتهديدات الإيرانية واستخدمت الولايات المتحدة نفوذها لاحتواء التهديدات الإيرانية ودمج إيران في المسار الدبلوماسي، فستتلقى استراتيجية تقاسم الأعباء الأمريكية دفعة قوية من حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.

وسيتعين على “بايدن” توضيح ملامح السياسة الأمريكية بشأن الصين وروسيا، بشكل يأخذ في الحسبان مصالح الدول العربية. ستعتمد رغبات دول مجلس التعاون الخليجي والحلفاء الآخرين للولايات المتحدة في الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في سياساتهم إلى حد كبير على طبيعة التزام الولايات المتحدة بأمن ومصالح هؤلاء الشركاء والاستقرار الإقليمي الأوسع.

أحمد السيد

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى