الأمريكتانإيران

إيران وزيارة بايدن إلى المنطقة.. توقيت الزيارة قد يحسم الملفات المعقدة

تأتي زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى منطقة الشرق الأوسط وسط تحولات بارزة على مستوى الإقليم والساحة الدولية؛ فالزيارة، التي بدأها بايدن يوم 13 يوليو 2022، تتزامن مع تأزم المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى والتي كانت قد بدأت أولى جولاتها في أبريل 2021 وانتهت مؤخرًا بعقد محادثات غير مباشرة ذات صلة بها بين طهران والولايات المتحدة في العاصمة القطرية الدوحة أواخر شهر يونيو الماضي. 

وتجيء الزيارة كذلك في ظل مخاوف إيرانية من تشكيل تحالفاتٍ إقليمية بين بعض دول المنطقة تزعم بعض الأوساط الإيرانية أنها مناهضة لطهران، على الرغم من أنه لم يثبت حتى الآن الإقدام على خطوات بهذا الشأن. وتستحوذ هذه الأخيرة على اهتمام كبير في طهران، وهي المنطلق الذي تقرأ من خلاله إيران بالأساس زيارة بايدن.

ومع ذلك، فإن التحول الأكثر أهمية فيما يتعلق بكيفية قراءة طهران لزيارة الرئيس الأمريكي وما يمكن أن تتمخض عنه من نتائج فيما يخص مستقبل التحركات الإيرانية في المنطقة وعلاقات طهران وواشنطن قد جاء قبيل وصول بايدن إلى إسرائيل بساعات؛ وذلك حينما أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، في 12 يوليو الجاري عن “استعداد طهران لتزويد روسيا بمئات الطائرات المسيرة (الدرونز) لاستخدامها في الحرب مع أوكرانيا”. 

فذلك الإعلان الأمريكي سوف تتمخض عنه نتائج محورية في المستقبل القريب عند الحديث عن طبيعة العلاقات الأمريكية والغربية أيضًا مع إيران، علاوة على سياسة الأخيرة في إقليم الشرق الأوسط.

وعليه، نتناول فيما يلي كيف يمكن أن تؤثر هذه الزيارة على مستقبل أبرز الملفات الإقليمية ذات الصلة بإيران.

هل تضع زيارة بايدن خارطة طريق واضحة لمفاوضات فيينا النووية؟

تجيء زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة بعد مُضيّ ما يقارب 15 شهرًا من المباحثات النووية المضنية بين الإيرانيين والغرب لم تثمر حتى الآن نتيجة واضحة بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي من عدمه.

الزيارة تتزامن مع جمود في المفاوضات النووية 

فقد طرحت طهران عدة مطالب خلال الأشهر الماضية قادت في النهاية إلى تعطل المفاوضات لأشهر طويلة. وكان من بين أبرز هذه المطالب رفع الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، ورفع أكبر قدر من العقوبات الاقتصادية عنها في أسرع وقت، أي أنها ترغب بشأن ذلك المطلب الأخير في تحقيق عاملين معًا، هما: سرعة التخلص من العقوبات، مع اختيار أكثرها تأثيرًا. 

وقد تسبب ذلك المطلب في إغضاب المفاوضين الغربيين، والإعلان أكثر من مرة عن احتمالية اضطرار الدول المعنية إلى استخدام الحل العسكري مع إيران. 

وعلى الجانب الآخر، أعلنت إسرائيل مرارًا عن رفضها للمحادثات النووية الإيرانية المنعقدة في العاصمة النمساوية؛ قائلة إنها لن تمنع إيران بشكل جدي من مواصلة تخصيب اليورانيوم أو حتى التوصل إلى سلاح نووي في المستقبل. وقالت إن اتفاقًا نوويًا على هذا الشكل، إن حدث، فلن يعالج مسألة التحركات الإيرانية العسكرية في إقليم الشرق الأوسط.

وقد بدا مؤخرًا من محادثات الدوحة بين طهران وواشنطن أن المفاوضات النووية قد وصلت إلى طريق مسدود، حتى أن أحد المسؤولين الأمريكيين عبّر عن ذلك قائلًا إن “احتمالات التوصل إلى اتفاق بعد الدوحة أسوأ مما كانت عليه قبلها، وسوف تزداد سوءًا يومًا بعد يوم”. 

ولعل مفاوضات الدوحة المُشار إليها قد مثّلت الفرصة الأخيرة للإيرانيين قبل زيارة بايدن إلى المنطقة من أجل وضع حل ملموس أو رؤية واضحة على الأقل لمستقبل المفاوضات النووية. ولذلك، فإن تأثير زيارة بايدن إلى المنطقة على الملف النووي الإيراني قد يصبح لاحقًا العامل الأكثر فاعلية على ذلك المسار النووي منذ دخوله البيت الأبيض في شهر يناير 2021. 

زيارة بايدن قد تُحدث تقاربًا غير مسبوق في الرؤى الأمريكية الإسرائيلية بشأن إيران وملفها النووي

لا شك أنه من المقرر أن يُطرح الملف النووي الإيراني والمحادثات المتصلة به بقوة على طاولة الحوار بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، والوزراء الإسرائيليين الآخرين المعنيين خلال هذه الزيارة. 

وفي هذا الشأن وانطلاقًا من  النتائج الأخيرة التي توصلت إليها المحادثات النووية بين إيران والقوى الكبرى بوجه عام، وبين طهران وواشنطن بشكل غير مباشر في الدوحة بوحه خاص، يصبح من المحتمل أن يتغير مسارُ المفاوضات النووية تلك بعد انتهاء بايدن من زيارته.

 فالجمود الأخير في المباحثات والإصرار الإيراني على مطالب بعينها لا تتصل بالمحادثات النووية قد يدفع الرئيس بايدن إلى تبني خيارات أكثر حزمًا تجاه إيران، من بينها على سبيل المثال إمكانية فرض عقوبات ضخمة خلال الأيام المقبلة.

ذلك علاوة على أن ذلك الإصرار الإيراني من المتوقع أن يدفع بايدن إلى التقارب مع رؤى رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد ووزير الدفاع بني جانتس بشأن التعامل مع إيران، خاصة وأن المسؤولين الإسرائيليين بوجه عام غير مؤيدين لصيغ تلك المحادثات، ويرون أنها سوف تعزز من التحركات العسكرية الإيرانية في الإقليم مستقبلًا.

وعليه، فإن سياسة تعامل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مع إيران بوجه عام وإزاء الملف النووي والمباحثات المعنية بشكل خاص قد تشهد تغيرًا جذريًا خلال الأيام المقبلة.

دور إيران المحتمل في الأزمة الأوكرانية قد يحسم الجدل بشأن النووي وعلاقاتها مع الغرب

لقد أثار إعلان مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، مؤخرًا عن “استعداد” إيران لإرسال المئات من الطائرات المسيرة إلى روسيا دهشة الجميع؛ إذ لم يكن أحدٌ يتوقع أن تُقدم طهران على هذه الخطوة التي من المرجح وبشدة أن تتحول لتصبح عاملًا مهمًا للغاية في مسار المفاوضات النووية بين طهران والولايات المتحدة، بل وفيما يتعلق بمجمل العلاقات الأمريكية الإيرانية الشاملة مستقبلاً. 

“الدرونز” تضع إيران في مواجهة عسكرية شبه مباشرة مع واشنطن

إن ذلك الإمداد الإيراني المحتمل وبهذا الحجم الهائل من الطائرات المسيرة، التي ثبت أن لها دورًا كبيرًا وحيويًا في الأزمة الروسية الأوكرانية، يجعل إيران منخرطة بشكل واضح في هذه الحرب التي يمكن قراءتها من إحدى زواياها على أنها توسعت لتصبح أزمة بين موسكو والغرب. 

لذا، فإن مشاركة طهران بهذا الكم من الطائرات، التي تُعد الآن سلاحًا فعّالًا في ميادين المعارك الحديثة، يضعها في مواجهة شبه مباشرة مع الولايات المتحدة والغرب، ويؤكد من ناحية أخرى على أنها لا تنوي التقارب مع هذه الدول وأنها تفضل البقاء إلى جانب الحليف الروسي. وهو ما يعني كذلك تصاعدًا محتملًا في وتيرة الصراع الذي لا يُتوقع أن يسير مثلما كان عليه.

إن “استعداد” طهران لتزويد موسكو بهذه الطائرات قد يغير من سياسة واشنطن الاستراتيجية طويلة المدى إزاء التعامل مع إيران، بل إنه سوف يدفع الدول الأوروبية، التي كانت تفضل إلى حدٍ ما اتباع سياسة التهدئة مع طهران، إلى اتخاذ إجراءات وخطوات حاسمة تجاه النظام الإيراني. 

ولعل اتفاق الأوروبيين والأمريكيين في هذا الصدد قد يزيد من الضغوط على النظام الإيراني لاحقًا، الذي إن حدث وقام بإرسال هذه الطائرات فإنه سيصبح طرفًا رئيسًا في معادلة المواجهة الدائرة في أوكرانيا.

طائرات إيران المسيّرة قد تنهي مسار المحادثات النووية

إذا كانت هذه الأنباء المُعلن عنها سوف تؤثر في الغالب على طبيعة التعامل الأمريكي مع إيران، فإنها بدون شك سوف تلقى صدى في فيينا التي تشهد مفاوضات نووية جارية مع إيران منذ العام الماضي؛ إذ إنها من المتوقع أن تسهم في تعثر تلك المحادثات ولجوء الولايات المتحدة إلى سياسة أكثر حسمًا تجاه إيران، ليس فقط فيما يتعلق بملفها النووي أو حتى الصاروخي، بل على مختلف الأصعدة وبشكل شامل.

إنها ستكون مجازفة كبيرة إذا توقعنا أن إعلان سوليفان عن استعداد إيران لإرسال المئات من “الدرونز” إلى ساحة الحرب في أوكرانيا لصالح روسيا لن يؤثر وبشكل جوهري على المحادثات النووية التي يمكن أن يقود في النهاية إلى انهيارها في ظل احتمالية كبيرة لتغيير الولايات المتحدة سُبُل تعاملها مع طهران.

زيارة بايدن ومستقبل التحركات العسكرية الإيرانية في الإقليم

إن كانت أبرز الانتقادات الإسرائيلية، والتي تعبر عنها بعض الدول الفاعلة في الإقليم وخارجه أيضًا، التي طالت المحادثات النووية الإيرانية مع الغرب، سواء تلك التي تم التوصل من خلالها إلى اتفاق عام 2015 في لوزان السويسرية أو الجارية منذ العام الماضي، تتمحور حول عدم معالجة بنود الاتفاق المحتمل للنشاط العسكري الإيراني في الإقليم، فإن من أبرز ما تحمله أجندة الرئيس الأمريكي خلال الزيارة الحالية هي كيفية مواجهة ذلك النشاط الإيراني مستقبلاً.

وتركز إسرائيل على وجه الخصوص على هذا العامل في ظل انسحاب أمريكي من الإقليم في إطار المواجهة مع روسيا والصين. لذا، فإنه من المتوقع أن تدعم زيارة بايدن الدفاعات العسكرية الإسرائيلية أمام إيران، علاوة على إمكانية بحثها تشكيل ائتلاف أكبر لمواجهة أي تصعيد عسكري إيراني في الإقليم لاحقًا.

ومن المرتقب خلال هذه الزيارة أن يقوم بايدن بجولة تفقدية لعددٍ من أنظمة الأمن الإسرائيلية المتمركزة في الغالب في قاعدة “البالماش” الجوية، علاوة على إزاحة الستار عن بطارية دفاعية صاروخية من طراز القبة الحديدية. ويأتي هذا في إطار مساعٍ لمنح إسرائيل 500 مليون دولار إضافية لتعزيز تلك الجهود الدفاعية.

زيارة بايدن والعلاقات الإيرانية مع دول الجوار

حتى الآن، لا يمكن الجزم بطبيعة العلاقات المستقبلية بين إيران ودول الجوار العربي؛ إذ إن ذلك يرتبط بمستقبل سياسة طهران الإقليمية من حيث مدى التصعيد أو التوجه إلى التهدئة، علاوة على فرص نجاح جولات الحوار التي تعقدها إيران مع بعض دول منطقة الشرق الأوسط في بغداد منذ أشهر.

ولكن، ومع ذلك فإن زيارة بايدن والسعي لتكوين جبهة إقليمية من بعض الدول الفاعلة في المنطقة، والتي تشكل التحركات الإيرانية تهديداً لها، قد تصبح في وقت لاحق انطلاقة لجهود التعاون الإقليمي لمواجهة التهديدات الإيرانية.

الاستنتاج

من المرجح أن تضع زيارة بايدن خارطة طريق بشأن مستقبل المفاوضات النووية الإيرانية، والتي يُتوقع أن تصبح أكثر تعثرًا خلال الأيام المقبلة؛ خاصة بعد الإعلان الأمريكي عن استعداد إيران لإرسال مئات الطائرات المسيرة إلى ميدان الحرب في أوكرانيا. 

ولا يقتصر الأمر على هذا، فاختيار إسرائيل لتكون محطة رئيسة في الزيارة، في ظل تعثر المفاوضات وتطوير إيران لأسلحة من قبيل الصواريخ والطائرات المسيّرة، يقودنا إلى الاعتقاد بأن الزيارة سوف تضع ملامح رئيسة لكيفية مواجهة إسرائيل، بالتعاون مع الولايات المتحدة، لأنشطة إيران العسكرية الإقليمية.

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى