
اجتمعت في كيجالي عاصمة روندا قادة أكثر من خمسين دولة من مجموعة الكومنولث، وهو الاجتماع السادس والعشرون للمجموعة الذي يُعقد مرتين في السنة؛ وقد عقد تحت شعار “تقديم مستقبل مشترك: الاتصال والابتكار والتحول”. ويمثل عقد الاجتماع في رواندا، التي تعد عضوًا جديدًا ليس له صلة تاريخية بالإمبراطورية البريطانية؛ توجهًا جديدًا في مسار مجموعة الكومنولث. ويأتي بعد انقطاع دام لمدة عامين بسبب جائحة كوفيد-19؛ لمناقشة سبل تعزيز العلاقات ومعالجة المشاكل العالمية مثل قضايا التجارة والأمن الغذائي والصحة وتغير المناخ. وفي نفس التوقيت تأتي القمة تزامنًا مع الانتقادات الموجهة لبريطانيا ورواندا بشأن صفقة المهاجرين المثيرة للجدل.
جدول الأعمال
تمت مناقشة العديد من الموضوعات وتم اتخاذ بعض القرارات، كان أهمها الموافقة على ضم كل من توجو والجابون لعضوية الكومونولث. وسيسمح هذا الانضمام للدولتين المنضمة حديثًا التي يبلغ عدد سكانهما 8.5 ملايين نسمة؛ بإعادة تحديد العلاقات الثنائية مع المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. هذا فيما يخص الكومنولث كاتحاد؛ أما فيما يخص الدول الأعضاء ومصالحها فقد عرضت الموضوعات التالية:
–الأراضي الحية : أقر الرؤساء بضرورة الحاجة إلى اتباع نهج مبدئي لميثاق “الأراضي الحية”، والتعاون النشط مع مجموعة من الشركاء لتبادل المعرفة والخبرة وقصص النجاح والممارسات الجيدة في الإدارة المستدامة للأراضي، مع تحفيز تدفقات الاستثمار والابتكار التكنولوجي. كما أكدوا على الوصاية الحاسمة التي توفرها الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية في حماية الأراضي وخدمات النظم الإيكولوجية الحيوية، واعترفوا بحقوق هذه المجتمعات في الأرض والموارد، وفقًا للقوانين الوطنية والصكوك الدولية. كما وافقت جميع الدول على تخصيص “أرض حية” طواعية في بلدها للأجيال القادمة لا يتم استغلالها، بما يتماشى مع الاستراتيجية الموضوعة لعقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام البيئي.
– قرارات تغير المناخ :في البيان الختامي تم إصدار بنود محددة بشأن تغير المناخ، حيث شدد الرؤساء على أن “التهديد المُلح لتغير المناخ” يؤدي إلى تفاقم نقاط الضعف الحالية ويمثل تهديدًا كبيرًا لجهود التعافي من جائحة كوفيد- 19. فالدول النامية والدول الأقل نموًا والدول الجزرية الصغيرة النامية معرضة بشكل خاص لخطر التراجع عن مكاسبها الإنمائية. لذا أعرب قادة الدول الأفريقية عن أسفهم العميق لعدم وفاء الدول المتقدمة بجمع 100 مليار دولار أمريكي سنويًا -رغم التعهد به عام 2020- لكي تتمكن الدول الأفريقية من معالجة آثار التغير المناخي.
– ميثاق الكومنولث الأزرق: اتفقت جميع الدول البالغ عددها 54 دولة عام 2018 على العمل بشكل تعاوني لمواجهة تحديات المحيطات العالمية، يتم تنفيذه من قبل 10 مجموعات عمل بقيادة 16 دولة رائدة. فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، تم تدريب أكثر من 450 مسؤولًا من 40 دولة في عشرة مجالات موضوعية. استفاد الأعضاء من 13 دورة تعليمية عبر الإنترنت و 15 “مجموعة من الموضوعات المختلفة”، مثل استعادة أشجار المانغروف و”الكربون الأزرق”. كما تم إطلاق قاعدة بيانات عبر الإنترنت تضم أكثر من 200 فرصة تدريب عن بعد، وقاعدة بيانات أخرى لأكثر من 100 فرصة للتمويل البحري.
أسباب التوسع
من المتوقع أن هذا التوسع سيحقق مكاسب للمملكة المتحدة وكندا وأستراليا؛ فوفقا لتصريحات رئيس الوزراء البريطاني تتمثل أهم هذه المكاسب في مبادرات تجارية كبرى للاستفادة من ميزة الكومنولث وتعداد السكان الهائل ( 2.5 مليار) حيث يضم الكومنولث ثلث سكان العالم، بما في ذلك بعض الاقتصادات والمدن الأسرع نموًا. لذا نجد أن الاستثمار بالفعل أعلى بنسبة 27% بين دول الكومنولث؛ عنه بين دول الكومنولث ودول العالم. وكذلك تكاليف التجارة الثنائية في المتوسط أقل بمقدار الخمس بسبب اللغة المشتركة والأنظمة القانونية والاقتصادية المعروفة باسم “مزايا الكومنولث”. بالإضافة إلى تحالفات تجارية جديدة للشراكة البلاتينية ومراكز الخبرة المالية.
كما تشمل أبرز المكاسب قرضًا جديدًا لتمويل الصادرات في المملكة المتحدة بقيمة 124 مليون جنيه إسترليني، لمساعدة الشركات البريطانية على تحسين الرعاية الصحية في بعض دول الكومنولث. لذا فإن الاستفادة من هذا الاتحاد الفريد، ودعم التنمية الاقتصادية في الخارج مع تعزيز أسواق جديدة للخبرة والصادرات البريطانية يعد هدفًا استراتيجيًا.
أحد أهم الأهداف أيضًا، هو تقوية مركز المملكة المتحدة أمام القوى الكبرى في العالم وخاصة بعد التخارج من الاتحاد الأوروبي. لذا عملت المملكة المتحدة على ضم دول كانت حليفًا في الماضي القريب للمنافس التقليدي القديم “فرنسا”. كما أن هذا التحالف يقوي مركز المملكة المتحدة في أفريقيا أمام التنين الصيني، والإعصار التركي القادمين من آسيا.
مكاسب الأفارقة من الكومنولث
اعترفت الكومنولث بالجابون وتوجو كأعضاء 55 و 56 على التوالي؛ على الرغم من أن كلتا الدولتين مستعمرات فرنسية سابقة. لذا ستكون دول غرب أفريقيا أحدث الدول التي تنضم لعضوية الاتحاد الذي لا تربطه علاقات ببريطانيا. لكن ما يبرر انضمام الدول الأفريقية هو الرغبة في الاستفادة من الدول كونها جزءًا من مجتمع داعم متبادل من الدول المستقلة وذات السيادة، وبمساعدة أكثر من 80 منظمة من الكومنولث. كما تدعم أمانة الكومنولث التي تأسست عام 1965، الدول الأعضاء بها لتحقيق التنمية والديمقراطية والسلام.
من أهم المكاسب للشعوب الأفريقية هو تأثير الانضمام على حياة الشعوب؛ فمن المعروف أن المعيار الرئيس لعضوية الكومنولث هو أن الدولة العضو المتقدمة للعضوية يجب أن تلتزم بوضوح بالديمقراطية، بما في ذلك الانتخابات الحرة والنزيهة والمجالس التشريعية التمثيلية، وسيادة القانون واستقلال القضاء، والحكم الرشيد، وتوفير خدمة عامة جيدة للتدريب وحسابات عامة شفافة، وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير وتكافؤ الفرص. والدليل على تطبيق هذا المبدأ التعليق المؤقت لعضوية نيجيريا عقب الإعدام غير القانوني الذي نفذته للمعارض كين سارو ويوا.
هذا على مستوى الممارسة داخليًا؛ لكن هناك بعدًا آخر مرتبطًا بحرية السفر للمملكة المتحدة مع تيسير الحصول على خدمات مثل التعليم، ومن ثم الحصول على فرص عمل سواء في المملكة المتحدة أو أستراليا؛ وهو ما يفيد الشعوب. فالمنح التعليمية مثل منحة تشيفنينج تمكّن طلاب الكومنولث اللامعون من إجراء دراسات عليا برعاية كاملة في أفضل جامعات المملكة المتحدة، وعند الانتهاء، تتم الاستفادة من مهاراتهم المكتسبة حديثًا في تطوير بريطانيا و/ أو بلدانهم الأصلية وفقا لاختيار الطلاب أنفسهم.
وهو أمر بدأت ثماره تظهر اليوم، حيث تَغَلّب على الإمبراطورية القديمة تولي القادمون من المستعمرات. ففي كلا الاتجاهين سواء اليسار أواليمين في السياسة البريطانية، ارتقى السياسيون الملونون إلى مناصب بارزة. مثل وزير الخزانة ريشي سوناك، الذي وُصف بأنه خليفة محتمل لرئيس الوزراء بوريس جونسون؛ وهو من أصول مختلطة شرق أفريقية. أيضا وزيرة الداخلية بريتي باتيل أيضًا من أصول جنوب آسيوية من الهند؛ قبل أن يهاجر والداها إلى أوغندا ويديرا متجر صغير في كمبالا.
كما تستفيد دول الكومنولث أيضًا من المساعدة الإنمائية؛ فعلى مدى السنوات الثلاث المقبلة تعهدت حكومة المملكة المتحدة بتقديم 15 مليون جنيه إسترليني لدعم دول الكومنولث في سعيها لمعالجة الجرائم الإلكترونية.
مستقبل الكومنولث
بالنظر إلى الشكل الذي سيبدو عليه الكومنولث مستقبلا؛ من المتوقع أن يصل لمنصب رئيس وزراء المملكة المتحدة أحد القادمين من العواصم الأفريقية مثل السيد سوناك، أو السيدة باتيل، أو تشوكا هاريسون أومونا، عضو مجلس الوزراء السابق في حزب العمال، والذي أُطلق عليه لقب “باراك أوباما البريطاني” لأنه من أب نيجيري وأم إنجليزية.
كما توقعت أحد الأبحاث، أن البريطانيين البيض سيصبحون أقلية بحلول عام 2051 بسبب الهجرة والنمو في عدد السكان، من الأقليات العرقية القادمة من أفريقيا وشبه القارة الهندية ودول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن يؤثر هذا “التلون” على دول الكومنولث الكبيرة الأخرى بما في ذلك كندا وأستراليا.
وعلى الرغم من ذلك فإن هناك بعض السلبيات التي قد تؤثر على التطور المستقبلي لهذا التجمع الدولي أهمها:
- عدم وجد استراتيجية واضحة لكيفية صياغة الكومنولث لخطة اقتصادية جديدة مع بريطانيا والدول الأعضاء، على أساس التعاون الفعال والمستدام والتحالفات التجارية، وسوق للسلع والخدمات عبر عدة قارات مع ما يقرب من 2.5 مليون شخص وهو ما يعد فرصة كبرى؛ وذلك على أساس المنفعة المتبادلة.
- تسببت جائحة كوفيد-19 في خسارة ما يقرب من 345 مليار دولار في التجارة العالمية، بما في ذلك 60 مليار دولار بين دول أعضاء الكومنولث؛ الأمر الذي ضاعف من الآثار السلبية للفقر.
- أيضا نتج عن جائحة كوفيد-19 تقارب صيني/ أفريقي في نفس دول النفوذ البريطاني بسبب الحصول على اللقاحات والمستلزمات الطبية لمواجهة الوباء.
في التحليل النهائي، يمثل الكومنولث قوة من أجل تطور أفريقيا في القرن الحادي والعشرين؛ بعد أن لعبت المملكة المتحدة دور المحتل. لكن هل يمكنها البناء على مكاسبها السابقة؟ هذا يعتمد على بعض الاشتراطات:
- أن تتبنى موقفًا أكثر دقة وابتكارًا في الشؤون العالمية.
- إعادة ضبط العقيدة الراسخة المتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في ظروف مبررة بشكل استثنائي من الانتهاكات الجسيمة لسيادة القانون والظلم الواضح.
- اتخاذ إجراءات هادفة ومحددة زمنيًا لدعم الدول الجزرية الصغيرة النامية المعرضة للخطر في النهاية الحادة للكوارث الطبيعية والآثار السلبية لتغير المناخ.
- العمل بشكل استباقي لتعزيز التجارة بين دول الكومنولث إلى 2 تريليون دولار بحلول عام 2030 ، وهو بحد ذاته إجراء رئيس نابع من قمة CHOGM Rwanda 2022.
- العمل بشكل تعاوني مع الحكومات ومؤسسات تمويل التنمية على الصعيد العالمي لإعادة تنشيط اقتصادات أقل البلدان نموًا في الكومنولث.
Commonwealth leaders have officially adopted the Living Lands Charter, The Commonwealth (London: 25 June 2022)
Commonwealth unveils new project incubator for ocean-climate solutions, The Common Wealth (London: 25 June 2022)
PM launches major trade initiatives to capitalise on Commonwealth advantage, UK Gov. Press Release (London: 24th. June, 2022)
Mohammed Yusuf : Commonwealth Countries Meet to Cement Relations, VEO News (New York: June 24, 2022(
Femi D. Ojumu: The Commonwealth in the 21st century: Beyond rhetoric, The Guardian (London: 29 June 2022)



