الأزمة الأوكرانيةإيران

كيف ستتأثر المصالح الإيرانية إذا قررت روسيا غزو أوكرانيا؟

منذ أسابيع قليلة، بدأت الأزمة الروسية الأوكرانية الغربية تأخذ مسارًا تصعيديًا تزامنًا مع حشد موسكو لعشرات الآلاف من جنودها على الحدود مع أوكرانيا. وتطور الأمر إلى حد توقع قيام حرب عالمية ثالثة نتيجة لهذه الأزمة. ولاقت هذه التطورات الكبرى اهتمامًا عالميًا متناميًا يومًا بعد يوم ليس فقط من جانب الروس والأمريكيين والأوروبيين، بل إن هذه الأزمة قد لاقت صدى واسعًا أيضًا لدى شعوب ودول الشرق الأوسط (البعيدة جغرافيًا عن أوكرانيا) أكبر مما كان عليه الأمر عام 2014. وساعد على نمو هذا الاهتمام بالأزمة الأوكرانية في الشرق الأوسط حجم التجارة الغذائية بين كييف وعدد من دول الإقليم. 

ولكن، هل ترتبط تداعيات هذه الحرب بالغذاء والتجارة فقط؟، أي هل سيكون لغزو روسيا المحتمل لأوكرانيا تداعياتٌ “سياسية أو عسكرية” على بعض دول الإقليم. إن الإجابة ستكون بالطبع نعم. ولعل من أبرز تلك الدول المرجح تأثرها بتداعيات “غير غذائية أو تجارية” من هذا الغزو ستكون إيران. 

تداعيات الغزو الروسي المحتمل على إيران

ترتبط التداعيات المباشرة وغير المباشرة على إيران فيما يتعلق بغزو روسي محتمل لأوكرانيا، بشكل وثيق بالحالة الأمنية والعسكرية الإقليمية حول إيران من جانب وعلاقات طهران الاستراتيجية بالولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر، علاوة على الحالة المرحلية للمفاوضات النووية الجارية في النمسا. ونوضح هذه التداعيات على النحو التالي: 

  1. القوقاز وانهيار الحزام الأمني حول إيران: 
22.PNG

يُلاحَظ منذ سيطرة حركة “طالبان” الأفغانية على الحكم في كابل خلال شهر أغسطس الماضي أن إيران، شعبًا وجيشًا وحرس ثوري، باتت تتوجس من العواقب المتوقعة لمستقبل الجارة أفغانستان. إذ يؤمن المسؤولون السياسيون والعسكريون في طهران أن الأزمة الأفغانية لم تنتهِ بعد، بل إنها قد بدأت وقد تتفاقم أيضًا بعد مرور فصل الشتاء الحالي، ولا يعلم أحد لا في كابل ولا طهران مستقبل مسارها. 

فضلاً عن إقامة نجل القائد الأفغاني السابق أحمد شاه مسعود في إيران والأخيرة لا يمكن فصلها بأي حالٍ من الأحوال عن تداعيات الأزمة الأفغانية إقليميًا؛ للعديد من الأسباب، من بينها التقارب الجغرافي والترابط العرقي، كما أن أحد العناصر المقربة من “طالبان” قد قال مؤخرًا أن عددًا من أفراد الحركة قد قتلوا على يد موالين لإيران رجّح أن يكونوا مما يعرف باسم لواء “فاطميون” الإيراني الذي يقاتل في سوريا منذ أعوام. 

لذا، فإن مستقبل أمن الجدار الشرقي لإيران بات غير معروف بسبب الأزمة الأفغانية، وتخشى طهران كثيرًا من انهياره التام، خاصة بعد التطورات الأخيرة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية للغاية في ذلك البلد، كما أن فرض عقوبات على “طالبان” قد يؤدي لاحقًا إلى تصعيد بينها وبين الولايات المتحدة.

وإذا كان هذا هو حال الوضع شرقًا، فإن مستقبل التطورات الأمنية الإقليمية شمال إيران حال غزو أوكرانيا قد لا تختلف كثيرًا. فإذا أخذنا في الحسبان أن مثل هذا الغزو قد تصحبه موجة من تصاعد العنف في منطقة القوقاز وأن أزمة إقليم ناجورني قرة باغ مرشحة للانفجار مرة أخرى في أي وقت وأنها قد تجد الأجواء الإقليمية مناسبة لها حال وقوع الحرب في الشمال الأوكراني، سنجد أن أمن الدولة الإيرانية نفسها في مثل هذه الظروف قد بات مهددًا بشدة “ومؤهلًا وهشًا أمام أية عمليات أمنية أو عسكرية خارجية”. 

وإلى جانب ذلك، لا ينبغي تجاهل وجود قواعد عسكرية لموسكو خارج حدود الاتحاد الروسي في القوقاز وآسيا الوسطى تحديدًا، مثل تمركز الفرقة 102 الروسية في أرمينيا وتواجد الفرقة السابعة الروسية في أبخازيا، وهو ما يقودنا إلى تساؤل: “هل يشمل الصراع، حال غزو أوكرانيا، منطقة القوقاز خاصة وأن بعض دولها لديها مشكلات إما مع روسيا أو مع بعضها البعض؟”.

  1. إيران وانشغال الحليف الروسي القوي: 

تعد إيران حليفة قوية لروسيا على المستوى الاستراتيجي، وتعتمد طهران على دعم هذا الحليف سياسيًا في بعض المحافل الدولية سواء في الأمم المتحدة ومجلس الأمن أو حتى داخل إطار المفاوضات النووية الجارية حاليًا في العاصمة النمساوية فيينا. كما كانت روسيا أحد أبرز الداعمين لاستخدام التكنولوجيا النووية بشكل سلمي في البداية داخل إيران. 

وبشكل ما، تستفيد إيران ضمنيًا من علاقتها بروسيا في سياستها الخارجية، خاصة عند الحديث عن سياستها إزاء الولايات المتحدة أو الغرب أو إسرائيل. ويعني هذا أن غزوًا روسيًا لأوكرانيا سيقود إلى انشغال موسكو بذاتها بعيدًا عن إطار علاقاتها الثنائية بإيران أو أبعادها الدولية. 

وسيترك هذا بلا شك فراغًا نسبيًا كبيرًا في السياسة الخارجية الإيرانية سوف تسعى وتتحرك قوى أخرى لاستغلاله على الوجه الأمثل، وسيمثل أيضًا نقطة ضعف خطيرة في مجال السياسة الخارجية لطهران قد يمتد لسنوات طوال. أي أن طهران ستفقد جهود وتحركات ودعم الحليف الروسي حال اندلاع الحرب في كييف.

ج- غزو أوكرانيا ومستقبل سياسة “التوجه نحو الشرق”: 

وهنا، يجب أن نعرج على الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للحكومة الحالية في طهران والتي تركز على التقارب مع دول الجوار في إطار سياسة “التوجه نحو الشرق”. وإن موسكو تُعد أحد أهم مرتكزات هذه السياسة التي أعلنت عنها وتبنتها حكومة الرئيس الإيراني الحالي، إبراهيم رئيسي. وترى هذه السياسة أن تعزيز العلاقات مع دول الشرق، وعلى رأسها الصين وروسيا، سوف يخدم على المدى الطويل اقتصاد إيران على وجه الخصوص وسيحد من أثر العقوبات الاقتصادية. 

وعليه، فإن انشغالًا روسيا بحرب مع أوكرانيا سيُفقِد سياسة “التوجه نحو الشرق” ركنًا أساسيًا من أركانها إن لم يكن يعني انهيارها حال انخراط الصين بأي شكل في الصراع الغربي الروسي بشأن أوكرانيا.

د- مفاوضات فيينا: هل حقًا تمثل حربُ أوكرانيا فرصة اقتصادية لإيران؟

ممثل روسيا في مفاوضات فيينا: "الإيرانيون يضيعون الوقت"

عند الحديث عن العلاقة بين المفاوضات النووية الإيرانية مع القوى الكبرى واحتمالية اندلاع حرب أوكرانية يجب أن نأخذ في الحسبان أن موقف إيران التفاوضي قد يضعف ولا يقوى وأن وقوع هذه الحرب قد يمثل تهديدًا خارجيًا لإيران وليس فرصة (فيما يتعلق بمفاوضات فيينا)، وذلك لسببين: 

  • الأول، أن روسيا كما سبق القول، ستنشغل أكثر بتأمين الجبهة الداخلية واحتياجاتها وعدم تأثرها بشكل عميق بالحرب وأيضًا سوف تركز أولوياتِها على كيفية إدارة هذه الحرب خارجيًا، أي أنها لن تولي اهتمامًا كبيرًا مثل الوقت الراهن للملف النووي الإيراني ومفاوضات طهران مع القوى الغربية. ويعني هذا أن الجهود الروسية سوف تتضاءل في هذا المضمار، ما يشير إلى انتقاص من القوة التفاوضية الإيرانية.
  •  الثاني، سيصبح خيار الحرب أو تهديد قوى أخرى لطهران بها أكثر واقعية، لأن ما كان يُخشى وقوعه في هذه الحالة قد حدث وهو اندلاع حرب واسعة قد تمتد لتشمل أطرافًا إقليمية محيطة بإيران ستكون الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على الأقل أحد أطرافها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ولذا، فإن إيران سوف تضطر في مثل هذا الوضع إلى القبول بشكل معين للاتفاق النووي على غير ما كانت تريد وستقدم تنازلات ما كانت تتوقع أن تقدمها في هذه المفاوضات. 

أما ما يتعلق بإمكان إحلال موارد الطاقة الإيرانية محل الروسية وتصديرها بكثافة إلى أوروبا، فإن هذه الأطروحة تحتاج إلى دراسة وتنظير أكثر عمقًا؛ لسببين اثنين: 

  • الأول، لا يمكن فك الحظر المفروض على النفط الإيراني بين عشية وضحاها، إذ أنه يحتاج إلى وقت وإجراءات وخطوات عدة داخل المؤسسات الأمريكية من أجل الانتهاء منه وبالتالي تصدير إيران لنفطها بكثافة. وهنا، سوف يعيد الساسة الأمريكيون التفكير أكثر من مرة عن فك هذا الحظر آخذين في الحسبان “حجم الأموال الذي سيدره على إيران، وكيف سوف تنفق الأخيرة هذه الأموال؟”.
  • الثاني، في إطار صراع إيران مع بعض القوى الإقليمية، قد تتسابق الأخيرة لتعويض نقص الطاقة الروسية الذي قد تسببه حرب أوكرانيا بدلًا من إيران وذلك من أجل عدم تصاعد الدور الإيراني بشكل أكبر سياسيًا وإضراره بمصالحهم أو حصولها على أموال وفيرة من النفط والغاز، أو حتى كعقاب لها على تحركات بعض وكلاءها في المنطقة ضدهم.

لذا، فإن استفادة إيران اقتصاديًا وبالتالي سياسيًا على المستوى الإقليمي والدولي من إمكان نقص الطاقة الروسية حال اندلاع الحرب أمر غير مؤكد ويحتاج إلى التفكير به مليًا.

هـ – هل توظف إسرائيل حرب أوكرانيا ضد إيران؟

إذا ما وقع الغزو الروسي لأوكرانيا وأعقبه إضرار بالغ بالحزام الأمني حول إيران، مثلما سبق إيضاحه، قد تكون الفرصة مناسبة في ظل هذه الاضطرابات أو تلك المنطقة المخلخلة أمنيًا لأن تشن إسرائيل هجمات ضد إيران، حيث إن انخراطًا عسكريًا أمريكيًا في الحرب الأوكرانية وأن الحرب باتت أمرًا واقعًا سيمثلان غطاءً ورادعًا من أن تهاجم إيران في مثل هذه الحالة مصالح أمريكية أو أن تشن هجمات موسعة ضد إسرائيل، ما يشير إلى أن طهران قد تتحمل طبقًا لهذا السيناريو ضرباتٍ عسكرية ضد منشآتها سواء النووية أو العسكرية أو العسكرية النووية.

ختامًا، نستنتج مما سبق أن غزو روسيا لأوكرانيا يُرجَّح ألا يخدم المصالح الإيرانية لا على المستوى السياسي ولا الأمني أو العسكري خاصة على المدى القصير والمتوسط، كما أن توظيف إيران لهذه الأزمة من خلال تكثيف بيع موارد الطاقة للخارج لا يُعد أمرًا محتملًا بشدة للعوامل سالفة الذكر.

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى