مقالات رأي

22 فبراير 1958.. الوحدة المصرية السورية بين النجاح والإخفاق

كانت صفحة مهمة في تاريخ النضال والحلم القومي العربي بإقامة وحدة عربية شاملة -فيدرالية كانت أو كونفيدرالية- فقد كان أقطاب العالم متحدون أو آخذون في الاتحاد؛ فالولايات المتحدة الأمريكية غربًا منذ قرون، واتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية شرقًا منذ بدايات القرن العشرين، وفي المنتصف أوروبا التي خرجت منهكة من الحرب العالمية الثانية 1945 وفكرت في اتحاد اقتصادي في شكل السوق الأوروبية المشتركة التي أفضت لاحقًا إلى الاتحاد الأوروبي.

وكان يبدو الاتحاد العربي -على ذات النسق- أسهل نظريًا؛ فلديه منظمة إقليمية رائدة منذ عام 1945 وهي الجامعة العربية، وكان يمكن أن تكون قيادة مناسبة لاتحاد عربي يسبق بأكثر من نصف قرن الاتحاد الأوروبي. فضلًا عن أن النسق العربي يبدو أكثر اتساقًا جغرافيًا وديموجرافيًا واقتصاديًا وروحيًا وحضاريًا! وفي هذا الإطار كانت تجربة الوحدة المصرية السورية بين النجاح الحماسي الأولي والإخفاق التالي. فكيف كان ذلك؟؟

 كانت مصر قبل الوحدة في قمة عنفوانها السياسي والاقتصادي والعسكري؛ فقد نجحت ثورة 1952، وتم اتفاق الجلاء بعد مراوغات بريطانية طويلة، وكسبت مصر العدوان الثلاثي 1956 سياسيًا واقتصاديًا، واستعادت قناة السويس لتمول صفقات الأسلحة السوفيتية والسد العالي دون إضرار لمساهمي القناة. وكذا، بدأت النهضة الزراعية والصناعية تأتي أُكلها، مع دعم لحركات التحرر الوطني، وخاصة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي.

بدأت إرهاصات الوحدة من الجانب السوري منذ عام 1957بوصول وفد من ضباطهم المنغمسين في السياسة كطبيعة الجيش السوري حينذاك إلى الرئيس عبد الناصر يطلبون الوحدة الفورية الاندماجية تحت قيادته، وأعقبهم وفد رئاسي. وهنا يقول محمد حسنين هيكل إن الرئيس لم يكن متحمسًا لهذا النوع من الوحدة، وكان يريدها وحدة تضامنية محددة الأهداف يسهم كل من أطرافها قدر استطاعتهم الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، مع اتحاد السياسة الخارجية والعسكرية في إطار الجامعة العربية، مع تعديل ميثاقها ليتناسب مع الاتحاد العربي المزمع. وهذا ما راعاه الشيخ زايد آل نهيان 1971 لاتحاد الإمارات العربية السبع، مع تقاسم السلطة والثروة وتوحيد السياسة الخارجية والجيش والأمن.

استمر الضغط السوري ومعظم رجال الرئيس عبد الناصر، إلى أن وُقع ميثاق الوحدة في 22 فبراير 1958، ومُنح الرئيس السوري شكري القوتلي أعلى وسام من الجمهورية العربية المتحدة الوليدة، ولكنه كان أكثر اعتزازًا بصفة المواطن العربي الأول. واختير أكرم الحوراني رجل سوريا القوي نائبًا للرئيس، مع ممثلين أحدهما مصري في سوريا هو عبد الحكيم عامر والثاني سوري في مصر هو عبد الحميد السراج. وتم توحيد بعض القوانين والنظم البرلمانية تباعًا، وكان بعضها صائبًا والآخر أسهم في إفشال الوحدة لاحقًا.

كانت زيارة الرئيس عبد الناصر إلى سوريا حدثًا عالميًا؛ فقد احتشد الملايين بساحات دمشق، وعبر نصف اللبنانيين الحدود للمشاركة في اللقاء، ورُفعت سيارة الرئيس من على الأرض. وأعقب ذلك إسقاط الثورة العراقية لنظام الحكم فيه للانضمام إلى الوحدة، وكذلك لبنان بعد إسقاط نظام شمعون. واستمرت القوة الدافعة للنجاح حتى وقع الانقلاب العسكري السوري ضد الوحدة في 28 سبتمبر 1961 لتنتهي تجربة الوحدة لأسباب داخلية وأخرى خارجية كالآتى:

أولًا: الأسباب الداخلية:

1 – إلغاء الأحزاب ومنها حزبي البعث والشيوعي القويين أسوة بما تم مع حزب الوفد في مصر، ليحل محلهم الاتحاد القومي الضعيف.

2 – إبعاد الضباط السوريين من العمل السياسي والعودة إلى الحياة المدنية، وهو ما أثار حفيظتهم بوصفهم أصحاب الوحدة.

3 – تطبيق قوانين الإصلاح الزراعي والتأميم في سوريا، مما استثار الملاك والأعيان ورجال الأعمال.

ثانيًا: الأسباب الخارجية

1 – شكّلت الوحدة خطرًا على المصالح الجيوستراتيجية الغربية وإسرائيل، وأن هذا الخطر سيزيد بانضمام دول أخرى إليه كالعراق ولبنان.

2 – أخافت بريطانيا الملك حسين بأن الأردن مهدد من الوحدة ومن إسرائيل، وأن أمنه يتحقق بالوجود البريطاني في الأردن، وهو ما كان. بالإضافة إلى الانفصال الجغرافي بين مصر وسوريا.

ضغط رجال عبد الناصر عليه للتصدي للانفصال بالقوة بإسقاط 2000 مظلي مصري في سوريا، وبدؤوا بتنفيذ المرحلة الأولى بـ 120 مظليًا بقيادة الرائد جلال هريدي، ولكن عبد الناصر أوقف ذلك وطلب من القوة الانضمام إلى قيادة القطر الشمالي، حيث تم إعادة القوات المصرية كلها من سوريا والعكس للقوات السورية في مصر. 

وكان المشهد الأخير وصول وفد عسكري سوري إلى الرئيس عبد الناصر يعرض القيام بانقلاب عسكري مضاد لعودة الوحدة. وهنا قال ناصر قولته الشهيرة “إن الوحدة التي تنتهي بانقلاب لا يمكن عودتها بانقلاب آخر”. وهكذا انتهت تجربة الوحدة، عسى أن تُراعَى دروسها المستفادة في اتحاد عربي مستقبلي قوي على غرار الاتحاد الأوروبي. 

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى