أوروبا

الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022… في مفترق الطرق

تجري الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022 في 10 من أبريل كموعد للجولة الأولى من الانتخابات، على أن تعقد الجولة الثانية في يوم 24 من ذات الشهر. إلا أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية هذه المرة تحمل العديد من المفاجآت، خصوصًا وأن اليسار الفرنسي أصبح لم يحظَ بالزخم الانتخابي كعادته، فهل سيفوز “إيمانويل ماكرون” بولاية جديدة مدتها خمس سنوات أخرى؟ 

اليسار المنكسر…خارج سباق الفوز في الانتخابات

قبل عام من إجراء الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022، أعلنت شخصيات عدة نيتها الترشح لهذه الانتخابات، إلا أن كل المؤشرات تدور حول 9 مرشحين تقريبًا يمكنهم تحقيق قاعدة الـ500 توقيع. وساهم اليسار الفرنسي هذه المرة ب (7) مرشحين باستثناء صغار المرشحين، وقام بإطلاق الانتخابات التمهيدية الشعبية، وهي استفتاء المواطنين الذي سجل فيه ما يقرب من 400.000 شخص للخروج بمرشح يساري موحد في الانتخابات الرئاسية، وبالطبع رفض العديد منهم الدخول في التصويت كمقدمة للاعتراف بنتيجة هذه الانتخابات الشعبية.

وقد أسفرت النتيجة في النهاية عن اختيار”كريستيان توبيرا”، وزيرة العدل السابقة في ولاية الرئيس الأسبق “فرانسوا هولاند”، إلا أن منافسيها الثلاثة الرئيسين، زعيم أقصى اليسار “جان لوك ميلانشون”، وزعيم حزب الخضر “يانيك جادو”، وعمدة باريس “آن هيدالجو”، ضربوا بهذه النتيجة عرض الحائط، وقرروا خوض الانتخابات الرئاسية، وبالتالي أصبح توحيد اليسار أمرا مستحيلًا.

وبالتالي، يمكن القول إن وصول اليسار الفرنسي إلى قصر الإليزيه أصبح مستبعدًا للغاية، إلا في حالة حدوث معجزة وهي توحيد الصف اليساري، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي؛ فنجد أن “جان لوك ميلنشون” من المتوقع أن يحصل على 10.5%، يليه من تيار اليسار “يانيك جادو”، ويتساوى “آن هيدالجو” و”كريستيان توبيرا” ب 2.5%.

فنجد أن “ميلنشون ” زعيم حزب “فرنسا الأبية”، يحاول أن يتأهل للجولة الثانية في الانتخابات السابقة، إلا أن “مارين لوبان” استطاعت أن تخطف منه هذه الجولة، بجانب أنه يحاول من خلال حزبه أن يسيطر على اليسار بحيث يكون البديل القوى للحزب الاشتراكي، وسيسعى في برنامجه الانتخابي إلى التركيز على الاقتصاد الفرنسي، واستغلال أزمة احتجاجات “السترات الصفراء”، بالإضافة إلى تسليط الضوء على تراجع الديمقراطية في فرنسا. إلا أننا في النهاية نجد أن اليسار الفرنسي يعيش حالة من التشتت، مما يعطى مؤشرًا قويًا على تسجيله هزيمة تاريخية، ويرجح أن يكون هذا الانكسار بسبب ضعف الخطاب السياسي لقياداته وعدم توحيد الصف اليساري.

اليمين الفرنسي يتصدر المشهد الانتخابي

بدأت وسائل الإعلام الفرنسية إجراء استطلاعات الرأي حول الانتخابات الفرنسية، ومن أشهرها معهد “IFOP”، وكذلك، opinion way””، حيث بدأت المراكز بعمل الاستطلاعات منذ أواخر عام 2021. وبتحليل نتائج استطلاعات الرأي نرى أن جميع الاستطلاعات قد أشارت إلى وجود مبارزة قوية بين “ماكرون” و”لوبان” وكذلك “بيكريس” و”زامور”، إلا أن الأسابيع القليلة القادمة قد تكشف العديد من المفاجآت.

وحسب ما توصلت إليه استطلاعات الرأي، فليس من المستبعد أن تصل بنا النتائج إلى شخصية يمينية إلى قصر الإليزيه، وهذا يتضح من خلال النتائج في الجولة الأولى من الانتخابات بتقدم “إيمانويل ماكرون” ب 25%، تليه “مارين لوبان” ب 17% ثم ” فاليري بيكريس” 15% و” إريك زمور” 15%0.

الجولة الثانية…صراع بين “لوبان” و”زمور”

أما بالنسبة للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فمن المتوقع أن تكون بين “إيمانويل ماكرون” والذي أثمرت النتائج أنه قد يحصل على 55%، أما “مارين لوبان” ستحصل على 45%، وفى هذه الحالة سيتكرر نفس المشهد في انتخابات 2017، عندما صعد إلى الدور الثاني أمام مرشحة اليمين المتطرف “مارين لوبان”، وفاز عليها 66%، نتيجة استقطابه لشريحة من الحزب الاشتراكي وأخرى من اليمين، إلا أنه في نهاية ولايته يمكن القول إنه يحسب على تيار اليمين.

وقد واجه “ماكرون” العديد من الأزمات منذ توليه الرئاسة؛ ففي عام 2018، كانت مظاهرات “السترات الصفراء” والتي اندلعت للتنديد بالأوضاع الاقتصادية سواء من فرض الضرائب أو زيادة أسعار الوقود. حينها اتجهت كل الآراء إلى صعوبة فوز “ماكرون” في ولاية جديدة، إلا أن جائحة”كوفيد-19″ كانت بمثابة طوق النجاة والتي استطاع أن يستغلها في اهتمامه بالجانب الاجتماعي والصحي للمواطن الفرنسي.

أما المنافسة الأولى له في الجولة الثانية “مارين لوبان” قد وصلت إلى النهائيات في انتخابات الرئاسية 2017، بعد أن حصلت على 34% من الأصوات، وكانت تهدف في حملتها الانتخابية السابقة إلى مشروع هو التحرك نحو مبادرة للوحدة الوطنية تجمع الفرنسيين، إلا أنها بدأت منذ 2017 أن ترسخ للحزب دورًا في المشهد السياسي لتجعله من أكبر القوى السياسية المعارضة.

وبمتابعة الحملة الانتخابية للمرشحة “لوبان” نجد أنها تحاول التخفيف من موقفها من بعض القضايا الاقتصادية، مثل خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، وأن تستبدل به مشروع “إصلاح أوروبا” الذي أصدرته مع “15” من حلفائها في أوروبا، بينهم رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان”، ووصفوه بأنه “حجر الأساس”، للتحالف في البرلمان الأوروبي.

ونشر الموقع الإلكتروني للحزب أن الوثيقة هي “أساس عمل ثقافي وسياسي مشترك يحترم دور المجموعات السياسات الحالية، وشددت على الحاجة إلى إصلاح عميق للاتحاد الأوروبي خشية إنشاء دولة أوروبية كبرى”، وبالتالي يمكن القول إن هزيمتها أمام “ماكرون” في الانتخابات السابقة تعود إلى عدم تركيزها على برنامج اقتصادي قوى، وهو ما تحاول أن تتفاداه في هذه الانتخابات.

وفى حالة الإعادة بين “ماكرون” و”بيكريس”، نجد أن فوزها في انتخابات حزب الجمهوريون، جعل الخريطة الانتخابية تتغير تمامًا، ومن خلال متابعة استطلاعات الرأي نجد أن “بيكريس” استطاعت أن تحدث قفزة قوية من خلال الصعود من 8% في أكتوبر 2021 إلى 15% في فبراير 2022، لذلك نعتقد أنها قادرة على اجتذاب البساط من “لوبان”.

أما في حالة الإعادة بين “ماكرون” و”زمور” والذي يمثل اليمين المتطرف، نجد أنه بدأ يظهر على الساحة السياسية الفرنسية ويحظى باهتمام إعلامي شديد، وهو في هذه الحالة ينافس المرشحة “لوبان” وبقوة لأنه بدأ أن يسحب جزءًا كبيرًا من قاعدتها الانتخابية، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي؛ إذ ارتفع مؤشر فوزه من 13% في أكتوبر2021إلى 15% في 11فبراير2022.

ومن خلال متابعة مواقف “زمور” تبين مدى تشدده، وبذلك ينافس “لوبان” التي كانت تمثل اليمين المتطرف لسنوات طويلة، إلى جانب أنه لا يستقطب اليمين المتطرف فقط، إنما اليمين الوسط أيضًا، الى جانب التسويق الإعلامي له في كافة الصحف ووسائل الاعلام، والذي يعطيه دفعه قوية في نتائج الاستطلاعات، ولذا من المحتمل أن نرى” زمور” يتقدم على “لوبان” في الجولة الثانية أمام” ماكرون”.

وإجمالا لما سبق، وحسب التوقعات يمكن القول إن وصول اليسار الفرنسي إلى قصر الإليزيه أصبح أمرًا مستحيلًا، وأن اليمين الفرنسي يتصدر المشهد الانتخابي، ومن المرجح أن يفوز “ماكرون” بولاية جديدة.

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى