أوروباروسيا

من الحياد إلى التحالف: انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي وتداعياته الجيوسياسية

شكلت الحرب الروسية الأوكرانية تحولًا مهمًا في المشهد السياسي العالمي، إذ دفعت العديد من الدول حول العالم لإعادة التفكير في خريطة تحالفاتها السياسية والاستراتيجية؛ وربما هذا الدافع كان من أكثر الأمور التي دفعت كلًا من فنلندا والسويد إلى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، بهدف تعزيز أمنهما تحسبًا لأي خطط مستقبلية قد يطورها الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لتوسيع نفوذ روسيا. وفي هذا السياق فقد انضمت السويد رسميًا يوم 7 مارس 2024 إلى حلف الناتو. وتمت إجراءات مراسم رفع العلم السويدي إلى جانب أعلام دول الحلف الأخرى؛ لتصبح السويد الدولة الثانية والثلاثين التي تصبح عضوًا في حلف شمال الأطلسي “الناتو”. 

والآن، بعد إضفاء الطابع الرسمي على عضوية السويد، تُثار تساؤلات مهمة تتعلق بالفوائد المترتبة على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، والمزايا المشتركة لكلا الطرفين. بالإضافة إلى الموقف الروسي إزاء تلك الخطوة، نظرًا لحياد السويد التاريخي لعقود من الزمن لتجنب استفزاز روسيا أو تعريض القوات العسكرية في منطقة بحر البلطيق للخطر.

وتهدف هذه الورقة إلى دراسة الأسباب الاستراتيجية لانضمام السويد إلى عضوية حلف شمال الأطلسي “الناتو” في السياق الجيوسياسي الحالي، كما تسعى لدراسة وتقييم رد فعل روسيا إزاء هذه الخطوة. 

إرهاصات الانضمام

في حين أن السويد لم تكن عضوًا في الناتو منذ إنشاء الحلف بسبب سياستها الحيادية لتجنب استفزاز روسيا، فقد تعاونت مع الناتو لسنوات من خلال التدريبات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية والمشاركة في برنامج الشراكة من أجل السلام. ومع ذلك، كانت العضوية الكاملة طموحًا طويل الأمد لستوكهولم. وكانت سلسلة من العوامل السياسية والاستراتيجية، والتي أبرزها الغزو الروسي لأوكرانيا والمخاوف من أن السويد قد تكون التالية على أجندة موسكو؛ قد دفعت إلى إعادة النظر بشكل جدي في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. حيث تقدمت السويد رسميًا بطلب الانضمام في مايو 2022 بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير من ذلك العام.

وكانت هناك معارضة قوية في البداية من تركيا بسبب موقف السويد من قتال أنقرة ضد الجماعات المسلحة الكردية مثل حزب العمال الكردستاني الناشط في تركيا والمنطقة. وكثيرًا ما اتهم الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” السويد بالفشل في دعم تركيا في حربها ضد حزب العمال الكردستاني المحظور وقوات وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا. وفي أوائل عام 2023، تصاعدت التوترات بشكل أكبر بعد واقعة حرق القرآن الكريم خارج السفارة التركية في ستوكهولم، وهو ما وصفه أردوغان بأنه إهانة للمسلمين.

وبعد مفاوضات مطولة بين تركيا والسويد أسفرت عن تعزيز السويد لقوانينها المتعلقة بمكافحة الإرهاب لمعالجة مخاوف أنقرة الأمنية؛ وافق أردوغان على رفع اعتراضه على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي “الناتو” خلال قمة التحالف في يوليو 2023. وفي أكتوبر 2023، قدم أردوغان وثائق إلى البرلمان التركي للتصديق على انضمام السويد. وفي نهاية يناير 2024، دعت تركيا رسميًا السويد للانضمام إلى الحلف.

على الرغم من أن الانضمام ينطوي عادة على عملية مفاوضات مطولة، فإن عرض السويد استفاد من الإجراءات الفنية المُعجلة في ضوء السياق الجيوسياسي الحالي. وفي 7 مارس 2024، تم الإعلان رسميًا عن عضوية السويد حيث تم رفع علمها في مقر الناتو في بروكسل. وبهذه الخطوة، أنهت السويد تاريخها الطويل من الحياد.

مكاسب مشتركة

يعتبر انضمام السويد لحلف الناتو خطوة إيجابية لتعزيز أمنها من ناحية وزيادة مكاسبها الاستراتيجية من ناحية أخرى، كما يُمثل خطوة إيجابية للحلف نفسه، ومن جانب السويد فإن الانضمام للحلف يعود عليها بعدد من المزايا الاستراتيجية، وهي كالتالي: 

  • يعتبر انضمام السويد لحلف الناتو خطوة مهمة لتعزيز أمنها القومي، حيث ستتمكن من الاستفادة من الدعم العسكري والاستخباراتي لبلدان الحلف في حال واجهت تهديدات أمنية.
  • بوجود السويد كعضو في الناتو، يمكن تعزيز الاستقرار الإقليمي في شمال أوروبا وتقديم الدعم للدول الأعضاء في حالات الأزمات.
  • تعزيز التعاون العسكري من خلال انضمام السويد إلى شبكة التعاون العسكري في حلف الناتو، مما سيتيح لها الفرصة لتبادل الخبرات والموارد العسكرية مع الدول الأخرى.
  • يعتبر انضمام السويد لحلف الناتو رسالة قوية لروسيا بأن أمن شمال أوروبا يحظى بالحماية والدعم من الحلف.
  • يمكن للسويد الاستفادة من الهيكل التنظيمي القوي لحلف الناتو في تعزيز قدراتها العسكرية والدفاعية، وذلك من خلال الاستفادة من التدريبات والتجهيزات العسكرية المقدمة من قبل الحلف.
  • يفتح الانضمام للناتو الباب أمام تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الحلف وتعزيز التبادل التجاري والاستثمارات.

وفي الجانب المقابل، فإن انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي يعود بالعديد من الأصول والقدرات الرئيسية للحلف، نتيجة عدد من الأمور منها: 

  • الموقع الاستراتيجي: فموقع السويد الجغرافي في شمال أوروبا يوفر لحلف شمال الأطلسي موقعًا استراتيجيًا، خاصة في ظل قربها من بحر البلطيق وحدودها مع روسيا. وهو ما يعزز قدرة الناتو على مراقبة التحديات الأمنية في المنطقة والاستجابة لها.
  • القدرات العسكرية: تمتلك السويد قوات مسلحة حديثة ومجهزة تجهيزًا جيدًا، بما في ذلك غواصات متطورة وأسطول من الطائرات المقاتلة المنتجة محليًا. وتضيف هذه الأصول إلى القوة والقدرات العسكرية الشاملة لحلف شمال الأطلسي.
  • ضربة لروسيا: بالنسبة لحلف الناتو، فإن انضمام السويد وفنلندا – التي تشترك في الحدود مع روسيا بطول يبلغ 1340 كيلومترًا (830 ميلًا) – هما الإضافتان الأكثر أهمية منذ عقود. كما أنها ضربة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يسعى لمنع أي تعزيز إضافي للحلف.
  • المساهمات في مهمات الناتو: ستسمح عضوية السويد لها بالمساهمة بشكل أكثر فعالية في مهمات الناتو وعملياته، وتوفير دعم قيم في مجالات مثل حفظ السلام، وإدارة الأزمات، والمساعدة الإنسانية. فضلًا عن تسهيل التدريبات المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخبارية، والعمليات العسكرية المنسقة.
  • الردع ضد العدوان: إن عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي ترسل إشارة قوية لردع المعتدين المحتملين، مما يدل على تضامن الحلف والتزامه بالدفاع الجماعي. كما إن الخبرة التي تتمتع بها السويد في الملاحة في بحر البلطيق، وخاصة في ظل موقعها الاستراتيجي في جزيرة جوتلاند، تعمل على تعزيز سيطرة حلف شمال الأطلسي على المنطقة، وهو أمر بالغ الأهمية في أي صراع محتمل مع روسيا.
  • إضافة نوعية: تمتلك كل من السويد وفنلندا قدرات لا توجد في دول أخرى في حلف شمال الأطلسي على بحر البلطيق، مثل الزوارق القتالية سريعة الحركة، والصيادين الساحليين المدربين للدفاع ضد مشاة بحرية العدو وتنفيذ الهجمات. هذه القدرات، وخاصة القوات البرمائية القوية، نادرة داخل حلف شمال الأطلسي، حيث تحتفظ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فقط بقدرات مماثلة.

لذا فإن انضمام السويد إلى عضوية حلف شمال الأطلسي من شأنه أن يعزز قدرات الحلف ويعزز قدرته على التصدي للتحديات الأمنية في المنطقة.

الموقف الروسي

بعد انضمام السويد لحلف الناتو، جاءت ردود الأفعال الروسية تحمل طابعًا سلبيًا، حيث اعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن هذا القرار سيؤثر سلبًا على الأمن الإقليمي في منطقة البلطيق. وحذرت من أنها ستضطر إلى اتخاذ إجراءات عسكرية فنية لمواجهة التهديد الأمني الذي يشكله انضمام السويد، مؤكدة في الوقت ذاته أنها لن تفرض إجراءات عقابية ولكنها سترد على أي نشر فعلي لقوات الناتو أو أي أسلحة على الأراضي السويدية. كما وصف الكرملين هذه الخطوة بأنها نتيجة النفوذ الأمريكي على السويد ويصب في مصالح واشنطن الاستراتيجية. 

على الصعيد العسكري، أعلنت روسيا أنها ستراقب عن كثب خطوات انضمام السويد للهيكل العسكري للحلف. ورأى الكرملين أن هذا القرار يشكل تغييرًا سلبيًا في أمن أوروبا، محذرًا من أنه قد يزيد من التوترات في المنطقة. 

وفيما يتعلق بالعلاقات السياسية، هددت روسيا باتخاذ إجراءات عسكرية ردًا على أي نشر لقوات أو أسلحة للحلف في أراضي السويد. ووصفت وزارة الخارجية الروسية قرار السويد وفنلندا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بأنه “خطأ فادح له عواقب بعيدة المدى” وكان الرئيس بوتين قد أعلن في وقت سابق إن توسيع البنية التحتية العسكرية في السويد وفنلندا “سيؤدي بالتأكيد إلى الرد من جانب روسيا”. وأشار إلى أن روسيا ستضطر إلى الرد بالمثل من خلال خلق نفس التهديدات من المناطق التي تهدد روسيا.

من المتوقع أن تزيد روسيا تصعيدها وعدوانها تجاه دول الشمال، وخاصة السويد، ردًا على عضويتها في الحلف، وعلى المدى الطويل، يمكن أن تتخذ روسيا إجراءات تصعيدية أكثر، ويمكن أن تهدد بمهاجمة دول الناتو، وخاصة دول البلطيق أو حتى السويد نفسها إذا ما شكلت أي تهديد للأراضي الروسية. 

طمأنة موسكو

في محاولة غربية لطمأنة روسيا؛ سعى كبار المسؤولين في حلف شمال الأطلسي والسويد إلى تهدئة المخاوف الروسية بشأن انضمام السويد، حيث أكد الأمين العام للحلف “ينس ستولتنبرغ” أن الحلف ليس لديه خطط لزيادة عدد الدول الأعضاء التي تستضيف أسلحة نووية أو نشر وحدات قتالية في السويد. واعترف رئيس الوزراء السويدي “أولف كريستيرسون” بالقدرات الدفاعية الأساسية لحلف شمال الأطلسي، لكنه لم ير أن هناك أي حاجة إلى أسلحة أو قواعد نووية في وقت السلم. في السياق ذاته صرح وزير الخارجية السويدي “توبياس بيلستروم” بشكل قاطع أن السويد لن تستضيف قواعد عسكرية دائمة لحلف شمال الأطلسي أو أسلحة نووية على أراضيها، على الرغم من أن قوات الحلفاء يمكن أن تتمركز هناك عند الضرورة. وشدد على أن السويد ستتبع الطرق التي وضعتها النرويج والدنمارك فيما يتعلق بالأسلحة النووية. ويهدف كل من ستولتنبرغ وزعماء السويد إلى تخفيف مخاوف موسكو من خلال توضيح أن عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي لن تمكنها من نشر أسلحة نووية جديدة أو إنشاء قواعد للحلف داخل حدودها، مما يشير إلى أن تكامل السويد من شأنه أن يحافظ على الوضع العسكري الراهن في المنطقة إلى أقصى حد مع التمتع بالفوائد الأمنية لعضوية التحالف.

في الأخير، يمثل انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي خطوة تاريخية مهمة لتعزيز أمنها واستقرار المنطقة، كما أنه يعزز من قدرات وتأثير الحلف نفسه. ورغم المخاوف الروسية من هذه الخطوة، إلا أن التأكيدات المقدمة من السويد والناتو تهدف لتهدئة هذه المخاوف من خلال توضيح أن عضوية السويد لن تسفر عن نشر أسلحة جديدة أو قواعد دائمة على أراضيها. وفي المقابل، فإن ردود الفعل الروسية تشير إلى احتمال تصعيد موسكو وزيادة التوترات في المنطقة ردًا على هذا التطور الاستراتيجي المهم.

أحمد السيد

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى