
ل.د محمد قشقوش يكتب : خطة الخداع الاستراتيجي.. مفتاح نصر أكتوبر1973
كانت خطة فرعية مهمة ضمن الخطة الشاملة للحرب، حيث تم الخداع الكامل لإسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة أصحاب أقوى جهازي استخبارات فى العالم كما يقولان، حيث امتلكت مصر المفاجأة وحازت المبادأة اللتين تعتبران من أهم مبادئ الحرب، مما مكًن مصر من فرض توقيت ومكان وكيفية بدء الحرب وحتى تحقيق المهمة الرئيسية للقوات المسلحة باقتحام قناة السويس ظهراً كأصعب مانع مائي فى العالم حتى الآن وتجاوز الساتر الرملي بارتفاع سبعة طوابق وفتح ثغرات فيه بالمياه المضغوطة كفكرة عبقرية مفاجئة، لتركيب الكباري لعبور الدبابات اعتبارا من فجر اليوم التالي ،مع تدمير خط بارليف الحصين كأقوى خط دفاعي فى العالم وقتل وأسر من فيه إلا من فرً هارباً. ثم صد وتدمير الهجمات المضادة المدرعة الإسرائيلية المتتالية وأسر أحد أهم قادتها العقيد عساف يأجوري.
وصلت قواتنا الى عمق 20 كم وهو المدى الذى فرضته مظلة الدفاع الجوي السوفيتية الثابتة والموجودة غرب القناة ولو امتلكت قواتنا مظلة متحركة مرافقة وقوات جوية حديثة كما تمتلك إسرائيل،لإستمرالهجوم المصري الى كامل عمق سيناء، ولذلك كان جوهر المهمة هو أفضل استخدام قتالي للسلاح المتاح وقبل وصول الدعم الأمريكي وهو ما تم عبر مطار العريش ،حيث قال الرئيس السادات بواقعية إنه “يستطيع أن يحارب إسرائيل ولكنه لا يستطيع ان يحارب أمريكا” والآن الى مختصر خطة الخداع الاستراتيجي فى مجالاتها الرئاسية السياسية والاقتصادية والعسكرية.
أولا: المجال الرئاسي السياسي، باستمرار الرئيس السادات قبول مبادرات حل الأزمة وتحرير سيناء فى إطار الارض مقابل السلام، وآخرها قبول زيارة وزير الدفاع الروماني لمصر في 8 اكتوبر حيث تم الاعتزاز له ببدء الحرب- والتنسيق السرى مع اليمن لتواجد المدمرات المصرية تحت ستار إجراء عَمرة فى باكستان لغلق باب المندب فى وجه الملاحة من والى إسرائيل مع بدء الحرب ولمدة خمسة اشهر لحرمانها من البترول الإيراني مما اثر سلبا على القوات الإسرائيلية- اجتماع مجلسي الدفاع المصري والسوري برئاسة الرئيسين برأس التين بالإسكندرية لوضع اللمسات الاخيرة للحرب دون شعور القنصليات الاجنبية.
ثانياً: المجال الاقتصادي، ذهاب المهندسين المصريين بجوازات سفر زراعة وري لشراء مضخات المياه لفتح الساتر الرملي من كل من المانيا وبريطانيا لصالح مشروع زراعي كبير- تأخير إطفاء شعلات حقول بترول خليج السويس الى ما قبل بدء الحرب مباشرة لعدم لفت نظر العدو على الشاطئ الآخر-تأخير إغلاق المجال الجوي المصري كمنطقة حرب بما يسمح للطيران الدولي باختيار ممرات جوية بديلة.
ثالثاً : المجال العسكري، وهو متعدد وسنختار بعضه فقط مثل تحديد توقيت الحرب خلال التدريب السنوي الذى اعتادته إسرائيل واسمته مناورات الخريف واعلنته مصر لينتهي فى 7 اكتوبر- اختيار الساعة واليوم والشهر الثانية ظهرا يوم عيد الغفران(كيبور) الذى تتوقف فيه الحركة فى اسرائيل بما فيها إرسال الإذاعة والتلفزيون مما شل خطة التعبئة التى يعتمد عليها الجيش الاسرائيلي،كما استبعدت إسرائيل ان تبدأ مصر الحرب فى شهر رمضان وظروف الصيام-مع الإعلان المسبق عن موسم الحج وعمرة شهر رمضان داخل القوات المسلحة قبل توقيت المناورة.
-الإعلان عن تعبئة افراد القوات المسلحة سراً وتسريح القليل علناً وإعادة استدعائه سرا مع تغطية إعلامية للتسرح وتكرار ذلك لحين إتمام خطة التعبئة- تحريك كباري العبور إلى الجبهة مجزأة ليلا وإخفائها، مع سحب القليل منها مجمًع نهاراً للخلف حتى يرصده العدو وهكذا وكان ذلك من أصعب المراحل- قيام بعض الجنود بالاستحمام والصيد فى القناة طبقا لخطة دقيقة وحتى صباح يوم 6 اكتوبر-إخلاء بعض المستشفيات المدنية خلف الجبهة بدعوى تطهيرها لتُكمِل التأمين الطبي العسكري لجرحى الحرب-تدرج إصدار مهام القتال من اعلى الى اسفل تدريجيا وفى الوقت المناسب حيث كان الكاتب قائد سرية مضلات برتبة رائد وتلقى وزملائه المهمة من قائد الكتيبة المقدم سمير قرني الساعة 11 ص أي قيل بدء الحرب بثلاثة ساعات.
وهكذا نجحت خطة الخداع الاستراتيجي لتفضى الى ضربة البداية بمروق 200 طائرة مصرية فوق القناة الى أهدافها تلاها قصف 2000مدفع متزامن مع 750 قارب للرحلة الواحدة محملة بالرجال لاقتحام القناة اعقبها طلمبات ضخ المياه مع صيحة النصر “الله اكبر” من حناجر الصائمين وحتى تحقيق النصر. وتلك قصة اُخرى.وهكذا لنستلهم روح اكتوبر لبناء وتطوير وتنمية مصر الحديثة القوية الآمنة المنتصرة بإذن الله..
مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا