
د. محمد حسين أبو الحسن يكتب: عن سوريا ومقعدها بالجامعة
لأول مرة منذ عشر سنوات، التقى سامح شكري وزير الخارجية نظيره السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بنيويورك، بحث الوزيران سبل الوصول لحل الأزمة السورية. وتلك خطوة تكشف عن أن مياها كثيرة جرت في النهر، وتأتي بعد التنسيق الثلاثي لتوصيل الغاز المصري إلى لبنان، مرورا بالأردن وسوريا، للمساعدة في تجاوز أزمة الطاقة في الدول الثلاث, بعدما تم حل العقدة الأمريكية بهذا الشأن، ممثلة في العقوبات، التي يفرضها قانون قيصر على النظام السوري، وهى ليست بعيدة عن موجة المصالحات، وإعادة التموضع في المنطقة، على سبيل المثال المباحثات السعودية- الإيرانية، والتقارب التركي مع مصر، وطي الخلاف مع قطر..
يبرز لقاء شكري والمقداد- جرى قبل أيام من ذكرى نصر أكتوبر الذي حققه الجيشان المصري والسوري على الجيش الإسرائيلي- الدور المحوري، الذي يمكن لمصر أن تلعبه لإعادة سوريا للحاضنة العربية. وكانت الجامعة العربية علقت عضويتها، في نوفمبر 2011، ومنحته لما سمي بقوى المعارضة السورية، لكن القاهرة نجحت في استعادته، بقمة شرم الشيخ عام 2015، ليظل شاغرا على أمل أن تشغله دمشق. وقد صرح شكري بأنه آن الأوان لاستكشاف حل للصراع السوري، أما المقداد فطالب بفتح صفحة جديدة مع القاهرة.
تمثل سوريا عمقا استراتيجيا لمصر؛ شكّل الشام الكبير، الذي يضم سوريا، والأردن، ولبنان ، وفلسطين دولة واحدة مع مصر لمدة 6 قرون. في المقابل تظل مصر الطرف الوحيد، الذي ليس له أطماع، ولم تتلوث يداه بالدم السوري، لذا يُنظر إليها باعتبارها وسيطا نزيها يحظى بقبول الأطراف المتصارعة هناك، وهي تقوم بدور صامت لكنه فاعل، لخفض التوتر والحفاظ على وحدة الدولة السورية ومؤسساتها، من خلال مسار سياسي سلس، يكبح الإرهاب ويحيّد التدخلات الأجنبية. تبذل القاهرة جهودا لكسر عزلة دمشق، وقد رأينا دولا عربية، مثل الإمارات والأردن والعراق، والجزائر تخطو صوب سوريا.
يصيب المشهد السوري كبار الخبراء الاستراتيجيين بالدهشة؛ في 15 مارس 2011، خرجت جماهير إلى الشارع السوري، على غرار انتفاضات تونس ومصر، لكن سوريا سرعان ما أصبحت مسرحا لحرب أهلية- عالمية، أفرزت كيانات ممزّقة وأخرى خائفة، جماعات إرهابية لامثيل لعنفها، ومن ورائها قوى أجنبية، تحرض وتغذي، تفجرت أنهار الدماء، وتناثرت آلاف الجثث، الملايين تدفقوا فى مواكب الهجرة والمذلة، تهاوى الاقتصاد، تكشفت أزمة هوية وولاءات عابرة للحدود والأوطان، انخرط لاعبون إقليميون وعالميون من الوزن الثقيل في تأجيج الأزمة، ومازالوا يمارسون الألاعيب؛ لا تستنزف المحرقة السورية ، الأصوليتين السنية والشيعية ومعهما إيران وروسيا فقط، بل باتت تنهش مصالح الخليج وتركيا ومعها الولايات المتحدة، وتتخفى إسرائيل في الظلال, الجميع يحارب الجميع على أرض الشام. ومازالت دمشق تلملم أشلاءها، باحثة عن بوابة الخروج من الدمار إلى إعادة الإعمار، ومازال السباق محموما على قرارها، تحت أعاصير النيران. تعددت المبادرات الدولية لتسوية الأزمة، على مدى عشر سنوات: جنيف 1 و2 و3، والاستانة، وسوتشي.. دون أن تسفر عن حل؛ عرقلت مناورات ومراوغات منصات المعارضة وقواعد النظام، ومصالح وحسابات الأطراف الإقليمية والدولية حلحلة الأزمة.
زرتُ سوريا في عام 2015، وتجولت في رحابها تحت القصف، ويمكنني أن أجزم بأن سوريا التي نعرفها لم يعد لها وجود، وسواء تم حل الأزمة أو تأخر الحل، فإن بناء جديدا يتخلّق في هذا البلد، على وهج النيران والقتل والتدخلات الخارجية؛ لكن معظم أبناء الشعب السوري المغلوبين على أمرهم يجدون العزاء في أن الصباح لا يولد إلا من قلب الظلام، وهم يرجون أن يأتي النور من القاهرة؛ يشعرون بحبور بالغ وهم يرصدون نجاحها في التصدي للفاعلين من القوى الإقليمية في ليبيا وفلسطين- والفاعلين من دون الدول، كالتنظيمات الإرهابية- وتدشينها (الشام الجديد) مع العراق والأردن، بانتظار أن ينضموا إليه، واستعادة بلادهم مقعدها بالجامعة وموقعها اللائق في العمل العربى المشترك. ولا بديل عن ذلك لتحسين العلاقات العربية-العربية، وتقليص نفوذ الأطراف الأخرى بسوريا، وإذا كانت أمريكا تحاور طالبان وتعترف بها، بعد كل ما جرى بأفغانستان، فإن استمرار تعليق عضوية دمشق في الجامعة العربية يومئ لارتباك فادح في كفاءة أداء الأوساط السياسية العربية، والمؤكد أن أمين عام الجامعة الدبلوماسي العروبي المخضرم أحمد أبو الغيط لا يرضيه ذلك!.
نقلا عن صحيفة “الأهرام” في عددها الصادر اليوم الأربعاء 13 أكتوبر الجاري