أفريقيا

انتهاك القوانين …. انخراط الطيران المدني الإثيوبي في معارك “تيجراي”

تزايدت في الأيام الأخيرة، الدلائل الموثقة على استخدام الجيش الإثيوبي للرحلات المدنية، لخدمة مجهودها القتالي في المعارك المستمرة منذ أواخر العام الماضي داخل وخارج إقليم “تيجراي” شمالي البلاد. هذه الدلائل تضاف إلى مؤشرات بدأت في الظهور تباعاً، تؤكد أن أديس أبابا انتهكت القوانين الدولية الخاصة بالملاحة المدنية، وهو ما قد يؤدي إلى خضوعها لعقوبات دولية صارمة.

لم يكن هذا الملف وليد الأشهر الأخيرة، فقد ثار الجدل حول تورط الخطوط الجوية الإثيوبية – التي تعد ضمن أبرز خطوط الطيران المدنية في أفريقيا، وتحوز على عضوية “تحالف ستار”، أبرز وأكبر تحالفات الطيران المدني في العالم – في المجهود الحربي للجيش الإثيوبي، منذ بداية الهجوم على إقليم تيجراي في نوفمبر الماضي، وقد كان لهذا التورط، عدة أشكال مختلفة، ظهرت وتشكلت على ضوء التطورات الميدانية في حملة الجيش الإثيوبي على إقليم تيجراي.

بداية الانخراط .. طرد الموظفين ونقل الجنود

بدأ الشكل الأول من هذا الانخراط مع انطلاق معارك تيجراي، حيث شرعت إدارة الخطوط الجوية الإثيوبية في حملة ممنهجة ضد موظفيها الذين ينتمون لعرقية التيجراي، بهدف إنهاء عقودهم بشكل نهائي أو منحهم اجازات إدارية طويلة الأمد. هذا النهج كان ضمن تحرك أكبر من جانب أديس أبابا، استهدفت من خلاله أفراد هذه العرقية الذين يقطنون في العاصمة أديس أبابا، وفي أقاليم أخرى منها إقليم أمهرا وإقليم أورومو. عمليات الطرد هذه وصل صداها إلى بعض شركات الطيران الأجنبية، مثل الخطوط الجوية الاسكندنافية “ساس”، التي وصل إلى حسابها على موقع “تويتر” مئات الرسائل التي تدعو إلى مقاطعة الخطوط الجوية الإثيوبية.

الشكل الثاني من أشكال هذا الانخراط، ظهرت ملامحه فعلياً قبيل بدء معارك تيجراي، حين نشر أحد أفراد القوات الخاصة الإثيوبية في الأول من نوفمبر الماضي، صورة يظهر فيها وخلفه طائرة تابعة للخطوط الجوية الإثيوبية من نوع “بومباردييه داش 8″، وهي طائرات كندية الصنع مخصصة للرحلات الجوي المتوسطة، وتمتلك الخطوط الجوية الإثيوبية 29 طائرة من هذا النوع. هذه الصورة تم التقاطها في مطار “اواسا” الذي يقع على بعد 270 كيلو مترا جنوب العاصمة أديس أبابا. حتى ذلك التوقيت لم يكن معروفاً طبيعة دور الخطوط الجوية الإثيوبية، لكن بمجرد بدء معارك تيجراي أواخر نوفمبر، بدأت الصورة تتضح أكثر.

فقد ظهرت صور أخرى لعدد من جنود القوات الخاصة الإثيوبية، أثناء استقلالهم طائرات من نفس النوع السالف ذكره، أنطلاقاً من عدة مطارات إثيوبية، منها مطار “جوندر” في إقليم أمهرا ومطار أديس أبابا الدولي، في اتجاه مطارات إقليم تيجراي، خاصة مطار العاصمة “ميكيلي” ومطار مدينة “لاليبيلا” الذي يقع في إقليم أمهرا، قرب التخوم الجنوبية الشرقية لإقليم تيجراي، وهو ما يمثل الدليل الأول على الدور المباشر للخطوط الجوية الإثيوبية في نقل جنود القوات الخاصة إلى مناطق القتال، كما انه كان دليلاً مهماً على أن استعدادات أديس أبابا للهجوم على تيجراي كانت على قدم وساق منذ ما قبل نوفمبر 2020، ولم يكن هذا الهجوم رداً على تحرك قوة دفاع تيجراي ضد قيادة المنطقة العسكرية الشمالية.

 تعددت الصور المماثلة التي نشرها جنود الجيش الإثيوبي على مواقع التواصل الإجتماعي، لكن اللافت أن هذه الصور والبيانات الخاصة بالرحلات الإثيوبية المدنية إلى شمال البلاد، كانت تتزايد خلال الأشهر المفصلية في حملة الجيش الإثيوبي على تيجراي، مثل شهر نوفمبر الماضي الذي شهد بداية الحملة، وشهر يونيو الماضي الذي بدء فيه إنسحاب الجيش الإثيوبي من الإقليم. اللافت في هذه الرحلات، أنها تضمنت استخدام انواع أكبر من الطائرات المدنية، وهو طائرات “بوينج 737″، وقد لوحظ هذا الإستخدام بشكل أكبر بعد أنسحاب الجيش الإثيوبي من إقليم تيجراي منتصف العام الجاري، وهذا يعزى إلى حجمها الكبير وقدرتها على نقل عدد أكبر من الجنود.

من أمثلة إستخدام هذا النوع من الطائرات، الرحلات التي نفذتها في يوم واحد ثلاثة طائرات من هذا النوع، في الثاني عشر من أغسطس الماضي، إنطلاقاً من مطار أديس أبابا الدولي ومطار “جيجيجا” في إقليم الصومال، نحو مطار عاصمة إقليم أمهرا “بحر دار”، الذي يعد حالياً نقطة الحشد الأساسية للجيش الإثيوبي، لمواجهة عناصر قوة دفاع تيجراي الذين يهاجمون المناطق الشمالية الشرقية والشمالية الغربية لإقليم أمهرا. الدلائل السالف ذكرها تضمنت أشارات تؤكد ان عمليات نقل الجنود الإثيوبيين كانت تتم حصراً لمن ينتموا لوحدات النخبة، وتحديداً قوات الحرس الجمهوري، وأفراد فرقة القوات الخاصة المسماة “أغازي”، وقوات المظليين.

تطوير الانتهاك … نقل الذخائر والاعتدة العسكرية 

دخل دور الخطوط الجوية الإثيوبية في هذا الصدد مرحلة جديدة، بعد أن ظهرت صور لعمليات تحميل ذخائر عسكرية على متن طائرات تابعة لها، وقد حصلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، على مجموعة من فواتير الشحن المتبادلة بين شركة الخطوط الجوية الإثيوبية ووزارة الدفاع الإثيوبية، تثبت أن ما تم تحميله كان أسلحة وذخائر، وان عمليات النقل بدأت فعلياً بعد أيام قليلة من انطلاق عمليات الجيش الإثيوبي في إقليم تيجراي في نوفمبر الماضي.

تشير الوثائق التي حصلت عليها الشبكة الأمريكية، إلى عمليات لنقل الذخائر والأسلحة قامت بتنفيذها الخطوط الجوية الإثيوبية خلال الفترة بين التاسع والثامن والعشرين من نوفمبر 2020، تتضمن نقل بنادق رشاشة وذخائر خاصة بها، إلى المطارات الإريترية. توضح هذه المستندات محتويات كل شحنة، حيث ثم الإشارة إلى المحتويات تحت تعريفات غير واضحة مثل “عبوات عسكرية” أو “مواد غذاءية جافة”، لكنها أيضاً تضمنت كلمات تشير إلى أنها تحتوي على ذخائر وبنادق، حيث تم الإشارة إلى الأولى تحت الاختصار “AM”، وإلى الثانية بإسم “RIFFLES”، مع الإشارة إلى أن الكلمة الأخيرة تم تعمد كتابتها بشكل خاطئ، كي لا تشير بشكل واضح لطبيعة الشحنة.

أيدت هذه التفاصيل، صور تم نشرها على مواقع التواصل الإجتماعي، تظهر عمالاً يقومون بتحميل صناديق ذخيرة على أحد أوناش البضائع في مطار أديس أبابا الدولي، حيث تواصلت شبكة سي ان ان مع بعض الموظفين السابقين في المطار، والذين ينتمون لقومية التيجراي، وأكدوا أنهم شاركوا في تحميل محتويات أربعة شاحنات عسكرية على طائرة شحن تابعة للخطوط الجوية الإثيوبية، توجهت إلى أريتريا. كما أكد هذه المعلومات موظف سابق في الخطوط الجوية الإثيوبية، هرب من البلاد في مارس الماضي، وأجرت معه الشبكة لقاء، حيث أكد أن الطائرة المشار إليها سابقاً، كانت تحمل في الأساس شحنة من الورود لإيصالها إلى بلجيكا، وأنها كانت من نوع “بوينج 777″، لكن تم إلغاء الرحلة وتفريغ نصف حمولتها الأساسية، ومن ثم تم تحميلها بذخائر وأسلحة وبكميات من الوقود، وأقلعت الطائرة نحو إريتريا، ثم عادت إلى إثيوبيا مرة أخرى، وأقلعت في اليوم التالي إلى بلجيكا.

ظهرت صور في يونيو الماضي، لبعض أنواع الحمولات العسكرية التي حملتها هذه الطائرات في يونيو الماضي، ومنها صناديق تحتوي على قذائف هاون من عيار 82 و120 ملم. جدير بالذكر أن الموظفين السابقين في الخطوط الجوية الإثيوبية، أفادوا أن رحلات دولية أخرى مماثلة تم إلغاؤها في اللحظات الأخيرة، وتحويلها لرحلات نقل أسلحة وذخائر إلى إريتريا، منها رحلة كانت مقررة في التاسع من نوفمبر 2020 إلى مدينة شنغهاي الصينية، لكن تم تعديل مسارها المفترض لتمر اولاً بأريتريا، علماً أن هذا المسار أطول من المسار المعتاد للرحلات الجوية بين إثيوبيا والصين. أشار الموظفون ايضاً في إفادتهم للشبكة الأمريكية، أنه وصلت إلى إثيوبيا على متن رحلات شحن مدنية مستأجرة أو تابعة للخطوط الإثيوبية، مدفعية ثقيلة ودبابات وأسلحة نوعية أخرى، في حين كانت عمليات نقل الأسلحة إلى إريتريا ومنها، تتركز على الأسلحة الخفيفة والذخائر المتنوعة.

من جانبها، نفت الخطوط الجوية الإثيوبية بشكل دائم، وتحديداً في مناسبتين سابقتين، نقلها أية أسلحة أو ذخائر على متن طائراتها، واعتبرت أن الصور الموجودة على مواقع التواصل الإجتماعي “مفبركة”، كما نفت فصل أو إنهاء خدمة أي موظف بسبب خلفيته العرقية، وأضافت في بيان صدر مؤخرًا إن بعض الأفراد “المتهورين” استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه سمعة الخطوط الإثيوبية والتشهير بها. لكن جاءت الصور والتفاصيل التي تم الكشف عنها خلال الأيام الماضية، لتدحض النفي الإثيوبي، ورغم ذلك نفت أديس أبابا صحة المعلومات الجديدة، وأعادت التأكيد على أنها لم تنقل أي سلاح حربي على متن طائراتها المدنية. هذا النهج يضع أديس أبابا في خطر تعرضها لعقوبات إضافية ستطال هذه المرة قطاع الطيران المدني الإثيوبي. فاتفاقية “شيكاغو” لعام 1944، الخاصة بقواعد تشغيل الطيران المدني حول العالم، تفرض في مادتها الخامسة والثلاثين، قيود على نقل أية حمولات ذات طابع عسكري على متن رحلات جوية مدنية.

تحذير أمريكي من عواقب انخراط الطيران المدني الإثيوبي في العمليات العسكرية

عبر أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، لصحيفة “بلومبيرج” الأمريكية، أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى التفاصيل الجديدة حول هذا الملف على انها “خطيرة”، وألمح إلى امكانية تعرض إثيوبيا لمزيد من العقوبات على خلفية المعارك المستمرة في إقليم تيجراي، واعتبر أن نقل الأسلحة من قبل الخطوط الجوية الإثيوبية، ينتهك القوانين الدولية. هنا لابد من الإشارة إلى أن أصوات عدة في الولايات المتحدة كانت قد أثارت بعض التساؤلات حول استخدام أديس أبابا للطيران المدني في العمليات العسكرية، بعد إسقاط قوة دفاع تيجراي طائرة شحن مدنية من نوع “سي-130” في يونيو الماضي، كانت تنقل إمدادات عسكرية إلى القوات الإثيوبية في عاصمة الإقليم.

قد يمثل هذا الملف محفزاً اخر للأدارة الأمريكية كي تفرض مزيد من العقوبات على أديس أبابا، فقد استفادت الخطوط الجوية الإثيوبية كثيراً من قانون “النمو والفرص في أفريقيا”، المعروف أختصاراً بقانون (AGOA)، الذي يوفر فرصاً مهمة لوصول المنتجات الأجنبية إلى السوق الأمريكي، بشرط أن تستوفي البلدان التي تنتج هذه المنتجات اشتراطات معينة, وبالتالي باتت إثيوبيا في خطر الخروج من هذا البرنامج، نظراً لأنه يشترط عدم أستفادة الدول التي تشهد “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان” فيه. يضاف إلى ذلك حقيقة أن الخطوط الجوية الإثيوبية تعتمد بشكل شبه كلي على قطع الغيار الأمريكية الصنع، حيث اشترت عام 2017 ما قيمته 857 مليون دولار من قطع الغيار المختلفة

يذكر أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقع الشهر الماضي، أمرا تنفيذيا ينص على بدء نظام عقوبات جديد سيسمح لواشنطن باستهداف المسؤولين عن إطالة أمد النزاع في إثيوبيا أو المتواطئين معه أو عرقلة وصول المساعدات الإنسانية أو منع وقف إطلاق النار، كما يمنح وزارة الخزانة السلطة اللازمة لمحاسبتهم. هذا الأجراء ينتظر التفعيل الفعلي خلال المدى المنظور، وترافق مع إعلان مديرية ضوابط التجارة الدفاعية (DDTC) التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، عن تنفيذها الفعلي لسياسة رفض تصدير المواد والخدمات الدفاعية إلى القوات المسلحة أو الشرطة أو المخابرات أو قوى الأمن الداخلي في إثيوبيا وإريتريا، وإرسالها اشعارا للشركات الدفاعية الأمريكية لتطبيق تلك السياسة.

لم تكن هذه الأجراءات الوحيدة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في هذا الصدد، فقد فرضت واشنطن في مارس الماضي، قيوداً واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية والأمنية لإثيوبيا، وكذلك قيدت منح تأشيرات الدخول إلى أي مسؤول أمني أو حكومي حالي أو سابق، في الحكومتين الأثيوبية والإريترية، ثبت ضلوعه في انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم تيجراي، وفرضت في أغسطس الماضي عقوبات على رئيس الأركان الإريتري على خلفية الوضع في إقليم تيجراي.

أخيراً، يمكن وضع كافة المعلومات السابق ذكرها، جنباً إلى جنب مع ما تم الكشف عنه في مادة سابقة، حول تنفيذ بعض الطائرات المدنية الإثيوبية، رحلات غير مجدولة وغير اعتيادية، يشتبه في نقلها أسلحة وذخائر عسكرية، منها رحلات لطائرات الشحن من نوع “بوينج 737″، إلى مطار مدينة “تيكيرداغ” التركية، بمعدل رحلتين تمتا في 20 و24 من أغسطس الماضي، ورحلتين مماثلتين قامت بها طائرتا شحن تابعتان لنفس الشركة من نوع “أيرباص-أيه 350” إلى قاعدة “العديد” الجوية في قطر خلال الشهر الماضي.

– مصادر

1- https://2u.pw/WyrPI

2- https://2u.pw/jQfek

3- https://2u.pw/OPagq

4- https://2u.pw/Q1Ugm

5- https://2u.pw/8bNdC

6- https://2u.pw/EqvGf

7- https://2u.pw/zqhaE

8- https://2u.pw/URYrY

9- https://2u.pw/GaJVp

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى