
الخيار الآمن.. ماذا يعني فوز “كيشيدا” في انتخابات رئاسة الحزب الحاكم في اليابان؟
بعد إعلان رئيس الوزراء الياباني الحالي “يوشيهيدي سوجا” في أوائل سبتمبر 2021 تنحيه عن منصبه والدخول في انتخابات مبكرة، نجح وزير الخارجية الياباني السابق “فوميو كيشيدا” -64 عامًا- في انتخابات رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم –يمين قومي- في 29 سبتمبر. يضمن بذلك أنه سيصبح رئيس الوزراء الياباني المقبل نظرًا لسيطرة الحزب على البرلمان الياباني “دايت”. لكن في حالة عدم حصوله على أغلبية الأصوات في مجلسي النواب والشيوخ، أو اختار المجلسان مرشحين مختلفين، وفشلت المفاوضات بينهما للاتفاق على شخص واحد، سيسود قرار مجلس النواب.
يعرض “كيشيدا” التشكيل الحكومي يوم 4 أكتوبر خلال انعقاد الجلسة الاستثنائية للبرلمان الذي سينتخبه رئيسًا للوزراء في ذات اليوم. في حالة نجاحه بالحصول على المنصب، سيكون أمام “كيشيدا” إما حل مجلس النواب أو ترك الأعضاء يقضون فترة ولايتهم التي ستنتهي في 21 أكتوبر لإجراء انتخابات عامة إما في 7 أو 14 نوفمبر، إذ أنه يجب إجراء الانتخابات في غضون 40 يومًا من حل المجلس.
تراجع شعبية “سوجا”
حاول “سوجا” خلال فترة ولايته القصيرة الإبقاء على سياسة الانتعاش الاقتصادي للبلاد، دون الإخلال بالسياسة الخارجية وعلاقة اليابان الوثيقة بالولايات المتحدة كحليف استراتيجي. كما تُظهر التقارير الخاصة بتلك الفترة -التي بلغت عامًا- التزامه بتنفيذ بعض الأجندة الرئيسية مثل حيادية الكربون بحلول عام 2050. على الرغم من افتقاره إلى الكاريزما التي يتمتع بها سلفه، فقد نجح في تطوير الموقع الجغرافي لليابان والطموحات الاستراتيجية والجيو-اقتصادية على المسرح العالمي.
رغم ذلك، أشارت تقارير إلى تراجع شعبية “سوجا” لتصل إلى 30% بعد أن كانت 74%، وذلك بسبب سوء إدارة أزمة الجائحة، وإصراره على تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو رغم المعارضات. ربما سيعود هذا بالنفع على أعضاء الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية القادمة حتى لا يتضررون في التصويت بسبب وجود رئيس وزراء لا يحظى بشعبية.
بعد أن كان من المتوقع أن يستمر “سوجا” على نفس سياسات “آبي” بحكم أنه كان الرجل المقرب له، ومحاولته أن يقوم بذلك في المرحلة الأولى من ولايته. لكن حتى أواخر أغسطس من هذا العام، بدا أنه يقاتل للحفاظ على منصبه عبر تنحية الأمين العام للحزب، بجانب تفكيره لإجراء تعديل وزاري وفي المديرين التنفيذيين للحزب الليبرالي الديمقراطي.
الخيار الآمن
رغم تمتعه بدعم شعبي معتدل، حصل “كيشيدا” على دعم نقدي من شخصيات قوية في الحزب الذين يرونه الخيار الآمن بين المرشحين، خاصةً أولئك في الجانب المحافظ الذي يهيمن على الحزب. ففي إطار أن الثقافة السياسية للحزب باتت جزءًا لا يتجزأ من المصالح الفئوية المتنافسة في السعي وراء السلطة، من بين الذين تنافسوا على منصب رئاسة الحزب مع “كيشيدا” كان وزير الإصلاح الإداري “تارو كونو”، و”ساناي تاكياتشي” وزيرة الشؤون الداخلية والاتصالات السابقة، و”سايكو نودا” القائمة بأعمال الأمين العام، مما جعلها الانتخابات الأولى التي تتنافس فيها المرأة على المنصب الأعلى في الحزب.
سمح هذا لـ”كيشيدا” بأن يتخطى “كونو” الذي كان مسؤولًا عن إطلاق لقاح فيروس كورونا. إذ كان من الواضح أن كلا من “كونو” و “تاكايشي” مرشحان شعبيان، وتحظى “تاكايشي” بدعم رئيس الوزراء السابق “آبي”، كما أنها تمتلك مواقف محافظة تجاه السياسة الخارجية أو التوجه الاقتصادي، مما زاد من احتمالات أن تكون لها كلمة قوية على الصعيد السياسي. أما “كونو” فكان له توجهات بتغيير سياسي داخل الحزب وكان يحظى بدعم الناخبين الشباب رغم أنه أمر نادر في السياسة اليابانية التي يسيطر عليها كبار السن. بينما تدعو “نودا” للعديد من الإصلاحات الخاصة بالمرأة والمثليين والطاقة المتجددة، لكن ذلك لم يزيد من ثقلها في الحزب.
أجندة طموحة في الداخل مستقرة في الخارج
اشتملت أجندة “كيشيدا” الرغبة في زيادة الإنفاق عن 270 مليار دولار. كما عرض خطة تحفيزية لمكافحة الوباء بالإضافة لمعالجة التفاوت في الدخل عبر تقديم مساعدات سكنية وتعليمية، بما يجعله يحظى بشعبية أكبر لدى الطبقة المتوسطة، فقد أشار إلى ضرورة خلق نوع جديد من الرأسمالية لتوزيع الثروة في “دورة حميدة” وعدم تركزها في أيدي مجموعة صغيرة من الناس، وهو ما يجعل توجهاته مختلفة عن سياسة “آبي” الاقتصادية التي أدت لتوسيع الفجوة في توزيع الثروة في ظل سياسات اقتصاد السوق. ساهم تبنّيه لسياسات قدمتها المعارضة في تطمين الناخبين رغم أنه لم يوضح تفاصيل تطبيق أفكاره تلك.
ومن التحديات التي يواجهها “كيشيدا” في ظل ميله لتشكيل حكومته من الشباب، هي القرار الخاص باستبدال وزير المالية “تارو آسو” الذي تولى هذا المنصب الهام لفترة امتدت لتسع سنوات بين إدارتي “آبي” و”سوجا”، وهذا سيجعل من الصعب أمام “كيشيدا” الضغط على البنك المركزي لتغيير السياسات المالية.
بالنسبة لاستلهام مواقفه الخارجية، فيرجع الفضل إلى “كيشيدا” في التوصل لاتفاق بين اليابان وكوريا الجنوبية في عام 2015 ينهي النزاع الخاص بقضية “نساء المتعة” التي ارتكبتها اليابان خلال فترة الحرب، لكن تراجعت عنها كوريا فيما بعد. وسعى لدعوة الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” في عام 2016 لزيارة المدينة التي تم تدميرها في أول تفجير نووي في العالم.
يُرجّح ألا يخرج “كيشيدا” بتحولات كبيرة في السياسة اليابانية تجاه الصين والعلاقة التجارية معها، خاصةً في ظل الرغبة في إصلاح الاقتصاد المتضرر من الوباء، لكنه أيضًا يريد تعزيز خفر السواحل الياباني، ويفضّل تمرير قرار يدين معاملة الصين للإيجور، كما يريد تعيين مساعدًا له لمراقبة حقوق الإنسان في الإيجور. رغم ذلك، ترى الصين أن “كيشيدا” يعد الخيار الأفضل لبكين، وأن وجوده يوفر فرصة لتحسين العلاقات بين البلدين. في نفس الوقت، يشترك “كيشيدا” في الإجماع على الحاجة لتعزيز الدفاعات اليابانية وتقوية العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة وشركائها الآخرين مثل الحوار الأمني الرباعي “كواد.
هل من أزمة تلوح في الأفق؟
يتضح وفقًا للآراء التحليلية أن فوز “كيشيدا” كان تعبيرًا عن فوز للحزب نفسه كمؤسسة، لأنه يرمز إلى إطالة حقبة الاستقرار السياسي في مواجهة أصحاب الأفكار المتشددة، والاختلافات في أفكار المتنافسون في الحزب، لأنها تعكس أوجه التصدع الحزبية التي يسعى المرشحون المحتملون للاستفادة منها لمتابعة طموحاتهم السياسية، وبالتالي رسم مسارهم ليصبح أحدهم رئيس الوزراء القادم، سيتوقف الأمر على ذكائهم السياسي وخبرتهم في عقد الصفقات.
يشير ما يجري في اليابان إلى أي مدى سيؤثر غياب زعيم كاريزمي مثل “آبي” على الوضع الداخلي للحزب، بالإضافة للمخاوف من أن تنزلق اليابان لمرحلة من التغييرات القيادية المتكررة –كما سبق أن حدث- مما سيؤثر على الاستقرار السياسي للبلاد وتعطيل جداول الأعمال، وهذا يفرض ضرورة عدم تولي قيادة ضعيفة في المستقبل.
بالإضافة إلى ذلك، ستكون الانتخابات العامة المقبلة محورية للمسار المستقبلي لسياسة اليابان الخارجية والداخلية، إذ ستحتاج نخب الحزب إلى زعيم يُظهر حنكة الدولة والرؤية السياسية والقدرة على القيام باستجابات سياسية مبتكرة للتحديات الكبيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والحوكمة والصحة العامة، بالإضافة للتمتع بالدعم الشعبي.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية