
استهداف المنظمات الإنسانية.. غضب المجتمع الدولي من أديس أبابا يتعاظم
تواصلت ردود الفعل الدولية المنددة بقرار الحكومة الإثيوبية الصادر الخميس الماضي، بطرد سبعة من كبار موظفي الأمم المتحدة العاملين على الأراضي الإثيوبية، على رأسهم ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، بذريعة تدخلهم في الشأن الداخلي الإثيوبي، وذلك حسب ما ورد في بيان للخارجية الإثيوبية صدر مساء الجمعة الماضية.
واتهم بيان الخارجية الإثيوبية المسؤولين الذين صدر قرار بطردهم، بأنهم قاموا بتزويد جبهة تحرير تيجراي بالمساعدات الإنسانية، وساهموا في نشر “معلومات مضللة” حول الوضع الإنساني في الإقليم. هذا القرار يأتي في سياق متصل تستهدف فيه الحكومة الإثيوبية بشكل واضح الجهود الإغاثية التي تستهدف تحسين أوضاع سكان إقليم “تيجراي” شمالي البلاد، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في هذا الإقليم، وتزايد الصعوبات التي تواجه المنظمات الإنسانية العاملة في هذا النطاق.
قرار غير مبرر وتطورات سلبية
المثير للدهشة فيما يتعلق بهذا القرار، أنه جاء بعد تزايد المؤشرات على تفاقم خطورة الأوضاع الإنسانية في إقليم “تيجراي”، ما حدا ببعض المسؤولين الحكوميين في أديس أبابا إلى إعلان استقالتهم، وتحديدًا وزيرة شؤون المرأة والطفل “فيلسان عبد الله”، التي أرسلت إلى رئيس الوزراء آبي أحمد خطاب في السابع والعشرين من الشهر الماضي، قالت فيه “لأسباب ذات طابع شخصي تثقل كاهل ضميري، يؤسفني أن أقدم خطاب استقالتي من منصبي كوزيرة لشؤون المرأة والطفل”.
القرار الإثيوبي جاء أيضًا بعد تصريحات صحفية أدلى بها منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة “مارتن جريفيث” لوكالة رويترز، ألقى من خلالها الضوء على فداحة الأوضاع الإنسانية في الشمال الإثيوبي، حيث رأى ان الحكومة الإثيوبية باتت تفرض “حصار فعلي “منذ ثلاثة أشهر، يمنع تدفق المساعدات الإنسانية بالشكل الكافي على إقليم تيجراي، إذ لم يصل إلى الإقليم حتى الآن إلا نحو عشرة بالمائة فقط من المساعدات المطلوب إيصالها، مما أسفر عن تصاعد الأزمات وتفاقم معاناة نحو ستة ملايين نسمة يقطنون هذا الإقليم وفي ظل نفاذ مخزونات الطعام والدواء من مستودعات الأمم المتحدة الموجودة على أراضي الإقليم.
ورأى جريفيث في تصريحاته هذه، أن الوضع في إقليم تيجراي تحول إلى “مجاعة حقيقية”، وقارن بين مستويات سوء التغذية التي تم تسجيلها وسط سكان الإقليم، وبين المستويات التي رصدتها الأمم المتحدة عام 2011، حين بدأت المجاعة في الصومال. وحذر جريفيث من أن استمرار تقلص أعداد الشاحنات التي تدخل إلى إقليم تيجراي حاملة المساعدات الإنسانية، وكذا تعاظم احتمالات تأثر الموسم الزراعي في الإقليم بسبب الحصار المفروض عليه وبسبب رصد تواجد أعداد ضخمة من الجراد الصحراوي، قد يؤدي إلى دخول الإقليم بشكل كامل في أسوأ مجاعة يشهدها العالم منذ مجاعة الصومال، خاصة أن تقديرات الأمم المتحدة كانت تشير في يونيو الماضي، إلى أن 400 ألف شخص داخل الإقليم باتوا يعانون من سوء التغذية، وهذا العدد قد تضاعف بشكل مطرد منذ ذلك الحين، بالنظر إلى الظروف السالف ذكرها.
استهداف سابق ومتكرر للمنظمات الإنسانية
الوقائع السابقة تظهر أن القرار الإثيوبي الأخير لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقته العديد من المؤشرات والتحركات التي تؤكد أن أديس أبابا باتت تستخدم سلاح “التجويع” كوسيلة لمحاصرة إقليم تيجراي وعكس الآثار المترتبة على اضطرار القوات الإثيوبية للانسحاب من الإقليم تحت وطأة ضربات عناصر “قوة دفاع تيجراي”. من أمثلة هذه المؤشرات تدمير الوحدات العسكرية الإثيوبية والإريترية الجسرين الرئيسيين في الإقليم، وبشكل أدق جسر “تيكيزي” الذي يقع على طريق “بي-350″، وهو شريان حيوي يربط بين شمالي تيجراي، والمناطق الشمالية لإقليم “أمهرة”. هذا الجسر تم إصلاحه عدة مرات خلال الأشهر الماضية، نتيجة لتكرار استهدافه من جانب القوات التابعة لإقليم أمهرة.
بدأ استهداف أديس أبابا للمنظمات الإنسانية العاملة في إقليم تيجراي، بمجرد بدء انسحاب وحدات الجيش الإثيوبي من الإقليم، حيث قامت هذه القوات خلال انسحابها بسلب ونهب مقرات المؤسسات الإغاثية الدولية، وقتل نحو اثني عشر من موظفي هذه المؤسسات. ومن ثم بدأت أديس أبابا في تقليص كافة الروافد التي يمكن من خلالها تقديم المعونات الإنسانية إلى الإقليم، بداية من منع وصول الرحلات الجوية المدنية إليه وإغلاق المنافذ البرية المؤدية من إقليمي “عفار” وأمهرة” إليه، وقطع خطوط إمداد الكهرباء والاتصالات الخاصة به، ومنع التحويلات المالية الواردة إلى فروع البنوك الموجودة على أراضي الإقليم.
أولى المنظمات الإنسانية التي تعرضت لعقوبات أديس أبابا كانت منظمة “أطباء بلا حدود” و”المجلس النرويجي للاجئين”، اللتان تم إجبارهما على تعليق أنشطتهما على الأراضي الإثيوبية أواخر يوليو الماضي، بعد أن اتهمتهما الحكومة الإثيوبية بـ “نشر معلومات مضللة”، علمًا أن المجلس النرويجي للاجئين كان مسؤول عن إعاشة وإدارة مخيمات اللاجئين الإريتريين الموجودة في القسم الأوسط والغربي من إقليم تيجراي، ويقدر عدد قاطنيها بنحو 25 ألف لاجئ، في حين كانت منظمة أطباء بلا حدود تنشط في أقاليم أخرى مثل أمهرة وجامبيلا والصومال، بجانب أنشطتها في شمال غرب إقليم تيجراي.
الملاحظ هنا أن هذه الإجراءات ضد المنظمات الإنسانية كانت دومًا تتم عقب إدلاء مسؤولي هذه المنظمات بأية تفاصيل حول الوضع، ومنهم كيت نولان، منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود، التي صرحت في مارس الماضي أن إقليم تيجراي كان يضم أفضل المنشآت الطبية في إثيوبيا قبل عام مضى، لكن الآن الوضع بات مختلفًا، حيث انهار النظام الصحي داخله بشكل كامل”.
غضب أمريكي ودولي من التحركات الإثيوبية ضد المنظمات الإنسانية
عقب القرار الإثيوبي، تتالت ردود الفعل الدولية المنددة بهذا القرار وبالنهج الإثيوبي بصفة عامة حيال المنظمات الإنسانية الدولية، لكن الملاحظ هنا كان تعدد ردود الفعل من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت البداية عبر المتحدثة باسم البيت الأبيض، التي أعربت خلال مؤتمر صحفي عن إدانة بلادها طرد موظفي الأمم المتحدة من إثيوبيا، وأعربت عن تصميم واشنطن على استخدام العقوبات ضد كل من يعرقل جهود الإغاثة الإنسانية. تلا ذلك الموقف موقف أخر لـ “سامانثا باور” رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي غردت على حسابها في موقع تويتر قائلة “في هذا الوقت الذي تلوح فيه المجاعة، تواصل حكومة إثيوبيا اتخاذ خطوات لمنع وصول المساعدات إلى الأشخاص الذين يحتاجونها”.
يضاف إلى هذين الموقفين، موقف أعلنه وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن”، في حسابه على موقع “”تويتر”، قال فيه “ندين بشدة قرار إثيوبيا بطرد سبعة من مسؤولي الأمم المتحدة الذين يعتبر عملهم حاسمًا للإغاثة الإنسانية. الولايات المتحدة تدعو إلى التراجع عن هذا القرار، ولن تتردد في الرد بشكل حاسم عليه”. تلا ذلك موقف لسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة “ليندا جرينفيلد”، عبرت عنه في تغريدتين على موقع “”تويتر”، وقالت ” أن خطط الحكومة الإثيوبية لطرد مسؤولين من الأمم المتحدة، تعد إهانة للمبادئ الإنسانية. إن هذا الترهيب يعرض للخطر المساعدات المنقذة لحياة الإثيوبيين، ويجب التراجع عنه. إن تصرفات الحكومة الإثيوبية، بما في ذلك تدمير الطرق والتي تترافق مع تفشي المجاعة، تتسبب في عرقلة الجهود المبذولة للحفاظ على المدنيين وتقديم المساعدة الإنسانية. يجب أن يُمنح العاملون في المجال الإنساني إمكانية الوصول دون عوائق لتقديم المساعدة المنقذة للحياة”.
ردود الفعل الأمريكية المنددة بهذا القرار وصلت إلى الكونجرس الأمريكي، فقد قال السيناتور الديموقراطي “براد شيرمان”، خلال جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب “الحكومة الإثيوبية تواصل منع دخول المساعدات الإنسانية إلى تيجراي، هل موقفنا أن التصرف هذا يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان / جريمة حرب؟ نحن نعتبره بالتأكيد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان”. من جانبه، ادان مايكل ماكول، كبير النواب الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي، القرار الأثيوبي، وذلك خلال نفس الجلسة، حيث قال “أدين بشدة الطرد الوقح لـ 7 من عمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة من قبل حكومة إثيوبيا. تستمر هذه الإجراءات العدائية الغير مقبولة حيال العاملين في المجال الإنساني الذين يحاولون إنقاذ أرواح الأبرياء في شمال إثيوبيا”.
ردود الفعل هذه تأتي بعد توقيع الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، الشهر الماضي أمر تنفيذي ينص على نظام عقوبات جديد سيسمح لواشنطن باستهداف المسؤولين عن إطالة أمد النزاع في إثيوبيا أو المتواطئين معه أو عرقلة وصول المساعدات الإنسانية أو منع وقف إطلاق النار، كما يمنح وزارة الخزانة السلطة اللازمة لمحاسبتهم. هذا الأجراء ينتظر التفعيل الفعلي خلال المدى المنظور، وترافق مع إعلان مديرية ضوابط التجارة الدفاعية (DDTC) التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، عن تنفيذها الفعلي لسياسة رفض تصدير المواد والخدمات الدفاعية إلى القوات المسلحة أو الشرطة أو المخابرات أو قوى الأمن الداخلي في إثيوبيا وإريتريا، وإرسالها إشعارًا للشركات الدفاعية الأمريكية لتطبيق تلك السياسة.
لم تكن هذه الإجراءات الوحيدة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في هذا الصدد، فقد فرضت واشنطن في مارس الماضي، قيودًا واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية والأمنية لإثيوبيا، وكذلك قيدت منح تأشيرات الدخول إلى أي مسؤول أمني أو حكومي حالي أو سابق، في الحكومتين الإثيوبية والإريترية، ثبت ضلوعه في انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم تيجراي، وفرضت في أغسطس الماضي عقوبات على رئيس الأركان الإريتري على خلفية الوضع في إقليم تيجراي.
دوليًا، أثار القرار الإثيوبي ردود فعل غاضبة من جانب الأمم المتحدة ودول عدة، فعلى مستوى الأمم المتحدة، قال نائب المتحدث باسمها “فرحان حق”، أن الهيئة الدولية أرسلت احتجاجًا رسميًا على هذا القرار للحكومة الإُثيوبية، وقد عبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش كذلك عن “صدمته” من هذا القرار، في حين قال منسق الأمم المتحدة المؤقت للشؤون الإنسانية في إثيوبيا “جرانت ليتي”، أن الأزمة في إثيوبيا “وصمة عار على الضمير الدولي، حيث يموت الأطفال وغيرهم من الجوع في إقليم تيجراي”، مذكرًا بالمجاعة التي سبق وعانى منها سكان الإقليم في ثمانينيات القرن الماضي.
دول أخرى أعربت عن إدانتها للقرار الأثيوبي، خلال الاجتماع المغلق الطارئ الذي عقده مجلس الأمن الجمعة الماضية حول هذا الملف، منها بلغاريا، التي قالت وزارة خارجيتها في حسابها على موقع تويتر “تعرب بلغاريا عن دعمها الكامل للأمم المتحدة بعد القرار غير المسبوق لإثيوبيا بطرد 7 من مسؤولي الأمم المتحدة، الذين يقدمون المساعدة المنقذة للحياة للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها. يجب أن يظل الوصول الفوري وغير المعوق للمساعدات الإنسانية أولوية”. كذلك أعربت وزارة خارجية النمسا عن “صدمتها من التقارير التي تفيد بأن إثيوبيا طردت 7 ممثلين عن الأمم المتحدة، وأضافت في تغريدة على حسابها بموقع تويتر “إننا ندين بشدة مثل هذه الأعمال، فالأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى تقدم الدعم المنقذ لحياة ملايين الإثيوبيين، ويجب أن يكونوا قادرين على أداء عملهم دون عوائق”.
وزير التعاون التنموي الدولي السويدي “بير أولسون فريده”، أعرب في حسابه على موقع تويتر، عن صدمته لقرار السلطات الإثيوبية طرد موظفي الأمم المتحدة، الذين يمثلون “المفتاح الذي يمكن العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية من البقاء والعمل من أجل إيصال المساعدات للمستحقين”، وأضاف “أدعو إلى إلغاء هذا القرار”. حذا مفوض الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات “جانيز لينارتشيتش”، حذو فريده في انتقاد هذا القرار، حيث غرد على موقع تويتر قائلاً ” الأمم المتحدة تلعب دورًا حاسمًا في تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين. يجب أن يكون موظفوها في إثيوبيا قادرين على مواصلة عملهم الذي لا يقدر بثمن دون عوائق”.
البعثة الألمانية في الأمم المتحدة أصدرت بدورها بيان عبر حسابها على موقع تويتر، تضمن تصريحات المتحدث باسم الخارجية الألمانية حول القرار الإثيوبي، وقالت “أعرب المتحدث عن قلق حكومتنا العميق بشأن طرد 7 من موظفي الأمم المتحدة رفيعي المستوى من قبل الحكومة الإُثيوبية، وندعو هذه الحكومة الى التراجع عن هذا القرار فورًا. نحن نؤيد بيان الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أفاد أن الأمم المتحدة ترغب في مواصلة تقديم المساعدات الإغاثية. تقف ألمانيا، بوصفها واحدة من أكبر الدول المانحة، بقوة إلى جانب الأمم المتحدة”. الرئيسة الإستونية “كريستي كالجولايد”، غردت أيضًا على صفحتها بموقع تويتر، منددة بالقرار الإثيوبي، وقالت “إن قرار إثيوبيا بإعلان 7 من موظفي الأمم المتحدة أشخاصاً غير مرغوب فيهم، هو أمر مزعج للغاية. آمل أن تقوم إثيوبيا بمراجعة القرار لتتمكن الأمم المتحدة من مواصلة العمل المهم والصعب لمساعدة الشعب الإثيوبي على التعامل مع الكارثة الإنسانية”.
تقارير دولية صادمة حول الوضع في تيجراي
تأتي هذه المواقف، بالتزامن مع إصدار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، أحدث تقاريره عن الوضع الإنساني في إقليم تيجراي، حيث أشار إلى أن معدل سوء التغذية بين النساء الحوامل والمرضعات اللائي خضعن للفحص خلال الأسبوع الأخير في إقليم تيجراي، كان مرتفعًا بشكل غير مسبوق، حيث تم تشخيص 79٪ من نحو 15000 امرأة تم فحصها، بعوارض سوء التغذية الحاد. أضاف التقرير إلى أن أسعار السلع الغذائية داخل الإقليم ارتفعت بشكل كبير بسبب النقص الحاد في السلع الأساسية.
وأضاف التقرير إلى أنه ونظرًا لأن القسم الأكبر من الشاحنات الناقلة للمساعدات الإنسانية، التي وصلت إجمالًا للإقليم منذ يوليو الماضي وحتى الآن، والبالغ عددها 525 شاحنة، لم تعد مرة اخرى إلى مناطق تجميع المساعدات في إقليم عفر، بسبب مخاوف سائقيها من المخاطر التي يتعرضون لها في نقاط التفتيش العسكرية خارج الإقليم، فإن عدد من تلقوا المساعدات الإنسانية خلال الأسبوع المنصرم كان نحو 126 ألف شخص فقط، وهو نصف العدد الذي تلقى المساعدات الأسبوع قبل الماضي، ويمثل هذا العدد نسبة ضئيلة للغاية من إجمالي سكان الإقليم. المثير للاهتمام هنا أن حتى من تلقوا المساعدات، لم يحصل نصفهم سوى على نحو 2 كيلو جرام فقط من البقوليات بسبب نقص الإمدادات المتوفرة في مخازن الأمم المتحدة.
ووفقًا لتقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، كان من المفترض أن يصل إلى إقليم تيجراي خلال الشهر الماضي 270 ألف طن من المساعدات الإنسانية، لكن لم يصل خلال هذه الفترة إلى الإقليم سوى عشرة بالمائة فقط من هذه الكمية، ما أدى إلى نفاذ المخازن الخاصة بالأمم المتحدة داخل الإقليم، وبالتالي عدم استكمال المرحلة الثانية من عمليات توزيع المساعدات الإنسانية، علمًا إنه كان من المخطط لها أن تبدأ وتنتهي الجولة الثالثة من هذه العمليات خلال الشهر الماضي، وهو ما جعل الأمم المتحدة تصرح بأن نحو 5.2 مليون شخص، أي ما يقرب من 90٪ من إجمالي سكان الإقليم، باتوا على شفير المجاعة.
أضافت التقارير أن هذا النقص شمل أيضًا امدادات الوقود الخاصة بعمليات الإغاثة، حيث تحتاج الشاحنات والمولدات التابعة للأمم المتحدة، لنحو 200 ألف لتر من الوقود أسبوعيًا لكن لم يصل إلى إقليم تيجراي منذ مطلع يوليو الماضي إلا 282 ألف لتر فقط، وتوقف وصول شاحنات الوقود بحلول منتصف أغسطس الماضي. المخصصات المالية الخاصة بعمليات الإغاثة طالتها أيضاً عمليات التعطيل من جانب الحكومة الإثيوبية، التي تمنع حتى الآن التحويلات المالية إلى بنوك إقليم تيجراي، مما قلص كثيرًا من إمكانية ارسال الرواتب للأطباء والممرضات والعاملين بالجهد الإغاثي، وفي المجمل لم يصل إلى الإقليم إلا نحو 3 بالمائة من التحويلات المالية اللازمة لإدامة الإعمال الإنسانية. الأكيد ان الإقليم مقبل على أشهر صعبة، خاصة وأن إجمالي المساحة التي تمكن سكانه من زراعتها في موسم هذا العام – حسب أرقام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية – نحو 320 ألف هكتار فقط، من اجمالي 1.3 مليون هكتار من أراضي الإقليم الزراعية.
إجمالي تقارير الأمم المتحدة حول هذا الشأن، ألقت باللوم في تفاقم المجاعة داخل إقليم تيجراي على كافة الأطراف المتحاربة، لكن تم إلقاء اللوم بشكل مباشر على الحكومة الإثيوبية، بسبب تعطيلها لحرية الحركة البرية والجوية إلى إقليم تيجراي، حيث يندر عبور شاحنات الإغاثة من إقليم عفر المجاور في اتجاه الإقليم – وهو المعبر الوحيد المتاح – حيث يحتاج الإقليم إلى عبور مائة شاحنة محملة بالمساعدات يوميًا على الأقل، لكن ما يمر هو أقل بكثير من هذا العدد، وفي الغالب يتم نهب محتويات هذه الشاحنات قبل وصولها إلى حدود الإقليم.
جدير بالذكر أن الرحلة الإنسانية الجوية الأولى التي تصل إلى عاصمة إقليم تيجراي “ميكيلي” منذ أشهر كانت طائرة تابعة للاتحاد الأوروبي، وصلت إلى العاصمة في الحادي عشر من سبتمبر، ولكن اتضح ان جزء من حمولتها تمت إزالته منها أثناء توقفها في العاصمة أديس أبابا، قبل وصولها إلى إقليم تيجراي، نظراً لأن الحكومة الإثيوبية تفرض حظرًا على إرسال بضائع ومعدات وأدوات معينة إلى هناك، مثل خيوط تنظيف الأسنان، وأدوات فتح العلب المعدنية، وبعض أنواع الأدوية، ناهيك عن حظر السلطات الإثيوبية تواجد أي معدات يمكن أن تساهم في توثيق ما يحدث داخل الإقليم، مثل الأقراص الصلبة الخاصة بأجهزة الكومبيوتر. هذه الإجراءات شملت أيضًا بعض العاملين في الحقل الإنساني، فقد تم إنزال عدة موظفين من على متن الطائرة السالف ذكرها، ولم يسمح لهم بمرافقة الشحنة الإغاثية إلى إقليم تيجراي، علمًا أن تقارير الأمم المتحدة تفيد أن 23 عامل إغاثة قد قتل منذ يوليو الماضي، خلال مرافقتهم القوافل الإغاثية المتوجهة إلى إقليم تيجراي.
باحث أول بالمرصد المصري



