
في 17 سبتمبر الجاري حدث ما يمكن وصفه بانقلاب دبلوماسي استطاعت طهران تحقيقه مستبقة خطوات السعودية في هذا الأمر، حيث اجتمعت الدول الأعضاء في منظمة شنجهاي واتفقوا على منح إيران صفة عضو كامل في المنظمة وهو ما توهمت إيران أنه انتصار لا يمكن تجاهله على صعيد كسر العزلة الإيرانية والالتفاف على العقوبات الأمريكية.
وحسب ما صرح به المتحدث باسم الرئاسة في البرلمان الإيراني، نظام الدين موسوي، أنه “بانضمام إيران إلى منظمة شنجهاي اكتملت أضلاع مربع القوة في الشرق”، وأن “انضمام إيران إلى هذه المنظمة يعني الوصول إلى سوق حجمه 3 مليار نسمة”.
المنظمة تقودها كل من روسيا والصين، وتضم أيضًا الهند وباكستان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، وتشغل كل من أفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا صفة مراقب، وتعد كل من تركيا وأذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وسريلانكا شركاء الحوار للمنظمة.
وقد نجحت المنظمة الأوراسية في جعل الدول الراغبة بالانضمام إليها يدركون أن الأمر ليس هينًا، وأنه يتطلب الكثير من المواءمات السياسية قبل الموافقة بشكل نهائي على انضمام عضو جديد أو تحويل عضو مراقب كطهران إلى عضو دائم، وفي هذا الإطار فإن وجود الدولة كعضو مراقب في المنظمة يشكل خطوة على الطريق الصحيح لتحولها إلى عضو كامل، الأمر الذي نجحت طهران في تحقيقه.
ما هي منظمة شنجهاي؟
تعد منظمة “شنجهاي” منظمة دولية تكتسب الصفة السياسية والاقتصادية والأمنية على صعيد التعاون في المنطقة “الأوراسية” حيث تركز أنشطتها على منطقة آسيا الوسطى، وقد تم تأسيسها في 15 يونيو 2001.
أما مهام المنظمة فيمكن إجمالها في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وكذلك التجارة غير المشروعة في المخدرات على وجه التحديد، وكذلك مواجهة الحركات الانفصالية والتطرف الديني، وكذلك فإن من أهداف المنظمة التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية.
طموحات طهران
أهمية الانضمام إلى المنظمة تتلخص في وصية ” علي أكبر ولايتي” مستشار الشؤون الدولية للمرشد الأعلى “آية الله خامنئي” حينما أخبر المرشد أنه من الأفضل التوجه شرقًا نحو الصين وروسيا والهند لأن هذه الدول يمكن أن تساهم في دعم الاقتصاد الإيراني المتراجع على إثر العقوبات الاقتصادية الأمريكية. وإن كان من غير المعلوم حتى الآن الدور الذي ستنجح العضوية الدائمة في المنظمة في تحقيقه فعلًا، بمعنى آخر فقد يكون التأثير قاصرًا على توطيد العلاقات مع الدول الأعضاء في المنظمة وتحقيق المكاسب الاقتصادية بالاعتماد على ذلك.
وفي فترة سابقة كانت كل من الصين وروسيا قد أحجمتا عن قبول عضوية كاملة لإيران لأن الدولتين كانتا بالوعي اللازم الذي يؤهلهما للسعي للحفاظ على توازن العلاقات مع إيران بشأن قضايا حيوية وحساسة، وبالتالي كان قبول عضوية كاملة لطهران في المنظمة سيمنحها مكاسب كانت لتخل بمثل هذه الحالة من التوازن من وجهة نظر كل من بكين وموسكو، مع الأخذ بالاعتبار أن عملية الدمج الكاملة لطهران ستستغرق حوالي عامين وهي الفترة اللازمة لروسيا والصين لضبط التوازنات بالشكل الملائم.
هل عضوية إيران مقدمة لخلافات داخل المنظمة؟
لكن على الرغم من المزايا المتضمنة في انضمام إيران للمنظمة بعضوية كاملة فقد أشار بعض المحللين إلى أن الأمر قد يشكل أيضًا توترات سياسية داخل أروقة المنظمة الأوراسية؛ لاختلاف المرجعية السياسية حول تعامل الدول الأعضاء في المنظمة مع عدد من القضايا، وعلى سبيل المثال فإنه في الوقت الذي تعاملت فيه الصين وروسيا بطريقة مرنة مع طالبان وأبدتا استعدادًا لقبول التعاون معها أبدت إيران وطاجيكستان موقفًا أكثر تشددًا.
حيث يشار في هذا السياق إلى أن طاجيكستان تقوم بدعم المتمردين المنتمين لقومية “الطاجيك” في وادي “بنجشير” في المنطقة الشمالية من أفغانستان، وبالطبع فهي تقدم لهم الدعم ضد حكم طالبان. حتى أن طاجيكستان وإيران قد تعاونتا بشكل مسبق في تشكيل لجنة دفاع عسكري مشتركة لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب. وما أثار حفيظة طهران بشكل أكبر أن طالبان قد عادت وتبنت مواقف متشددة ناحية دمج قومية الهزارة المنتمين للطائفة الشيعية ودمجهم في حكومة تصريف الأعمال.
ولكن على الطرف الآخر من المعادلة يرى البعض أن إيران قد سعت وأهدرت الكثير من الجهود في الاتجاه الخاطئ؛ ذلك أن الانضمام للمنظمة حتى وإن كان بعضوية كاملة لن يمنح إيران ما تحتاجه وتسعى إليه لأنه وفي اتجاه المكاسب الاقتصادية فإن منظمة شنجهاي من الأساس ليست طويلة الباع في المسائل التجارية والاقتصادية، بمعنى آخر فإن الانضمام للمنظمة لن يؤهل طهران للخلاص من العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهلها عن طريق الولايات المتحدة الأمريكية وقد كان من الأفضل لإيران على سبيل المثال أن تبذل هذه الجهود في اتجاه آخر إذا أرادت بشكل فعلي الفكاك من وطأة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل واشنطن. بجانب أن المنظمة ذات طابع أمني بدرجة كبيرة ولذلك لم تنجح الصين حتى الآن في إنشاء منطقة تجارة حرة بين أعضاء المنظمة بسبب المعارضة الروسية للأمر.
علاوة على ذلك فإنه ولسنوات طويلة منذ 2005 رفضت كل من الصين وروسيا منح العضوية الكاملة لطهران في المنظمة لأنهم وجدوا أن إيران دولة تريد الانفتاح على الغرب، وهو ما يتعارض مع الاتجاهات الأساسية للمنظمة، والدليل على ذلك وأنه في الفترة الحالية التي تبدي فيها طهران قدرًا كبيرًا من العناد تجاه برنامجها النووي والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذلك تجاه العودة لمفاوضات فيينا اطمأنت الدول المتحكمة في سياسات المنطقة لانضمام طهران للمنظمة بعضوية كاملة.
أما على الصعيد السياسي، فإن إيران في وضعها الحالي وقبل امتلاكها لسلاح نووي فإنها تعد القوة الخامسة داخل المنظمة بعد الأربع قوى النووية التي تسيطر على المنظمة واتجاه سياساتها وهي ” الصين- الهند- باكستان- روسيا” ومن زاوية أخرى فإن منح إيران العضوية الكاملة في المنظمة يضع على كاهلها عبء التعبير بشكل صريح عن آرائها فيما يتعلق بقضايا سياسية حيوية داخل المنظمة، وهو ما يختلف عن المطلوب منها عندما كانت عضوًا مراقبًا.
فمن الواضح أن طهران ستحتاج إلى أن تعرب عن آرائها وتوجهاتها فيما يتعلق بالنزاعات الإقليمية بين الصين والهند وباكستان؛ إذ سيبني كل شريك توقعات متباينة من الجانب الإيراني. ليس ذلك فحسب بل حتى على الصعيد الإقليمي لن تجني إيران فائدة من انضمامها للمنظمة لأن أغلبية الدول الأعضاء ليست لها مصالح في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإن لها موقفًا حياديًا فيما تقوم به طهران في المنطقة، بل أن العضوية الكاملة يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بعلاقات طهران بدول حليفة للولايات المتحدة في المنطقة لأن العضوية من جهة تعني التقارب مع الصين وروسيا ومن جهة أخرى لم تستطع دول في المنطقة العربية حتى الآن أن تحصل على العضوية الكاملة في المنظمة الأوراسية.
دلالة التوقيت
جاء انضمام إيران للمنظمة الأوراسية بعد التوقيع على الاتفاق الاستراتيجي بين الصين وإيران في 27 مارس الماضي وهو اتفاق مدته 25 عامًا يشمل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والصناعية، وتعطي الاتفاقية لإيران منفذًا مفتوحًا تتحرر من خلاله من هذه العقوبات، وتصرف إنتاجها النفطي المحظور.
على صعيد آخر جاءت الموافقة الروسية – الصينية على انضمام إيران للمنظمة في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والكم الكبير من الأسلحة المتطورة الذي خلفته واشنطن وراءها ربما “عمدًا” لردع الصين وروسيا، وبالتالي فقد سعت موسكو وبكين إلى قبول عضوية كاملة لإيران في المنظمة من باب منح المنظمة ثقل أكبر على الساحة الدولية، وإكسابها الحق للتحرك والتعاون الأمني على المستوى الإقليمي. لذلك استغل الرئيس الإيراني المناسبة وأعلن في كلمته في الدورة الـ 21 لقمة شنجهاي في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، عن استعداد بلاده للمساهمة في إعادة بناء الدولة في أفغانستان وتشكيل حكومة تضمّ جميع الأطياف.
ولكن على الجانب الآخر لا يبدو أن هذا التكتل “الأمني” يقلق واشنطن؛ لعدد من الأسباب منها أن دولًا في هذا التكتل ترغب في علاقات جيدة لتحقيق مصالحها مع الولايات المتحدة وهو ما سيخلف محدودية في الانعكاسات المتعلقة في رغبة إيران بتعليق العقوبات الأمريكية أو تقويضها على شماعة الانضمام للمنظمة التي تحقق لإيران فقط قدرًا من الشرعية يرتبط برغبتها في الترويج لتقبلها إقليميًا ودوليًا.
وفي أفضل الأحوال يبدو أن ما حققته إيران ليس إلا جهد دبلوماسي على الطريق الخاطئ، ذلك لأن روسيا والصين هما المهيمنتان على المنظمة وبالتالي فلا مساحة للجمهورية الإسلامية لتحقيق ما كانت ترجوه.
باحث أول بالمرصد المصري